يواظب الباحث الفلسطيني، محمود محارب، على نبشياته في الوثائق الإسرائيلية المستورة، باحثاً عن معلومات تاريخية جديدة، تضيف إلى ما لدينا من معارف وأسرار مكشوفة عما حصل في فلسطين، ولا سيما منذ ثورة 1936 حتى النكبة في سنة 1948. وفي هذا الميدان، نشر مؤخراً كتابًا مثيرًا عنوانه “العلاقات السرية بين الوكالة اليهودية وقيادات سورية” (بيروت: جسور للترجمة والنشر، 2021). ويبحث هذا الكتاب، استنادًا إلى تقارير ومراسلات صهيونية، جمعها الكاتب من الأراشيف الإسرائيلية، كأرشيف الهاغاناه والأرشيف الصهيوني المركزي، كيف تمكّن القسم العربي في الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية من إنشاء جسور للتفاوض مع “حزب الكتلة الوطنية” في سورية، وكيف تمادت الاجتماعات مع قادة ذلك الحزب، أمثال جميل مردم ولطفي الحفار، وكيف نجحت استخبارات القسم العربي في تجنيد عدد من المتعاونين ذوي “السمعة الوطنية”، أمثال نسيب البكري وأخيه فوزي البكري ويوسف العيسمي، علاوة على عبد الله عبود ويوسف لنيادو وغيرهما. الجديد في الكتاب، إلى حد ما، هو الإفصاح، بالاسم الصريح، عمّن تعاون مع الوكالة اليهودية، وتلقى منها الأموال لقاء خدمات خسيسة. ويكشف الكتاب، فوق ذلك، مقدار الوضاعة الصهيونية عندما لم تتورّع استخباراتها عن محاولة اغتيال شكري القوتلي في الوقت الذي كانت المفاوضات جارية مع الكتلة الوطنية، وهو أحد رجالها الكبار، وجنّدت لهذه المحاولة شخصاً يدعى ميشال جرجورة (ص 170- 173).
كنا قرأنا الفصل الأول من هذا الكتاب “المخابرات الصهيونية وبدايات التجسس على العرب” في مجلة “المستقبل العربي” (العدد 357، نوفمبر/ تشرين الثاني 2008). وقرأنا الفصل الثالث “المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف السورية واللبنانية” في مجلة الدراسات الفلسطينية (العدد 78، ربيع 2009). أما
الفصلان الثاني والرابع فيركّزان على مفاوضات الوكالة اليهودية مع الكتلة الوطنية في سورية، ومع عبد الرحمن الشهبندر، فيما يشدّد الفصل الخامس الأخير على العلاقات التي أسّستها الوكالة اليهودية مع عدد من قادة الدروز في سورية، وخطتها لترحيل دروز فلسطين إلى جبل العرب، ثم فشل تلك الخطة. وقد بلغ عدد الوثائق 54 وثيقة، وأرفق الكاتب مع كل وثيقةٍ أو رسالةٍ أو تقرير الترجمة العربية. وأبرز تلك الوثائق تقارير إلياهو ساسون عن اجتماعاته مع نسيب البكري ولطفي الحفار وجميل مردم ونصوح بابيل صاحب جريدة “الأيام” الدمشقية، ورسائل آبا حوشي عن زيارته إلى يوسف العيسمي في جبل العرب، واجتماعه إلى محمد الأشمر، ولقائه لاحقاً سلطان الأطرش. وجميع هذه الوثائق تعود إلى سنة 1938 في ماعدا تقرير عن زيارة آبا حوشي إلى يوسف العيسمي الذي يعود إلى سنة 1937.
يثير الكتاب أسئلة كثيرة وشائكة عن مقدار الاختراق الذي نجحت الوكالة اليهودية في إحداثه في قلب بعض القوى السياسية العربية، ومدى الضرر الذي ألحقه ذلك الاختراق. ولا ريب أن هذا الكتاب سيحرّض الباحثين العرب على الكتابة في هذا الميدان من منظار موازٍ أو حتى مطابق. وهذا الميدان ليس جديداًعلى الباحثين العرب؛ فقد أصدر بدر الحاج كتابه “الجذور التاريخية للمشروع الصهيوني في لبنان” في 1982، ثم تُرجم إلى العربية كتاب كيرستين شولتزه “دبلوماسية إسرائيل السرّية في لبنان” في 1998، وظهر كتاب ليئورا أيزنبرغ “عدو عدوي” في 1997، وتُرجم الكتاب الشامل والمفصل الذي وضعه رؤوفين إيرليخ بعنوان “المتاهة اللبنانية” في سنة 2017. وقبل هذه الكتب كلها، قرأنا مذكرات إلياهو أبشتاين بعنوان “جلوس صهيون والعرب” (1974)، ومذكرات إلياهو ساسون الموسومة بعنوان “في الطريق إلى السلام” (1978)، واطلعنا أخيراً على اتصالات الوكالة اليهودية ببعض قادة الدروز لدى المؤرخ الفلسطيني، قيس فرّو، في كتابه المهم “دروز في زمن الغفلة” (2019)، علاوة على شذراتٍ من هذه القضية لدى سعيد نفاع في كتابه “العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية” (2008).
الوثائق وكتابة التاريخ
كشف الوثائق المخبوءة مهمة جليلة بالتأكيد، لكن الاكتفاء بمنطوق الوثائق والاقتصار على النصوص وحدها مسألةٌ ناقصة علمياً. ولا يستطيع المؤرّخ، مهما كان صادقاً، أن يكشف الماضي كما وقع بالفعل من خلال المصادر وحدها، وكل ما يستطيع أن يفعله، في هذه الحال، كشف ما جاء في المصادر ومحتوياتها. ومعيار الحكم في هذه المسألة هو الصدقية، أي عدم التلاعب بمضمون المصادر ونصوصها. والوثائق الصهيونية، مثل غيرها من الوثائق، لا تُقرأ باعتبارها نصًا جازمًا وقاطعًا ونهائيًا؛ فتحليل الوثيقة أهم، في أحيانٍ كثيرة، من الوثيقة نفسها، إلا إذا كانت الوثيقة اتفاقية سرية خطيرة، وعند ذلك تكون نصوص الوثيقة هي المهمة. أما الرسائل والتقارير فتحتاج إلى تمحيص دقيق لاكتشاف ما جرى بالفعل، خصوصًا أن الزمن يُلقي بأستاره الظليلة فوق كلمات النصوص. لنأخذ، على سبيل المثال، تقارير مندوبي الوكالة اليهودية وتقارير عملاء الاستخبارات، أمثال آباحوشي وشلومو ألفيا ودوف هوز ويوسف فاين وحسن أبو ركن ويوسف العيسمي وعبد الله عبود وفوزي البكري ونسيب البكري وغيرهم؛ فتلك التقارير تتضمّن، بالتأكيد، ما هو صحيح، لكن ليس كل ما فيها صحيح، فهي، مثل تقارير السفراء إلى رؤسائهم، تتضمّن استعراضًا لنشاطهم، وتحفل بعبارات مثل: “التقيت السفير الفلاني، وتحدّثت إلى المسؤول العَلّاني، وقال لي كيتَ وكيت، ولمستُ لديه ميلاً إلى الموافقة على وجهة نظرنا، ووعدني بمتابعة الأمر مع وزير خارجيته، واتفقنا على متابعة البحث في شأن العلاقات الثنائية، وكانت مباحثاتنا مثمرة وإيجابية”.
أكثر من 50% من رسائل السفراء تُصبح بلا قيمة مع مرور الزمن، وترتفع النسبة إلى 80% بعد مرور زمن طويل، ومعظم محتوياتها مجرّد كلام يزهو بنشاط السفير وجهده، وأنه لا يترك مناسبةً إلا ويحضرها لتَسَقُّط الأخبار والمعلومات. وعلى غرارها تقارير مندوبي الاستخبارات المملوءة بمعلومات على غرار: “نُمي إليّ، وقال لي أحد المصادر، وعلمتُ من مصدر مطلع .. إلخ”. وجميع هذه الرسائل والتقارير والإخباريات والمعلومات فيها كثير من المبالغة، وهي تركّز على إبراز الجهد الشخصي في تنفيذ المهمات الموكلة إلى كاتب التقارير، وتُعلي من شأن تأويله معلوماتٍ حصل عليها، وتفسيراته الشخصية للوقائع الجارية. والتوصل إلى حقيقة ما جرى في الماضي، استنادًا إلى الوثائق التي أُزيلت الستائر عنها، يحتاج إلى تجريدها من التبجّحات والمزاعم والادّعاءات بأن فلانًا تمكن من اختراق هذه الجهة السياسية، ونجح في اكتساب ثقة ذلك الزعيم السياسي، وأنه استطاع أن يغيّر القناعات المستقرّة لدى ذاك المسؤول. وبهذا المعنى، يجب أن تُقرأ التقارير والرسائل في ضوء مآلات الأمور، وبعد معايرتها على النتائج التي تمخضت عنها، وتنقيتها من العبارات الاستدراجية، مثل “قدّمتُ إليه هدية فسُرّ بها جدًا وقبلها شاكرًا”.
تتضمّن الرسائل والتقارير، مثل أي رسائل وتقارير إخبارية أخرى، تقويماتٍ شخصيةً وتقديرات موقف تتأثر أحيانًا بميول الشخص المعني. وبهذا المعنى، هي لا
تتضمن الحقائق كاملة. ولمعرفة ما جرى حقًا لا بد من أن نقارنها برسائل وتقارير ووثائق الجهة المقابلة النقيضة. وبما أن هؤلاء قلما تركوا مذكراتٍ أو رسائل أو تقارير تنير غموض بعض الجوانب، وتزيح اللثام عن أسرار تلك الحقبة، فإن معيار الاستنتاج في هذا المجال هو ما جرى في الميدان السياسي. ومن غير الممكن، علميًا، تصديق كل ما جاء في هذه الوثائق، والركون إلى جميع تفصيلاتها، وذلك خضوعًا لمبدأ الشك والاحتراس. ولكن، في الإمكان تصديق بعض ما ورد فيها، والإنطلاق من ذلك إلى جلاء حقائق الأمور؛ وهذه مهمة شاقة جدًا وشائقة في الوقت نفسه. وبهذا المنظار، سأقرأ كتاب محمود محارب ووثائقه المسطورة.
الشهبندر والسياسات المتعاكسة
يلوح لي أن لقاءات مندوبي الوكالة اليهودية مع القادة السوريين إما أنها لم تكن مهمة جداً في ذلك الوقت، أو أنها كانت مدعاةً للخجل، فلم يُشِرْ هؤلاء الذين شملتهم اللقاءات إليها في مذكراتهم؛ فلا توجد أي إشارة إلى تلك الاتصالات لدى جميل مردم (سلمى مردم بك، “أوراق جميل مردم بك، بيروت”، شركة المطبوعات، 1994)، أو لدى لطفي الحفار (سلمي الحفار الكزبري، “لطفي الحفار: مذكراته، حياته، عصره” رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 1997)، ولا عند نصوح بابيل (نصوح بابيل، “صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين”، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1987). وكذلك قلما نعثر على شذراتٍ عن تلك اللقاءات، حتى في كتب المؤرّخين المهتمين بتلك الحقبة، أمثال الراحلة خيرية قاسمية. فهل اتفق الجميع على إهالة الركام على هذه الوقائع خجلاً وخوفًا من حساب الناس؟ أو أنهم اعتبروا تلك اللقاءات شأنًا عابرًا مثل مئات من اللقاءات الطبيعية؟ ولا ريب عندي أن الاجتماع إلى بعض قادة اليهود كان أمرًا معتادًا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وربما حتى النكبة في 1948، خصوصًا أن بعض أولئك المندوبين كان من اليهود العرب، أو من المقيمين في البلدان العربية، على غرار إلياهو ساسون المولود في دمشق في 1902، والذي درس في جامعة القديس يوسف في بيروت، وكان يتنقل بجواز سفر سوري. أو على منوال إلياهو أبشتاين (إيلات) الذي درس في الجامعة الأميركية في بيروت، وعقد صلاتٍ متشعبةٍ بشخصيات لبنانية بارزة. ومعظم اللقاءات كان عابرًا ولم يؤسس أي اتفاقات سياسية، وظل مقصورًا على عرض الأفكار، ومحصورًا في مناقشة التصورات والمقترحات. أما تجنيد بعض المتعاونين فجاء على أيدي الاستخبارات التابعة للقسم العربي في الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية، أمثال يوسف لنيادو، وهو يهودي دمشقي، وعبدالله عبود ونسيب البكري وفوزي البكري ويوسف العسيمي. أما الشخصيات الوطنية التي التقت مندوبي الوكالة اليهودية، أمثال شكري القوتلي وفخري البارودي وفريد زين الدين وشكيب أرسلان وسلطان الأطرش وكمال جنبلاط، فلا يضير ذلك تاريخها الوطني، ولا يشوبه بأي شائبة. ويجب أن نتذكّر أن ثمّة زعماء آخرين رفضوا أن يلتقوا مندوبي الوكالة اليهودية رفضًا قاطعًا، أمثال نبيه العظمة وعادل العظمة ومنير الريس وغيرهم.
المقرف حقاً أن تتمكن الاستخبارات الصهيونية من تجنيد أشخاص ذوي “سمعة وطنية”، أمثال نسيب البكري وشقيقه فوزي ويوسف العيسمي. وهؤلاء أُضيفوا إلى قائمة العار التي ضمت كثيرين، أمثال الياس ربابي وخير الدين الأحدب وسلوم مكرزل وإلياس حرفوش ونجيب صفير، علاوة على المتعاونين معها سياسيًا وعقيديًا، على غرار إميل إدّة والمطران أغناطيوس مبارك والبطريرك أنطوان عريضة والمطران عبد الله الخوري وتوفيق عواد وكميل شمعون، وهؤلاء جميعهم من لبنان.
الوعي السياسي في سورية في ثلاثينيات القرن العشرين، والخبرة المحدودة للزعماء الوطنيين السوريين آنذاك، جعلا كثيرين يتوهمون أن التواصل مع الوكالة اليهودية، خصوصًا في سنة 1936، ربما يساعد في إقناع اليهود بالضغط على حكومة ليون بلوم الفرنسية، كي تبرم معاهدة الجلاء التي وقّعها هاشم الأتاسي، والذي نال فور توقيعه رئاسة الجمهورية السورية، خصوصا أن ليوم بلوم يهودي الديانة. وكان الوطنيون السوريون يتعرّضون في أواسط ثلاثينيات القرن المنصرم، وبالتحديد مع اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936، لضغوط هائلة بريطانية وفرنسية معًا، علاوة على ضغط الأحوال السياسية المتفاقمة، فبريطانيا، ومعها الحركة الصهيونية، كانتا تريدان من سورية وقف دعم ثورة 1936 بالسلاح والمال، ومنع تدفق المتطوعين السوريين على فلسطين، وأن تُخرج قادة الثورة الفلسطينية خارج سورية، أمثال محمد عزة دروزة وعوني عبد الهادي وأكرم زعيتر ومعين الماضي. وكانت فرنسا تريد أن يعترف السوريون بضم الأقضية الأربعة إلى لبنان الصغير (طرابلس وعكار والهرمل وحاصبيا ومرجعيون)، وألا يعترضوا على خططها في شأن إحداث سنجق طائفي في منطقة الجزيرة السورية التي شهدت، في ما بعد، تمرّد إلياس مرشو في الحسكة في 6/7/1937، أو في شأن سلخ لواء الإسكندرون عن سورية وإلحاقه بتركيا.
وفي معمعان تلك الضغوط، حاولت الكتلة الوطنية السورية التقرّب من بريطانيا، لعلها تضغط على حليفتها فرنسا، فتُبرم المعاهدة معها، ثم تجلو عن سورية.
ومبكّرًا ظهرت معارضة سورية وطنية لسياسات حزب الكتلة الوطنية، متهمة إياها بالتفريط بالحقوق الوطنية السورية، حين وافقت على نص المعاهدة مع فرنسا التي تنتقص، بحسب رأي المعارضة، من سيادة سورية على لواء الاسكندرون، وعلى المناطق التي اقتطعت منها لضمها إلى لبنان. وتزعّم تلك المعارضة مؤسس حزب الشعب، عبد الرحمن الشهبندر. والمعارضة لم تكن مقصورة على أنصار ها الحزب الشعب وزعيمه، بل كانت واسعة جدًا، فشملت عصبة العمل القومي والحركة العربية السرّية التي اتخذت من النادي العربي الذي ترأسه سعيد فتاح الإمام واجهةً لها، ولجنة الدفاع عن فلسطين التي ترأسها نبيه العظمة، وحزب الوحدة الوطنية بقيادة المحامي اللامع زكي الخطيب، كما انضمّ إلى المعارضة متأخرًا الحزب الشيوعي السوري (- اللبناني). ومن رجالات المعارضة منير العجلاني وحسن الحكيم وعمر أبو ريشة وسعيد محاسني وهاني الجلاد ونزيه المؤيد العظم وعزة السعدي وسهام ترجمان وعبد الله شموط وأحمد المنجد ونصوح بابيل وأمين الدالاتي وخليل الزركلي وبشير اللحام وسامي كبارة وأحمد كمال الخطيب وعبد المجيد الصيداوي، وهؤلاء مجرّد عينةٍ من جموع كثيرة. وبهذا المعنى، لم تكن المعارضة “معارضة شهبندرية” بل أوسع من ذلك بكثير.
يقول محمود محارب: “سعى [الشهبندر]، ولا سيما بعد عودته إلى سورية، لاستعمال القضية الفلسطينية والمفاوضات التي قام بها هو وجماعته في المعارضة السورية مع الوكالة اليهودية لخدمة مصالحه ومصالح المعارضة السورية ضد الكتلة الوطنية والحكومة السورية” (ص 162). والكلام هنا على المصالح الخاصة للشهبندر هو استنتاج غير متين ألبتة، وغير لائق في حق مناضلٍ أفنى عمره في النضال الوطني ومات اغتيالاً. والحديث عن أن الشهبندر كان يعارض الكتلة الوطنية لإسقاطها وتولي الحكم بدلًا منها لا أصل له ولا متن ولا هامش؛ فمن المعروف، آنذاك، حين اشتدّت المعارضة في 1938، أن الكتلة الوطنية لم تكن في الحكم، وتفكّكت الكتلة الوطنية جرّاء الصراعات بين زعمائها. وبالطبع، لم يصعد الشهبندر إلى الحكم، بل اغتيل. وهو لم يسعَ إلى السلطة خلفًا للكتلة الوطنية على الإطلاق، لسبب بسيط، أن سورية كانت أعلنت انسحابها من المعاهدة السورية – الفرنسية، بعدما استنكفت فرنسا عن إبرامها، وسلّمت الإسكندرون إلى تركيا. وآنذاك، لم تَغضَب حكومة الكتلة الوطنية لكرامتها الوطنية المهدورة. وتحت ضغط التظاهرات الشعبية، استقالت حكومة جميل مردم بك الذي اعتُبر خائنًا، لتوقيعه في باريس ملاحق للمعاهدة، وُصفت بأنها غير وطنية. وظل هذا العار يلاحق جميل مردم بك سنوات، واشتهرت آنذاك قصيدة عمر أبو ريشة التي يقول فيها:
أمتي هل لكِ بين الأممِ
منبرٌ للسيفِ أو للقلمِ
إن أرحامَ البغايا لم تلد
مجرمًا مثل هذا المجرمِ
كيفَ ترجو أمة عزّتَها
وبها مثلُ جميلِ المردمِ
كان الشهبندر يطالب بمعاهدة مع فرنسا على غرار المعاهدة البريطانية – العراقية، وليس أقل منها قط. والشهبندر لم يكن هاشميًا أو مقرّبًا من البريطانيين كما أشاع خصومه، إنما كان يتطلع إلى دولة سورية واحدة، ومستقلة تماماً وبحدودها التاريخية (سورية ولبنان وفلسطين والأردن)، ولعل مبدأ الوحدة السورية هو أصل الشائعة، لأن فكرة سورية الكبرى كانت تستهوي الملك عبد الله، لكن تحت عرشه. وكان الشهبندر معاديًا أشد المعاداة لفرنسا التي أجهضت بالقوة تجربة المملكة السورية بقيادة الملك فيصل الأول (1920)، وقضت على الثورة السورية الكبرى ( 1925- 1927)، ونكّلت برفاقه وطاردتهم حتى منافيهم في الأردن. وظل دائمًا يرفع لواء الاستقلال والتخلّص من الاستعمارَين الفرنسي والبريطاني معًا، ومال إلى الانتداب الأميركي، فيما لو أن الأحوال السياسية كانت تفرض آنذاك وجود انتدابٍ بعد خروج تركيا من سورية، وهو ما صرّح به أمام مسيو كراين في أثناء زيارته دمشق في 1922. والمشهور عن الشهبندر أنه قاد التظاهرة الكبرى أمام فندق فكتوريا ضد زيارة آرثر بلفور، حين جاء إلى دمشق في 1925 في طريقه إلى فلسطين لحضور افتتاح الجامعة العبرية في القدس، واضطر بلفور إلى الهرب من دمشق، وتعرّض الشهبندر، في إثر ذلك، إلى السجن والنفي.
أجرى الشهبندر لقاءات مع حاييم وايزمن وموشي شاريت ودوف يوسف (برنارد جوزف) وإلياهو ساسون قبيل الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936 وفي أثنائها. وكانت غاية تلك اللقاءات التداول في إمكان التوصل إلى حلٍّ ما في فلسطين. ولم تؤدِ تلك اللقاءات إلى أي نتيجة، لأن الشهبندر أصرّ على إبقاء اليهود أقليةً في فلسطين. وقد أكد حاييم وايزمن لعبد الرحمن الشهبندر، في لقائهما في منزل أصلان قطاوي، في القاهرة في فبراير/ شباط 1938، بحضور إيلي موصيري، والإثنان من رؤوس اليهود المصريين، أنه لن يوافق أبدًا على أي اتفاقٍ عربي – يهودي، يتضمن الإبقاء على اليهود في فلسطين أقلية (ص127). وينقل الكاتب عن موشي شاريت قوله إن الفجوة بين موقف الشهبندر، في أثناء التفاوض مع قادة الوكالة اليهودية في شأن اتفاق عربي – يهودي، وموقف الوكالة كانت لا تزال واسعة، وأن موقف الشهبندر لا يمكن أن يشكل لدى الوكالة اليهودية أرضية للمفاوضات (ص127).
الدروز وترحيل الدروز إلى جبل الدروز
تبلورت فكرة ترحيل دروز فلسطين من الجليل والكرمل إلى سورية لدى إلياهو أبشتاين (أيلات) في بدايات سنة 1937 مع أن الفكرة تعود إلى تاريخ أقدم. وزار آبا حوشي جبل العرب في سورية في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 1937 بحجّة تقديم التهنئة لسلطان الأطرش الذي عاد من المنفى في 18/5/1937، وراحت الوفود تتقاطر على قريته للسلام عليه، لكنه لم يلتقِ سلطان الأطرش قط (أنظر: قيس فرّو، دروز في زمن الغفلة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2019، ص 53 و62). ثم زار آبا حوشي جبل العرب ثانية في 31/7/1938، أي بعد تسعة أشهر، وتمكّن في هذه الزيارة من لقاء سلطان الأطرش، بعدما قدّم نفسه
سكرتيرًا لنقابة العمال في حيفا، لا ناشطا في الحركة الصهيونية، وأنه لا يتوانى عن تقديم المساعدات للعمال والفلاحين العرب في حيفا، ومن بينهم العمال والفلاحون الدروز. وقد عرض آبا حوشي على سلطان الأطرش فكرة نقل دروز فلسطين إلى جبل العرب فأجابه:”إذا رغب أخوتنا أن يأتوا برضاهم، ورأوا في ذلك فائدة لهم، فنحن لا نعترض. لكنني أعتقد أن هناك مخاطر كثيرة، ومن ثم نحن لا نقبل بأن ينظر إلينا إخواننا المسلمون نظرة الشك أو الخيانة” (راجع: سعيد نفاع، العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية، المختارة – لبنان: الدار التقدمية، 2010، ص 139). وبالطبع، لم يُعطِ سلطان الأطرش موافقته على خطة الترحيل، وتذرّع بأن هناك صعوباتٍ مع البريطانيين في هذا الشأن، وأن الوقت غير ملائم. وفوق ذلك، لا توجد في الأراشيف الصهيونية أي وثيقة أو رسالة مكتوبة بخط سلطان الأطرش تشير إلى موافقته على فكرة نقل دروز فلسطين (قيس فرّو، مصدر سابق، ص 92).
يكشف كتاب محمود محارب تفصيلات العلاقة بين الوكالة اليهودية وبعض قادة الدروز في فلسطين وسورية، ويضيء الزوايا المعتمة في سيرة يوسف العيسمي (أبو حمد)، ويؤكّد أن يوسف العيسمي هذا هو الذي وعد آبا حوشي بالسعي إلى الحصول على موافقة سلطان الأطرش على فكرة ترحيل دروز فلسطين إلى سورية، وأنه تلقى الأموال بصورةٍ منتظمةٍ من الوكالة اليهودية لتسهيل نقل الدروز. بيد أن هذه الفكرة فشلت، ولم يوافق عليها سلطان الأطرش، مع أنه تفحصها واستطلع مزاياها. وكان يوسف العيسمي يزيّن تلك الفكرة، بالزعم إن عدد الدروز سيزداد في سورية في ما لو جاء إليها دروز فلسطين، وأن الأموال المتدفقة جرّاء انتقال الفلسطينيين الدروز بأموالهم ستجعل الحياة مزدهرةً في جبل العرب. وثمّة شك كبير في أن الوكالة اليهودية وبعض قادة الدروز قد توصلوا إلى اتفاقٍ في شأن ترحيل الدروز، وكل ما في الأمر أن آبا حوشي ويوسف ألفيا (سليم) صاغا أفكاراً في هذا الأمر في شكل مشروع اتفاق.
يقول قيس فرّو إن سلطان الأطرش لم يكن يعلم بما يقوم به يوسف العيسمي مع الوكالة اليهودية لتنفيذ خطة نقل دروز فلسطين، وأنه كان يزخرف رسائله إلى آبا حوشي باسم سلطان الأطرش ليقنع مشغّليه الصهيونيين بشرعية نشاطه (قيس فرّو، مصدر سابق، ص 124). ويضيف قيس فرّو أن الأمير حسن الأطرش كان ضد فكرة نقل دروز فلسطين إلى السويداء (قيس فرّو، المصدر السابق، ص 91). وعلى منواله، رفض الفكرة أيضًا عز الدين الحلبي وعلي عبيد، وهما من كبار المجاهدين في الثورة السورية الكبرى، ومن الرفاق المقرّبين جدًا من سلطان الأطرش الذين يتشاور معهم في الصغيرة والكبيرة.
فشلت فكرة نقل دروز فلسطين إلى سورية، وفشل يوسف العيسمي في إمرار مشروع النقل ذلك. وفي رسالة من العيسمي إلى يوسف ألفيا (شلومو أو سليم) مؤرخة في 22/8/1939، اعترف العيسمي أن سلطان الأطرش غير مستعد لشرعنة خطة ترحيل دروز فلسطين، ودعوتهم إلى المجيء إلى جبل العرب، لأن الدعوة سابقة لأوانها، ولا يصح أن ندعوهم إلى الرحيل عن فلسطين (قيس فرّو، مصدر سابق، ص100). وفي 2/11/1939 كتب آبا حوشي تقريرًا جاء فيه إنه مضطرٌّ إلى وقف نشاطه كله في موضوع ترحيل الدروز؛ ففكرة النقل لم تنفّذ جراء نشوب الحرب العالمية الثانية، ولأن أحدًا من الفرقاء المعنيين لم يكن معنيًا بها (سعيد نفاع، مصدر سابق، ص136)، علاوة على أن الفلسطينيين الدروز رفضوا الترحيل، ورفضت سلطات الانتداب الفرنسي هذا البرنامج، لأنها ارتابت في أنه سيُنفذ بتمويل يهودي ودعم بريطاني، بحسب ما جاء في تقرير سرّي كتبه إلياهو أبشتاين (سعيد نفاع، المصدر السابق، ص 135).
يزيح كتاب محمود محارب الأستار عن هذه الخفايا وأسرارها، ويميط اللثام عن متورّطين في خطة الترحيل، استنادًا إلى الوثائق الصهيونية. وكانت الاتصالات اليهودية بالدروز في سورية تهدف، في البداية، إلى وقف تطوع الدروز في ثورة 1936 الفلسطينية، ووقف إمداد الثورة الفلسطينية بالسلاح. أما فكرة ترحيل الدروز الفلسطينيين فقد تبلورت في ذلك السياق بالتدريج (قيس فرّو، مصدر سابق، ص 50). غير أن آبا حوشي كان يعتمد، في تقاريره، إلى رؤسائه على ما يرسله إليه من سورية يوسف العيسمي، وما يخبره به حسن أبو ركن من دروز فلسطين. وهذان زعما إن سلطان الأطرش لا يشجّع الدروز على الانضمام إلى الثورة الفلسطينية. وتبين للقسم السياسي في الوكالة اليهودية أن موقف سلطان الأطرش من هذا الشأن لم يكن مطابقًا لرسائل آبا حوشي، بل مخالف لها، فمراسل صحيفة الدايلي تلغراف البريطانية، آرثر ميرتون، الذي كان يقدم خدمات استخبارية للوكالة اليهودية، أرسل إلى القسم السياسي في الوكالة، بعد رحلة قام بها إلى لبنان وسورية، والتقى في خلالها سلطان الأطرش وأخاه علي، تقريرًا جاء فيه أن سلطان الأطرش وشقيقه علي أكّدا له مشاركة الدروز في الثورة الفلسطينية، وأنهم مستعدّون للاشتراك فيها ثانية، إذا تجدّدت لأنهم مناصرون للقضايا العربية (قيس فرّو، مصدر سابق، ص 52-53). أما آبا حوشي فيصف سلطان الأطرش بأنه ضد اليهود ومؤيد للحاج أمين الحسيني (قيس فرّو، المصدر السابق، ص 61). وفي أثناء نفي سلطان الأطرش إلى الأردن، كان على صلةٍ دائمة بكل من أكرم زعيتر ومحمد عزة دروزة ومعين الماضي، وهؤلاء اتفقوا مع سلطان الأطرش على زيادة عدد المقاتلين الدروز في الثورة الفلسطينية (قيس فرّو، ص 52).
يقول قيس فرّو إن الناشطين الصهيونيين أقحموا إسم سلطان الأطرش في تقاريرهم لإيهام يتسحاق بن تسفي بإمكان عقد اتفاقٍ بين الدروز والصهيونيين (قيس فرّو، ص 52). وهذه إشارة ذات أهمية خاصة تتعلق بالوثائق التاريخية وكيفية قراءتها؛ فليس مستبعدا أن يبالغ كاتبو التقارير، أمثال آبا حوشي ويوسف ألفيا، في تقدير الانجازات التي حققوها في شأن خطة ترحيل الدروز الفلسطينيين إلى سورية. وفضلاً عن ذلك، يقول قيس فرّو: “إن معلومات شلومو ألفيا لم تكن دقيقة بدليل أن ألفيا زوّد يتسحاق بن تسفي في 26/10/1936 بمعلومات عن أن السلطات البريطانية نجحت في القبض على قاسم الغضبان (من المتطوعين الدروز)، وأن مجموعة حمد صعب غادرت فلسطين. وتبين من خبر مصور منشور في صحيفة الدفاع الفلسطينية في 18/11/1936 أن حمد صعب شارك في حفل وداع فوزي القاوقجي، قبيل عودة الأخير إلى سورية، وأنه لم يغادر فلسطين كما زعم شلومو ألفيا (قيس فرّو، مصدر سابق، ص 50-51). ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن آبا حوشي لم يكن يعرف العربية، وأن شلومو ألفيا ودوف هوز هما من كان الواحد منهما يترجم له محادثاته مع الدروز الذين اشتهروا بالكلام المزخرف والمنمّق.
وبناء على ما كان يفهمه آبا حوشي منهما، كان يصوغ تقاريره إلى القيادة الصهيونية التي كان يخالطها أحيانًا عدم الدقة في المعلومات. ومهما يكن الأمر، فقد
فشلت “خطة” ترحيل دروز فلسطين لأسبابٍ عدة، وكان السبب الحاسم هو موقف سلطان الأطرش الذي قال في ما بعد: “لقد نصحتُ أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين صراحةً بعدم مغادرة أرضهم مهما تحملوا أو سيتحمّلون من وطأة الاحتلال. ولقد دلّت الأيام أن التشبث بالأرض خيرٌ من التشرّد في أصقاع الوطن العربي. إن التقصير في حماية الأرض الفلسطينية لم يقف عند هذا الحد، بل إن اللاجئين الفلسطينيين عانوا الأمرّين من معاملة بني جلدتهم رغم شدة البؤس الذي يعيشون فيه” (أنظر: سلطان الأطرش، أحداث الثورة السورية الكبرى، دار طلاس للدراسات والنشر، دمشق، 2006، ص 370).
الثورة والسلطة والخيانة
يثير كتاب “العلاقات السرية بين الوكالة اليهودية وقيادات سورية” الأسى والغضب معًا، فضلاً عن حيرة التفكير بما جرى. ويعجب الواحد منا، أشدّ العجب، ويتساءل: كيف يمكن أن يتحوّل وطنيون مشهود لهم في مقارعة الاستعمار الفرنسي، أمثال نسيب البكري وفوزي البكري ويوسف العيسمي، إلى عملاء للوكالة اليهودية؟ وكيف أن رجالاً كبارًا يهبطون، في أحوال معينة، إلى مسلك متصاغر، إما تحت جاذبية الثروة، أو جرّاء الميول الطائفية، فشكري القوتلي الوطني، وهو أحد أكبر رجالات العرب، والذي وقّع قرار الوحدة السورية – المصرية مع جمال عبد الناصر، تصرّف بطريقةٍ تشوبها روائح الطائفية مع سليمان المرشد الذي أُعدم في عهده ظلمًا، ولم يتورّع عن التضييق على العلويين لأسبابٍ مذهبية. وكان موقفه من فصل لواء الاسكندرون عن سورية باردًا جدًا، وفسّر بعضهم هذه البرودة بأن غالبية سكان اللواء العرب هم من العلويين. وعلى غراره، فعل جميل مردم الذي زار تركيا وقابل مصطفى كمال (أتاتورك) واجتمع إلى جلال بايار رئيس الوزراء في 24/12/1937، كأن الاسكندرون لم يحدث له أي شيء، وكأنما فرنسا وتركيا لم تتفقا علنًا في حزيران/ يونيو 1937 على فصل اللواء عن سورية. أما سعد الله الجابري الذي اعتقل عبد الرحمن الشهبندر في إحدى المرّات فلم يخجل من أن يصرّح أمام مجلس النواب السوري بالقول: إن الحكومة السورية قد قامت بكل ما يترتب عليها [في شأن الاسكندرون] وعملت ما يجب عمله! وهؤلاء جميعًا من حزب الكتلة الوطنية. أما أديب الشيشكلي (والإسمان القوتلي والشيشكلي ينتهيان بحرف لي) الذي كان أحد قادة جيش الإنقاذ في فلسطين، والذي كان محل إعجاب جمال عبد الناصر، ثم صار رئيسًا للجمهورية السورية بانقلاب عسكري، فقد تلوّث بالطائفية. وفي سبيل العودة إلى الحكم، لم يتردّد في الاتصال بإسرائيل في سنة 1956، ثم قُتل بحسرته.
مقارعة الاستعمار والسعي إلى التحرّر الوطني مهمة تاريخية، كانت دائمًا تجمع شتات الشعب في سبيل تلك الغاية السامية. لكن الطائفية لا تجمع إلا الطائفيين، وهي تُشَرذِم الشعب، وتعيده إلى مكوناته التي كان عليها قبل نيله الحرية. وبين الانتماءين، القومي والطائفي، فجوة فاغرة سقط فيها وطنيون كثيرون في ديار العرب. وما برحت الشعوب العربية، خصوصًا في لبنان وسورية والعراق، تدفع أثمانًا غالية من دماء أبنائها في جحيم الطائفية المهلك. ولعل كتاب محمود محارب يتخطّى كونه كتابًا في التاريخ القريب، فيصبح درسًا تاريخيًا لجميع من داس على الكرامة الوطنية لبلاده، وتعاون مع الصهيونية أو مع الاستعمار، الأمر الذي ألحق العار باسمه إلى زمن طويل.
—————————————–
تنويه: المصدر الرئيسي للمقال هو موقع العربي الجديد.