العالم الآن

لبنان الكبير

مائة عام على الاحتلال اللبناني للأقضية السورية الأربعة!

بعيداً عن السرد التاريخي المعروف والمكرر الذي يلاحظ كيفية ولادة لبنان الكبير، الذي تشكّل رحمه ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى في 11 تشرين ثاني من العام 1918، وموقعة ميسلون في 24 تموز 1920، التي كانت البوابّة التي عَبَرَها الجيش الفرنسي نحو دمشق. وما جرى بين هذين التاريخين من نشاط سياسي دولي ومحلي، أدى في نهايته إلى إعلان البشارة السّارة بولادة هذا (المخلوق السياسي: لبنان الكبير)، بصوت القابلة الفرنسية، التي استولدته من ذلك الرحم وسلّمته للإشبينين الأبديين البطريرك والمفتي، اللذين سيرضعانه من حليبهما الطائفي بالتساوي، ويرعيانه ويلعبان معه وبه، ويتخاصمان عليه ويمزقان ثيابه ويجرحان جسده الذي يحمل ندوباً لا تندمل، ثم يعودان للاتفاق على ضرورة صيانته ومداواة جراحه والحفاظ عليه… كما هو وكما استلماه من القابلة، وذلك حينما يستشعران بأن ثمة من يحاول تحريره من بين يديهما اللتين تكبّلانه، لإطلاقه حراً في نطاق (ملعبه) التاريخي ليشتعل نوراً وهّاجاً في وجه ظلمة كالحة!

بعيداً عن هذا السرد الذي يمكن أن يتشعب ويطول وينيم شهريار لأكثر من ألف ليلة وليلة…يمكن القول بعد مائة عام: إن (لبنان الصغير/ المتصرّفية) قام باحتلال الأقضية الأربعة السورية وألحقها به ولا يزال!!

هل مِن عَجَب من هذا الكلام؟؟

إنَّ المنطق الذي يستند إلى مقررات مؤتمر سان ريمو (25 نيسان 1920)، والذي أعاد إنتاج اتفاقية سايكس – بيكو (1916)، وفق معطيات جيو – سياسية مستجدة، مكرّساً خريطة سياسية ممزقة لجسد الهلال الخصيب، يتوازع السيطرة عليها كل من بريطانيا وفرنسا تحت بند الانتداب المشرّع في المادة (22) من ميثاق عصبة الأمم… إنَّ هذا المنطق يقود لاعتبار متصرّفية جبل لبنان، مستقويّة بالجيش الفرنسي، قد قامت بالاعتداء على أراضٍ تابعة إدارياً لدمشق، ووضعت اليد عليها وأحكمت إلحاقها بها ولا تزال.

وفق المنطق القومي، ينتفي هذا السرد: بمقدمته وسياقه ونتيجته. حيث الأرض المتوازعة بين الكيانات السياسية المستولدة في سان ريمو، لا تأخذ هويتها من مقررات هذا المؤتمر الدولي، وإنما من سياق تاريخها المتصل بحياة المجتمع ودورة حياته ومصالحه ووحدتها. بهذا المعنى إن كانت حاصبيا أو راشيا تابعة لبيروت أو تابعة لدمشق، فلا شيء بهذه التابعية يحيل إلى الهوية ومعناها.

الاحتفالية بـمئوية (لبنان الكبير)، بالمعنى (اللبنانوي – الكياني) هو تذكّير بتلك اللحظات التاريخية التي تم فيها تجزيّء هذه البلاد وتقسيمها، وتبشّيع خريطتها وزيادة ويلاتها ويلات لا تزال تتوالد، بفعل سياسات وثقافات كيانية تتباهى بقدرتها على أن تظلَّ عصيّة على التفاعل مع محتواها الهوياتي المقموع والمغيب، وأسيرة منطق المؤتمرات الدولية ومصالحها.

وفق المنطق الذي يفضي إلى الاحتفال بمئوية (لبنان الكبير)، كيف يمكن أن تحتفل فيه دمشق وبالمناسبة نفسها؟ وتحت أية تسمية؟ مثلاً: مائة عام على ولادة (سورية الصغرى) التي الآن (أصغر من نسختها الأولى)؟

يمكن أن تكون احتفالية (لبنان الكبير)، ذات معنى تاريخي، إن جاءت في إطار إعادة إنتاج (الإيقاع المعنيّ) للبنان، وهو الإيقاع المرتسم في ذلك المجال الذي وصلت إليه الإمارة المعنية (1590 -1625)، والذي يمتد شمالاً حتى طوروس، وجنوباً حتى العقبة والعريش ومعان، وشرقاً حتى دمشق وتدمر وصولاً إلى مناطق حمص وحماة وحلب.

هذا المجال، يشير إلى تجاوز الإمارة لنفسها، ربما في الاتجاه الذي كان يمكن أن يوصل إلى تأسيس (الإمبراطورية اللبنانية) على أنقاض امبراطورية عثمانية كانت رازحة فوق جسدنا…لولاّ وجود عطب بنيوي في متن (الامارة المعنيّة). تمثّل في أحد وجوهه، في الاختطاف الطائفي المحموم ( السنّي -الماروني – الدرزي) للأمير فخر الدين المعني المتهم بحجب طائفته؟ عطب سيكسر مشروعها ويضع حد له، وسيستمر متغلغلاٍ في التاريخ، ليظهر في قصر الصنوبر في 1 أيلول 1920، مشخّصاً بذلك المثلث: القابلة الفرنسية والاشبينين الطائفيين… و(طفل) في دائرة طباشير… أمه لا تزال ضائعة!!

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق