في منتصف يونيو من العام الجاري (2023) نشرت مقالاً في مجلة “بروفايل” بعنوان “استخدام الأسلحة النووية يمكن أن ينقذ البشرية من كارثة عالمية”، والذي نشر بنسختيه الروسية والإنجليزية في وقت واحد تقريباً على الموقع الإلكتروني “روسيا في العلاقات الدولية” Russia in Global Affairs، وقد أعيد طبع المقال عدة مرات في جميع أنحاء العالم، ما تسبب في حدوث “تسونامي” لعشرات الآلاف من الردود والاعتراضات والنزاعات، إلى جانب ما تلقاه المقال من عديد من كلمات الدعم.
وقد تقبلت بهدوء وروح دعابة نيران الهجوم التي تلقيتها من بعض المواطنين، لكني شعرت بالرضا لقيامي بواجبي الأخلاقي والمهني بنجاح، باعتباري متخصصاً في الشؤون الدولية، ومواطناً مسؤولاً أمام الإنسانية ووطنياً لروسيا.
لكن العمل قد بدأ لتوه.
بداية النقاش
لقد تم تحقيق أحد الأهداف الوسيطة لهذا المقال جزئياً، فقد تم إحياء المناقشة حول دور الدرع النووي في منع نشوب حرب نووية كبرى، أو حرب كبرى بشكل عام. وبدأ المجتمع الاستراتيجي المحترف، والمفكرون ببساطة، في الابتعاد عن سبات “الطفيلية الاستراتيجية”، الذي ألهمه ثلاثة أرباع القرن دون حرب كبرى، ما أدى إلى تعزيز اعتياد السلام، في الغرب بشكل أساسي، وأيضاً لدينا، والثقة في أن كل شيء سيكون على ما يرام، وتبلد الإحساس بالحفاظ على البقاء لدى جزء كبير من النخب العالمية، فيما أصبح الصراع الفعال ضد خطر نشوب حرب كبرى، والتي حتماً ستتحول إلى نهاية نووية للعالم، أمراً غريباً إلى حد ما، وقديم الطراز.
في وقت لاحق، سنتحدث عن سبب آخر للحاجة الملحة إلى تكثيف الردع النووي، وهو نشر جولة جديدة من سباق التسلح، والتي من المحتمل أن تكون أكثر تكلفة وخطورة مما كانت عليه خلال سنوات الحرب الباردة الأخيرة.
أود التأكيد على كل كلمة كتبت في مقال يونيو، وسأعزز بعض الحجج وأقدم حججاً جديدة، لم أذكرها في المرة السابقة، لصالح سياسة تكثيف الردع النووي وترهيب وإيقاظ العدو. لكني أولاً، سأرد على النقد.
من غير المناسب الرد على الجميع، لا سيما الجزء الروسي، لأنه لا يستحق الاهتمام. خاصة الصراخ الذي يزعم أنني ومن يتفقون معي ندعو إلى استخدام الأسلحة النووية.
إن الردع النووي النشط، الذي أقترح اللجوء إليه، يهدف على وجه التحديد إلى منع نشوب صراع نووي عالمي ساخن، وبل ومنع أي استخدام للأسلحة النووية.
وإني لأتفهم بقلبي بعض الانتقادات ممن يقولون إن هذا لا ينبغي أن يحدث لأنه أمر فظيع، إلا أنني، عقلانياً، أرفض ذلك. فدعاة السلام، بما في ذلك في الدول النووية، يعيشون حياة جيدة جالسين على شبكات التواصل والمقاهي، ويثرثرون فقط لأن الجنود يقاتلون ويموتون من أجلهم، كما يفعل جنودنا وضباطنا الآن في ميادين المعارك بأوكرانيا.
كما أنني أعلم جيداً النظرية القائلة بأن الأسلحة النووية إذا ما استخدمت ستؤدي حتماً إلى تصعيدها على المستوى العالمي وتدمير الحضارة الإنسانية. وهذا الاحتمال موجود، ولا ينبغي الاستهانة به بأي حال من الأحوال. ولكن، من دون تعزيز الردع النووي، واستعادة الخوف من الحرب النووية، بما في ذلك التهديد الحقيقي المتمثل في الاستخدام المحدود للأسلحة النووية، فإن نشوب حرب عالمية أمر لا مفر منه عملياً، نظرا للمسار الذي يسلكه العالم.
لكن تصاعد الاستخدام المحدود للأسلحة النووية المؤدي إلى صراع نووي عالمي ساخن ليس أكثر من أسطورة، ومن المؤكد أنه يتناقض مع الخطط الحقيقية لاستخدام الأسلحة النووية، حتى في عرف العقائد الرسمية. وكانت هذه الأسطورة مفيدة جدا في الماضي، حيث شاركت شخصيا، خلال سنوات تلك الحرب الباردة، شأني في ذلك شأن غيري من الخبراء، بوعي في إنشائها. وكان المقصود هو تكثيف هذه الأفكار لمنع أي حرب كبرى بين القوى النووية، رغم أنها، على حد علمي، تتناقض مع منطق العقائد الحقيقية لاستخدام الأسلحة النووية. لكن هذه الوظيفة الأكثر أهمية للردع النووي، أي منع أي حرب كبرى، لم تنجح. وقد فككها الغرب.
وكان من المدهش رؤية رد فعل المسؤولين والخبراء الرسميين وشبه الرسميين في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما استمروا في التقليل على نحو صارخ من احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية، واستمروا في القول: “لا، لن يستخدموه”. فعقيدة الروس لا تنص على استخدام الأسلحة النووية، إلا إذا كان ذلك رداً على استخدام أسلحة مقابلة ضد روسيا أو حلفائها، أو عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا”. لكنه لا وجود لمثل هذا الوضع. إن عقيدتنا النووية المتساهلة، حتى وإن كانت مع الأسف، ليست غير مسؤولة، والتي كتبت في أوقات لتتماشى مع النظريات الاستراتيجية السائدة (التي ولدت كقاعدة عامة في الغرب)، والتي تنتمي إلى بقايا مسار الرغبة في الإرضاء من أوقات سابقة، تستغل كتساهل لشن حرب لا نهاية لها ضد روسيا حتى آخر أوكراني. وتصريحات الرئيس (الروسي فلاديمير بوتين) التي تشير إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية يتم التكتم عليها أو التشهير بها، وتقديمها على أنها غير جادة. وأصبحت الرغبة في إخلاء روسيا من الأسلحة النووية سياسياً ونفسياً، وحرمانها فعلياً من هذه الأسلحة، حتى ولو لم ينجح ذلك فعلياً على أرض الواقع، أصبحت واضحة تماماً، فيما يحاول الغربيون ترجمة التفوق الاقتصادي الذي لا يزال قائماً إلى مكاسب سياسية، وإرهاق روسيا، وإثارة الانقسام الداخلي. لا أحاول مقارنة مستواي بمستوى رئيس الدولة، إلا أنهم يعتبرون مقالي المتواضع هو الآخر دعاية معلنة، على الرغم من أنه ليس كذلك، بل هو مجرد دعوة للتأمل.
والتقليل من خطر الحرب النووية من أجل تبرير السياسات المتهورة وفرض الهزيمة على روسيا يصل إلى حد السخافة. لقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الرابع في ترتيب خلافة الرئيس الأمريكي، حال وفاته أو عجزه عن أداء مهامه، 30 يوليو من العام الجاري: “إن التهديد المحتمل للحرب النووية ليس أسوء من مشكلة المناخ الوجودية، ولا تسلسل هرمي بينهما”. أصابتني الدهشة، إلا أن مزيداً من الاندهاش سيأتي، حيث قال الرئيس بايدن، خلال حديثه 10 سبتمبر في فيتنام، بالفعل: “إن التهديد الوجودي الوحيد الأكثر فظاعة حتى من الحرب النووية هو الاحتباس الحراري، الذي سيتجاوز 1.5 درجة في السنوات العشرين إلى العشر القادمة، وهو أمر لا مفر منه”.
إنني أشعر بالقلق إزاء تغير المناخ، مثل أي إنسان آخر، حيث سيتعين على الإنسانية أن تتكيف معه بشكل مؤلم. ولكن عندما يعتبر هذا التغيير أسوأ من محرقة نووية من شأنها أن تقتل مئات الملايين من البشر وتقوض البيئة البشرية، فإنك تدرك أننا نتعامل مع أمر خطير.. لا أريد استخدام المصطلح المناسب هنا. ففي نهاية المطاف، نحن نتحدث عن قادة قوة نووية عظمى، ويجب استعادة الخوف من الأسلحة النووية، ومن الحرب النووية بشكل عام، على نحو عاجل.
إن مثل هذه التصريحات تعزز بقوة حججي حول الحاجة إلى الصحوة الصارمة للنخب الغربية التي تتدهور بسرعة، كما تتجلى “الطفيلية النووية”، وانحدار حس غريزة البقاء في سلوك الغربيين حول محطة زابوروجيه للطاقة النووية، حيث يقصفها المجلس العسكري في كييف، ونحن نصده في الوقت الراهن، إلا أننا لا نرى أي احتجاجات، لا سيما حاشدة. إنهم يأملون أنه إذا ضربوا، فسوف تكون هناك تسريبات صغيرة، ويموت البعض، ويلقون اللوم على روسيا مرة أخرى، ولن ينهار العالم، وسيكون من الممكن مواصلة خط الجنون الحالي. لم يعودوا خائفين من الإشعاع، إلا أنه، وبالنسبة للوعي الجماهيري، كان النتيجة الأكثر رعباً لاستخدام الأسلحة النووية.
ووفقا لدراسة أجراها مركز “بيو” المرموق للأبحاث، مارس من هذا العام، اعتبر الأمريكيون أن التهديدات الرئيسية هي الهجمات السيبرانية والمعلومات المزيفة والصين وروسيا بشكل عام والمشكلات الاقتصادية العالمية والأمراض المعدية وتغير المناخ، ثم تأتي بعد ذلك كله الحرب النووية.
ومن خلال إسكات التهديد النووي، فإن “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة تمنح نفسها حالياً التسامح في ملاحقة السياسة الخارجية العدوانية والمتهورة.
إن الحسابات العلنية التي يجريها الأمريكيون وغيرهم من الغربيين بشأن “حرب فيتنام” و”أفغانستان الجديدة” (أوكرانيا) مفهومة، فهم لا يشعرون بالأسف تجاه الأوكرانيين ويريدون حقاً إضعاف روسيا، أو الأفضل من ذلك، تدميرها، حتى يتمكنوا بعد ذلك من إيقاف أو حتى عكس المسيرة المنتصرة للصين التي بدأت بالفعل. إن غضب استراتيجيينا، ممن يصرون على عدم قبول أي تهديد باستخدام الأسلحة النووية، أمر غير مفهوم. فهل سيقاتلون “حتى آخر جندي روسي” لمواصلة موت الأفضل إلى ما لا نهاية، حتى موت أشجع وأفضل رجالنا وأكثرهم وطنية؟
ولنفترض أن من بين المنتقدين الشرسين للردع النشط، وأي تهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي تنتهج سياسة معادية لروسيا، انهزاميون لم يغادروا بعد، ويكرهون البلاد وأي سلطة تحكمها. لكني أرفض فهم منطق أو عدم وجود منطق لزملاء آخرين، لا أحبذ التشكيك في وطنيتهم.
كما أفهم رغبة قيادتنا في عدم إزعاج المجتمع دون داع، إلا أن هذا الاسترخاء ينتقل إلى العدو، وهم لا يريدون تصديق التصريحات التي تقول إن الحرب مع الغرب في أوكرانيا ذات طبيعة وجودية بالنسبة لنا، أو في تصميمنا على النصر، بما في ذلك، وكملاذ أخير، استخدام التدابير الأكثر صرامة. وبالتالي، فإننا نلعب، عن غير قصد، لصالح أولئك الذين يأملون في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وتقويض مصداقية الردع النووي، وزيادة احتمالات الانزلاق في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة متكاملة الأركان.
من الضروري أن نعيد إلى خصومنا وشركائنا فهم تصميمنا على “الرد بكل القوة” حال استمرار وتصاعد الأعمال العدوانية. (لم تضرب أي طائرة مسيرة بيونغ يانغ، على الرغم من كل جهود شيطنة جمهورية كوريا الشمالية، لأن خصومها واثقون من تصميمها على الرد بكل قسوة، وليس بالضرورة نووياً).
سباق التسلح
إن إحدى أهم وظائف الردع النووي هي توفير المال الذي يتم إنفاقه على الأسلحة التقليدية الأكثر تكلفة. وتلك تحديداً هي الطريقة التي تصرف بها الغرب خلال الحرب الباردة الأخيرة، عندما هددوا، وإن كان بشكل خادع (لكن هذا نقاش آخر)، باستخدام الأسلحة النووية في حالة المسيرة المنتصرة للقوات السوفيتية المتقدمة نحو المانش، فقد اقتصدوا حينها قواتهم للأغراض العامة. وكان هذا جزءاً معقولاً تماماً من السياسة العسكرية لحلف “الناتو”. أما القادة والجنرالات السوفيت فلم يشاركوا هذا المنطق، وليس فقط بسبب تأثرهم بمتلازمة 22 يونيو 1941، وإنما إلى جانب غياب أي ضغط من الأسفل، ما يسمح لهم بإنفاق مبالغ طائلة من المال على الأسلحة. في الوقت نفسه، كانوا يجرون سباقاً للأسلحة النووية والتقليدية، محتفظين بجيش ضخم تحت السلاح. اسمحوا لي أن أذكركم أن الاتحاد السوفيتي كان لديه دبابات في ترسانته أكثر من بقية دول العالم مجتمعة، وكان لديه رؤوس نووية أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا السباق الموازي، إلى جانب تآكل الفكرة الوطنية آنذاك متجسدة في الأممية الشيوعية، وعدم كفاءة الزراعة، هو ما أدى إلى تمزيق البلاد.
فهل نريد تكرار هذا؟
أعلم أن جنرالات المشاة السوفيت والمارشالات وبعض قادة المجمع الصناعي العسكري كانوا يكرهون الأسلحة النووية، وليس فقط لأسباب سلمية، وإنما لأن تلك الأسلحة تجعل من الحفاظ على جيش ضخم، وبالتالي طلب عدد فلكي من الأسلحة أمراً لا معنى له، ولأنه، وأثناء التدريبات لمحاكاة استخدام الأسلحة النووية، تنهار أي خطط عسكرية، وتصبح طلبات الحصول على أسلحة ومخصصات جديدة غير مقنعة.
فهل نسينا الدرس؟ إن ترميم التداعيات القبيحة على مدى عقد ونصف منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي على قوات الأغراض العامة أمر ضروري. ومن الواضح أنه بينما نشن عملاً عسكرياً لرد الغرب واجتثاث النازية ونزع سلاح أوكرانيا، فإننا نحتاج إلى الاستمرار في بناء الإنتاج العسكري.
كما أنه من الواضح أيضاً استحالة إكمال العملية العسكرية الروسية الخاصة بسرعة، وربما ليس من الضروري فعل ذلك. وهناك حاجة إلى وقت لاستكمال عملية التأميم النهائي للنخبة، وطرد منها عقول أولئك الذين لا زالوا يعتنقون المركزية الغربية والجنوح نحو الغرب، والكومبرادوريين (البورجوازية المتحالفة مع رأس المال الأجنبي) وطريقة تفكيرهم المميزة، وإعادة هيكلة الاقتصاد والسياسة في البلاد من أجل التنمية الناجحة في ظروف الزلزال الجيوسياسي والجغرافي والاقتصادي المتزايد على مدى العقد أو العقدين المقبلين.
يعد استمرار العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا ضرورياً أيضاً لمحاولة إجبار الغرب على العودة إلى رشده والتراجع، والتوقف عن دعم المجلس العسكري في كييف، والموافقة على اجتثاث النازية، والنزع الكامل لسلاح كيان الدولة التي ستبقى على أراضي أوكرانيا. وإذا لم يوافق الغرب، فسوف يتطلب الأمر وقتاً لإقناع مجتمعه وشركائه على الساحة العالمية بأنه لا يوجد بديل لزيادة الاعتماد على الردع النووي النشط، وحتى استخدامه.
ويجب استغلال هذا الوقت أيضاً لإقناعنا جميعاً بالحقيقة الواضحة بالنسبة لي، وهي أنه لا يوجد بديل عن زيادة الاعتماد على الردع النشط لوقف الانزلاق نحو الحرب النووية العالمية الثالثة، وتحرير البلدان والشعوب أخيراً من براثن الحرب النووية الساخنة، ومن بقايا “الغزو الغربي”.
ولن تؤدي حتى الهزيمة الجزئية أو فشل روسيا ببساطة سوى إلى زيادة عدوانية الغرب، حيث أنه من الضروري أن نذكر كيف توحش الغرب، وشن سلسلة من الاعتداءات بعد ضعف وظيفة الردع للاتحاد السوفيتي/روسيا.
لقد أطلقت العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا عملية تحويل المجتمع إلى أمة، وتطوير هويته القديمة الجديدة، وتعزيز القيم التقليدية مثل روح الجماعة والتوافق. كما أنها حفزت على تطوير سمات رائعة لشعبنا مثل الأممية وغياب العنصرية والانفتاح الثقافي. يرى الناس بأم أعينهم كيف أن هناك روس روسيا، وبوريات روسيا، وداغستانيو روسيا، وتتار روسيا، وشيشان روسيا، ويقوتيو روسيا والقائمة تطول. يتم وضع الأساس لتجديد النخب الراكدة بأخرى جديدة أثبتت إخلاصها للوطن الأم، جنود ومتطوعون مدنيون يساعدون الجبهة.
إننا ننهي رحلة دامت ثلاثمئة عام نحو الغرب، والتي أسفرت عن الكثير من الأشياء المفيدة، إلا أنها استنفدت نفسها منذ فترة طويلة، ولم تعد واعدة، بل وضارة، نظراً للميل نحو الانحلال الأخلاقي والركود الاقتصادي. إن تسريع تطوير المجمع الصناعي العسكري يطلق جولة جديدة من التجديد التكنولوجي. حيث تأكد، في بلدنا، الذي بني تاريخياً حول مفهوم الدفاع، أنه لا يمكن القيام بذلك بأي طريقة أخرى، فالتجربة الغربية، عندما يولد جزء كبير من الابتكارات في القطاع المدني، لم يتم تبنيها.
بدأت العودة، التي طال انتظارها، إلى القاعدة الوطنية للجدارة الحقيقية، والتي كان يتم صدها، بل وتدميرها، بسبب السياسات الفاشلة، وفلسفات الإصلاح على مدى 15 عاماً، بدأت في أواخر الثمانينيات، عندما قيل صراحة إن “المال ينتصر على الشر”. ورأى مهندسون وعسكريون وعلماء (خاصة في العلوم البحتة) ومعلمون وعمال مهرة وأطباء ورجال أعمال متطوعون أن الغرض من “البيزنس” ليس فقط من أجل الثراء الشخصي، ولكن أيضاً لخدمة المجتمع والوطن. الآن، بدأت عملية تثقيف من نوع جديد من المسؤولين الحكوميين، الذين أصبحوا يعتبرون مبادرة الخدمة العامة للقضية والوطن والسلطة العليا هي الأمر الأساسي، والرفاهية الشخصية هي أمر ثانوي. ويتم تحقيق ذلك من خلال تعزيز مكافحة الفساد، غير المقبول بشكل خاص عندما تكون البلاد في حالة حرب. آمل أن تبدأ أيضا المعركة ضد فلسفة النزعة الاستهلاكية، لا سيما مع الإفراط في الاستهلاك المتفاخر، ونقل المسؤولين على سيارات محلية الصنع هو خطوة نضجت منذ فترة، وأن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً.
إن الغربيين والخبراء الذين يلتزمون بوجهة نظرهم، هم ببساطة أشخاص يعيشون في القرن الماضي، ويقصدون بسباق التسلح المكون النووي بشكل حصري تقريباً. في الوقت نفسه، فإن سباق التسلح غير النووي، من وجهة نظر اجتماعية، ومن وجهة نظر الحفاظ على البشر واستقرار وتنمية المجتمع، قد يكون أكثر خطورة. وهو سباق غير مقيد في كل مكان. قد تكون الأعمال العدائية المطولة وسباق التسلح التقليدي أقل فائدة على المدى المتوسط بالنسبة لدولة ذات إمكانات اقتصادية وديموغرافية قليلة نسبياً. في الوقت الراهن، الوقت في صالحنا، إلا أن لدى الولايات المتحدة وأتباعها الكثير من الاحتياطيات لبناء مجمعهم الصناعي والعسكري. ومع صراع لا نهاية له، سيبدأ الوقت في العمل ضدنا. أخيراً، من المهم جداً أن تعتني بأفضل رجالك، الذين يقاتلون من أجل الوطن، لكنهم أيضاً يموتون من أجله. وإلا فلن يكون هناك من يملأ الطبقة القيادية، وستضعف القوة الوراثية للشعب، والتي عانت كثيراً بالفعل خلال القرن العشرين.
والسباق نحو الاستنزاف على أمل أن يكون الغرب أول من يتعثر، نظراً لأزمته العميقة متعددة المستويات، ونظامه السياسي الأكثر ضعفاً نسبياً، والذي لا يزال ديمقراطياً نسبياً، هي استراتيجية لا يمكن الاعتماد عليها.
وحقيقة أن سباق التسلح التقليدي قد يكون أكثر ربحية نسبياً على المدى الطويل بالنسبة للبلدان التي تتمتع بإمكانات اقتصادية وديموغرافية أكبر من إمكاناتنا، يمثل حجة قوية أخرى لصالح تعزيز دور الردع النووي في الاستراتيجية الوطنية وفي العلاقات الدولية بشكل عام. إضافة إلى ذلك، فإن هذا السباق لن يصرف انتباه بلدنا فحسب، بل وأيضا البشرية جمعاء عن حل المشكلات العالمية المشتركة مثل تغير المناخ، ونقص الغذاء والطاقة، والأوبئة الجديدة التي لا مفر منها.
واسمحوا لي بتذكيركم أن إحدى أهم وظائف الردع النووي هي منع إمكانية النصر في حرب تقليدية، وبالتالي منع سباق التسلح غير النووي.
وإذا طال أمد الأعمال العدائية، حتى بعد انتصارنا في أوكرانيا، واستعادتنا للأراضي الروسية الأصلية، وتحقيق تطهير الأراضي المتبقية من أوكرانيا الحالية من النازية وتجريدها من السلاح، وإجبار الغرب على التراجع والتوقف عن التحريض على الحرب، وكما قلت في مقالي السابق، فإن ذلك النصر سيكون باهظ الثمن. وسوف نستنفد مواردنا ونضعف حتى نتمكن من الدفاع بنجاح عن مواقفنا ومصالحنا في المستقبل، في عالم شديد التنافسية على أية حال. علاوة على ذلك، سوف نحمل على عاتقنا عبء استعادة ليس فقط الأراضي الروسية الأصلية، بل وإعادة بناء الأراضي “منزعة السلاح” و”الخالية من النازية”، وسيستمر هذا في صرف انتباهنا نحو المسار الغربي غير الواعد عن التطوير الأساسي لأجزاء واعدة أكثر بكثير من بلادنا في جبال الأورال وسيبيريا.
لقد انتصرنا في الحرب العالمية الثانية بفضل جهود لا تصدق، إلا أننا لم نتمكن من الاستفادة الكاملة من النصر، وخسرنا أمام العالم من نواح عديدة. نحن الآن بحاجة إلى النصر في الحرب والسلام معاً.
التهديدات الرئيسية
حسنا، والآن سنتحدث عن التحدي الأكثر أهمية.
إن الأزمة المحيطة بأوكرانيا هي أحد أعراض مرض أخطر بكثير يصيب النظام العالمي. وقد كتبت لسنوات عديدة عن التهديد المتزايد للحرب العالمية الثالثة، وعلى ما يبدو، الحرب العالمية الأخيرة للحضارة الإنسانية. فالتهديد ما زال يتعاظم حتى من دون الأزمة الأوكرانية التي تفاقمت وقربت الأمر أكثر، إلا أن النصر في هذه الأزمة قادر على دفع ذلك التهديد إلى الخلفية، بل والقضاء عليه.
إن مصادر التهديد الرئيسية هي الأزمة الأخلاقية والسياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية متعددة المستويات للجزء الساحق من “الغرب الجماعي” الذي هيمن وفرض مصالحه وأوامره على مدى القرون الخمسة الماضية.
وتجري الآن أقوى عملية إعادة توزيع للقوى العالمية في التاريخ من حيث الكثافة والسرعة، حيث دخل الغرب في “معركة أخيرة” يائسة، من أجل الحفاظ على موقعه المهيمن، الذي سمح له بسرقة بقية البشرية وقمع الحضارات الأخرى.
وبدأ زلزال جيولوجي مناخي وجغرافي استراتيجي وجيواقتصادي عالمي متزايد، فيما ترتفع قارات جديدة، وتزداد المشكلات العالمية سوءاً.
وسوف تستمر الهزات لفترة طويلة، حتى وإن كان من الممكن وقف المقاومة العدوانية للغرب وإجباره على البدء في حل مشكلاته الداخلية دون تشتيت الانتباه بالاعتداءات الخارجية.
وظهور مصادر جديدة للاحتكاك والصراع أمر لا مفر منه، إلا أنه من الضروري الآن وضع حاجز سياسي ونفسي أمام تصعيدهما إلى المستوى العسكري، واستعادة الخوف من الحرب النووية، التي أنقذت العالم خلال فترة التنافس الشديد إبان الحرب الباردة. وهيكل التنافس في عالم متعدد الأقطاب، والذي سيكون أيضاً متعدد الأقطاب النووية، سيكون أكثر تعقيداً بكثير. نحن بحاجة إلى إدخال الصمامات إلى هذه الأنظمة الآن، والشيء الرئيسي سيكون الخوف من الكارثة النووية التي تقيد النخبة وترفع من درجة تحضرها.
نحن حتى اللحظة لا نتدخل في تطور الوضع العالمي نحو الأسوأ، واضطررنا في أوكرانيا، نهاية المطاف، أن ندخل معركة مع الولايات المتحدة/الغرب، إلا أنهم في الوقت الراهن يبادرون في تصعيد هذا الصراع، وتوسيع وتعميق العدوان، وتوفير أسلحة أكثر فتكاً وخطورة من أي وقت مضى. ونحن، في الوقت الراهن، نسمح لهم بإقناع أنفسهم بأن التصعيد يمكن أن يمر دون عقاب، وهم المعتدون، إلا أننا بذلك، ومن خلال عدم وضع حدود صارمة لهم، نحفزهم.
لقد تسبب العجز أو ربما الآمال الطيبة في التوصل إلى اتفاق، وعلى مدى ربع قرن من الزمان، في عدم وضعهم حداً صارماً لتوسع حلف “الناتو، وهو الأمر الذي أدى حتماً إلى الحرب. لقد ظللت أحذر من هذا طوال هذه السنوات، ولا أريد أن تتحقق توقعاتي هذه المرة أيضاً.
والوضع يتفاقم بسبب التدهور الواضح للنخب الغربية، وحتى هنري كيسنجر، المرتبط عضوياً بجسد هذه النخبة والوطني الأمريكي، أدرك هذا الانحطاط ودق ناقوس الخطر في كتابه الأخير “حول الزعامة”.
سأكرر ما كتب في المقال السابق: الأمر سيزداد سوءاً في المستقبل المنظور. وكل دعوة جديدة لزعماء الغرب هي أكثر غباءً وتهوراً وأيديولوجية من سابقتها، وهو ما يجعلها أكثر خطورة على العالم. إنهم يتعمدون تحفيز تفكك مجتمعاتهم من خلال الترويج للقيم المناهضة للإنسانية. والتعافي، إذا حدث وعندما يحدث، سوف يكون أبعد من الأفق، وعلى الأرجح لن يحدث إلا بعد التطهر.
ولا أرى حتى الآن إمكانية تحقيق هذه الغاية من دون صحوة الغرب، بل وأيضاً إيقاظ غريزة البقاء بين النخب العالمية، وذلك من خلال زيادة التهديد النووي. وآمل ألا يتم تنفيذ ذلك حتى النهاية، لكن، يجب أن يدرك العدو الاستعداد غير المشروط لقيادتنا ومجتمعنا لاتخاذ هذه الخطوة في حالة الطوارئ. نحن بحاجة إلى إعادة الإيمان بالجحيم لأولئك الذين فقدوه. وإيقاظ النخب والمجتمعات في الغرب من حالته الراهنة سوف يكون مفيداً لأغلبية مواطنيه، الذين يقومون بتشتيتهم وإفسادهم ودفعهم في نهاية المطاف إلى الذبح على يد النخب العالمية العابرة للحدود الوطنية، التي أصابها الجنون بسبب فشلها.
وقد كتبت بالفعل أن الغرب يتحرك سياسياً بثقة نحو فاشية جديدة، وربما حتى شمولية “ليبرالية” حتى الآن. والغرب، على وجه التحديد، هو مصدر كل من الأيديولوجيتين الشموليتين: النازية الألمانية الوحشية وغير الإنسانية، والأيديولوجية الأخرى الأكثر إنسانية، الشيوعية، التي أعلنت المساواة بين الجميع، ولكنها كلفتنا، وكلفت عدد من الدول الأخرى ثمناً باهظاً. كل الأحلام الأوروبية (الغربية)، الأحلام الطوباوية وأحلام المجتمعات المثالية كانت شمولية.
ومن الناحية الموضوعية، فإن اقتراب الحرب الكبرى مدفوع بالأزمة النظامية للرأسمالية العالمية الحديثة، التي ظهرت على السطح عام 2008، والتي فقدت أسسها الأخلاقية، وتقوم على النمو اللامتناهي للاستهلاك، الذي بدأ في تدمير الكوكب.. يتحدثون كثيراً عما ينتج ذلك من استنزاف العديد من الموارد، والتلوث البيئي، وتغير المناخ، وتزايد عدم المساواة الاجتماعية، وتآكل الطبقة الوسطى، والخلل المتزايد في الأنظمة السياسية في البلدان المتقدمة، إلا أنه، وعملياً، لم يتم فعل أي شيء، ولا يمكن عمل شيء، لكون ذلك في إطار عقائد الليبرالية الديمقراطية والعولمة، فيما يزداد التوتر أمام أعيننا، وقد أصبح من الصعب على نحو متزايد تحويل الانتباه عن المشكلات غير القابلة للحل مع مرض “كوفيد-19″، وفرض العداء تجاه الغرباء (الروس المستبدون أو الصينيون الشموليون هم المسؤولون عن كل شيء)، والتحريض على حروب إقليمية نسبياً (أوكرانيا). الدمامل تنتفخ أمام أعيننا.
كذلك يتفاقم خطر نشوب حرب كبرى بسبب تطور التقنيات العسكرية، والأنظمة القاتلة بشكل متزايد، والتي يتم التحكم فيها بشكل أكبر بواسطة الذكاء الاصطناعي. من الجيد أننا أخذنا زمام المبادرة في مجال الأسلحة فرط الصوتية، وعلينا أن نعمل أكثر في هذا الاتجاه. لكن سرعان ما سيلحقون بنا، وستتاح الفرصة للعديد من الدول، بما في ذلك الدول النووية، لتوجيه ضربة على الفور. ستزداد العصبية واحتمال ارتكاب الأخطاء والشك.
بدأت ثورة عسكرية تقنية جديدة. فما هي تكلفة الإنتاج الضخم للطائرات المسيرة الرخيصة نسبيا؟ قبل خمس سنوات فقط، وعام 2018، بدت هجمات الطائرات المسيرة على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية أمراً غريباً. الآن أصبح مثل هذه الهجمات أمراً مألوفاً. ولكن، ومن بين أمور أخرى، تكاد تكون مناسبة بشكل مثالي للأعمال الإرهابية، بما في ذلك استخدام أسلحة الدمار الشامل، والتي قد تؤدي بسهولة، على خلفية انعدام الثقة العام، إن لم يكن إلى الكراهية، إلى قدح شرارة حرب كبرى كما أن الشيطنة المتبادلة، كرد فعل من جانبنا، تعمل على خفض الحواجز الأخلاقية التي تتعارض مع القرارات القسرية، حيث يتم الآن إرسال مئات ومئات الآلاف من الأوكرانيين إلى المذبحة لمحاربة الروس المكروهين، فيما يبدو أن الضحايا الذين يموتون بسبب انهيار البنى التحتية والأدوية لا يتم ذكرهم على الإطلاق، أو يتم التقليل من أعدادهم بكل الطرق الممكنة. ومن الأكيد أن التعامل مع الروس “الشياطين” سيكون على نحو أسوأ، فقد وصلت كراهية الروس إلى مستوى غير مسبوق تقريباً في التاريخ، وربما يمكن مقارنته فقط بموقف النازيين تجاه السلافيين واليهود. وفي بلدنا، يتزايد، على أقل تقدير، ازدراء مثير للاشمئزاز ليس فقط تجاه القادة، ولكن أيضاً تجاه مواطني الدول الغربية.
تنشأ حالة ما قبل الحرب بسرعة من الناحية الأخلاقية والنفسية. ونحن لا نرى أناساً عاديين، وإنما نرى أناساً مخدوعين، وهم بدورهم بالتأكيد لا ينظرون إلينا كأشخاص عاديين.
في الوقت نفسه، لم تؤد تقنيات المعلومات الحديثة والإنترنت إلى زيادة وعي الجماهير، كما كانوا يأملون، وإنما أدت إلى زيادة القدرة على التلاعب بهم، ويبدو أنها أدت إلى التدهور الفكري الشامل، بالتأكيد على مستوى النخب العامة التي يمكننا ملاحظتها.
وأصبحت النتيجة الإجمالية هي مستوى غير مسبوق تقريباً من عدم الثقة والشك بين القوى العظمى، التي تحولت إلى تنافس مفتوح. وهذا على خلفية نظام حوار منهار، وانهيار نظام الحد من الأسلحة، الذي لم يكن مفيداً جداً، بل وضار في بعض الأحيان في الماضي، إلا أنه، على الأقل، كان يوفر قنوات اتصال بين القوى العسكرية العظمى.
وأخيراً، أعود وأكرر، أصبح الأمر الأكثر وضوحاً هو إعادة توزيع سريعة وغير مسبوقة للقوى العالمية في التاريخ، من الغرب إلى الأغلبية العالمية، التي وضع التاريخ روسيا كي تصبح محركها العسكري والسياسي.
تواجه الإنسانية مهمة وجودية، لمنع الكارثة التي تقترب بلا هوادة في أفق العقد المقبل، وهي الحرب العالمية الثالثة، التي تجبر الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية، على التراجع والتكيف مع الواقع الجديد. وللقيام بذلك، من الضروري إجبار “الدولة العميقة” على تجديد النخب القيادية، قدر الإمكان، والتي لا تتناسب أيديولوجياتها، ولا مسؤوليتها، وارتباطها بالعصر الماضي للديمقراطية الليبرالية العالمية، والأهم من ذلك، ذات الكفاءة المنخفضة، لا تتناسب مع التحديات التي تواجهها البشرية. فالغرب المتهاوي من الممكن أن يجر معه الجميع إلى الهاوية، بما في ذلك “الدولة العميقة” نفسها.
ومن الواضح أن الصين العظمى الصاعدة ليست مستعدة بعد لأداء هذه المهمة، فلا تزال لديها خبرة قليلة في الدبلوماسية العالمية، بما في ذلك الدبلوماسية العسكرية. “فمن تبقى سوانا؟”.
يبدو أن درء خطر الحرب العالمية على وجه التحديد، وكذلك تحرير البلدان والشعوب من الهيمنة ومن الدول المهيمنة، وحماية سيادة الدول، والإنسانية والعقيدة في الإنسان، هي الرسالة التاريخية لشعبنا متعدد الجنسيات، والمكون الخارجي للسياسة الثقافية والوطنية والدولة، و”الحلم/ الفكرة الروسية”، والتي إما ما زلنا نبحث عنها، أو نخشى صياغتها لأنفسنا والعالم.
وإذا كان من الممكن تجنب كارثة عالمية، فإن العالم سوف يتمكن في غضون عقدين من الزمان من إنشاء توازن جديد للقوى ونظام دولي متعدد الألوان والثقافات وأكثر إنصافاً. وإذا لم يحدث ذلك، فقد لا نفشل فحسب، لإنهاكنا في المواجهة مع الغرب في ساحات أوكرانيا، بل قد ينتهي بنا الأمر كذلك إلى حرب عالمية مع الجميع.
ولكن، وحتى في عالم قد يكون أكثر عدلاً بشكل عام، ستظل هناك حاجة إلى تعزيز “الصمامات” بالاعتماد على الردع النووي. وسيظهر على الساحة عمالقة جدد، وسيتنافسون حتماً. إن تفعيل العامل النووي بالرعب الذي يثيره ضروري لمنع التنافس الحتمي من التصاعد إلى الحرب. لهذا، وإذا كان لا بد من استخدام الأسلحة النووية (لا قدر الله)، فيجب أن تكون الضربة ضخمة للغاية، وعلى وجه الخصوص، ولهذا السبب ذكرت في مقالي السابق “الاستخدام الجماعي”.
فإذا تم استخدام الأسلحة النووية على نطاق محدود وبقوة تصل إلى عدة كيلو طن، فمن الممكن أن ننتصر في الحرب، لكن الرعب الذي تخلفه تلك الأسلحة، والذي يحافظ على السلام النسبي لمدة ثلاثة أرباع قرن من الزمان سوف يتم تدميره. وسوف تصبح الأسلحة النووية “قابلة للاستخدام”. أعلم أنني لست وحدي، بل كتب بعض زملائي في الغرب، أنهم كانوا يخشون حدوث تبادل محدود للضربات النووية بين الهند وباكستان في هذا السياق. ولم يكن العالم لينهار، لكن الرعب المقدس من الأسلحة النووية سوف يختفي. واستخدام تلك الأسلحة في أوروبا، ونظراً لدورها الرئيسي في أجندة وسائل الإعلام العالمية، من شأنه أن يعيد مثل هذا الرعب. لكني أكرر: لا قدر الله.
بعض الخطوات العملية
لا أرى طريقة أخرى لمنع نشوب حرب عالمية، وقبل ذلك عملية عسكرية باهظة التكلفة في أوكرانيا، إلا من خلال الاعتماد المتزايد على الردع النووي، وربما ليس فقط من خلال التهديد-الترهيب-الإيقاظ، وليس فقط من خلال التهديد بانتقام روسيا على أراضي حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضاً، وإذا لزم الأمر، ضد القواعد الأمريكية (ليس لدينا قواعد في الخارج تقريباً). ويجب على صقور واشنطن والجمهور أن يعلموا أن الانتقام من سياساتهم العدوانية المتهورة أمر لا مفر منه. لهذا، فمن الضروري، أولاً، خفض سريع في عقيدتنا المتمثلة في رفع عتبة استخدام الأسلحة النووية بلا مبالاة، إن لم يكن بتهور، وثانياً، تحرك دقيق، ولكن حاسم لصعود سلم التصعيد والردع والترهيب، وإقناع أنفسنا والعدو في الوقت نفسه، بالاستعداد لاستخدام جماعي للأسلحة النووية ضد عدد من البلدان في أوروبا، ممن يشاركون بقوة أكبر في دعم المجلس العسكري في كييف، إذا لم ينجح الأمر ولم يتراجع الغرب ويعيد النظر في سياساته. وأكرر مرة أخرى أن مثل هذا الخيار هو خيار رهيب من الناحية الأخلاقية، وأدعو الله ألا نضطر إلى القيام به، لكن البديل أسوأ من ذلك على نحو ميؤوس منه.
والخطوة المناسبة، وإن كانت متأخرة، على “سلم التصعيد” هي الإشارة أخيراً إلى ماهية حلف شمال الأطلسي “الناتو”. لقد ولد الحلف كمنظمة لقمع المنشقين – الشيوعيين آنذاك، والقوة الوحيدة المقاتلة في أوروبا التي استسلمت لهتلر، وكان لديها فرص كبيرة في عدد من البلدان للوصول إلى السلطة بفضل السلطة التي اكتسبتها – وأصبح “الناتو” تحالفاً عسكرياً بفضل كيم إيل سونغ، الذي أطلق العنان للحرب الكورية، وجوزيف ستالين الذي أعطى الضوء الأخضر لها. قبل ذلك، لم يكن لدى “الناتو” قيادة عسكرية، ولا عقيدة، ولا قوات مسلحة. وحتى عام 1999، ظل “الناتو” تحالفاً دفاعياً، إلا أنه مع ذلك يولد العداء ويعيش عليه. وبعد إحساسه في التسعينيات بإمكانية الإفلات من العقاب، قام باغتصاب عسكري سياسي جماعي لبقايا يوغوسلافيا. وبعد أن استوعب الأوروبيين الشرقيين بمجتمعاتهم التاريخية أصبح أكثر تشدداً. وفي عام 2003، شنت الغالبية العظمى من أعضاء “الناتو” عدواناً غير مبرر على العراق، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من مليون شخص، وزعزعة استقرار منطقة شاسعة. وفي عام 2011، قام بالعدوان على ليبيا، ما أدى إلى تدمير ذلك البلد، وتقويض الاستقرار في منطقة الساحل. بعد ذلك استعد الحلف لحرب ضد روسيا، باستخدام “علف المدافع” الأوكراني. إننا، ولسبب ما، لا نقول إن المادة الخامسة من اتفاقية حلف “الناتو” هي مجرد خدعة، ولا تنص على أية ضمانات تلقائية. وقد ذهلت حينما قرأت في الوثائق كيف أصر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، أواخر الأربعينيات، وتوصلوا إلى بغيتهم، بعدم وجود ضمانات تلقائية. وبانضمامها إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، فإن البلدان تنضم إلى منظمة إجرامية ارتكبت سلسلة من الاعتداءات، وبالتالي فهي غير شرعية أخلاقياً، كما أنها تحول نفسها إلى أهداف من الدرجة الأولى لضربة نووية. وأعتقد أننا لو بدأنا الحديث عن هذا الأمر مبكراً، لكانت الدوائر الحاكمة في فنلندا أو السويد قد أعادت التفكير قبل اتخاذ خطوة تقترب من انتحار محتمل. والاعتماد المتزايد على الأسلحة النووية لا بد وأن يخدم وظيفة الردع التي لم تعد فعالة، وهي إبعاد المغامرين عديمي العقول من دوائر القيادة في الدول النووية.
وسوف يؤدي الارتقاء على سلم التصعيد والردع إلى صرخة دعائية، بدأنا نسمع أصداءها الآن بشكل واضح. لكن الحركة ستغير من موازين القوى، بما في ذلك في المفاوضات المحتملة.
وسوف يقترح الغرب قريباً هدنة، بل وربما يفرضونها، من أجل كسب الوقت لتوفير الغطاء السياسي لإعادة تسليح عملاء كييف، وتعزيز مجمعهم الصناعي العسكري، والاستمرار في إنهاك روسيا. ربما سيتعين علينا التفاوض. لا أعرف قدراتنا العسكرية والاقتصادية الحقيقية، لكن يمكنني الافتراض أن هذه الحرب، مثل الحرب العالمية التي تلوح في الأفق خلفها، لا يمكن إنهاؤها أو منعها إلى من خلال فرض انسحاب استراتيجي على الغرب، يفضل أن يكون انسحاباً بشرف قدر المستطاع، لما يمكن أن يؤديه الانسحاب المخزي من الانتقام.
وسوف يقترحون إجراء مفاوضات بشأن الحد من الأسلحة للتغطية على سياساتهم وإضفاء الشرعية على برامج إعادة التسلح. وسوف تناصرهم زمرة دولية من الناشطين المحترفين في مجال نزع السلاح، الذين يشعرون بالحنين إلى أهمية احتلالهم أثناء الحرب الباردة الأخيرة. لقد كانت للمفاوضات في السابق فائدة محدودة في أفضل الأحوال، أما الآن فقد أصبحت بلا معنى على الإطلاق، بل إنها ضارة من حيث النتائج النهائية. ومجموعة الأسلحة الحالية والمستقبلية تستبعد عملياً إمكانية التوصل إلى اتفاقيات مهمة: فليس من الواضح ما الذي يجب تغييره ولماذا. والصراع المعلوماتي حولها في سياق التفوق الغربي في المجال الإعلامي قد يضفي الشرعية على برامج إعادة التسلح الغربية أو يلقي بنا في ضوء غير موات. لكن، وعلى المدى المتوسط، وكجزء من تحقيق توازن جديد، وإذا فهم الغرب الطبيعة الانتحارية للسياسة الراهنة بالنسبة له (والتي إما تؤدي إلى هزيمة مخزية له ولعملائه في ساحة المعركة، أو لا قدر الله، إلى ضربة نووية وهزيمة وتدمير أوروبا)، فقد تكون المفاوضات مفيدة لتبادل المعلومات واستعادة عادة الحوار والتعاون المفقودة.
إلا أن علينا الآن في الوقت الراهن، للعام أو العامين المقبلين اتباع استراتيجية هجومية في أوكرانيا (لا يتم كسب الحروب بالدفاع)، والعمل المكثف داخل البلاد، من خلال تحديث وتطوير تفكير النخب، وتسريع إعادة صياغة الاقتصاد، وفرض القيم الجديدة المستندة إلى الأصول، وإزاحة مركز التنمية نحو جبال الأورال وسيبيريا، وتعزيز البلاد وتحويل المجتمع إلى أمة. والعملية العسكرية الروسية الخاصة، كما ذكرت آنفاً، تساعد في ذلك، إلا أنه لا يمكننا أن نسمح بحرب طويلة ومرهقة نتكبد فيها خسائر فادحة وترهقنا.
يجب أن يساهم عملنا الداخلي أيضاً في تعزيز الردع ومنع وقوع كارثة عالمية عامة، يجب أن يكون الناس على دراية بالتحديات الحقيقية، وأن يكونوا مستعدين لدعم قيادة الدولة إذا ما اضطرت إلى اتخاذ إجراءات صعبة. وهذا الاستعداد وحده من شأنه أن يعزز مصداقية الردع النووي ويكون بمثابة عامل قوي في منع الحرب النووية، لا سيما الحرب العالمية.
ولن أتعمق أكثر في وصف سلم التصعيد والردع والترهيب، فالموضوع حساس. وقد اقترحت بعض الخطوات. خطوة أخرى تمت مناقشتها على نطاق واسع في الصحافة المفتوحة وخلف الكواليس هي تجارب التفجيرات النووية. وقبل ذلك، كان هناك انسحاب من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي لم تصدق عليها الولايات المتحدة قط. ولست متأكداً من مدى ملاءمة البيان الأخير لوزارة خارجيتنا بأننا سنمتنع عن استئناف الاختبارات إذا لم تستأنفها الولايات المتحدة. إلا أن هذا يبدو انتكاسة للسياسة الدفاعية التي لم تسفر عن شيء جيد، بل قيدت أيدينا. لكن الشيء الرئيسي هو الجهود المقابلة، التي لم تتم مناقشتها، ولكنها، وكقاعدة عامة، تمثل الخطوات الملموسة الأكثر إقناعاً في المجال العسكري التقني. ونظراً للكفاءة الرديئة للقيادة الأمريكية، فإن هناك حاجة إلى تفعيل أنظمة الإنذار المبكر وزيادة واضحة في جاهزية قوات الردع الاستراتيجية.
من الواضح أنه ليس من شأني مناقشة سيناريوهات محددة لاستخدام الأسلحة النووية، بما أنه ليس لدي معلومات كافية عن قواتنا، وقدرات خصومنا، بما في ذلك الأعداء المحتملين. لكن الاتجاه واضح بالنسبة لي، في حالة استمرار الدعم العسكري الهائل لكييف، واستجابة للإشارات المناسبة، والاستخدام الاستباقي والوقائي للأسلحة النووية ضد أهداف في عدد من البلدان الأوروبية. وبالطبع، وبالتوازي مع هذه التهديدات، يجدر عرض التراجع ودون خجل أو تصعيد. يجب علينا أن نفعل كل ما هو ممكن ومعقول حتى لا نستخدم “سلاح الله” حتى ضد أولئك الذين يتجاهلون الوصايا والأخلاق الإنسانية العادية والفطرة السليمة. دعونا أن نأمل أن يعيد الله لهم عقولهم، ولكن “توكل على الله ولا تخطئ”.
إننا نواجه تحدياً غير عادي، وسنواصل عدم الرد بالأسلحة النووية، لكننا سنتبادل إطلاق النار والاحتجاج، وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن يكون هناك رد فعل تلقائي، حتى ولو كانت الضربة الانتقامية ضرورية.
إن العتبة النووية المرتفعة تمهد الطريق أمام استخدام الأسلحة السيبرانية، وأنواع جديدة من الأسلحة البيولوجية والوراثية، التي أصبح إيصالها أرخص وأكثر سهولة. ومن الواضح أن الولايات المتحدة، كما هي الحال الآن، وبعد كشف العشرات من المختبرات البيولوجية، تستعد لمثل هذه الحروب. وعلى العدو أن يعلم أن أعماله العدوانية ستقابل بضربة ساحقة، وحتى غير متناسبة.
من الناحية النظرية، يسمى هذا بالغموض الاستراتيجي الإيجابي، الذي يعزز الردع، ويساعد ليس فقط على تجنب الحرب النووية، بل الحرب بشكل عام.
وبعد أن دفعنا احتمال استخدام الأسلحة النووية إلى عتبة مرتفعة غير مقبولة، فإننا لم نمهد الطريق لحروب غير نووية كبيرة ووقوع خسائر بشرية هائلة جديدة فحسب، بل قمنا أيضاً بإبطال استثماراتنا الضخمة في الإمكانات النووية جزئياً. فهل نحتاج إليها فقط لمنع وقوع ضربة نووية ضخمة غير متوقعة على أراضينا؟ وألسنا بذلك نرتكب خطيئة جسيمة أمام الأجيال السابقة من مواطنينا الذين عاشوا حياة هزيلة، وجاعوا جماعياً، وماتوا بسبب الإشعاع في محطات تخصيب اليورانيوم من أجل إنشاء درع نووي لوطننا؟ وهو الدرع الذي لا معنى له إذا لم يكن لديك سيف بين يديك، وأنت على استعداد لاستخدامه لإنقاذ شعبك والإنسانية من كارثة عالمية كبرى.
وفي ظل المنافسة الشديدة المتزايدة بين القوى العظمى، والتي ستظهر في المستقبل، وفي ظل عدم وضوح الخطوط الفاصلة، عند كلا الطرفين، بين الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشمال، لا سيما الأسلحة النووية، فإن المهمة الأساسية لا تقتصر على منع الحرب النووية فحسب، بل أيضاً في تجنب الحرب بشكل عام، خاصة بين القوى النووية الكبرى، والتي سيكون هناك المزيد والمزيد منها.
وإذا قامت الولايات المتحدة/الغرب، كما يهدد بعض الخبراء الغربيين رفيعي المستوى بالخداع (ويكرر أفكارهم مواطنونا)، بضرب القوات المسلحة الروسية، فيجب أن يتم تحذير العدو بشكل غير علني، من خلال التدابير المناسبة ذات الطبيعة العسكرية التقنية، وبشكل علني من أن موجة ثانية من الضربات النووية ستوجه إلى أراضي الدول الأوروبية. وإذا كان الأمريكيون، كما يعتقد بعض خبرائنا، قادرين على الاهتمام بحلفائهم ومواصلة العدوان، فيجب تحذير واشنطن من أن الهجمات النووية على القواعد الأمريكية في أوروبا سيتبعها مقتل عشرات الآلاف من القوات الأمريكية. فالأمريكيون، بقواعدهم المنتشرة في جميع أنحاء العالم، أكثر هشاشة منا من حيث الحجم. وعليهم أن يفهموا أننا ندرك هذا الأمر. ولا بد من أن تصبح مثل هذه الضربات، بشكل رسمي وغير رسمي، جزءاً من عقيدتنا المتمثلة في الردع-الترهيب-الإيقاظ لمن يفقدون عقولهم. فلتستجيب النخب الأوروبية، التي جرّت بلدانها إلى حلف “الناتو” وسمحت له بالتدهور إلى معتد مباشر أمام شعوبها، ودعونا نأمل في استيقاظ الأخيرة.
وإذا تم تنفيذ ضربات، من أي نوع، على أراضينا أو على جمهورية بيلاروس، فيجب على الأمريكيين وحلفائهم أن يعلموا أنه، بالطبع، ستتبع ضربات انتقامية محدودة على أراضي الولايات المتحدة وتلك الدول التي تجرؤ على الهجوم. لكني أكرر ما قيل أكثر من مرة، بما في ذلك في المقال السابق. فإنه وحده رجل مجنون يجلس في البيت الأبيض، يكره بلاده، ومعه جيش يضع مثل هذا الأمر موضع التنفيذ (ما يعني أنهم أيضاً يكرهون وطنهم)، قد يخاطرون بإلقاء فيلاديلفيا أو بوسطن أو لوس أنجلوس في نيران نووية من أجل إثبات خدعة “الضمانات الأمنية” الوهمية لبوزنان أو كلايبيدا أو فرانكفورت أو بوخارست. آمل ألا يكون هناك مجانين في باريس ولندن بعد. ولكن ماذا يقصد خبراؤهم بالتهديد بشن ضربة واسعة النطاق على القوات المسلحة الروسية؟
ولكن نظراً لتوجهات التطور التي تمر بها النخب الغربية، فبوسعنا أن ننتظر ظهور مثل هؤلاء المجانين. يجب مقاطعة هذا المسار في المستقبل القريب قبل فوات الأوان وسقوط البشرية في هاوية الحرب العالمية الثالثة.
إن التنقل في سلم التصعيد لوقف حريق في بداياته ومنعه من الانتشار نحو كارثة عالمية يمكن تشبيهه بإنشاء حواجز نارية، وإذا ما فشلت المحاولة في وقف الحريق، قد يكون من الضروري إنشاء حريق مضاد. أصبح هذا التحول أكثر أهمية من أي وقت مضى الآن، بعدما بدأت حرائق الغابات تشتعل في جميع أنحاء الكوكب، بما في ذلك بسبب الأضرار التي سببتها الرأسمالية الحديثة الوحشية وغير المسؤولة، القائمة على نمو لا حدود له في الاستهلاك.
وبطبيعة الحال، وبالتوازي مع تعزيز مصداقية الردع النووي، ومع اتخاذ تدابير صارمة لتعزيز الأمن، فمن الضروري تقديم بديل سلمي. لا بد من عرض حل لـ “القضية الأوكرانية” غير مشينة للولايات المتحدة، إلا أن هذا القرار يجب أن يتوافق تماماً مع مصالحنا. وعلى أراضي أوكرانيا الحالية، لا ينبغي أن تبقى تشكيلات دولة معادية لنا. وإلا فإن العودة إلى الأعمال العدائية، وإلى السؤال الذي يمزق المجتمع أمراً لا مفر منه: ما الذي قاتلنا من أجله، ومن أجل ماذا مات رجالنا؟
إننا بحاجة، أخيراً، إلى طرح وتعزيز الحلم/ الفكرة الروسية من أجلنا ومن أجل العالم، من أجل بناء أوراسيا الكبرى حقاً، حيث سيكون هناك مكان للعديد من الدول الأوروبية، التي ربما تستيقظ من أزمة اليوتوبيا “الديمقراطية الليبرالية” العولمية أو الديستوبيا التي قادتهم إلى طريق مسدود. وينبغي أن يصبح تطوير مجموعة “بريكس+” هو الأساس لتحديث الأمم المتحدة. إننا لم نبدأ بعد في تطوير بديل متزايد الإلحاح للرأسمالية الغربية العولمية الحديثة التي وصلت إلى طريق مسدود، والتي تخلو من الأسس الأخلاقية، وتقوم على عبادة الاستهلاك غير المحدود الذي يدمر الإنسان والطبيعة نفسها.
وهناك عدد كبير من المهام السلمية والروحية الملحة. ويتعين علينا أن نفكر في كيفية التوصل إلى توازن جديد ومستقر للقوى، وإلى نظام عالمي متعدد الأطياف والثقافات في المستقبل، يكون حراً للبلدان والشعوب الآن. إلا أن المهمة الأكثر إلحاحاً تتلخص في استخدام تدابير صارمة، بما في ذلك المقترحة والمتضمنة في هذا المقال والمقالات السابقة، لضمان وصول هذا المستقبل وعدم انزلاق العالم إلى حرب شاملة.
في خطوة أو خطوتين، وعندما يعودون إلى رشدهم، سيكون من الممكن الاتفاق على نظام عالمي مفيد للجميع، يشمل الغرب ولن يعارضه.
———————————————————————————–
تنويه: مصدر المقال، موقع روسيا اليوم.
اضغط لقراءة المقال باللغة الانكليزية
مقال مقترح للقراءة في فضاء المسألة نفسها: الدوغينيّة – البوتينيّة
