مسار جلجامش

صلاح الدين الايوبي: الحقيقة والوهم؟

أولاً – الأيوبيون: صراعات داخلية وتحالفات مع الصليبيين:

مرحلة صلاح الدين

على خلاف ما هو رائج حول العهد الأيوبي، وباستثناء معركة حطين، فإن التاريخ الأيوبي في سماته العامة، هو تاريخ من الصراعات الداخلية على الإقطاعيات والسلطة، ومن التحالفات مع الحملات الصليبية ضد بعضهم البعض، وذلك وفق ما يمكن استخلاصه من كتاب الدكتور رجب محمود بخيت (تاريخ الدولة الأيوبية) الصادر عن دار المنصور، 2009:

1- بعد تحول صلاح الدين من وزير عند الخليفة الفاطمي إلى انتزاع السلطة في القاهرة، بدأ صراع صلاح الدين مع نور الدين زنكي، الذي كان قد أرسله إلى القاهرة، ولم يتوقف الصراع الأيوبي – الزنكي بعد وفاة نور الدين، بل أخذ أشكالاً دموية سفكت دماء الآلاف من المسلمين، وخاصة بعد معركة (قرون حماة) في إبريل من عام 1175، التي قادها صلاح الدين بنفسه، مما دفع الزنكيين بقيادة سيف الدين غازي الثاني إلى التحالف مع الصليبيين. ص159

2- رد صلاح الدين على تحالف الزنكيين المذكور، بإقامة تحالف مع الصليبيين بزعامة أمير طرابلس، ريموند الثالث. ص162-165

3 -تفاهم صلاح الدين مع بيزنطة 1189، للتفرغ إلى مواجهة الزنكيين في حلب والموصل، (ص203) وبالمقابل تحالف الأتراك السلاجقة بقيادة السلطان قلج أرسلان الثاني، مع الحملة الصليبية الألمانية ضد تحالف صلاح الدين – بيزنطة. ص361

4- صلاح الدين يثأر من هزيمته في الرملة أمام أرناط وبلدوين في معركة الرملة 1199، ويحرر القدس في العام نفسه. ص189

5- بعد حطين، الحملة الصليبية بقيادة ريتشارد قلب الأسد تستولي على كل سواحل فلسطين وسوريا ولبنان والموانئ عكا وحيفا ويافا وقيسارية، وتهزم صلاح الدين في أرسوف 1191، وتجبره على توقيع صلح الرملة بتاريخ 2/9/1192، الذي وافق فيه صلاح الدين (أن يكون للصليبيين امتلاك البلاد الساحلية من صور إلى يافا). ص357

ما بعد صلاح الدين:

بعد عام من صلح الرملة وتراجع الجيوش الأيوبية، توفي صلاح الدين في 4 آذار 1193 عن 17 ولداً، وعدد من الأخوة والأشقاء بعد أن قام صلاح الدين بتحويل المنطقة إلى إقطاعات عسكرية وتوزيعها بين أولاده وإخوته:

-الأفضل نور الدين حاكماً للشام.

-الظاهر غازي حاكماً لحلب.

-شقيقه، الملك العادل حاكماً لمصر.

فدخلوا في صراعات دامية بينهم وأقاموا تحالفات مع الحملات الصليبية ضد بعضهم البعض، ومن ذلك، اتفاقية الملك الكامل الأيوبي ابن الملك العادل مع الملك الصليبي، فردريك الثاني على تسليمه القدس مجدداً مقابل تعهد بدعم الملك الكامل، وهو ما حدث. ومما يذكره الدكتور رجب بخيت في كتابه المذكور (تاريخ الدولة الأيوبية) ص 458، أن فردريك الثاني استهجن الأوامر التي أعطاها الملك الكامل لخطباء المساجد في القدس بعدم (استفزاز) الملك الصليبي برفع الآذان.

ثانيّاً- ما هو رأي مستشار صلاح الدين بالأنبياء غير اليهود:

لم يكن موسى بن ميمون طبيباً وحسب لصلاح الدين الأيوبي، بل كان مستشاره ومربي أولاده، فمن هو ابن ميمون الذي حاول بعض الباحثين الإسلاميين عبثاً إثبات تحوله من اليهودية إلى الإسلام لتبرير تبني صلاح الدين له.

بحسب دراستين بين يدي، الأولى للباحث اليمني همدان زيد دماج، الثانية للباحث الفلسطيني أحمد الأشقر، يعرف ابن ميمون بالرامبام Ram bam أي الرابي وهي مرتبة دينية يهودية، وقد حاول التوفيق بين موقف يهودي حاخامي متشدد، وبين بعض الأفكار عند الفارابي والغزالي.

ولد في قرطبة 1138 قبل أن يغادرها مع عائلته هرباً من سيطرة الموحدين المتشددين إسلامياً، فذهب إلى مراكش ثم فاس حيث درس الطب والفلسفة في جامعة القرويين، قبل أن تحط رحاله في فلسطين ثم في الاسكندرية فالقاهرة، حيث قربه صلاح الدين منه، ولعله الطبيب المقصود الذي اعتذر لصلاح الدين عن إرساله لعلاج ريتشارد قلب الأسد، أحد قادة الحملات (الصليبية) التي نكلت بالمسلمين واليهود والأرثوذكس معاً، ومن المؤسف الإشارة هنا إلى سماح صلاح الدين لليهود بدخول القدس مع المسلمين في مخالفة للعهدة العمرية التي وقعها الخليفة عمر بن الخطاب مع البطريرك صفرونيوس وتضمنت عدم دخول أي يهودي للمدينة المقدسة التي كانت تعرف آنذاك بإيليا (القدس).

من أشهر أفكاره كما وردت في كتبه: الرسالة اليمنية، دلائل الحائرين، الشريعة اليهودية، المشنا، توراه وتتناول (التشريع اليهودي الشفهي بعد جمعه):

1- في الشريعة اليهودية (السراج) تفسير للمشنا، ويتضمن (مبادئ الإيمان) الثلاثة عشر ومنها:

– الله الموجود، الأزلي، الواحد الأحد، الذي لا يشبهه شيء، ولا يعبد سواه.

– موسى أبو الأنبياء جميعاً، من جاء قبله ومن جاء بعده، ولا تستبدل التوراة ولا تتغير.

– مجيء المسيح اليهودي (المشيح) طال انتظاره.

– البعث بإرادة الله.

2- في الفلسفة كما وضعها في كتاب (دلالة الحائرين) محاولاته التوفيق بين الدين ومنهج الفلاسفة، وإثبات استحالة التناقض بين الحقائق الإلهية والحقائق العقلية.

3- آراؤه في الأنبياء غير اليهود كما وردت في كتابه (الرسالة اليمنية) وقد كتبها رداً على رسالة تلقاها من حاخام اليمن – يعقوب الفيومي – طالباً من ابن ميمون وساطته عند صلاح الدين لوقف الاضطهاد الذي مارسته على اليهود الدولة المهدية المتشيعة، برئاسة عبد النبي بن علي الرعيني. وقد تمكنت قوات صلاح الدين من تصفية هذه الدولة وإعدام قادتها ووقف اضطهاد اليهود هناك.

أما أخطر ما جاء في الرسالة اليمنية هو:

– دعوة ابن ميمون اليهود التمسك باليهودية باعتبارها (دين الحق) الوحيد الموثوق بطابعه الإلهي، واصفاً موسى بسيد كل الأنبياء وواصفاً اليهود بشعب الله المميز عن كل البشر.

– تطاول ابن ميمون على النبيين محمد وعيسى، ووصفها بألفاظ خسيسة دنيئة، لولا الأمانة العلمية لما ذكرناها لما فيها من مساس برسالتهما العظيمة المقدسة المنزهة عن كل ريبة، فالأول بحسب أراجيف هذه المدلس، نبي كذاب، والثاني نبي مجنون ومحتال.

——————————————–

تنويه: ينشر سيرجيل هذا النص باتفاق خاص مع الكاتب، وهو منشور على صفحته الشخصيّة.

د. موفّق محادين

باحث وكاتب من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق