[لعبة غريبة، حركة الربح الوحيدة فيها لا يمكن لك أن تلعبها!! – عبارة منقولة عن مجهول]
يتقدم المشهد تلك القرصات النوويّة الصغيرة التي تطفو على السطح في نهاية كل نشرة إخبارية عن تلك الهمسات التهديدية المتبادلة بين معسكري الحرب الحالية في أوكرانيا، أعني روسيا وأولئك الذين على ضفتي الأطلسي. هو سلاح صنع لحفظ السلام في الأساس بين الدول النوويّة حيث بعد انفجاره الرهيب لن يتبقى أحد لشرح أسباب استخدامه لشعبه، وربما لن يعرف العالم أبداً من قام بحركة (كش ملك) الأوليّة، هي في ذاتها سلاح ردع يمنع تطوير الحروب بين تلك الدول، إلى جانب بقية مجموعة (الأسلحة اللطيفة) الجرثومية والكيميائية.
سكوت ريتر، ضابط أميركي وعسكري سابق، كبير مفتشي الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل بين عامي 1993- 1998وأحد أهم معارضي الحرب على العراق بعدما قدم كل البراهين على أنه لا يوجد هناك أي دليل واحد على وجود أي سلاح للتدمير الشامل في العراق، وبالتالي قضية النفط مقابل الغذاء الشهيرة، والتي أدت إلى إضعاف العراق إلى درجة مهينة، هي مسألة غير جائزة وغير شرعية. هذا الموقف أجبره تحت ضغط الغضب المستعر منه من (نخبة الحرب) للوقوف أمام لجان الكونغرس المختلفة للاستماع لإفادته التي حاولوا فيها علانية لي ذراعه [شاهدت له شخصياً استجواباً من قبل عضو الكونغرس آنذاك والرئيس الحالي جو بايدن الذي تصرف خلالها بكثير من الفظاظة جديرة أكثر بفتيان الأزقة القبضايات من عضو في الكونغرس. قال له فيها: أنت عليك أن تنهي مهمتك وتقدم تقريرك ليس أكثر وبعدها تدير ظهرك وتنقلع (قام بما يعبّر عن هذه الكلمة الأخيرة بإيماءة من جسده)، وتابع منهياً كلامه: لأن الأمور هي كذلك، تقوم أنت بعملك ونحن نقرر.]
والحقيقة أنَّ الضابط ريتر كان مهذّباً جدّاً، لم يجب على هذه الإهانات، إلاَّ أنه كما بدا لاحقاً لم ينساها، ولهذه قصه أخرى.
لوقت طويل استمرت هذه القضية واستطالت. قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي بلفت فيها أميركا العالم بعد تلك المسرحية التي قام بها وزير الخارجيّة آنذاك كولن باول على منصّة الأمم المتحدة (شباط 2003)، وإخراجه من جيبه لأنبوب زجاجي صغير فيه مادة أو مسحوقاً أبيضاً ادعى أنه مسحوق كيميائي قاتل أسمه الأنثراكس من إنتاج العراقيين…؟ ما يجعل العراق مصدر خطر على مختلف الدول المحيطة به! والحقيقة أنَّ النظام العراقي قد قام في وقت سابق باستخدام أسلحة كيميائية في مدينة حلبجة في العام 1988، ضد الانتفاضة الكرديّة دون أن تدفع الولايات المتحدة حينها لاتخاذ موقف منه، أو لاعتباره خطراً على السلام الإقليمي والدولي!!
إنَّ السبب الأساسي لاستعادة هذه القضايا السابقة هو أني أعتقد أنّه بالفعل، كانت واشنطن تريد أن تتأكد ما إذا كان العراق يملك فعلاً أية أسلحة كيميائية أو جرثومية، ولأن إمكانية أن يكون بحوزته السلاح النووي معدومة بعد تحييده من وقت قام الطيران الإسرائيلي في حزيران من العام 1981 بتدمير مفاعل تموز، تبقى الأسلحة الكيميائية والجرثومية سلاحاً يمكن للنظام العراقي امتلاكه واستخدامه في لحظات مصيرية ووجودية كتلك التي تهدد مصير النظام نفسه. ومن المؤكد أنَّ استخدام العراق لهذه الأسلحة ضد الدول المجاورة في الخليج أو التي أبعد بقليل كدولة الكيان الاسرائيلي سوف تهدد العملية العسكرية الأميركيّة برمتها، خصوصاً إذا كان هذا المخزون كبيراً (وكان كبيراً بالفعل قبل عملية إتلافه بموافقة شخصية من رأس النظام بعد حرب الخليج الأولى 1990 – 1991)
كانت الولايات المتحدة ومنذ عام 1997 تريد أن تنهي ما بدأته بالفعل في العراق، أي إسقاط النظام العراقي بمؤسساته المدنيّة والسياسيّة والعسكريّة.
في وقت ما من ذلك العام حاول ثلاثة من أقطاب صناعة الإستراتيجيات في المؤسسات الأميركية المعنية بصياغة رؤية أميركا للعالم، هم ريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث، ودافيد وورمسر، إعادة تدوير (مانيفستو) لرئيس وزراء دولة الكيان الاسرائيلي ينصّ على أنه حان الوقت للولايات المتحدة أن تصنع قطعاً مع سياساتها لنصف القرن الأخير، وبأنه أي رئيس الوزراء يرى بأن صيغة المعاهدات حول الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين لم تعد تشكل أرضية صالحة لاستقرار دولة الكيان، وبأنه يفضل أن يذهب للمواجهة مع الدولة الوحيدة المجاورة والمعارضة أي الجمهوريّة السوريّة، ويتابع أن دولته بإمكانها إضعاف واحتواء وحتى احتلال جزء كبير منها، ولكن إذا لم يكن العراق طرفاً في هذه المواجهة، حيث وجود صدام حسين يعتبر عاملاً ضاغطاً يقلل من فرص نجاحها، والعمل على إخراج العراق يعتبر خطوة أولى في تمكين هذه الاستراتيجية من التحقق.
تلقف هذه الورقة ثمانية عشرة شخصية من قادة اليمين المحافظ والذين احتلّوا فيما بعد مفاصل إدارة جورج بوش الأبن، حيث شكّلوا حضوراً طاغيأً حتى على موقع الرئاسة الأميركيّة فضلاً عن شخص الرئيس نفسه. وصلوا في هيمنتهم عليه ليقرروا عنه أية ربطة عنق يضع، وأي حمام يستعمل وماذا يأكل في وجبه الصباح…! من بينهم اليوت ابرامز وريتشارد ارميتاج وجون بولتون وباولا دوبريانسكي وزلماي خليل زادة وريتشارد بيرل ودونالد رامسفيلد وبول وولفيتز. أعدوا رسالة يحثون فيها الرئيس الأميركي آنذاك وليام كلينتون بالتحضير لإزالة نظام حسين، إلاَّ أنَّ كلينتون المتورط في حرب البلقان آنذاك أهملها دون أن يلقيها في الموقد الحجري للمكتب الرئاسي البيضاوي.
إلاَّ أنَّ ما حسم المسألة لاحقاً هو قيام وليام كريستول وروبرت كاغان وهما من أهم صنّاع الرأي إلى جانب بقية (أعضاء الكتيبة) الذين ذكرت أسماؤهم، بصياغة ورقة عمل بعنوان: إعادة بناء الدفاع والهيمنة الأميركيّة. هذه الورقة إلى جانب تلك التي وضعها وولفيتز في مطلع التسعينيات تشكّلان الوثيقة المحددة الفعلية لما جرى في القرن الحالي من سياسات أميركية، أشاروا فيها وبوضوح أن إعادة بناء الهيمنة الأميركية تتطلب إزالة نظام صدام حسين لأنه يعيق مشروع صياغة الشرق الأوسط الأميركي كجزء ملحق بإعادة بناء الهيمنة الأميركية في العالم.
هكذا كان التأكد من عدم امتلاك العراق لأي سلاح كيماوي أو جرثومي أو ما يقع تحت مسمّى أسلحة الدمار الشامل، الخطوة الأولى التي تلاها الهجوم العسكري الأميركي الذي وجد نفسه في معركة سهلة.
المثال العراقي، يشير من جهة أخرى إلى ذلك الدأب الإيراني للحصول على القنبلة النوويّة وربما كوريا الشمالية، فما حدث في العراق يحفّز الإدارة في كلتا الدولتين على تصميم الاتجاه الخاص بإدارة هذا الملف.
إيران سوف تتجه نحو الوصول لصناعة القنبلة النوويّة للحفاظ على النظام وليس لاستخدامها ضد أية دولة أخرى مهما كان ما بينهما من عداوة، حتى أنها لا تتمكن من استخدامها ضد دولة الكيان الإسرائيلي حيث نصف سكانها فلسطينيين. بالطبع تتحرك (إسرائيل) في ضوء هذه المعرفة وهي تلهث لإنهاء المشروع النووي الايراني لتتيح الفرصة دائماً للإطاحة بالنظام، حيث بوجود القنبلة يصبح من المستحيل إزالته عسكرياً ولا حتى بثورات داخلية، لأن احتمال وقوع هذه الأسلحة تحت يدي مجموعات منظمة في أوقات الفوضى يصبح قوياً الأمر الذي يتيح الفرصة لقيامها بتدوير المواد النوويّة وصناعة القنبلة القذرة. حدث هذا ابان انهيار الاتحاد السوفييتي، مما أجبر الأميركيين والغرب إلى ارسال مراقبين للإشراف على تأمين هذه الأسلحة بالتعاون مع الجيوش المحلية التي ورثت الجيش الأحمر. من بين هؤلاء كان سكوت ريتر نفسه!
الألعاب النوويّة تتواصل…ما بين الأمم المالكة لها وتلك الباحثة عن امتلاكها، لكنها في أوكرانيا قد تخرج عن شروط اللعب إذا ما ارتكب أحد اللاعبين (فاولاً – خطأً كارثياً) قد يدفع أحد اللاعبين للتفكير بالحسم وإنهاء اللعب، فيقوم بحركة (كش ملك)، لكن من يبقى ليتحدث عمن قام بها!!!