العالم الآن

هل نحن في الحرب العالميّة الثالثة؟

مقالان متتابعان لألكسندر دوغين

 مقالان

I

آخر تطورات الحرب في أوكرانيا

في الأيام القليلة الماضية، حدثت تغييرات كبيرة في ميزان القوى في أوكرانيا.  هذا يحتاج إلى النظر إليها بالمجمل.

كانت هجمات كييف المضادة بشكل عام فاشلة في منطقة خيرسون، لكنها، للأسف، نجحت في منطقة خاركوف.  إن الوضع في منطقة خاركوف والتراجع القسري للجيش الروسي والقوات المتحالفة هو نقطة التحول.  إذا وضعنا جانبًا التأثيرات النفسية والمعاناة الطبيعية للوطنيين الروس، فيجب أن يُسجل أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة في تاريخ العملية العسكرية الخاصة بأكملها.

يوصي الجميع الآن باتخاذ إجراءات غير عادية لتغيير اتجاه المد الهجومي، وبعض هذه المقترحات منطقية تماماً. نحن لا نتظاهر بأننا مبتدعون للحلول بأي شكل من الأشكال، لكننا سنحاول فقط تلخيص أهم النقاط والتوصيات الأساسية ووضعها في السياق الجيوسياسي العالمي.

الحرب العالمية الثالثة

نحن على شفا حرب عالمية ثالثة يدفعنا إليها الغرب بإصرار شديد.  وهذا لم يعد بداعي الخوف أو التوقعات، هذه حقيقة.  روسيا في حالة حرب مع الغرب الجماعي، مع الناتو وحلفائهم (وإن لم يكن مع الجميع – تركيا واليونان لديهما موقف خاص بهما، وعدد من الدول الأوروبية، في المقام الأول فرنسا وإيطاليا، ولكن ليس فقط، لا ترغب في المشاركة بنشاط في الحرب مع روسيا).  ومع ذلك فإن خطر نشوب حرب عالمية ثالثة يقترب أكثر.

ما إذا كان الأمر يتعلق باستخدام الأسلحة النووية هو سؤال مفتوح.  لكن احتمال إشعال يوم القيامة النووي يتزايد كل يوم.  إنه أمر واضح تمامًا، والعديد من القادة العسكريين الأمريكيين (مثل القائد السابق للقوات المسلحة الأمريكية في أوروبا، بن هودجز) يعلنون ذلك صراحة، لن يكون الغرب راضيًا حتى مع انسحابنا الكامل من أراضي أوكرانيا، سوف يقضون علينا في أراضينا، ويصرون على “الاستسلام غير المشروط” (ينس ستولتنبرغ)، و “نزع الإمبريالية” الروسية (بن هودجز)، وتقطيع أوصال روسيا.

في عام 1991، كان الغرب راضياً عن انهيار الاتحاد السوفيتي واستسلامنا الأيديولوجي، في المقام الأول من خلال تبني الأيديولوجية الليبرالية الغربية والنظام السياسي والاقتصادي تحت قيادة القيمين الغربيين.

اليوم، بالنسبة للغرب، الخط الأحمر هو وجود دولة روسيا ذات سيادة – حتى داخل حدود الاتحاد الروسي.

الهجوم المضاد للجيش الأوكراني في منطقة خاركوف هو ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا.

 يعلم الجميع أن هذا الهجوم تم تنظيمه وإعداده وتجهيزه من قبل القيادة العسكرية للولايات المتحدة والناتو، وتم تحت إشرافهما المباشر.  هذا ليس فقط استخدام المعدات العسكرية للناتو، ولكن أيضًا المشاركة المباشرة لمعلومات الأقمار الصناعية العسكرية الغربية زيادة على المرتزقة والمدربين.  في نظر الغرب، هذه بداية نهايتنا.

 نظراً لأننا أظهرنا التراخي في الدفاع عن الأراضي الواقعة تحت سيطرتنا في منطقة خاركوف، فيمكنهم إلحاق هزائم أكثر بنا.  هذا ليس نجاحاً صغيراً لهجوم كييف المضاد، إنه أول نجاح ملموس لقوات Drang nach Osten (الزحف نحو الشرق: شعار الألمان اواسط القرن التاسع عشر – المترجم) لقوات الناتو.

 بالطبع، يمكن للمرء أن يحاول أن ينسب ذلك إلى “الصعوبات الفنية” المؤقتة وتأجيل التحليل الأساسي للوضع إلى وقت لاحق.  لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تأخير فهم الأمر الواقع، وبالتالي لن يؤدي إلا إلى إضعاف أنفسنا وإحباطنا.

 لذلك، من الجدير الاعتراف ببرود: لقد أعلن الغرب الحرب علينا وهو يخوضها بالفعل. الحرب لم تكن من اختيارنا، ولم تحدث بإرادتنا.  في عام 1941، لم نكن نريد حرباً مع ألمانيا النازية ورفضنا التصديق بحدوثها حتى النهاية. لكن في الوضع الحالي، عندما تشن ضدنا الحرب على أرض الواقع، فهذا ليس امرا حاسما.  الآن المهم فقط هو الفوز بها، دفاعا عن حق روسيا في الوجود.

نهاية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا

كعملية محدودة لتحرير دونباس وعدد من أقاليم نوفوروسيا يمكن اعتبارها قد اكتملت. وتطورت تدريجياً إلى حرب شاملة مع الغرب، حيث، في الواقع، يلعب النظام الإرهابي النازي في كييف دوراً وظيفياً فقط. محاولة محاصرته وتحرير عدد من مناطق نوفوروسيا التي يسيطر عليها النازيون الأوكران، مع الحفاظ على توازن القوى الجيوسياسي الحالي في العالم دون تغيير، حيث فشلت العملية من ناحية تقنية، والتظاهر بأننا نواصل ببساطة العملية العسكرية الخاصة – في مكان ما على هامش الاهتمام العام – ببساطة لا طائل من ورائه.

 نحن الآن في حالة حرب ضد إرادتنا، وهذا ينطبق على كل مواطن روسي: كل واحد منا تحت رحمة سلاح العدو الإرهابي او القناص او سلاح عملاء أوكرانيا. في الوقت نفسه، فإن الوضع، مع كل الرغبة، من المستحيل إعادة كل شيء فيه إلى نقطة البداية – اي قبل 24 شباط فبراير 2022.

  ما حدث لا رجوع فيه، ولا ينبغي حتى أن يخاف المرء من أي تنازلات أو مساومات من جانبنا.  لن يقبل العدو إلا استسلامنا الكامل، واستعبادنا، وتقطيع أوصالنا، واحتلالنا.  لذلك ليس لدينا خيار آخر.

 نهاية العملية العسكرية الخاصة تعني الحاجة إلى تحولات عميقة للنظام السياسي والاجتماعي بأكمله لروسيا الحديثة – نقل البلاد ضمن العملية العسكرية – في السياسة والاقتصاد والثقافة ومجال المعلومات.  كان يمكن أن تظل العملية العسكرية الخاصة مهمة، لكن ليس اعتبارها الطابع الوحيد للحياة العامة الروسية.  الحرب مع الغرب تعلو على كل شيء.

مناطق ساخنة بالقرب من حدود روسيا

1-جمهورية دونيتسك الشعبية، جمهورية لوغانسك الشعبية، مواقع سير العملية العسكرية الخاصة.

2-المنطقة الإنفصالية شرق مولدافيا.

3-جمهورية أبخازيا.

. 4-جمهورية أوسيتيا الجنوبية

5-ناغورنو كاراباخ.

الجبهة الأيديولوجية

وجدت روسيا نفسها في حالة حرب أيديولوجية.

 إن القيم التي يدعمها الغرب المعولم – المثلية الجنسية، وإضفاء الشرعية على التصرفات المنحرفة، والمخدرات، ودمج الإنسان والآلة، وانتقال الناس أثناء الهجرة غير المنضبطة، وما إلى ذلك – ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهيمنته العسكرية والسياسية ونظامه أحادي القطب.

 الليبرالية الغربية والهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية العالمية للولايات المتحدة وحلف الناتو هي وحدة واحدة.

 إن الحرب مع الغرب وقبول قيمه (وإن كان ذلك بشكل جزئيً)، التي باسمها تشن حرباً ضدنا، حرب الإبادة، هي ببساطة أمر سخيف.

 إن أيديولوجيتنا المتكاملة لن تكون “مفيدة” لنا اليوم فحسب.  إذا لم يحدث ذلك، فسوف نخسر.  سيستمر الغرب في مهاجمتنا من الخارج، بأيدي نازيين أوكرانيين مسلحين ومدربين، ومن الداخل – بأيدي الطابور الخامس، الذي لا يزال ليبراليًا، يفسد بمهارة وعي جيل الشباب ويفسد روحه. بدون أيديولوجيتنا الخاصة، والتي ستحدد بوضوح من هو الصديق ومن هو العدو، سنجد أنفسنا في مثل هذا الموقف شبه عاجزين.

 يجب تعريف الأيديولوجيا الخاصة بنا وان بعبارات عامة على الفور، ويجب أن يكون جوهرها هو الرفض الكامل والمباشر لإيديولوجية الغرب والعولمة والليبرالية الشمولية، بكل أنواعها العاملة – بما في ذلك النازية الجديدة والعنصرية والتطرف.

التعبئة العامة

التعبئة العامة أمر لا مفر منه. الحرب تهم الجميع وتؤثر على الجميع.  ومع ذلك، فإن التعبئة لا تعني إرسال المجندين الجدد إلى الجبهة. يمكن تجنب ذلك – على سبيل المثال، من خلال تشكيل حركة تطوعية كاملة – مع التسهيلات الضرورية ودعم الدولة.

 يجب أن نراهن على قدامى المحاربين، وعلى دعم خاص لجنود نوفوروسيا.  روسيا لديها القليل من المتطوعين، لكن هناك مؤيدين لها في الخارج.  يجب ألا نتردد في تشكيل كتائب دولية مناهضة للنازية ومناهضة للعولمة من أناس شرفاء من دول الشرق والغرب.

 لكن الشيء الرئيسي هو أنه لا ينبغي الاستهانة بالروس. نحن شعب – بطل.  بثمن باهظ، لكن على كل عدو رهيب، انتصرنا أكثر مرة أو مرتين في تاريخنا المجيد (الإشارة إلى الانتصارات المجيدة على نابليون وهتلر – المترجم). سوف نفوز هذه المرة أيضاً، إذا كانت هذه المرة ستصبح حرباً شعبية ضد الغرب.

 إنها الحروب الشعبية التي تعودنا ان ننتصر فيها، حروب تستيقظ أمة عملاقة للمشاركة فيها.

 التعبئة العامة تنطوي على تغيير كامل في سياسة الإعلام.

 يجب إلغاء معايير زمن السلم (في الواقع، النسخ الأعمى لبرامج واستراتيجيات الترفيه الغربية التي تجلب الفساد إلى المجتمع).  يجب أن يصبح التلفزيون ووسائل الإعلام بشكل عام أدوات وطنية للتعبئة في زمن الحرب.  جميع الحفلات الموسيقية من اجل الجبهة، والوجود في داخل البلد هو أيضاً لدعم الجبهة. لقد بدأ هذا بالفعل تدريجياً، لكنه حتى الآن لا يؤثر إلا على جزء صغير من القنوات.  ويجب أن يكون في كل مكان.

 الثقافة، الاعلام، التعليم، التنوير، السياسة، المجال الاجتماعي – كل شيء يجب أن يعمل بالإجماع من أجل الحرب، أي من أجل النصر.

الاقتصاد

يمكن لأي دولة ذات سيادة إصدار العملة الوطنية بالقدر الذي تحتاجه.  إذا كانت حقاً ذات سيادة.  الحرب مع الغرب تجعل الاستمرار في الألعاب الاقتصادية وفقاً لقواعده بلا معنى.  لا يمكن للاقتصاد في زمن الحرب إلا أن يكون ذا سيادة.

من أجل النصر، يجب أن ننفق الكثير من المال حسب حاجتنا.  من الضروري فقط التأكد من أن المصروفات تتركز في دائرة خاصة مصممة للأغراض الاستراتيجية.  يجب اعلان الفساد في مثل هذه الظروف جريمة حرب.

 الحرب والراحة شيئان غير متوافقين.  يجب التخلي عن الراحة كهدف أو بوصلة لحياتنا.  فقط أولئك المستعدون لخوض الصعاب هم القادرون على كسب حروب حقيقية. في مثل هذه الحالات، تظهر دائمًا حفنة ​​جديدة من الاقتصاديين، هدفها إنقاذ الدولة.  هذا أولاً وقبل كل شيء.

يمكنك تسمية مثل هذا الاقتصاد باسم اقتصاد التعبئة، أو يمكنك ببساطة تسميته اقتصاداً عسكرياً أي اقتصاد الحرب.

حلفاؤنا

يلعب الحلفاء دوراً حيوياً في أي حرب.  اليوم، ليس لدى روسيا الكثير منهم، لكنهم موجودون.  بادئ ذي بدء، نحن نتحدث عن تلك الدول التي ترفض النظام الغربي الليبرالي الأحادي القطب.  يتعلق الأمر بمؤيدي التعددية القطبية – مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وصربيا وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وكذلك إلى حد ما الهند وتركيا وعدد من الدول الإسلامية والأفريقية وأمريكا اللاتينية (في المقام الأول كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا).

 في العمل معهم، من الضروري حشد جميع الموارد المتاحة، ليس فقط الدبلوماسية الرسمية، ولكن الدبلوماسية الشعبية.  ولهذا، مرة أخرى، هناك حاجة إلى أيديولوجية.  يجب أن نقنع الحلفاء بأننا قررنا الانفصال عن العولمة والهيمنة الغربية بشكل لا رجعة فيه ومستعدون للمضي قدماً في بناء عالم متعدد الأقطاب.  هنا يجب أن نكون متسقين وحازمين. انتهى وقت الألوان المتداخلة والتنازلات.

حرب الغرب ضد روسيا تضع البشرية على جوانب مختلفة من المتاريس.

العامل الروحي

اللحظة المركزية في المواجهة العالمية التي بدأت هي الجانب الروحي والديني.  وجدت روسيا نفسها في حالة حرب مع حضارة معادية للدين تقاوم الله وتطيح بأسس القيم الروحية والأخلاقية – الله، والكنيسة، والأسرة، والإنسان.

 مع كل الاختلافات بين الأرثوذكسية والإسلام التقليدي واليهودية والهندوسية والبوذية، فإن جميع الأديان والثقافات المبنية عليها تعترف بالحقيقة الإلهية والكرامة الروحية والأخلاقية العالية للشخص وتكريم التقاليد والمؤسسات – الدولة والأسرة والمجتمع.  لقد ألغى الغرب الحديث كل هذا، واستبدله بالواقع الافتراضي، والفردية المتطرفة، وتدمير اختلاف الجنس، والمراقبة العالمية، و “ثقافة الإلغاء” الشمولية، ومجتمع ما بعد الحقيقة.

تزدهر الشيطانية المفتوحة والعنصرية الصريحة في أوكرانيا، والغرب يدعم ذلك.

 نحن نتعامل مع ما يسميه الشيوخ الأرثوذكس “حضارة المسيح الدجال”.  لذلك، فإن دور روسيا هو توحيد المؤمنين بمختلف الأديان في هذه المعركة الحاسمة.

 لا تنتظر حتى يدمر عدو العالم منزلك ويقتل زوجك أو ابنك أو ابنتك … في مرحلة ما سيكون الأوان قد فات. لا قدر الله أن نعيش هذه اللحظة.

 إن هجوم العدو في منطقة خاركوف هو بالضبط ذلك الشيء بالذات.  بداية حرب شاملة من الغرب ضدنا.

 يؤكد الغرب نيته في بدء حرب إبادة ضدنا – حرب عالمية ثالثة.  يجب أن نرصد كل إمكاناتنا الوطنية العميقة لصد هذا الهجوم.  بكل الوسائل – الفكر والقوة العسكرية والاقتصاد والثقافة والفن والتعبئة الداخلية لجميع هياكل الدولة ولكل واحد منا.

II

شروط النصر

ما يحدث الآن في أوكرانيا هي حرب.  لم تعد هناك عملية عسكرية خاصة: ما يحدث يسمى “الحرب”.  ليست حرباً بين روسيا وأوكرانيا، بل حرب الغرب الجماعي ضد روسيا.

  عندما يوجه ضباط المدفعية الأمريكان ضربات صاروخية على الأراضي الروسية، فإن هذا لا يمكن إلا أن يسمى “حربًا”.  ولا يهم من يضغط على الزناد.  عندما يصوبون صواريخ HIMERS على محطة زابوروجي الذرية – يمكن تفسير ذلك على أنه محاولة لشن ضربة نووية على روسيا. لو لم تنحاز الولايات المتحدة وحلف الناتو والغرب الجماعي إلى جانب نظام كييف الإرهابي، لكانت جميع أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا قد تحققت بنجاح منذ فترة طويلة. لكن الحرب الحقيقية بدأت الان.  لقد تجاوز الغرب كل الخطوط الحمراء. هذا امر لا جدال فيه.

لا يمكن لروسيا إلا أن تدرك هذا – سواء من قبل السلطات أو الشعب.  ومن هنا كانت الخطوات الأولى نحو إعلان الأحكام العرفية والتعبئة – في الشيشان، والقرم، وبعد ذلك، على ما أعتقد، في مناطق أخرى – المناطق الحدودية بشكل أساسي.

 ما يحدث يتطلب في المقام الأول التفكر والتفكير العميق.

 هناك ثلاث فترات جيوسياسية في التاريخ الحديث لروسيا:

الأولى، هي التسعينيات غداة انفراط عقد الإتحاد السوفيتي. انهار الاتحاد السوفياتي، واستسلمت روسيا للغرب. كان ثمن الاستسلام هو تمزيق أوصال قوة عظمى (روسيا ضمن الاتحاد السوفياتي = الإمبراطورية الروسية)، وتأخير تفكك الاتحاد الروسي، وهو جزء من الاتحاد السوفيتي.

 قبل ذلك، خطط الغرب للتفكيك السلس النهائي للاتحاد الروسي.  يجب الاعتراف بأن يلتسين حاول – وإن كان بطريقة خرقاء وغير متسقة – مقاومة هذا: ومن هنا جاءت أهمية الحملة الشيشانية الأولى. لو خسرتها روسيا، فلن يتبقى لها سوى طريق واحد – ما يسميه الأيديولوجيون الغربيون الحديثون “إنهاء الاستعمار” الروسي، أي التفكك الكامل وانتقال السلطة النهائي إلى إدارة موالية للغرب – ما يسمى (الليبراليون).

الثانية، مع بداية الألفية الجديدة. بدأت الفترة الثانية مع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة.  كان المسار الجديد هو وقف الانهيار المحتوم (كما بدا آنذاك) واستعادة سيادة روسيا، التي تلقت ضربة قاسية، تكاد تتعارض مع الحياة.

 في الوقت نفسه، كان خط السلطة الرئيسي هو عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الغرب، وتهدئة يقظته وتبديد مخاوفه، وخلق الوهم بأن روسيا تتفق مع المطالب الرئيسية للعولمة، لكنها تصر فقط على التمهل.  وهكذا سارت الأمور.

انتصرت الحملة الشيشانية الثانية، وتحول الشيشان أنفسهم من انفصاليين وأعداء لروسيا إلى أكثر الأبناء المدافعين عنها والمخلصين لها.

وتم القضاء على الحركات الانفصالية في مناطق أخرى أيضاً.

 عززت روسيا استقلالها وبدأ تأثيرها يترسخ بنشاط في الشؤون الدولية.  في مرحلة ما، اعترف الغرب باستراتيجية بوتين وتوجهه نحو السيادة.  ومن جهة اخرى بدأ يستعد لمواجهة جدية مع طموحاته.

 في عام 2014، حقق دعاة العولمة خرقاً في أوكرانيا، ونظموا ودعموا انقلاباً عسكرياً وجلبوا إلى السلطة في كييف زمرة إرهابية من النازيين الجدد معادية للروس موالية للولايات المتحدة وحلف الناتو.  وردت موسكو من خلال إعادة توحدها مع القرم ودعم شعب دونباس الذي طالت معاناته. كان هذا حلاً وسطاً ارتضه روسيا.  وجاءت الخاتمة في 24 شباط فبراير 2022.

الثالثة، مع بداية الحرب شباط فبراير 2022. لقد دخلنا المرحلة الثالثة من تاريخ روسيا الحديث – الحرب مع الغرب، التي تمكن من فرضها علينا. هذه الفترة هي الأكثر صعوبة وحسمًا.  لكننا لم نتمكن من منعها أو تجنبها.  كان البديل هو الاستسلام. الحرب الجيوسياسية للغرب ضد روسيا مستمرة، تتغير اطوارها فقط – باردة أو ساخنة.  الآن – المرحلة ساخنة ولا يمكن ان تكون أكثر سخونة.

 إن الغرب لا يعترف – بحد ذاته – بإمكانية وجود روسيا ذات سيادة ومستقلة.  وينطبق الشيء نفسه على الصين، وكذلك الدول الأخرى التي تأخذ سيادتها على محمل الجد.

من وجهة نظر العولمة – الدول التي لها الحق في الوجود هي تلك التي تتفق مع أيديولوجية الليبرالية، مع الخط العام لأمريكا وحلف الناتو، ومع التوجه نحو الحكومة العالمية. كل المعارضين هم عرضة للدمار. هذا نهج عنصري بحت.  كل من يفكر بشكل مختلف عنهم يجب أن يمحى من على وجه الأرض.  وهذا ليس بجديد على الغرب.

الشيء الجديد الوحيد (في الغرب) هو اندماجه مع الليبرالية، مع أجندة المثلية الجنسية، مع الرغبة الراديكالية للغرب الحديث ونخبه لتدمير جميع هياكل المجتمع التقليدي – الدين، الدولة، الأسرة، الأخلاق، الانسان نفسه، بهدف الاندماج مع الآلة ووضعه تحت المراقبة الكاملة، وتحت السيطرة الكاملة.  مرحبًا بكم في ماتريكس، في (العالم الجديد الشجاع).

 روسيا – قبل كل شيء دولة ذات سيادة – ولا تنسجم مع هذا السياق على الإطلاق، لذلك، يدعم الغرب علانية ودون مواربة أي تنظيمات إرهابية ومتطرفة وتؤيد أي هجمات مباشرة إذا كانت موجهة ضد روسيا، وضد الروس، وضد الحضارة الروسية نفسها وحامليها.

 نحن في حالة حرب.  لم يعد من الممكن تجنبها. وبشكل عام، كان ذلك مستحيلًا منذ البداية، لأن هذا هو المنطق العميق للتاريخ: بعض القوى تريد الحفاظ على العالم أحادي القطب وتأكيد هيمنتها على كوكب الأرض بأي ثمن، بينما يتمرد آخرون ضد هذا ويعلنون صراحة ان هدفهم تعدد الأقطاب ضمن النظام العالمي.  المستقبل سيعتمد على من سينتصر في هذه الحرب – إذا كان المستقبل موجوداً على الاطلاق.

 دخلت روسيا الحرب بالفعل.

 الصين – قطب سيادي قوي آخر – على وشك الدخول في حرب أخرى.

 لذلك، لا ينبغي أن يتفاجأ المرء من أن روسيا في طوق من النار –الأعمال العدائية بين حليفي روسيا أذربيجان وأرمينيا تصاعد، والصراع بين الحلفاء الآخرين – طاجيكستان وقيرغيزستان، ووعود بعض القوى السياسية في جورجيا بفتح جبهة ثانية ضد روسيا، والتحريض المصطنع على الحرب في  ترانسنيستريا في مولدوفا، والتهديدات المتزايدة نحو بيلاروسيا وسياسة زعيمها السيادي ألكسندر لوكاشينكو، أخيراً، محاولة لعزل منطقة كالينينغراد وضربات مباشرة ضد مناطق روسيا – شبه جزيرة القرم، بيلغورود، فورونيج، كورسك، روستوف، إقليم كراسنودار – كل هذه عناصر من استراتيجية الأناكوندا الغربية، المألوفة لدى الولايات المتحدة، لخنق روسيا.

 بطبيعة الحال، نحن نبحث عن إجابة. وهذا هو تفسير المغزى الحقيقي لقمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة في سمرقند. نحن بحاجة إلى حلفاء في عالم متعدد الأقطاب.  ولدينا فرصة للعثور عليهم – لكن هذه المرة خارج الغرب.

 في الواقع، نحن في الحرب العالمية الثالثة.

 ماذا نفعل في مثل هذه الحالة؟

أولاً: أول وأهم شيء هو قبول الأشياء كما هي. هذا مهم جدا.  إن وعي المجتمع لا يواكب مجرى الأحداث، ولا يفهم معاني التاريخ، ولا يدرك أهمية عدم إحداث التغيير – المميت.

 تخيل أن قاتلًا دخل المنزل وأصحابه نائمون. أو في موقف آخر: تسلل وهم مستيقظون. بالطبع، قد ينتهي هذا بشكل سيء، لكن هناك فرصة للنجاة عندما يكون الجميع نائمين. ولكن في حالتنا – فلا فرصة للخلاص لان روسيا استيقظت.

ثانياً: ضرورة إعلان الأحكام العرفية في البلاد والعمل بمقتضاها.  ولكن ليس في كل مكان – وإنما في بعض المناطق الحدودية الرئيسية الأكثر ضعفاً والأكثر أهمية. في تلك المناطق حيث تدور الحرب، أو في تلك التي تكون فيها السلطات على دراية موضوعية ورصينة بالوضع الذي يوجد فيه البلد.  هل تتذكرون كيف تصرفت المقاطعات الروسية خلال الكورورنا؟ طبق البعض تدابير أكثر صرامة، والبعض الآخر أقل من ذلك.  وراقب الكرملين، ووضع ملاحظاته.

 دعونا نطبق نفس الشيء الآن.  نحن نطبق الأحكام العرفية وسياسة إعادة الهيكلة على أساس أطروحة واضحة “كل شيء للجبهة، كل شيء من أجل النصر”.  ونحن مسؤولون عن هذا.  إذا كنا في عجلة من أمرنا، فسيقومون بإصلاح كل شيء. ولكن ماذا لو تأخر الوقت؟

ثالثاً: اعادة هيكلة الاقتصاد على اساس الحرب.  ربما يتم انتقادي من قبل الوطنيين الذين يكرهون التكتل الاقتصادي للحكومة، لكني أرى أن كل شيء يسير مع الاقتصاد في روسيا – مع الأخذ في الاعتبار مثل هذه الظروف المتطرفة – على ما يرام.  كنا نظن أن هذه هي الحلقة الأضعف، لكن اتضح أنها لم تكن كذلك.  لا أريد أن أتوسع أكثر ولا أستطيع، لكن الشيء الرئيسي مختلف: نحن بحاجة إلى نقل الصناعة والنظام المالي إلى إدارة عسكرية.  مهمة الجميع تسليح قواتنا بكل ما هو ضروري من الأسلحة والمركبات والطائرات بدون طيار والدروع الواقية والاتصالات الآمنة إلى الملابس والأدوية.  تموين الجيش والمتطوعين – هذه مسألة حياة أو موت اليوم.

وهنا، على الأرجح، بالنسبة للتخريب والعصيان والفساد، ينبغي اتخاذ أشد التدابير الوقائية والعقابية ضد تلك التجاوزات التي يتعرض لها مواطنينا ومقاتلينا، التي نسمع عنها جميعًا ويتجمد الدم في عروقنا عند سماعها.

رابعاً: التعبئة العامة: يقول معظم الأشخاص المؤهلين والذين يقاتلون أن المطلوب ليس التعبئة العامة، ولكن توريد المعدات المتطورة وتدفق جنود الاحتياط المؤهلين من ذوي الخبرة والاحتراف العسكري. الناس مستعدون، لكنهم بحاجة إلى تهيئة الظروف المادية والنفسية. لتغيير العالم (بتعبير أدق، وهم السلام) إلى الحرب، أنت بحاجة إلى أسباب وجيهة.  يجب أن توفرها لهم مكينة الاعلام الروسي.

خامساً: ثقافة الصحوة: يجب على المجتمع أن يستيقظ من اجل الحرب.  وهذا يتطلب جهودًا ضخمة – في التعليم والفن وإعادة تنظيم مجال الإعلام.

 من نحن؟ من هو عدونا؟ مصدر هذا الصراع؟ ما هي أسبابه؟ ما هي تقاليدنا ومُثُلنا وقيمنا التي من أجلها تسفك الدماء الآن، نعاني الحرمان، ونتلقى الضربات؟

 من هم هؤلاء؟ من أين تأتي كراهيتهم لنا؟ لماذا قرروا تدميرنا؟ أي نوع من العالم يريدون بناءه؟

بألف طريقة وطريقة، يجب على العلماء والفنانين والفلاسفة والصحفيين والمدرسين تقديم إجابات واضحة مراراً وتكراراً على هذه الأسئلة.

 ثقافة الصحوة – هي الأيديولوجيا.  أيديولوجية انتصارنا.

سادساً: وأخيراً، لا يزال الكثير ممن استيقظوا بالفعل يفكرون ضمن مفهوم الولاء / الخيانة. هذا أصبح خلفنا بالفعل.  لا يوجد المزيد من الظروف للخيانة.  إذا ألقيت حجر النرد فلا عودة للخلف.  أولئك الذين يقفون إلى جانبنا محكوم عليهم من الجانب الآخر.  أولئك الذين يحاولون العبور إلى جانب العدو الذي ينوي تدميرنا يوقعون حكمهم بيدهم.

نعم، نحن لسنا متساوين من حيث الموقع والظروف. إن الغرب الجماعي يقاتل من أجل هيمنته على كوكب الأرض، بينما نحارب فقط من أجل كياننا، من أجل الحياة، من أجل الحق في أن نكون ما نحن عليه.

هم يمكنهم التراجع، لا يزال لديهم متسع.  نحن لا مكان لنا للتراجع.  نحن اصطدمنا بالجدار.

 الغرب يهاجمنا في وطننا الام – روسيا.  ولا أحد يستطيع أن يعتمد على مغفرة العدو. هم لن يغفروا لنا.

 يبقى لنا احتمال واحد – هو النصر.  باسم الشهداء.  من أجل الأحياء.  باسم أولئك الذين لم يولدوا بعد – والذين قد لا يحصلون على مثل هذه الفرصة لكي يولدوا.

 كل شيء في النهاية يعتمد علينا.

—————————————

تنويه: نشر ألكسندر دوغين هذين المقالين في 15 و17 أيلول 2022. وقد نشرتهما الجريدة الألكترونية (كنعان)، من ترجمة وإعداد الدكتور زياد الزبيدي، وقد اعتمدتها سيرجيل كمصدر للمقالين.

ألكسندر دوغين

مفكّر وفيلسوف روسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق