أوراق العالم القادم

من تالوس الجدّ الأكبر للسلالة إلى سايبورغ

الذكاء الاصطناعي بين حرية الانسان وخطر نهاية البشرية؟

النصّ الأسطوري والروبوت الإلهي

مرة سألني أحد الأصدقاء: “كيف يمكنني أن أعرف مسبقاً نتائج البحث في موقعي الإلكتروني التي سيخرجها الذكاء الاصطناعي؟” فكان جوابي ببساطة “لا يوجد ذكاء اصطناعي في موقعك”… إن هذا الجواب البسيط كان كافياً لشعور صديقي بالصدمة، إذ ومن وجهة نظره، الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً، ودخل كل منزل وجهاز الكتروني وبرنامج.

رغم أن ما يوجد على هاتفنا المحمول يعتبر شكلاً من أشكاله، إلاَّ أنَّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحقيقة، لا زالت محدودة ويقتصر استخدامها على الشركات الضخمة ومراكز البحوث والجامعات. لكن وعلى فرض أننا طبقنا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في هذا الموقع البسيط فإنه لو اجتمع كل علماء الأرض لما تمكنوا من الجواب على ذلك السؤال البسيط، إذ أن “الذكاء الاصطناعي هو النظام الوحيد الذي اخترعه الإنسان ولا يمكن أن يتنبأ بماذا سينتج عنه مسبقاً“، ولكن لندرك معنى هذا الكلام تماماً، ولنعرف لماذا الإنسان اليوم مهووس بالذكاء الاصطناعي، ربما علينا أن نعود في الزمن إلى الوراء ونغوص في التاريخ، إلى زمن لا يرتبط غالباً بمواضيع التكنولوجيا الحديثة، وهو زمن الأساطير التي تعجُّ فصولها بالآلهة وأفعلها.

مشهد تخيلي لاسطورة الروبوت الأول تالوس

ها هو هيفستوس إله التكنولوجيا والحِرف في الأساطير اليونانية، حيث يروي هسيودوس في قصديته “الأعمال والأيام” في سنة 700 قبل الميلاد، قصة الملك مينوس الذي أراد أن يحمي مملكته من الدخلاء بدون عناء تكاليف الحماية والاشراف عليها فقام هيفستوس بصنع أهم اختراع له وهو تمثال برونزي بشكل إنسان ضخم يملك قوة استثنائية ويتحرك بطاقة “دماء الآلهة”، حيث كان يقوم بدورية ثلاث مرات في اليوم لحماية المملكة من الدخلاء، إلى أن واجهته يوماً الساحرة ماديا وبخدعة منها عرضت عليه الحياة الأبدية، ولأن فيه روح البشر وحب الأبدية كأي كائن حي، قبل العرض فسلبته دماء الآلهة وسقط أرضاً فكانت نهايته. في الأسطورة أطلق هيفستوس على اختراعه اسم تالوس Talos ليكون ذلك أول سجل انساني لروبوت في التاريخ.

جسّد تالوس في الأسطورة، حالة الحصول على التكنولوجيا الكاملة وتحقيق هدفها النهائي، إذ ومنذ اختراع أول أداة وأول آلة كان هدف الإنسان هو التحرر من أعباء الحياة، عن طريق تسهيل مهامه باستخدام الأدوات والآلات، لكنه اكتشف أنه مهما بلغ من قدرات معرفية وتكنولوجية ومهما صنع من آلات متقدمة ومعقدة ستبقى هذه الآلات بحاجة لمن يشغلها ولمن يشرف عليها.

الولادة العلمية للذكاء الاصطناعي

هذه التكنولوجيا حررت الانسان من أعباء الحياة، لكن جزئياً وليس كلياً، ولم ينل يوماً الحرية المطلقة التي يسعى إليها، فلم يجد الإنسان خياراً آخر إلا بتكليف أو تجيير مهامه الحياتية لذكاء آخر يماثله في قدرات الوعي، وقد جرّب على مر العصور عدة نماذج تدرجت من مرحلة العبودية أو العشائرية إلى بناء الشركات والمؤسسات وصولاً إلى الاقتصادات المعقدة، كل ذلك في سبيل الحياة الأسهل والحرية الأكبر، إلاَّ أن هذه النماذج من الحلول لم تمنحه الحرية الكاملة، بسبب الطبيعية البشرية وما يرافقها من أخطاء ومشاكل ورغبات وتفاعلات أدت إلى عدم الوصول إلى الحرية التامة. فاتجه الإنسان نحو إنتاج تلك الآلة الذكية التي تملك الحرية والوعي كما يملكهما هو والتي تكون قادرة على القيام بكل المهام بدون مساعدة وهو ما نسميه اليوم الذكاء الاصطناعي.

التاريخ البشري، بمختلف عصوره وتوالي حضاراته، كان يشهد تلك المحاولات الدائمة لاختراع شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، بدءاً من الحضارات القديمة ما قبل الميلاد حتى يومنا هذا، إذ إن هذا الحلم الفريد والاستثنائي دخل في الآداب والعلوم وقصص الخيال العلمي وأصبح هوس المتنورين علمياً، فهو الاختراع الأهم والأكمل، وهو إذا ما حدث بشكله النهائي سيرتقي بالإنسان من مرتبة عائلة (الحيوانات) الى (مرتبة الآلهة)!! اذ وفي تاريخنا الإنساني، الآلهة أو الله هو الوحيد القادر على خلق حياة ذكية من غيرنوعه، فكل عائلة الحيوانات تولد حياة جديدة من نوعها فقط.

آلان تورينغ الأب الروحي للذكاء الصنعي

إلا أنه عبر التاريخ كانت محاولات الوصول للذكاء الاصطناعي بلا جدوى، وتقتصر فقط على أشكال بدائية للمكننة إلى أن قام عالم الرياضيات آلان تورينغ Alan Turing  بوضع أساسيات الذكاء الاصطناعي في 1950  حيث توصّل للتساؤل المنهجي التالي: إن كان الإنسان يستخدم المعلومات المخزنة في ذاكرته بالإضافة إلى المنطق لاتخاذ القرارات، فلماذا لا يمكن للآلات القيام بنفس الشيء؟… لكن لنتوقف عند هذا الحد قليلاً فالتكنولوجيا المطلوبة لتطبيق هذه النظرية لم تكن تبلورت بعد في ذلك الزمن، فكان على الحواسيب أن تتحول بشكل دراماتيكي لتستطيع إتمام هكذا عمليات معقدة، إلَّا أن هذا لم يثبط من عزيمة تورينغ الذي وبعد خمس سنوات وبمساعدة زملاء له قدم أول برهان أولّي proof of concept في مؤتمر ذكاء اصطناعي، وذلك البرهان يعتبر من قبل كثيرين أول برنامج ذكاء اصطناعي تم انجازه في التاريخ.

ثورة الخوارزميات

كمبيوتر ديب بلو يلاعب بطل العالم في الشطرنج الروسي غاري كاسباروف

تتالت الأحداث والانجازات في حقول خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلاَّ أنه في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين حل الركود في مجال هذا البحث، بسبب قناعة الممولين باستحالة الحصول على ذكاء آلي بالإمكانيات الموجودة آنذاك، إلى أن حلت التسعينيات وبدأت المنافسة بين الشركات اليابانية والأمريكية في إثبات التقدم التكنولوجي مما دفع البحوث إلى الأمام فأثمرت خبراً حل كالصاعقة في الأوساط العملية حيث تمكن كمبيوتر IBM Deep Blue  من التغلب على أهم لاعب شطرنج في التاريخ غاري كاسباروف Garry Kasparov .

مخطط بسيط لخوازرمية شبكة عصبونية

هذا الإنجاز أعاد إحياء البحوث في الذكاء الاصطناعي حتى بات الآن هناك عشرات خوارزميات الذكاء الاصطناعي، من خوارزميات الشبكات العصبونية   neural network وخوارزميات تعلم الآلات Machine learning إلى خوارزميات البحث والتنبؤ، كلها تتمحور حول محاكاة طريقة عمل العقل البشري والمنطق البشري باستخدام الآلة.

هذه الخوارزميات تمكن الآلة من التعلم، أي باستخدام وقت محدد ومعلومات محددة تستطيع الآلة أن تكتسب خبرة معينة بنفسها بدون مساعدة خارجية لحل مشكلة ما.

مشهد من لعبة ماريو في محاولة أحد برامج الذكاء الصنعي تعلم اللعبة

أحد أبسط الأمثلة التي يمكن مقاربتها للبشر هي لعبة “ماريو”  Mario الشهيرة ، فإذا أعطيت هذه اللعبة لطفل صغير مع تعليمات بسيطة قد يتمكن من اتمام المستوى الأول للعبة في غضون بضعة ساعات. وبالمقارنة يتمكن الذكاء الاصطناعي باستخدام الخوارزميات العصبونية والوراثية وبنفس القدر من المعلومات من اتمام المستوى الأول في 30 دقيقة.

الذكاء الاصطناعي واستقلاله عن مخترعه؟

في الحقيقة، من غير المحبذ لا بل من الخطورة استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحساسة التي تٌعنى بالسلامة العامة كالطيران والمحاكاة والأجهزة الطبية، والسبب بسيط جداً ويتمثل في أن الذكاء الاصطناعي اكتسب قدرة الإنسان على التعلم إلاَّ أنه أيضاً اكتسب قدرته على الخطأ، فبالرغم من أننا نعلم كيف تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلاَّ أننا كبشر لا يمكننا أن نتنبأ بنتائج هذا العمل. فكما أننا لا يمكننا أن نتنبأ بما إذا كان الطفل الصغير سيجتاز مستوى في لعبة ماريو في محاولة ما، كذلك لا يمكننا أن نتنبأ بما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيجتاز ذلك المستوى في اللعبة في المحاولة المدروسة. وبهذا يكون “الذكاء الاصطناعي هو النظام الوحيد الذي اخترعه الانسان ولا يمكن أن يتنبأ بماذا سينتج عنه مسبقاً” حتى لو اجتمعت لدينا كل المعلومات اللازمة.

إن هذه الحالة جعلت من الذكاء الاصطناعي موضوعاً جدلياً وخطيراً في أوساط المتنورين والعلماء، فمنهم من وقف ضد تطويره بشكل كامل باعتباره (صندوق باندورا)، الذي يشكل الخطر الأكبر على الإنسان، ومنهم من أيد ذلك بغية دفع الإنسانية إلى الأمام لأنه سيجلب المعجزات إن تم استخدامه في المجالات الحساسة مثل الصحة العامة والأمن.

قد نكون دخلنا حالياً في عصر المعجزات، فهل كان يمكننا أن نتخيل قبل عشر سنين أننا سنتكلم يوما ما إلى هاتفنا المحمول وسيتعرف على صوتنا وشكل وجهنا ويجيبنا على أسئلتنا بما نريد؟ إن خوارزميات التعرف على الأصوات والتعرف على الوجوه هي كلها أشكال بدائية من الذكاء الاصطناعي ويقوم بتطويرها الكثير من الشركات في الوقت الحالي.

غوغل و (العقل العميق)

البطل الخارق للذكاء الصنعي ، النابغة ديميس هاسابيس

إحدى أهم هذه الشركات، ومن أشرس المدافعين والمستثمرين في مجال الذكاء الاصطناعي هي الشركة الالكترونية الأكبر عالمياً والتي كان لها الأثر الأكبر في ما نراه حاليا من مفاعيل الذكاء الاصطناعي شركة غوغل Google  والتي تملك أهم وأحدث (وربما أخطر) قسم ذكاء اصطناعي وهو DeepMind (العقل العميق) والذي كان في الأساس شركة بريطانية مستقلة اشترتها غوغل  من مؤسسها النابغة ديمس هاسابيس Demis Hassabis والذي بعمر ال14 كان يعتبر ثاني أهم لاعب شطرنج في العالم، ولينطلق بعد عدة سنين ليؤسس شركته في العام 2010 ويصبح يلقب بـ”البطل الخارق للذكاء الاصطناعي” superhero of artificial intelligence.

لتبرهن غوغل للعالم مدة قوة برنامجها في الذكاء الاصطناعي، قامت بإنتاج البرنامج AlphaGo المخصص للعلب اللعبة الصينية الشهيرة غو Go وقد تمكن هذا البرنامج من التغلب على بطل العالم لمدة عشر سنين على التوالي الكوري لي سيدول Lee Sedol في عام 2016 .

نموذج من صورة لأحد الألواح الرابحة التي تعلم منها البرنامج AlphaGo

لكن ما المميز في ذلك؟ ألم يقم برنامج كمبيوتر بالتغلب على لاعب الشطرنج الأهم في 1997؟ للجواب على هذا السؤال، يمكننا القيام بمقارنة بسيطة بين الشطرنج ولعبة غو، فنرى أن لعبة غو الصينية فيها احتمالات لتوضّعات لوح  اللعب أكثر من عدد الذرات في كل الكون المعروف، مقارنة بلعبة الشطرنج المحدودة . وعليه إذا ما سألت لاعب غو لماذا قام بحركة معينة؟ فالإجابة تكون أنه “شعر” أنها جيدة، إذ لا يمكن للعقل البشري احتساب الاحتمالات المنطقية للعبة. فهي لعبة غرائزية حسابية للتدريب على فن الحروب وليست لعبة حسابية كالشطرنج.

ولكن كيف تمكن برنامج كمبيوتر من التغلب على إنسان في لعبة فيها عدد لا نهائي من الاحتمالات؟ السر كان في بناء خوارزمية عامة الاستخدام General Purpose لا تحتاج إلى قوانين أو معطيات لحل مسألة ما ، ثم استخدام قاعدة بيانات غوغل الضخمة (التي تخزن تقريبا الانترنت بأكمله) في الحصول على 100 الف صورة للوح لعبة غو رابح. وتلقين هذه الصور للبرنامج ليتعلم منها.

فتمكن البرنامج بعد معالجتها من الاستنتاج والتعلم، ثم قام فريق المبرمجين بجعل البرنامج يتحدى نفسه باللعبة 30 مليون مرة، ليتعلم من أخطائه، فتنتج نسخة أفضل من سابقتها، مما أدى في النهاية الى هزم بطل العالم.

الحركة 37 وحركة يد الله!

والمثير للفضول أن البرنامح AlphaGo وفي الدورة الثانية، قام بحركة أصبحت معروفة بالحركة الأشهر في تاريخ اللعبة، باسم الحركة 37 التي ساهمت في ربح اللعبة وأحدثت صدمة أذهلت جميع الخبراء، حيث أنه لا يمكن لأي إنسان بالتفكير بالقيام بها، ويعتبر كثيرين أنه وبهذه الحركة أثبت البرنامج تخطيه لحدود فهم ومنطق العقل البشري. فالبرنامج AlphaGo  قد تعلم شيئاً عن اللعبة نحن البشر الذين اخترعناها لا نعرفه.!!

لي سيدول يلاعب AlphaGo
لي سيدول يلاعب AlphaGo

وتزداد درجة الإثارة أيضا، في ملاحظة كيف أن اللاعب الكوري في المحاولة الرابعة تعلم من البرنامج نفسه ومن الحركة 37 ولعب الحركة 78 والتي أصبحت تسمى حركة “يد الله” Hand of God  والتي  كانت احتمالية التنبؤ بها أقل من 1 من 10 آلاف، مما باغت البرنامج الذي فوجئ بها ومكنت اللاعب من الفوز، وعند مراقبة ذاكرة الكمبيوتر لاحظ المبرمجون تغييراً فجائياً في العمليات الحسابية وكأن البرنامج قد استسلم فجأة. ما يعني قدرة العقل البشري في ظروف استثنائية من التغلب على الذكاء الاصطناعي وكأننا نشاهد مشهداً من فلم خيال علمي.!

الجدير بالذكر أنه بعد تطوير برنامج AlphaGo تمكن من اللعب ضد 50 بطل بنفس الوقت وهزمهم كلهم ومن بينهم لي سيدول، ثم أتت النسخة المحدثة منه AlphaZero حيث تفوق على نسخته القديمة AlphaGo بنتيجة 100-0، ويمكن لهذا البرنامج لعب أي لعبة في العالم وليس فقط غو.

بعد ذلك كله، ماذا فعلت غوغل بهكذا برنامج خطير؟ لقد اعطته صلاحيات مطلقة على مخدماتها ومراكز بياناتها لمراقبة كل الانترنت والحصول على كل معلومات البشرية، بهدف نبيل وهو حل مشاكل لم يتمكن الانسان من حلها مثل الاحتباس الحراري وعلاجات السرطان.

مدير شركة غوغل سندار بيشاي بجانب الكمبيوتر الكمي

تقوم غوغل أيضا بتطوير أول كمبيوتر كمي عملي في العالم Quantum Computer وينافسها قلة من الشركات منها IBM إلاَّ أنه في الآونة الاخيرة تفوقت غوغل على منافسيها وتمكن كمبيوترها من حل مسألة تحتاج الكمبيوترات الأخرى عشرة آلاف سنة لحلها، والآن تقوم بتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي العصبونية الكمية Quantum Neural Network  والتي ستعمل على هذا الكمبيوتر ولا يمكن لأحد التنبؤ بقوتها وشدة ذكائها.

الذكاء المخيف والتنافس بين عمالقة التكنولوجيا

قد يكون من المخيف إعطاء هكذا ذكاء كل هذه القدرات والصلاحيات. يقول إيلون موسك Elon Musk أحد أهم المتنورين في عصرنا الحالي حول برنامج غوغل للذكاء الاصطناعي في إحدى مقابلاته الإعلامية: “هناك شركة وحيدة في العالم أخاف منها”

الروبوتان “أطلس” و “سبوت” من شركة بوستن داينامكس

فلنتخيل دمج هذه القدرات بقدرات شركة بوستن داينامكس Boston Dynamics  الرائدة في صناعة الروبوتات  والمدعومة من وزارة الدفاع الامريكية /البنتاغون والتي تمكنت في غضون عشر سنين، ليس فقط من بناء روبوتها الشهير (أطلس)Atlas القادر على المشي والركض بنفسه، بل والقادر على القفز والقيام بحركات جمباز تحاكي مرونة الانسان، يضاف إلى ذلك بناء روبوتات للقيام بمهمات معقدة وخطيرة لا يمكن للإنسان القيام بها وبدون برمجة مسبقة.

سنيفن هوكينغ

يقول الراحل ستيفن هوكينغ  Stephen Hawking أحد أعظم العقول في عصرنا: “لدينا الأشكال البدائية للذكاء الاصطناعي وقد أثبتت جدواها. لكن الذكاء الاصطناعي قد يكون النهاية للجنس البشري. عندما يبني البشر الذكاء الاصطناعي سينطلق حراً من تلقاء نفسه وسيعيد تصميم نفسه بتواتر لا متناهٍ في الزيادة، والبشر المحدودين بالتطور البيولوجي لن يتمكنوا من المنافسة وسيهزمون”.

إلاَّ أنَّ هذه التحذيرات لم توقف عمالقة التنكولوجيا على المضي قدماً في هذا المجال، فعلى سبيل المثال قامت مايكروسفت Microsoft بإنشاء قسم خاص بالذكاء الاصطناعي بهدف “نشر الذكاء الاصطناعي للجميع” عن طريق توفير منصة للمبرمجين لاستخدامها في مختلف التطبيقات.

بيل غيتس

يقول بيل غيتس Bill Gates مؤسس مايكروسفت “إن تطور الذكاء الاصطناعي لن يحصل قريباً، ليس علينا أن نرتعب، ولكن لا أتفق مع الذين يقولون أنه ليس علينا أن نقلق أبداً

جيف بيسوس بجانبه روبوت “سبوت” من شركة بوستن داينامكس

على المقلب الآخر يقول جيف بيزوس Jeff Bezos مؤسس أمازون (أغنى رجل في العالم) أن أمازون تستخدم الذكاء الاصطناعي في كل ما تقوم به تقريباً، فنحن على أبواب العصر الذهبي للذكاء الاصطناعي والذي سيحسن كل نواحي الحياة البشرية .

من ناحية أخرى، يعتبر برنامج شركة فيسبوك Facebook أحد أهم برامج الذكاء الاصطناعي، ويشرف عليه بشكل مباشر مؤسسه الملياردير مارك زوكريبرغ Mark Zuckerberg الذي يوظف المئات من العلماء لتطوير هذا الحقل، الى حد وصل تطور خوارزميات التعرف على الوجه في فيسبوك، أنها قادرة على التعرف على وجهك في صورةما بشكل أفضل من أصدقائك وأهلك!

مارك زوكريبرغ

تحاول فيسبوك دفع الذكاء الاصطناعي للأمام بالتصدي لحل المشاكل المعقدة، كفهم المشاعر وحركات الوجه وقراءة ما بين السطور وحركات الجسم، باستخدام ملايين الصور التي جمعتها من منصتها على الانترنت. الهدف النهائي هو بناء روبوت يحاكي الإنسان وقادر على الدخول معه في محادثة شبه طبيعية.

تيم كوك
تيم كوك

على الرصيف المجاور تحاول أبل Apple بناء أكبر نظام ذكاء اصطناعي، والذي أسماه مديرها   تيم كوك Tim cook “النظام الأم لكل الذكاء الاصطناعي” والذي سيحاول أن يحيط الانسان بكل نشاطاته وحاجاته، حتى أنه يتضمن بناء سيارة يقودها الذكاء الاصطناعي، ولعل هذا المشروع أحد أكثر المشاريع سرية. وقد وصل طموح شركة أبل بالتفوق والمنافسة إلى إغراء رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في غوغل لينتقل للعمل فيها، وإغراء موظفي شركة تسلا Tesla للسيارات المسؤولين عن برنامج القيادة الآلية للانضمام اليها.

إن هذا التنافس بين عمالقة التكنولوجيا، في مجال الذكاء الاصطناعي، يجلب التخوف لبعض المتنورين الذين يرون فيه خطراً محدقاً بالبشرية، ومنهم من يقول أنه قد فات الآوان !! وعلى رأس المتخوفين الرؤيوي أيلون موسك Elon Musk الرائد في التكنولوجيا، اذ يقول، في وثائقي عن الذكاء الاصطناعي، باسم “هل تثق بهذا الكمبيوتر؟” Do you trust this computer? : “ليس على الذكاء  الاصطناعي أن يكون شريراً ليدمر البشرية، اذا تواجد هدف للذكاء الاصطناعي، وبالصدفة كانت البشرية عائقاً فبالتأكيد سيدمر الذكاء الاصطناعي البشرية بدون أية مشاعر، مثل اذا كنا كبشر نشق طريقاً وبالصدفة كان هناك بيت نمل فيه، فوداعاً لبيت النمل، على الرغم أننا لا نكره النمل … نحن فقط نشق طريق”

ايلون موسك يشرح عن شركته نورولينك
ايلون موسك يشرح عن شركته نورولينك

ويضيف أيضاً “لدينا تقريباً بضع سنين متبقية فقط، بالتأكيد الذكاء الاصطناعي الخارق سيحدث في فترة حياتنا الحالية”

وفي مقابلة أخرى يقول” إنني أعمل على مقربة من أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي في العالم وهي ترعبني حقاً . إنه قادر على القيام بأشياء أكثر بكثير مما نتخيل”

ياخذ أيلون موسك منحى ايجابياً بالتعامل مع الذكاء الاصطناعي، فهو يعلم أننا لا يمكننا التفوق عليه ولكن علينا التعايش معه، فمثلا يدعو موسك لإنشاء جمعية عالمية لوضع قوانين لتطوير الذكاء الاصطناعي اذ يقول : ” إن خطر الذكاء الاصطناعي أشد بكثير من خطر الرؤوس النووية ، ولا أحد يقترح أن نسمح لأي كان ببناء رؤوس نووية كما يحلو له فهذا جنون ، لذا لماذا لا نملك تنظيم قانوني للذكاء الاصطناعي؟”

ولتحقيق هذا الهدف قام ايلون موسك بالاستثمار في شركة DeepMind  ليحد من جموحها ويبقي مطلعاً على مشاريعها ، كما انشأ شركته OpenAI والتي هدفها وضع برامج وأنظمة تستخدم في بناء الذكاء الاصطناعي، متضمنة قوانين لا يمكن تجاوزها تكون أولويتها هي الغاء الخطر على الانسانية.

سايبورغ ونهاية الانسان القديم

ولكن الخطر الإضافي أيضاً، يبدو في الروبوتات، فهي ستنتشر بشكل كبير وستسلب فرص العمل من البشر، فلن يكون هناك أي عمل لا تستطيع الروبوتات القيام به بطريقة أفضل من البشر، فكيف يمكننا المنافسة؟ للحقيقة المشكلة الفعلية لا تكمن في جهازنا العصبي ولا في دماغنا بل بتفاعلنا مع البيئة المحيطة، وبشكل أدق في “عرض الحزمة” Bandwidth للإنسان ، فالإنسان قادر على معالجة المعلومات بشكل يعادل قدرة الذكاء الاصطناعي، لكنه بطيء جداً فيما يتعلق بعمليات الادخال والاخراج input/output ونقل المعلومات Data transfer. فعلى سبيل المثال، لكتابة صفحة قد يحتاج الإنسان إلى دقيقتين أو ثلاث من الكتابة ولقراءتها نحتاج لوقت أقل من ذلك بقليل، ولكن الكمبيوترات قادرة على نقل المعلومات بين ذاكراتها بسرعة هائلة لا تقارن بنا، فمثلاً تستطيع بعض الكمبيوترات نقل كل الكتب في كل مكتبات الانسانية على مدى التاريخ في غضون عدة ثوان من كمبيوتر إلى آخر.

ولذلك قام إيلون موسك بإنشاء شركة Neuralink وهدفها الأساسي تحولينا الى كائنات سايبورغ Cyborg حيث تندمج التكنلوجيا في أجسامنا وأجهزتنا العصبية لتتمكن من زيادة قدراتنا كبشر. وفي شهر آب 2020 قامت الشركة بعرض أول شريحة لها مدمجة في عقل خنزير تقوم بقراءة المعلومات من دماغه وإدخالها اليه عن طريق الموجات الالكترونية.

ولم يقف موسك عند هذا الحد بل تقوم شركته للسيارات الكهربائية تسلا Tesla بتطوير أول برنامج قيادة آلية للسيارات وستكون سيارات تسلا أول سيارة تقود نفسها وينافسه في ذلك البرنامج غوغل وأبل.

يبدو أن التنافس الحاد بين كل هذه الشركات العملاقة وكل طموحاتهم قد دفع لتخطي الخطوط الحمر بمنع الذكاء الاصطناعي من الدخول في القطاعات الحساسة، اذا ستتغير هذه الخطوط الحمر قريباً، وسندخل في غضون سنوات قليلة في عصر الذكاء الاصطناعي الحقيقي، فإننا نرى اليوم برامج التعرف على الصوت والمحادثة والتعرف على الوجوه في هواتفنا المحمولة، ونرى أيضا برامج تستطيع التغلب على البشر في أي لعبة، وسنرى في ال 2022 سيارات تقود نفسها و روبوتات تقوم بعمليات جراحية إلى أن نصل إلى مرحلة الاندماج الكلي في عصر الذكاء الاصطناعي.

إن بناء الذكاء الاصطناعي الكامل في العقد القادم، سيكون أعظم إنجاز للإنسان، فهو يحاكي  إنجازات الآلهة في الأساطير ، فهل بعد 2700 سيتحقق حلم الإنسان الأسطوري بالحصول على قوة الذكاء الاصطناعي، وهل سيتمكن الإنسان من تطوير نفسه ككائن حي لمواكبة هذا التطور أم أنه سيفشل في السيطرة على ما خلقته يداه، ويكون جشعه غير المحدود في الحصول على الرفاهية والحرية المطلقة هو ما سيسبب انقراضه؟

فيديوهات ذات صلة:

فيديو يشرح كيفية تعلم برنامج الذكاء الاصطناعي لعب لعبة ماريو الشهيرة

https://www.youtube.com/watch?v=5GMDbStRgoc&ab_channel=TrendzLink

وثائقي AlphaGo يشرح تاريخ البرنامج ويواكب المنافسة المثيرة بين بطل العالم والبرنامج عام 2016

https://www.youtube.com/watch?v=WXuK6gekU1Y&t=13s&ab_channel=DeepMind

مشاهد من القدرات المتقدمة لروبوتات شركة بوستن داينامكس

https://www.youtube.com/watch?v=uhND7Mvp3f4&ab_channel=AwesomeTech

ستيفن هوكينغ في مقابلة يحذر من الذكاء الصنعي

https://www.youtube.com/watch?v=fFLVyWBDTfo&ab_channel=BBCNews

الوثائقي المثير “هل تثق بهذا الكمبيوتر” ويبدي فيه عدد من اللاعبين في مجال الذكاء الاصطناعي  وجهات نظرهم، ومخاوفهم ومنهم ايلون موسك.

https://www.youtube.com/watch?v=DVprGRt39yg&ab_channel=Dr.CalebCheung

 

منير سمعان

مهندس كمبيوتر

‫2 تعليقات

  1. مقال رائع وفعلا مبسط قدر الامكان . لكن السؤال الى اين وصل الذكاء في اكتشاف ادوية لمعالجة الامراض المزمنة والاوباء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق