المقال

لا يطيق العناق…!

أسقط التقويم آخر يوم من العام 2020، الذي انقضى… دون أن ينقضي!

هو عامٌ فاصلٌ بين عالمين، أو قد يكون بداية حقبة ستفصل بين عالمين.

كورونا: هو الاسم/الكائن، الذي أدّى إلى إنتاج هذه الرؤية للزمن ولتاريخ الإنسانية في لحظّتها الراهنة.

كورونا: هو العنوان الطاغي على العام 2020، المستبّد بأبوابه وتفاصيله وملحقاته، والمُؤسس لذلك التغيير الحاسم في حياة الانسان كـ (فرد)، كما في حياة المجتمع الإنساني برمّته.

فرض كورونا علينا: فلسفته وقيمه ومقاييسه ولغته وقاموسه. اسمه على شفاه كل إنسان، تمتمةً ووشوشةً وخوفاً، أو صراخاً ووجعاً وألماً، أو تداولاً علميّاً أو سياسيّاً أو فنيّاً… من شرق الأرض إلى مغربها، يدور حديث البشر عن هذا (اللا – مرئي)، وكأنّهم يتلون فصلاً من فصول علم اللاهوت، أو من الفلسفة الميتافيزيكية!!

الإنسان في متاهة. حائرٌ كيف يرضي هذا (الجبّار، القهّار، القويّ، الفظيعٌ) الذي يتجه ليكون (عظيماً)؟

إلى الآن، لم نتمكّن من إنتاج شروط الطاعة التي تقنع هذا (اللا مرئي) بإشعارنا برضاه علينا، ومنحنا بركّته وقبولنا ككائنات في كونه العجيب!

هو، في كونه: هائم، دائر لا يتوقف. موجود في كل مكان، دون أن يُرى في أيّ مكان!

المخابر ومراكز البحوث، عملت ولا تزال بطاقتها العظمى لإنتاج (لِقاح) قادر على إكساب جهاز المناعة قدرة (التّعرّف) على هذا الكائن الغامض، مثلما عملت (المخابر اللاهوتيّة) على إنتاج (التسابيح والدعاءات) التي ليست سوى (شيفرة الانسان) ليتعرّف إليه الخالق، ويقرأ شروط تسّليمه بوجوده وقدرته المطلقة!!

رغم ذلك، ثمّة من يغامر وينكر سيرته؟ يغامر ويتمرّد على سلطانه؟ يكفر بـ (لاهوته)!

 ثمّة من يؤكّد أنَّ هذا اللا- مرئي: (رِجسٌ من عمل الانسان)؟!

لكن، ما هو الفرق؟

إنْ كانت الطبيعة هي من تَلدُ مخلوقاتها وتضع قوانينها، أو أنَّ الإنسان يتجاسر ويقلّدها في ابتكار ما هو من (كائناتها)؟

أَوَليس الإنسان من روح الطبيعة ونسيج جسدها؟

اقترف الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه ذات مرة خطأ إخراج الإنسان من الطبيعة، فرأى أنَّ (الإله الذي خلقه الانسان، آن له أن يموت)!

لا الانسان تجرّأ على المحاولة، ولا الإله سمع بخبر (إعدامه).

الطبيعة هي من ترتّب الأماكن لـ (كائناتها) وتمنحها (قدراتها)… وليس الوعي الشقيّ أو غير الشقيّ الفلسفي لنيتشه… أبداً!

هكذا، تسيّد كورونا عرش (الغموض) وقدراته، وبدأت سلالاتُه بالانتشار، تتوازع ملكياتها وحصصها، متكاتفة ومتنافسة في آن. هي (طوائف) ذلك (الغامض… الجبّار… اللا – مرئي)!

مَن يميّز إنْ كان (كوفيد التاسع عشر) ملكاً متمّرداً على عصر الأنوار، أو فيروساً قاتلاً، أو نبيّاً مرسىلاً؟

مَن يميّز (مناعة القطيع) وسياساتها، عن أعمال التبشير ونشر الرسالة؟

مَن لا يشعر بأنَّ (التبّاعد الاجتماعيّ)، ليس إلاَّ (توضّعاً) مفروضاً في (معبد الطبيعة) لاكتساب السلامة، ونيل الأمان، وعدم إثارة غضب هذا (اللا – مرئي)، الذي لا يطيق (الالتحام الإنساني)، ولا حتّى (التّقارب الإنساني)، الذي يشيّع نفسه، بالتموضع (الفرديّ) وراء شاشات ومِنَصّات (العالم الآخر) الافتراضي؟

مَن أصبح لا يضيق بالزحام والتزاحم، على أبواب المتاجر والصالات والملاعب؟

مَن لم يعد يرى في ذلك الصف الطويل من البشر، الذي ينتظر خارج أبواب المتاجر، (فائضاً مزعجاً) عن طاقة الأرض للاستيعاب، وخارجاً على قوانين الطبيعة، لنكون وجهاً لوجه أمام (مالتوس) ورؤيته وتحذّيره وتبشيره بضرورة التضحية بالفائض، عن طريق الأوبئة أو الحرب أو غيرها كي يعود التوازن الحيوي وتستوي الطبيعة إلى نفسها؟

بلى،

هذا الفيروس،

هذا اللا – مرئي،

هذا الغامض،

لا يطيق، التلاحم البشري،

لا يطيق، مصافحة الأصدقاء،

ولا قبلات العشّاق،

ولا عناق الأحبّة…

لكن، ماذا يبقى من هذه الإنسانية كلّها، إن ذهبنا جميعنا، لنتوضّع وراء شاشات ومِنَصّات (العالم الآخر)!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق