العالم الآن

مَن يلعب بـ (الجوكر)؟

داعش: ورقة اللعب الزائدة، بيد مَن؟

[مع أعداء كهؤلاء، لا يحتاج تنظيم الدولة الإسلامية لأصدقاء– بيتر هارلينغ وسارة بيرك]

ليست ورقة (الجوكر)، التي نراها عندما نفتح علبة جديدة من (أوراق اللعب – ورق الشَدّة)، والتي تعود في عمرها إلى العصور الوسطى (ربما المظلمة؟)، من أصل الأوراق الـ (52) التي هي المجموع الكلي لها، بل هي مستحدثة – أي ورقة زائدة – لا يتجاوز عمرها الـ (160) سنة. البريطاني تشارلز جودال هو مَن طَبَع ورقة (الجوكر) وأضافها لورق اللعب وذلك تخصيصاً للسوق الأميركية التي بدأت (تلعب) بها مع مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر فأعطت لعبة (البوكر – المقامرة) مزيداً من (المقامرة)… ثم انتقل (الجوكر) إلى بلد المنشأ ثانية، ليُستخدم على (الطاولة البريطانية) ومن ثم شاع استخدامه على مختلف موائد اللعب، وبأيدي مختلف اللاعبين في العالم.

منذ ظهور تنظيم الدولة الاسلاميّة في العراق والشام في نيسان 2013، بدا كورقة (الجوكر) المضافة إلى أوراق اللعب الأصليّة على المائدة / المنصَّة العراقية – الشاميّة. ومع توسّع سيطرة التنظيم (وتنمّره وتجاسره) على إعلان الخلافة الاسلاميّة في 29 تموز 2014، ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة عليها، بدا التساؤل عمن يكون خلفه، حاضراً على نحوٍ بارز في مختلف الأدبيات التي اعتنت بمقاربة هذه الظاهرة (غير المتوقعة)!!

من يقف خلف داعش؟ يجيب عزمي بشارة (أخذنا عزمي بشارة كمثالٍ نموذجي واضح عن مثقف متدخل ومؤثّر في السياق العام للحدث الذي نتناول جانباً منه)، يجيب دون تردد وكاستكمال للسؤال الذي شكّل عنواناً لمقالة له نُشرت بعد أسبوع من إعلان الخلافة، 6 آب 2014، يجيب: سؤال عقيم. جواب مفاده: لا أحد. ويعني هذا بوضوح شديد أنه يمكن أن تكون الأطراف المستفيدة من وجوده عديدة ومتواجهة ومتصارعة – بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، العراق والشام، روسيا وإيران، إسرائيل، السعودية وقطر وتركيا…- وكل واحدة منها تستفيد من وجوده ودوره لسبب يخصّها، ولكن أية واحدة منها لا تقف خلف ظهوره. يعتبر بشارة أنَّ اتّهام أية دولة بأنَّها تقف وراء داعش هو أسلوب (ينزع منها – داعش – بعدها التاريخي) كما ينتزعها (من سياقها الاجتماعي). بعبارة قاطعة يعيد عزمي بشارة (الوليد الجديد) إلى عوامل اجتماعية وسياسيّة، تتصدرها، كما يقول، عمليات (تصدير أنماط السلفية من الجزيرة العربية) ما أنتج (دين بداوةٍ جديد) / (دين العدميّة الأخلاقيّة).

للوهلة الأولى، يترك تحليل عزمي بشارة، انطباعاً بالصرامة المنهجية التي تُنتج فارق مستوى معرفي مع البحث (المؤامراتي) الذي افتتاحيته، مَن يقف خلف داعش؟ على أنه من السذاجة والتبسيط المقصود فهم السؤال على النحو الذي يفترض أنَّ هذا الذي خلف داعش في العام 2013 وما بعده، قام بتصنيع هذا التنظيم، بشروطه الاجتماعيّة والتاريخيّة، في (مختبر مخابراتي) وأطلقه في سهل نينوى كوحشٍ كاسر!!

تحليل بشارة له صفة عموميّة يمكن تصديره كمقدمة لفهم ظاهرة (التنظيمات الجهادية) في مختلف فروعها، من بداية تأسيسها مع مطلع الثمانينيات للجهاد في أفغانستان وصولاً إلى الآن. السؤال المطروح ليس من خلفية معرفية أو اجتماعية تاريخيّة، بل من خلفية سياسية يهتم بالبحث عن الوظيفة والدور الذي يقوم به التنظيم في إطار الحدث الجاري، وفي أية جيوب تجمع عائدية هذا الدور، ومَن يملك الـ (51%) من الأسهم المستثمرة فيه، والـ (49%) الباقية لمن تعود؟

لا يُقارب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بالمعنى الاجتماعي والتاريخي، بعيداً عن مقاربة تنظيم القاعدة ومشتقاته، بل وعلى نحوٍ أدق بعيداً عن حقل (الإسلام السياسي) عموماً الذي قد يعيدنا إلى حسن البنا ومن ثم سيد قطب. على أنَّ المقاربة (الاستثمارية) لأداء ووظيفة تنظيمات (الإسلام السياسي) فرضت نفسها مع تنظيم القاعدة منذ حلَّ كـ (شركة) تنفيذية تم إعدادها وتدريبها لإنجاز تسوية (الأرض الأفغانية) بإخراج السوفيت منها أولاً، ومن ثم تأتي التتمات وتتغير التعهدات وأماكن العمل.

الأجوبة – التي شارك بها العديد من الكتاب والمثقفين والسياسيين في مقالات كثيرة وعلى مدى السنوات الماضية – عن سؤال: عمن يقف وراء داعش؟ جاءت في معظمها، إن لم تكن كلّها، من ضمن متطلبات (المنهج الاستثماري) نفسه. ولذلك تعددت واختلفت على نسبة أسهم الاستثمارات الموظفة في (شركة داعش). يمكن أن نجد الأجوبة التالية جنباً إلى جنب: بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل وإيران والعراق والشام وتركيا وقطر…. ولكل جواب حيثياته وشروحاته وأمثلة تؤكده!!

الولايات المتحدة مثلاً تقف وراء داعش لاعتبارات استراتيجيّة مرتبطة بوجودها على الخط الذي يوجد فيه التنظيم الذي انتزع مساحات واسعة وصلت في حدودها ما بين الموصل وغرب حلب، وبمجرد سيطرته عليها اعتبرت بمثابة (مشاع سياسي) مكّن الولايات المتحدة من إعادة تدويره وتجييره لجهات دولية إقليمية (تركيا) أو تنظيمات محلية (قسد) مع الحفاظ على الوجود المباشر الذي يقطع خط بغداد – دمشق، ويختطف (سورية المفيدة).

إيران مثلاً، تقف وراء داعش بدلالة عدم وقوع عمليات للتنظيم على أراضيها (مثل إسرائيل)!!، ولأن وجوده يبرر وجودها، وهو السبب نفسه الذي يُنسب للولايات المتحدة.

كان قاسم سليماني، الذي قتلته واشنطن بأمر مباشر من الرئيس ترامب، كان أول من أعلن هزيمة داعش والانتصار على دولة الخلافة في تشرين ثاني 2017، ومن ثم أعلنت الحكومة العراقية الانتصار على التنظيم في كانون أول 2017، وانتظرت الولايات المتحدة حتى آذار 2019، ليعلن الرئيس ترامب – ربما لأسباب داخليّة – الانتصار على داعش.

على أنَّ الحديث عن عودة داعش لم يتأخر كثيراً، وقد تكرّست القناعة بعودته ووجوده من قبل جميع الأطراف، وخصوصاً من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، في الاجتماع الوزاري الذي عقد في روما في حزيران 2021، حيث أكد البيان على عودة التنظيم وتفاقم خطره في العراق والشام، وأيضاً – وهذا مستجد عند التحالف – في جنوب الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل وموزمبيق في إفريقيا. (ثمّة من رأى خط ثروات باطنية تحت خريطة تواجد داعش الافريقيّة).

وها هو يؤكد مصداقيّة الحديث عن عودته بـ (إطلالته) الاحتفاليّة – الدمويّة على جمهوره في محافظة ديالي شرقاً، كما في سجن غويران في مدينة الحسكة.

هل وصلنا إلى يقين في بحثنا عمن وراء داعش؟

أم نحن في متاهة مقصودة تتأسس على لزوميّة وجود داعش في هذا العالم بالنظام السائد فيه؟

إمعاناً في البحث، هنالك من اعتبر ظهور داعش في العام 2013 – 2014، بمثابة (بجعة الربيع العربي السوداء)، فمن دونها كان ذلك الربيع سيظلُّ (جنّة للبجعات البيض)!!

لكن، مَن أتى بالبجعة السوداء؟

وفق تصوّر تشبيهي: إنْ كانت البجعات البيض هي أوراق اللعب الأصليّة (أوراق الشّدة)، فلا بدَّ أن البجعة السوداء هي (الجوكر).

إذاً، مَن أضاف (الجوكر) إلى أوراق اللعب؟

الجواب: قد يكون في السؤال: مَن طَبَع (الجوكر) وأين وضع ومَن لعب (البوكر)؟

 للمساعدة: (راجع المقطع الأول).

‫5 تعليقات

  1. ممتاز
    عندي سوءال هل هناك اشتراك لموقع سيرجيل وكم هو ؟ اذا الجواب فلماذا
    حدد الاشتراك سنوي او شهري وانا اول مشترك
    شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق