مشاريع

المشروع رقم ( 1 ) | حالة اللجوء والتهجير البشري في الهلال الخصيب

إطار عام

خلال أكثر من قرنٍ بقليل، أي منذ الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918 )، سجّلت حالة اللجوء في الهلال الخصيب ارتفاعاً استثنائياً غير مسبوق، في منسوبها وطبيعتها ومآلها والنتائج التي أفضت إليها.

اللجوء، في الأصل، حالة إنسانية تتسبب بها عوامل ومتغيرات طبيعية، مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، كما تفرضها عوامل وحالات سياسية أو عسكرية أو دينية أو عرقية….. تؤدي إلى نشوب مواجهات وحروب يكون من نتائجها نشوء ( حالة اللجوء )، التي تشمل جانباً من السكان يتحدد حجمه في النسيج العام وفق درجة قربه أو بعده من أحد طرفي المواجهة، المهزوم أو المنتصر الذي تؤول إليه السيطرة والسلطة على المكان/ الوطن.

وفي الوقت الذي لا يمكن فيه، رصد ظروف طبيعية كارثية، تسببت بنشوء حالة اللجوء في الهلال الخصيب خلال المائة عام الأخيرة، يمكن بالتأكيد إعادة هذه الحالة بنشوئها وفصولها ونتائجها، إلى الحوادث الحربية/ السياسية/الدينية/ الاتنية.. التي غذّتها مشاريع ذات أهدافٍ محددة وواضحة.

سردٌ زمني لحوادث رئيسية:

ابتداءً من الحرب العالمية الأولى، يمكن رصد أبرز هذه الحوادث.

1- مجازر سيفو ( 1914- 1923 ) التي ارتكبتها تركيا، وتسببت بسقوط حوالي 2 مليون قتيل، وإجبار الألاف غيرهم على ترك ديارهم وأراضيهم.

2- اتفاقية لوزان 1923 بين تركيا والحلفاء، والتي بموجبها استولت تركيا على شمال الهلال الخصيب، ما أجبر سكان العديد من المدن والبلدات على تجاوز الحدود، وترك ممتلكاتهم والاتجاه نحو الداخل السوري وإلى خارج سورية.

3- سلخ لواء اسكندرون 1939 وضمه إلى تركيا، ما تسبب بهجرة عدد كبير من سكانه.

4- تقدم المشروع الإسرائيلي في أربعينيات القرن العشرين، وإعلان دولته 1947، وصولاً إلى حرب 1948، ما تسبب بنزوح السكان من مختلف المدن والبلدات في فلسطين، ولجوئهم إلى دول الجوار والخارج.

5- الحرب الأهليّة في لبنان 1958، المتجددة في العام 1975 والتي استمرت حتى العام 1989، ذات الامتدادات الاقليميّة / الدوليّة، والتي تسببت بحركة لجوء كبرى.

6- حرب 1967، وتسببها  بنزوح سكان الجولان، ومدينة القنيطرة، إضافة لقسم آخر من سكان القدس والضفة وغور الأردن.

7- حروب إسرائيل ضد لبنان، ابتداءً من العام 1978، وصولاً إلى العام 2006، وتسبب هذه الحروب بهجرة الكثير من عائلات الجنوب نحو الداخل في لبنان، وإلى خارجه أيضاً.

8- الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، ونشوء حالة لجوء غير مسبوقة في العراق، ومن ثم الحصار الدولي ابتداءً من العام 1991، وصولاً إلى الحرب الأميركية على العراق 2003، وتداعياتها المستمرة إلى اليوم، ومنها تحديداً (د اعش) التي تسببت بأوسع حالة لجوء من طبيعة اتنية ودينية، شهدها الهلال الخصيب في العصور الحديثة.

9– الحرب العالمية – الإقليمية – الإرهابية على الجمهورية العربية السورية، ابتداءً من العام 2011 وإلى الآن، وتسببها بنشوء حالة لجوء كارثية وغير مسبوقة.

10 – يمكننا، إن أردنا العودة إلى أحداث العام 1860، ملاحظة (الإجلاء الطوعي؟) للنخبة الصناعيّة الدمشقية نحو فرنسا، ونحو مصر خصوصاً حيث لعبت هذه النخبة دوراً بارزاً في إقامة مدينة حلوان الصناعيّة.

وفق مقاربة أولية، أدت هذه الأحداث مجتمعة، مع غيرها ومتممة لها، إلى تحريك كتلة سكانية تقارب 30 مليون نسمة. تركت ممتلكاتها ومدنها وقراها وانتشرت في أمكنة جديدة في داخل دول الهلال الخصيب، وفي العالم.

خلاصة أوليّة ومعاني مكثّفة:

 

أولاً- تاريخياً، يُعتبر الهلال الخصيب [ بيئة جاذبة استقطابية ]، استقبل جماعات اتنية ودينية ومختلف الهجرات السكانية، على مدى تاريخه، وبذلك شكّل مصهراً مُوَحِداً لها، بفضل ميزاته التي كانت تجعل عملية التفاعل بين مختلف الجماعات في مستوى ومنسوبٍ عالٍ.

تمثلت الميزة الرئيسة هنا في ذلك العمق التاريخي – الحضاري – الثقافي، الذي يجعل التمايزات والمُفرقات بين هذه الجماعات من مستوى هامشي.

راهناً، وبعد وقوع هذه الحوادث كلها وعلى مدى قرنٍ وأكثر، إضافة إلى الحوادث التي تدور في مختلف أرجائه، تحوّل الهلال الخصيب على نحوٍ تراجيدي إلى [ بيئة طاردةٍ منفّرة ].جماعات إتنية هجرته تماماً، وأخرى غيرها طائفية أو دينية على وشك أن تتركه أيضاً.

إن التحوّل من [ الاستقطابية ] إلى [ المنفّرة ]، يعني بوضوح شديد أن الهلال الخصيب في الطريق الشديد الخطورة، الذي سيجعله يفقد ميزته / عمقه التاريخي / الحضاري،

ويخرجه من معناه تماماً.

ثانياً- وفق منطق علم الاجتماع، لا يمكن أن تقوم المجتمعات الحضارية القوية وتستمر، إلاّ إذا امتلكت الشرط الوجودي غير القابل للتغييب أو الاستبدال وهو:

[ وجود بنية سكانية راسخة ]. دون هذه البنية، ستحكم المجتمع حالات انزياح سكاني متكرر، واستبدالات متعاكسة الاتجاهات، الأمر الذي يجعله في حالة من الاهتزاز الدائم، ومحكوماً ببنية سكانية [ قلقة ] لا تكاد تتمكن من الحفاظ على حياتها، فكيف ستتمكن من بناء عناصر القوة والحضارة ؟

يمكن القول، قياساً إلى ما سبق، إن البنية السكانية في الهلال الخصيب، بأوصافها الراهنة، هي بنية من طبيعة موصوفة بالقلق والاهتزاز، لا تمتلك المقومات التي تجعلها راسخة صلبة وقوية.

هي معرّضة باستمرار للانهدامات الهيكلية المدمرة لما تبقى فيها من صفات الرسوخ.

فكرة المشروع:

تشكيل جهة اختصاصية – قد تكون مركز أبحاث – تستهدف بحث ودراسة حالة اللجوء والتهجير القسري الجماعي، في الهلال الخصيب، في المدى الزمني الممتد من العام 1860 – حوادث دمشق وجبل لبنان – إلى العام 2020.

من المؤكد أن دراسة هذه الحالة، ستأتي وفق منهج علمي تاريخي توثيقي، من مسؤولية من يتبنى المشروع، اعتماده ووضعه على نحوٍ قادر على الإحاطة تماماً، بمختلف جوانب هذه المسألة، في نشوئها وفصولها وتأثيراتها وواقعها وما آلت إليه….

وصياغة الخلاصات النهائية، للوقوف على وضع ومشهد وحالة الهلال الخصيب/ سورية الطبيعية، ابتداءً من هذه المِنصة ذات الطابع الوجودي – المصيري.

الجهات التي يمكن أن تتبنى المشروع وتتولى تنفيذه:

الجامعات والمعاهد والكليات

مراكز الأبحاث

الحكومات والوزارات المعنية

جهات مستقلة قادرة على تشكيل فريق عمل خاص، مع تأمين التمويل الكافي للبرنامج في مختلف مراحله.

سيرجيل : حزيران 2020

‫4 تعليقات

  1. مقال هام والأهم تطويره إلى دراسة أكاديمية تحليلية مدعمة والإحصائيات….
    ولكن يمكن اضافة هجرات من الخارج إلى داخل الخصيب مثل الشركس والحالةالاستيطانية الخاصة “اليهود “

  2. انه بحث قيم يستوجب الاطلاع والتعمق واخذ الاقتراح بدراسة منهجية للتحولات الديمغرافية وفق واقعين الاول الاستقطاب والثاني التفريغ
    ما يرسّم رسما بيانيا لخارطة الجيوبوليتيك لواقع الهلال السوري الخصيب ، اطيب تحية امين نزار على مقالكم الهام ومبادرتكم الراقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق