فهم منهجية التفكير التي اعتمدها سعادة في كتاباته في مختلف الميادين، يساعدنا على فهم مضمون هذه الكتابات، فهماً عميقاً وصحيحاً، كما يرشدنا إلى الاقتداء بنهجه الفكري، ولا نكتفي بترداد عباراته شعارات مجتزأة من سياقها.
امتاز سعادة بتفكيره العلمي والعملي، بالتفكير العميق المنطلق من تساؤلات فلسفية عميقة والإجابة عليها بدرس طويل ومنظم، يتناول كل ما يحيط بمشكلة البحث من مختلف الجوانب. وركّز في تفكيره على التعيين والوضوح وتحديد المصطلحات المستخدمة تحديداً دقيقاً، وتكوين رأي خاص بعد الاطلاع على نتاج المفكرين الذين سبقوه. وتناول في تفكيره المواضيع التي يمكن البرهان عليها بطريقة علمية بالأدلة الملموسة والحجج المنطقية. وتجنّب المواضيع التي لا تخضع للبراهين العلمية. وأكّد على التفكير الحر واعتبار الفكر جوهر الحياة الإنسانية، مقتفياً نهج زينون الرواقي ومضيفاً إليه الأطر العملية، هادفاً إلى تحسين الوجود والارتقاء به، من أجل الحياة في حسنها وخيرها وجمالها. والنقطة الأبرز في تفكيره هي الربط بين الظواهر وإيجاد العلاقة المنطقية بين الأسباب والنتائج.
يؤكّد سعادة في كل كتاباته على أهمية الفكر وعلى إعمال الفكر استناداً إلى المعرفة العلمية بهدف خدمة قضية الأمة والحضارة الإنسانية.
ينتقد سعادة كل أنواع التفكير التي لا ترتكز إلى الحقائق العلمية والمعرفة اليقينية وتنطلق من افتراضات لا يمكن التثبت منها بالبرهان والمنطق. وينتقد التفكير السطحي والعاطفي، والسخيف، والمنحط، والقاتل.
سنتناول في هذه الدراسة، مقدمة عن التفكير ومنطلقات تفكير سعادة من خلال كتاباته موزعة على خمسة عناوين: 1-حرية التفكير، 2-البعد الإنساني للتفكير،3- التفكير العلمي، 4-التفكير العملي، 5- التفكير القومي الاجتماعي.
المقدمة
ما هو التفكير؟
إنه مقدرة يمتلكها الانسان وتميزه عن الحيوان، وقد تطورت هذه المقدرة بفعل الاجتماع الإنساني والتطور الذي شهده منذ اكتشاف النار وتدجين الحيوان إلى الثورة الزراعية والثورة الصناعية وما بعدها وصولاً إلى عصر المعلومات والتكنولوجيا الحيوية.
نلحظ ظهور الفكر مع الإنسان العاقل من خلال استخدامه للأدوات ومن خلال الرسوم التي تركها في المغاور ومن خلال الأساطير والآداب التي سجلها.
ونلحظ تطور هذا الفكر من خلال القوانين والتشريعات والنظم التي أقامها والاكتشافات والاختراعات التي ابتدعها والمدنيات التي أقامها.
رافق التفكير منذ ظهور الفكر مع الإنسان العاقل الكثير من الأوهام والخرافات
كانت دائرة الأوهام كبيرة جدا ودائرة الحقيقة نقطة صغيرة.
كلما كبرت دائرة الحقيقة سقطت بالمقابل أوهام كانت سائدة. ولكن الأوهام لا تزال سائدة في معظم المجتمعات وإن بنسب متفاوتة.
لا تزال الأوهام كبيرة رغم كل التقدم الحاصل. وإذا كانت الأوهام مدمّرة وقاتلة، فالتفكير العلمي لن يفيد إذا لم يقترن بالمسؤولية الأخلاقية وبالعمل على تحسين الحياة.
التفكير هو نشاط عقلي، هو مقدرة عقلية لفهم موضوع ما أو حل مشكل ما.
ثمة تمايز وتباين في استخدام هذه المقدرة، وثمة أنواع من التفكير: من التفكير السطحي والخرافي إلى التفكير القاتل. ومن التفكير المرتبط بالأنانية الفردية إلى التفكير المرتبط بالعصبيات المغلقة:
عصبيات الدم (العائلية والعشائرية والقبلية والإثنية) وعصبيات العقائد العنصرية (الدينية والطائفية والمذهبية) والقوميات الشوفينية والهيمنة الاستعمارية والامبريالية المتوحشة وكل أشكال التمييز العنصري بين البشر.
هناك كثير من المعوقات والمعطلات للتفكير المنطقي والعقلاني والتفكير الباني والضامن للاستقرار وتحسن الحياة.
ولا نزال نشهد انتشار التفكير السطحي والخرافي والتفكير العنصري القاتل.
ولا نزال نشهد على تفكير يختلط فيه المنطق والعلم مع التعصب والجهل.
تطور التفكير
يتحدث مؤسس علم الاجتماع أوغست كونت عن قانون الحالات الثلاث الذي مر فيه الفكر
المرحلة اللاهوتية والمرحلة الميتافيزيقية والمرحلة العلمية (الفلسفة الوضعية-أوغست كونت)
لقد تطوّر الفكر مع الثورة العلمية في القرن السادس عشر بيكون-ديكارت-كوبرنيكوس كبلر غاليله نيوتن-سبينوزا كانت- النسبية والكوانتوم في القرن العشرين.
يشير سعادة إلى التطور الفكري عند الإنسان عندما يتناول مسألة نشوء النوع البشري الّتي شغلت عقل الإنسان منذ ابتدأ الإنسان يشعر بوجوده ويعقل نسبته إلى مظاهر الكون ونسبة هذه المظاهر إليه. فأخذ يتكهّن صدوره عن عالم غير هذه الدّنيا يعود إليه بعد فناء جسده. ويعتبر سعادة أن هذا التصور كان درجةً بارزةً في سلّم ارتقاء الفكر سبقتها درجات من التّخرّصات الغريبة.(سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 9)
ويربط سعادة بين التطور الفكري والتطور الاجتماعي ويقول:
الإنسان يمتاز بعقله وإدراكه، وغاياته ترتقي وفاقاً لارتقاء نفسيته. فهو بعد أن يدرك قوت ساعته يفكر في تأمين استمرار حصول القوت له ليس فقط بالجمع والخزن، بل بالعمل والإنتاج كالزرع والحصاد. وبعد أن يؤمن هذه الناحية يرتقي إلى مرتبة أعلى يعمل عليها للغايات النفسية كالفضائل والفنون والآداب. وانتقل الزعيم من الغاية الإنسانية الفردية إلى الغاية المجموعية فأوضح ترابط الجماعة.
وميّز بين مراتب ارتقاء الإنسان من مرتبة الخضوع للعوامل البيولوجية البحتة إلى مرتبة الشعور بالشخصية الفردية، ثم بالعائلة، ثم إلى مرتبة الشعور بشخصية الجماعة الكبرى ــــ الشعب، الأمة. وبيّن كيف أنّ هذه المرتبة هي التي تحفظ حياة الأمم وعليها تحقق الشعوب مثلها العليا وتكفل أكبر نصيب من الحياة الجيدة. وقال إنّ انتصار فكرة الأمة على فكرة الفرد والعائلة هو العامل الفاصل الثاني في اتجاه الشعب السوري بواسطة الحركة السورية القومية.(سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 209)
القوة الفكرية
القوة قوتان: مادية ومعنوية، وإهمال الواحدة يسبب هلاك الثانية. وقد كانت القوة في الأصل مادية بحتة ثم أخذت تتطور بدخول الفكر البشري وارتقائه حتى أصبحت معنوية أيضاً، وأصبح الفكر أعظم أهمية من المادة، فكثر اعتماد الأمم الحية على الفكر الذي هو قوة غير محدودة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 412)
نظراً لأهمية القوة الفكرية اعتبر سعادة أنالطبقة الراقية المتنورة تتحمل أكبر قسم من المسؤولية في تقرير الحياة القومية، لأنها عقل الشعب وقوته التفكيرية. فعنها يجب أن تصدر الأفكار النيرة والآراء الصائبة، ومنها يجب أن تخرج المبادئ الصحيحة التي هي مصدر صحة الحياة القومية. فإذا قامت الطبقة المتنورة بواجبها من تسديد مرامي شعبها وإعداد طرق حياته، كانت الحياة القومية صحيحة وكان مطلب الأمة الأعلى جميلا ذا قيمة عقلية عالية. الصحة البدنية جمال للبدن، والصحة العقلية جمال للنفس، وصحة الحياة القومية وجمال المطلب العلى يدلان على صحة حياة الأفراد الداخلية وجمال نفوسهم (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 391)
.ويربط سعادة بين الفكر والشعور ويشير إلى أهمية الشعور من حيث هو رابط اجتماعي لا غنى عنه، وعلى أهمية الفن في تقوية الشعور. وقال إنّ من أهم أسباب تخبط الشعب السوري والتفكك الذي آل إليه انعدام الشعور الاجتماعي أو ضعفه الشديد.
إنّ المجتمع المتمدن لا يقوم بالفكر وحده ولا بالشعور وحده، بل يتلاحم الفكر والشعور. فقد تُفَرِّق الأفكار الناس مذاهب فيجمعهم الشعور في وحده اجتماعية. ولما كان الفن أبدع مظاهر الشعور وأقوى محركاته فالشعوب الراقية الشعور يُعرف رقيّها باشتغالها بالفنون وبعنايتها به. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 244)
ويؤكّد على الانتصار بالفكر
بهذا التعليم السوري القومي تنهض الأمة السورية وكل أمة عربية تتخبط في محاولة عقيمة للتوفيق بين حزبية الدين والواقع الاجتماعي وليس «بسيف الرسول»، كما ينادي رشيد الخوري المأجور ليقول هذا القول.
إن سيف الرسول لا يفيد في النهضات القومية. ففائدته الوحيدة كانت لنصرة الدين في بيئة يتعذر فيها الانتصار بالفكر والفهم، في العُربة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 150)
منطلقات التفكير
1-حرية التفكير
ينتقد سعادة رئيس المجلس العلمي العربي محمد كرد علي لأنه لا يحترم الحرية الفكرية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 382) وينتقد الجامعة الأميركية التي أخذت في المدة الأخيرة تتطرف بفرض أنظمة واتجاهات على التابعين لمؤسساتها وذوي العلاقة بها حتى أنها تكاد تجرّدهم من حرية الفكر والقول التي كانت الجامعة نفسها تفخر فيما مضى أنها صفة أساسية لها. المعروف عن الجامعات في العالم أنّ الفكر فيها حر على أساس العلم، فتتفاعل الأفكار. لا تقاوم النظريات والآراء المتولدة من هذا التفاعل إلا بالنظريات والآراء. أما التحيّز في سياسة الطلاب ومحاولة بعض الدوائر فرض عقلية خاصة عليهم فسياسة تخرج عن الأمانة الدراسية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، الصفحات 157-158)
ويشيد بميشال زكور لأنه يحترم حرية الفكر. مات ميشال زكور ففقدت الدولة بموته رجلاً من رجالها الكبار، رجلاً كانت الدولة تفتقر إلى مثله، وخسرت النهضة القومية خصماً في العقيدة شريفاً كان وجوده في الحكم إحدى الضمانات لسلامة حرية الفكر. كان الرجل رحب الصدر، واسع العقل يدرك أن اختلاف العقائد والنظريات [ليس] إثماً. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 121)
ويؤكد على حرية الفكر بكونها حقوقاً عامة للجميع،
اضطرت حكومة لبنان للاعتراف بهذا الحزب ضمن غايته والترخيص له ليعمل علناً، ممارساً حقوق عضوية الدولة وحرية الفكر التي جاهد هذا الحزب مدة الإثني عشرة سنة الماضية لجعلها حقوقاً عامة لجميع أفراد الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 141)
نحن لم نعادِ لا عهداً ولا رجال عهد، ولا تدخّلنا في خصوصيات شخصية ولا حاربنا فرداً من الأفراد. بل نحن آزرنا الذين تحولوا في الأخير إلى الموقف الذي كنا نقفه… آزرنا في كل خطوة… رغم الصفعات التي وجهت إلينا… ونحن اليوم لا نزال كما كنا في…. الماضي لا نزال.. في خطتنا الأولى. قد نتلقى صفعات… ونؤازر كل من أراد لهذه الأمة خيراً. وأول (ما يطلب منه) أن يحترم حرية الشعب. حرية الفكر… يجعل هذه الأمة قوية حرة سيدة متفوقة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 404)
في مقالته عن التفكير العملي والإصلاح الاجتماعي ينتقد بشدة التربية الفاسدة التي تقمع حرية التفكير وحرية التصرف الظاهرة المنتشرة في الأسرة السورية، يقول: “نرى من مظاهر هذا النظام الفاسد أنّ الأب يقهر ابنه في بعض رغباته الفنية أو العلمية بدلاً من أن يجتهد في تقويم ما اعوج منها وتسديد خطواته في السبل المؤدية إلى تحقيقها. ونرى الأب يقهر الأم في كثير من الأمور الحسنة التي ترغب فيها. ونرى الأب والأم يقهران الابنة في أعظم رغباتها شأناً في حياتها ويقرران مصيرها تقريراً يسحق عواطفها ويجرّدها من كل إرادة في الحياة، فتصرف بقية حياتها منكسرة القلب حزينة النفس. قولوا لي، أيها السادة، هل يمكن هذه الآنسة متى أصبحت أماً أن تغذي أبناءها بروح الثقة بالنفس والاعتماد على النفس وحرية الفكر وحرية التصرف وسائر الفضائل التي بدونها تكون الحياة عديمة الجدوى، عديمة الارتياح، عديمة السعادة، عديمة المعنى، اللّهمّ إلا معنى الخمول، والذل والانحطاط والعبودية؟ وهل يمكن الأطفال النامين تحت ضغط القهر وإذلال النفس أن يخرجوا رجالاً ونساءً أحرارا؟” (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، الصفحات 390-397)
لا حرية فكرية بدون التفكير الحر، التفكير المستقل غير الخاضع للإرادات الأجنبية والمعبّر عن مصالح المجتمع الذي يشكّل وحدة حياة، لذلك يحذّر سعادة من الوقوع فريسة الدعايات الأجنبية ويشدّد على بقاء الفكر السوري حرا مستقلا.
إننا نعترف بأن هنالك مصالح تدعو إلى إنشاء علاقات ودية بين سورية والدول الأجنبية وخصوصاً الأوروبية. ولكننا لا نعترف بمبدأ الدعاية الأجنبية. يجب أن يبقى الفكر السوري حراً مستقلاً أما المصالح المشتركة فنحن مستعدون لمصافحة الأيدي التي تمتد إلينا بنية حسنة صريحة في موقف التفاهم والاتفاق. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، الصفحات 7-8)
ومن هذا المنطلق يرفض المحاكاة المتفشية في شعبنا مما قضى على كل شيء أصلي، حتى حلت المظاهر محل الجوهر وقامت الحركات والإرشادات المقتبسة مقام الأخلاق والمثل العليا. التمدن بعينه لا يعني لنا سوى بعض المظاهر وليس له أقل أثر في أعماق حياتنا النفسية والاجتماعية..
وقد اعتاد الشعب هذه المحاكاة وهذا الميعان، حتى فقد كل ثقة بنفسه، وفقد كل فكر مستقل وكل حرية في التصرف. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 225). متى خضع الفكر القومي لفكر أجنبي فماذا يبقى من الاستقلال؟ وإذا خضع النظر إلى قيم الحياة إلى نظر أجنبي فماذا يبقى من الاستقلال” (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 28)
موقفنا من الوضع الإنترناسيوني لا يزال مؤسساً على هذه القاعدة. وهي تعني أننا نعمل لتحرير أمتنا من كل سيادة أجنبية وتحرير الفكر السوري من تأثيرات الإرادات والمناورات الخارجية، وأنّنا نرفض أن ننعزل عن العالم ومجرى الشؤون الإنترناسيونية، ولكننا نشترط أن تكون كل علاقة لنا مع أية دولة أجنبية قائمة على أساس الاعتراف بسيادتنا القومية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، الصفحات 52-53)
الاستقلال الروحي
المبدأ السابع يقول: “تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي”. يتضح من هذا المبدأ وهذا الكلام أنّ الاستقلال الروحي شيء واضح جداً ومبدأ فاعل له فاعلية عظيمة في حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي. هو يوجه الفكر والشعور إلى الحقيقة الداخلية، إلى حقيقة هذه الذات الفاعلة التي هي المجتمع السوري بكل طبيعته بكل مواهبه بكل مثله وأمانيه. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 76)
2-البعد الإنساني (السلام العالمي)
عندما أفكر في الجهود العظيمة التي تبذل لتحقيق فكرة الطمأنينة والسلام العالميين، والمساواة البشرية في الأغراض الإنسانية السامية، تخطر في بالي العقبة الكأداء التي تعترض هذا السبيل، ألا وهي: التاريخ المملوء بالنزعات القومية والعنصرية والإقليمية.
أنّ تجريد التاريخ من النزعات والفلسفات المملوء بها يغني عن ألف ألف مؤتمر لتحديد السلام وألف ألف معاهدة لمنع الحرب.
يحملني على الذهاب هذا المذهب استقصاءاتي العديدة، وبحثي في أساليب إعداد التاريخ للمدارس، وطرق تدريسه، وفي التواريخ الموضوعة للرأي العام. فقد توصلت إلى نتيجة مؤلمة لكل المتمثلين الإنسانية السعيدة والمتفائلين بمستقبل سلام العالم، جعلتني أعتقد أنّ نصف ويلات البشرية، على الأقل، يعود إلى سيطرة النزعات على التواريخ الموضوعة بين أيدي الناس، وحشو هذه التواريخ بالفلسفات المتغرضة والشروح الموضوعة عمداً لمقاصد معينة.
أنّ سلام العالم يتوقف على تنزيه معارفنا في ما يتعلق بأنفسنا وجيراننا والبعيدين عنا أكثر كثيراً مما يتوقف على المؤتمرات والمعاهدات السياسية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 245)
التعليق على كتاب المساواة لمي زيادة
بيد أنّ لكل جواد كبوة، ولكل قلم عثرة. ولكن شتان ما بين كبوات الجياد وعثرات الأقلام، لأن تلك لا تردي إلا فوارسها أما هذه فتردي كثيرين وقد تلقي أمماً وشعوباً بأسرها في هاوية عميقة من التعاسة والشقاء. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 30)
إنّ السلام الحقيقي الثابت في العالم، لا يمكن أن يتم على أساس الحجج التي يستعملها هذا الفريق الاستعماري أو ذاك الفريق الاستعماري. السلام الحقيقي الثابت لا يتم إلا على أساس اعتراف كل من الفريقين المتحاربين لشعوب العالم الحرة بحق الحياة كشعوب حرة وليس كشعوب مستعبدة، سواء أكانت العبودية من قبل الألمان والطليان أم من قبل الإنكليز والأميركان. ويدخل في ذلك عدم الاستعباد الاقتصادي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 148)
الطبيعة البشرية واحدة
في قصة فاجعة حب يتحدث سعادة بلسان سليم
أنّ الطبيعة البشرية واحدة في جميع العناصر والشعوب وإن تعددت الأمزجة. إنّ عواطف الحب والبغض والرقة والقسوة والسرور والحزن وبواعث الطرب والتأمل واللهو والتفكير والطموح والقناعة وما ينتج عنها جميعها من ثورات وانفعالات وتصورات نفسية تقصر الكلمات عن وصفها، كل هذه واحدة في جميع الأمم في الشرق والغرب ولا فرق بينها إلا بمقدار تنبّه النفوس وارتقائها وشدة شعورها أو خمولها وانحطاطها وعدم شعورها. فالقوم الذين لا تزال نفسيتهم في دورها الابتدائي أو كانت محجوزاً عليها بحكم العادات والتقاليد العتيقة، الناتجة عن تلك النفسية، كانت موسيقاهم إبتدائية أيضاً
نهضة الشعب السوري ضرورية للتمدن، لأنه كان موقناً من مزايا الحرية والسلام والمحبة المتأصلة في قومه. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 328-332)
الزعيم حين زيارته الأولى لدمشق سنة 1930، أي قبل تأسيس الحزب السوري القومي بنحو سنتين، يرفض لقب الإمارة فكانوا يتجهون إليه بالتسمية «أنطون بك سعاده» أي الأمير أنطون سعاده. ولكن الزعيم أبى هذا اللقب وكل تقليد صحيح أو غير صحيح يجعله في طبقة فوق الشعب. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 19)
التفكير الإنساني هو في صلب النفسية السورية كما يظهر في أساطيرها وأدبها التي تؤكّد على محاربة الشر (الصراع بين بعل وموت، بين أدونيس والخنزير…) وكما يظهر في فلسفة زينون وفي المسيحية والمحمدية. يعود الفضل للرواقيين في تطوير مفهوم المواطنية العالمية، وإن لم تكن أكثر من تعبير مجازي، وهي بالتأكيد ليست حالة سياسية أو قانونية. (مينش، 2010، صفحة 156)
تؤكد الفلسفة الرواقية على أن يكون المرء مواطنا عالميا عن طريق العيش وفق قواعد كونية للتصرف الصالح. وهكذا علّمت الرواقية أن الفرد ككائن سياسي فاضل ينبغي أن يكون مخلصا وأن يشعر بولاء عميق لكل من دولته والقانون الطبيعي الكوني. إذ أنه عضو في كل من المدينة، وهي الدولة الموجودة قانونيا ودستوريا، والمدينة العالمية وهي فكرة للمجتمع الكوني الأخلاقي. (مينش، 2010، صفحة 63)
زينون وسعادة
يشير سعادة إلى الارتباط بين فلسفته وفلسفة زينون فيقول: إنّ من يتأمل فلسفة سعاده في خطبه الممتلئة وفي كتابه «نشوء الأمم» يدرك الرابط العظيم بين فكره وفكر فيلسوف الرواقية، خصوصاً في الناحية الإيجابية البانية التي تعبّر فيها الفلسفتان عن نفسية عميقة متأصلة في المجتمع السوري. إنّ عودة سعاده إلى مبدأ الواقع الاجتماعي في الأمة تخلصاً من فوضى الاعتباطية العقائدية هي في جوهرها أشبه بعودة زينون إلى مبدأ الناموس الطبيعي. على أنّ سعاده كان أغنى بتمثيل جميع نواحي النفس البشرية ومطالبها فلم يقتصر على ناحية الفكر، وإن لم يهملها، وجعل مطلب الحياة الأسمى تحقيق الحياة الحرة الجميلة في المجتمع وتأمين عوامل رقيها. إنّ رسالة سعاده كرسالة زينون إنسانية في غايتها، وكل عودة إلى مبدأ الفكر والحياة عودة إلى الإنسان. و«إنسانية سعاده» إنسانية منظمة مسؤولة لا فوضى مائعة. إنها الإنسانية الطبيعية في معنى زينون للطبيعة على أنها قائمة على نظام الفكر لا في معنى المستهترين للطبيعة في أنها قائمة على الحيوانية البديهية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 12)
جمود الشرع عن طريق الدين يناقض مبدأ زينون الذي يعتبر أن الفكر أو العقل هو جوهر الحياة الإنسانية. الرسالة المسيحية نقضت جمود الشرع اليهودي وأعطت القيمة للإنسان الذي هو أهم من الشريعة لأن الشريعة وجدت لأجل للإنسان وليس الإنسان لأجل الشريعة. لذلك يقول سعادة عن رسالة يسوع المناقبية “أهم ما فيها، بصرف النظر عن أهمية تعاليمها، أنها أعادت النظرة السورية إلى الحياة القائلة بتسليط العقل على مجرى التاريخ، وأن ميزة الإنسان الأساسية هي الفكر، وأنها كانت انتصار النفسية السورية الفاصل على النفسية اليهودية القائلة بتحديد الحياة الإنسانية وفاقاً للشرع الموسوي.”(سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 129)
شهد عصر زينون تصدع بناء النظام السياسي لدول المدن، وبدأ ظل الامبراطورية العالمية يمتد على العالم. لم يكن للامبراطورية الناشئة أن تحل محل الرابط الاجتماعي في مجتمع المدينة الصغير، ولذلك ضعف رابط الاجتماعية في الأفراد، بعد تضعضع الأنظمة المحلية، واتصل أثر هذا التغيّر الفجائي بالفلسفة فانحطت إلى جماعات وفرق تسعى كل منها إلى سعادة الفرد واستغنائه دون ما نظر إلى المجموع. أنشأ زينون المدرسة الرواقية، التي أصبحت فيما بعد أهم مدارس الإغريق الفلسفية على الإطلاق، والتي تولت في الأجيال المتعاقبة نشر الفكر الباني في جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية بواسطة الفلاسفة السوريين والإغريق من أتباع زينون.
أهم مبادئ زينون
أولاً: إنّ الفكر هو جوهر الطبيعة وميزة الإنسان وهو فكر نقدي متحرر وباني الناموس الطبيعي يتمثل في الشرائع الوضعية والتقاليد بمقدار ما فيها من الخير والصلاح، ولكنه يتعداها، وأنّ هذا الناموس الطبيعي يمكن اكتشافه بواسطة الفكر ويمكن الاستفادة منه، متى عُرف، لنقد الأوضاع وإصلاحها. إنّ هذه النظرة الفلسفية الموجبة قضت على وثنية التقاليد وأحلت محلها حكم الفكر المتحرر. إنّ جميع الأنظمة البشرية يجب أن تخضع لناموس الطبيعة الذي هو أيضاً تشريع الفكر. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 9)
ثانياً: عيّن زينون حدود الإرادة ومحلها من العناية الإلهية. مصدر الوجود هو واحد وشامل وصالح، وهذا المبدأ يدعو إلى الإيمان بالعناية الإلهية وبانتصار عامل الخير في النهاية على عامل الشر، على أنّ زينون خشي أن يؤدي هذا المبدأ إلى الاتكالية الشرقية، فدعمه بمبدأ الإرادة والواجب وإعمال الفكر. على الإنسان أن يعمل واجبه بعد إعمال فكره، وأن يسلّم للعناية ما لا يقع تحت طائل إرادته، وهذا ما عرف في التاريخ بالسلوكية، الرواقية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 9)
إنّ الهدف الأسمى للإنسان هو ترقية الفكر وتعزيز المبدأ الفكري في العالم. لذلك حتم زينون سيطرة الإرادة على عوامل اللذة والألم في الإنسان وكانت هذه الميزة مما اشتهر به الرواقيون في جميع عصور التاريخ. جاء زينون يدعو إلى تحكيم الفكر في الشرع والتقليد محرراً الإنسان من عبوديته العمياء الماضية فاتحاً الطريق لتحقيق مطالب الرقي الناشىء. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 10)
سعادة هو زينون آخر. إنّ زينون لم يستطع أن يعيّن بالضبط ما هي المسؤولية الملقاة عليه وعلى أمته تجاه العالم وتجاه تحقيق مبدأ الفكر والنظام والعدل في الإنسانية ولذلك نراه يموت معلماً شريدا عن بلاده تاركاً أمته المؤهلة لحمل رسالته في التاريخ تتقلب على الفتوحات من جيل إلى جيل. إنّ زينون الرواقية رسم الخطة ولم يبنِ ولم يعنَ بقيمة المؤسسات التي وحدها تتولى تحقيق المبادىء. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 11)
أما زينون القومية، سعاده، فقد رسم الخطة ووضع نفسه في الطليعة. لقد رأى رؤية زينون البديعة، رؤية إنسانية عادلة منظمة، يسيطر فيها عامل الفكر وتنقشع عن سمائها غياهب الأوهام، ولكنه قبل أن ينصرف إلى الأحلام أراد أن تكون أمته مستعدة للقيام بقسطها في إنشاء حضارة العالم(سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 12)
إنّ الحركة السورية القومية لم تأتِ سورية فقط بالمبادئ المحيية، بل أتت العالم بالقاعدة التي يمكن عليها استمرار العمران وارتقاء الثقافة. إنّ الحركة السورية القومية ترفض الإقرار باتخاذ قاعدة الصراع بين المبدأ المادي والمبدأ الروحي أساساً للحياة والأعمال الإنسانية. ولا تقف الحركة السورية القومية عند هذا الحد، بل هي تعلن للعالم مبدأ الأساس المادي ــــ الروحي للحياة الإنسانية، ووجوب تحويل الصراع المميت إلى تفاعل متجانس يحيــي ويعمر، ويرفع الثقافة ويسيّر الحياة نحو أرفع مستوى. إنّ في المبدأ السوري القومي إنقاذاً لا يقتصر على سورية، بل يتناول وضعية المجتمع الإنسان كله. ونهضتنا لا تعبّر عن حاجاتنا نحن فقط، بل عن حاجات إنسانية عامة» (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 23)
3- التفكير العلمي
سعادة ابن المدرسة العلمية وهو ينطلق في دعوته نتيجة الدرس على قواعد معرفة علمية واسعة وعميقة ومختصة في التاريخ الإنساني السياسي والاجتماعي والثقافي وفي الفلسفات القديمة والحديثة وفي علوم الاجتماع والأنتروبولوجيا.
ضرورة المعرفة للحقيقة وعدم كفاية الوجود غير العاقل في ذاته لتكوين قيمة الحقيقة، لأن الحقيقة قيمة فكرية تحصل في العقل أو الضمير بواسطة المعرفة فقط. موقف سعاده هو موقف الفيلسوف المعتمد العقل والمعرفة وليس الحدس والتخمين (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، الصفحات 260-261) اعتماد العقل البحثي الذي يتبصر ويميّز ويعيّن الأهداف والذي لا يكتفي بالتنظير، بل يتجه إلى العمل والفعل في الوجود، العقل الحر ولا يجوز تعطيله.
لم يوجد العقل الإنساني عبثاً. لم يوجد ليتقيد وينشلّ. بل وجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميّز، ليعيّن الأهداف وليفعل في الوجود. وفي نظرتنا أنه لا شيء مطلقاً يمكن أن يعطل هذه القوة الأساسية وهذه الموهبة للإنسان.العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسية وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحط إلى درجة العجماوات المسيّرة بلا عقل ولا وعي. سنّة الله أو سنّة الطبيعة هي التي لا يفعل فيها عقل مميز مدرك، وهذه للجمادات والعجماوات.
أما الإنسان فالله قد أعطاه القوة المميزة المدركة لينظر في شؤونه ويكيّفها على ما يفيد مصالحه ومقاصده الكبرى في الحياة. فليس معقولاً إذن أن يعطل الله نفسه هذه القوة بشرع أبدي أزلي جامد. لذلك كان العقل الإنساني. كان الإنسان، كان المجتمع الإنساني حراً بإرادة الله، حراً بإرادة المصدر الذي نشأ عنه لكي يسير نحو ما هو الأفضل، ليقرر بذاته ما هو الأفضل في حياته. ليسير بقوة تمييزه وإدراكه نحو ما هو الأفضل ليقرر من ذاته وبذاته ما هو المصير الأفضل في حياته (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 94-95)
التعيين هو شرط الوضوح. فالوضوح ـ معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة ـ هو قاعدة لا بد من اتباعها في أية قضية للفكر الإنساني وللحياة الإنسانية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 82)
لا بد لقيام الحقيقة من شرطين أساسيين: الأول الوجود بذاته أي أن يكون الشيء موجودا. والثاني أن تقوم المعرفة لهذا الوجود. والمعرفة هي التي تعطي الوجود قيمة لا يمكن أن تكون له بدونها. الحقيقة قيمة إنسانية نفسية والإنسان هو وحده الذي يميز بين الحقيقة والباطل بالمعرفة. إذن، لكي نكون موقنين بوجود أمتنا، نحتاج إلى معرفة حقيقة هذا الشخص أو هذه الأمة أو هذه البلاد. وهنا تبدو أهمية هذا المبدأ الرابع الأساسي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 49)
للتأكيد على أهمية التفكير العلمي والفلسفي أنشأ سعادة الندوة الثقافية في الحركة القومية الاجتماعية في خريف سنة 1937 للأبحاث الثقافية ولنقل الفكر من السطحيات ومسائل الإدراك العادي إلى الأساسيات وقضايا العقل العلمي والفلسفي” (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 209)
لا يمكن مواجهة الأخطار والتحديات بدون البحث عن الحقيقة، هذه الطريق يمكن أن نسميها طريق الوعي القومي الذي يؤمن لنا الخروج من التخبط في ماهية حقيقتنا في من نحن وما هو وجودنا وما نبغي في الحياة (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 418)
الأسئلة التي طرحها سعادة ما نحن؟ هل نحن أمة؟ تشكّل نقطة الابتداء في البحث عن حقيقتنا.
” ابتداء التفكير في معنى ماهية الجماعة الإنسانية التي هي نحن وأهدافنا الكبرى التي تعبّر عن حقيقتنا ووجودنا نحن وجوارنا نحن. كل هذا يعني أنّ قواعد الفكر التي نشأت عليها هذه النهضة القوية وينمو بها الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قواعد فلسفة عميقة تتناول المسائل الأساسية، غير التي ترتبط بوقت معيّن تمضي بمضيه أو بشكل من الأشكال الجزئية، بل هي عامة ثابتة، أو، بالمعنى الفلسفي المطلق، ليست منسوبة إلى وقت أو حالة معيّنة وقتية تزول بزوال تلك الحالة. بهذه الأسئلة وابتداء الفكر من هذه النقاط وضعت مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي لتعطي الجواب على الأسئلة العلمية الفلسفية العميقة المتقدمة. ” (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 35)
ويدعو سعادة إلى الدراسة المنظمة لفهم القضية القومية بكل أبعادها.
“بديهي إذن أن لا نتمكن من فهم قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي كلها بكامل أجزائها وفروعها وما تنكشف عنه من مناقب وأهداف سامية وما تتعرض له في سيرها من مثالب في الحياة، إلا بالدرس والتأمل الطويل. إنّ قضية من هذا النوع تتكشف عن كل هذه الأهداف الخطيرة تحتاج إلى دراسة منظمة متسلسلة لا تجمعها محاضرة واحدة أو كتاب، بل هي تستمر، ويستمر الفكر يتغذى منها ويتفتح على شؤون العالم مطلقا، ويظل مجتمعنا يجد في هذا التفتح وهذا الاستمرار مراقي إلى ذروة الحياة الجيدة التي تليق بالإنسان الراقي ويليق الإنسان الراقي بها.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 15)
ينطلق من فهم الواقع الإنساني والاجتماعي
“هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي سيعيش فيه أولادنا، إنما هو عصر تنازع الأمم، عصر تتقيد فيه الأفراد والجماعات بمصير أممها، فإن كانت الأمة ناهضة، راقية، متقدمة في ميدان الحياة كان لأفرادها وجماعاتها مقام وكرامة على نسبة ذلك.
إنه عصر أعمال، لا عصر أقوال. فيجب أن يكون مدعوما بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة واقعية، ونحن أمة واقفة، الآن بين الموت والحياة، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعينه.
الاعتماد على النفس فصل الخطاب، فالأمم التي اعتمدت على نفسها وتجهزت بما يدفع عن كيانها بقيت وفازت، والأمم التي علقت أمالها على المقامرة والمضاربة في الشؤون السياسية، معتمدة على قوات ليست في قبضتها وواضعة ثقتها في تدبيرات خارجية سقطت وتلاشت. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، الصفحات 490-491)
ان مبدأ المصلحة القومية هو الذي يقرر سياسة العالم. كل ما يدور من اللغط حول المسائل الانسانية، وانتصار بعض الدول لمبادئ العدل الإنساني، فإعادة نغمة قديمة القصد منها التغرير بالشعوب الخائفة على مصيرها واكتسابها لجهة القائلين بهذه المبادئ. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 179)
لا تعني الوحدة الإنسانية وحدة حقيقية لجميع الناس وتساويا تاما في التمتع بموارد الخير وفي توزيع الموارد الأولية الموجودة في الأرض على جميع الناس بالتساوي، ولا تعني صيرورة الناس أمة واحدة في وحدة الحياة والشعور والنظر إلى الحياة.
لا تعني وحدة الحركة العمالية الطبقية الشيوعية في العالم، أن العمال السوريين ستكون لهم حالة مساواة في الحياة والمعاشرة والمنزلة والنتائج مع العمال الروسيين والفرنسيين والإنكليز وغيرهم، فخصائص الشعوب ونفسياتها لا تزول بمجرد فكرة سياسية أو اقتصادية. ولا تعني العالمية الأميركانية أن الأميركان مستعدون لمقاسمة جميع الشعوب الفقيرة خيرات بلادهم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 324-325)
الأمم لا تنشأ بالأهواء والرغبات الاستبدادية، بل بالنواميس الاجتماعية. والدول لا تقوم على الهوس الديني بالشؤون المختصة بما وراء المادة، بل على القواعد السياسية – الاقتصادية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 252)
إذا كانت الدولة مظهراً سياسياً من مظاهر الاجتماع البشري فالأمة واقع اجتماعي بحت. ودرس الأمم ونشوئها هو درس اجتماعي، لا درس سياسي، وإن كان لا غنى للعلم السياسي عن درس الأمة والقومية، لأهميتها في النظريات السياسية وفعلها في تغيير مجرى الشؤون السياسية وإصلاح المعتقدات والمبادئ السياسية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 119)
مقال في الجريدة بتاريخ 10-6-1922
يظهر المقال التفكير العلمي وانتهاء زمن المعجزات والعجائب والخرافات، رفض الاتكال الغيبي والخارجي والسير بموجب الحقائق الراهنة فيقول:
“زمن المعجزات والعجائب والخرافات قد مضى وأصبح الناس يسيرون على أنوار الحقائق بعد أن كانوا يسيرون في ظلمات الجهل. والذين لا يبتغون الحقائق خاسرون لا محالة. ونحن لكي نكون من الفائزين في نهضتنا الحديثة، يجب علينا أن نسير بموجب الحقائق الراهنة. أما إذا كنا ننتظر مسيحاً آخراً آتياً من السماء، أو أماً حنوناً آتية من الأرض لتمنحنا ما نريد، فثقوا بأننا سننتظر إلى الأبد. ” (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 18)
ينتقد سعادة الأشخاص الذين يطلقون مواقف من غير أي تحليل لوضعية سياسية ــــ اجتماعية معينة ودون إعمال الفكر، ودون دراسة التاريخ السياسي وعلم الحقوق الدستورية. والجهل التّام لمبدأ الأسباب والمسببات، ومبدأ الكفاءات والاحتياجات. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، الصفحات 161-162)
قضية فخري المعلوف
غرق فخري المعلوف في الهوس الديني فلم يكتف بالانتماء إلى عقيدة دينية وله كل الحرية بذلك، ولكنه أراد جعلها قاعدة لقياس كل أمر ديني، أو مدني، أو سياسي، أو قومي. وهذا مخالف لمبادئ العقيدة القومية الاجتماعية القائلة بتساوي الأفراد في حرية الاعتقاد الديني، وبالفصل فصلاً تامًّا بين المسائل الدينية والقضية القومية الاجتماعية والسياسية.
يقول سعادة: “الغريب في موقف الأمين معلوف أنه لا يطلب حرية الاعتقاد التي هي مكفولة في مبادئنا ونظامنا ومؤيدة بخطب ومقالات للزعيم، بل يطلب استخدام حرية اعتقاده ليفرض على الحزب وجوب اعتماد “الحقائق الدينية الفلسفية التي لا يمكن برهانها بالعقل البشري المجرّد” وهو لا يعني شيئاً أقلّ من وجوب تقييد حرية الفكر بإقرار هذه “الحقائق” النظرية الجدلية المفترضة واعتمادها كحقائق واقعية لا يمكن الجدل فيها. وطلبه اعتماد “الحقائق” التي يذكرها لا يعني شيئاً أقلّ من جلب نزاع النظريات والمذاهب الفلسفية الدينية والمسيحية والمحمدية، واللادينية.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 28)
“انقلب فخري المعلوف من دارس ومفكر في مسائل الاجتماع الإنساني الكبرى إلى “مؤمن” متحزب لبعض العقائد والمذاهب الاصطلاحية، يريد تقرير شؤون الإنسان الاجتماعية والسياسية والنفسية بالإيمان بالافتراضات الدينية الاصطلاحية التي يسميها “حقائق” وبإحلال الإيمان محل العقل والعلم والبرهان.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 70)
النتيجة التي وصل إليها فخري المعلوف تقدّمه إليها شارل مالك، “الذي وجد زبدة الفلسفة في الفلسفة الدينية والفلاسفة الكلاسيكيين الإلهيين ولم يتأثر بمجاري الفكر العلمي التي أظهرت الفلسفات العصرية من اجتماعية ومادية ولا مادية وغيرها فبقيت القضايا الإنسانية الكبرى محدودة له في نطاق الفكر القديم.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 95)
الهوس الذي أصاب فخري المعلوف وحماسه لقضايا مذهبية هو بتعبير سعادة انحطاط عقلي وعودة بالفكر الإنساني إلى عقلية القرون الوسطى. (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 117)
يشكّل كتاب نشوء الأمم الذي ألفه سعادة في السجن سنة 1936 الأساس العلمي للعقيدة القومية الاجتماعية، وفلسفتها التي تعبّرعن النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن.
يصف سعادة هذا الكتاب بأنه كتاب اجتماعي علمي بحت تجنب فيه التأويلات والاستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة. وأسندت حقائقه إلى مصادرها الموثوقة. واجتهد في الوقوف على أحدث الحقائق الفنية التي تنير داخلية المظاهر الاجتماعية وتمنع من إجراء الأحكام الاعتباطية عليها. (سعادة، الأعمال (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 6)
في مقدمة الكتاب يتحدث عن ظاهرة الوجدان القومي التي هي أعظم ظاهرة في عصرنا، ويعتبر أنه في سياق تطور الاجتماع الإنساني كان ظهور شخصية الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النفسية البشرية، أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري، ويعرّف شخصية الجماعة أو الوجدان القومي بـ “مركّب اجتماعي -اقتصادي-نفساني يتطلب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته، أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الاجتماعي، وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 5)
يؤكّد على أهمية دراسة الواقع الاجتماعي وظروفه وطبيعة علاقاته:
“كلّ جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القوميّ، الشّعور بشخصيّة الجماعة، لا بدّ لإفرادها، من فهم الواقع الاجتماعيّ وظروفه وطبيعة العلاقات النّاتجة عنه. وهي هذه العلاقات الّتي تعيّن مقدار حيويّة الجماعة ومؤهّلاتها للبقاء والارتقاء، فبقاؤها غامضةً يوجد صعوبات كثيرةً تؤدّي إلى إساءة الفهم وتقوية عوامل التّصادم في المجتمع فيعرقل بعضه بعضاً ويضيّع جزءاً غير يسير من فاعليّة وحدته الحيويّة ويضعف فيه التّنّبه لمصالحه وما يحيط بها من أخطار من الخارج.
وإنّ درساً من هذا النّوع يوضح الواقع الاجتماعيّ الإنسانيّ في أطواره وظروفه وطبيعته ضروريّ لكلّ مجتمع يريد أن يحيا. ففي الدّرس تفهّم صحيح لحقائق الحياة الاجتماعيّة ومجاريها. ولا تخلو أمّة من الدّروس الاجتماعيّة العلميّة إلا وتقع في فوضى العقائد وبلبلة الأفكار.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 5)
ليست القوانين الاجتماعية ولا النظريات هي الأساس في فهم الواقع الاجتماعي وإنما العودة إلى الواقع الاجتماعي الطبيعي ودراسته وفهمه.
ويعتبر أنّ “النّاموس(القانون) اصطلاح بشريّ لمجرى من مجاري الحياة أو الطّبيعة نقصد به تعيين استمرار حدوث فعل أو خاصّة من أفعال وخواصّ الحياة أو الطّبيعة، لا أن الطبيعة أو الحياة وضعت لكائناتها هذه النّواميس وأمرتها بالسّير عليها. وفي كلّ النّواميس الّتي نكتشفها يجب أن لا ننسى أنّنا نستخرج النّواميس من الحياة فيجب أن لا نجعلها تتضارب مع المجرى الطّبيعيّ الّذي نعرفه بها. فكوننا اكتشفنا ناموساً أو ناموسين من نواميس الحياة العامّة يجب أن لا يحملنا على نسيان الواقع الطّبيعيّ ونواميسه الأخرى، فالنّواميس لا تمحو خصائص الأنواع. وإذا كنّا قد اكتشفنا سنّة التّطوّر فيجب أن لا نتّخذ من هذه السنّة أقيسةً وهميّةً تذهب بنا إلى تصّورات تنافي الواقع وتغاير الحقيقة.
إنّ القياس كان ولا يزال مصيبةً كبيرةً في الأبحاث العلميّة الاجتماعيّة، خصوصاً في الأبحاث الّتي لا تجرّد علم الاجتماع من النّظريّات الفلسفيّة، من الفلسفة الاجتماعيّة، ما أوجد شيئاً كثيراً من الخلط في المسائل الاجتماعيّة عموماً ومسألة الأمّة والقوميّة خصوصاً (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، الصفحات 119-120)
ويدعو إلى وجوب قراءة كتاب نشوء الأمم لاكتساب الأساس العلميّ الفلسفيًّ الذي يمكّن من فهم الأبحاث الاجتماعية والسياسية الهامة للمجتمع الانساني ومصيره. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 114)
مفهوم الوجدان القومي يناقض النزعة الفردية والنزعات الفئوية على اختلافها لأنه ينطلق من مفهوم المجتمع الذي يشكل وحدة حياة ومصلحته هي الضامن لمصلحة كل فرد بينما الانطلاق من مصالح الفئات أو الأفراد سيؤدي إلى التصادم والتفكك وضياع المصالح كلها وتهديد الوجود الاجتماعي كله.
غير أن مفهوم الوجدان القومي لا يعني إلغاء الشخصية الفردية ولا الحط من كرامة أي فرد بل على العكس من ذلك إن الارتقاء إلى مرتبة الوجدان القومي تؤدي إلى تعزيز كرامة كل فرد.
سعادة يقيل المنفذة العامة للسيدات لأنها قالت لناموسة المنفذية سؤالك بدون معنى.
في رسالته إلى الياس فاخوري يقول: ” جوابك في الجلسة أو الاجتماع «إنّ سؤال حضرة المنفّذ بدون معنى» هذا الجواب يعني التحدي العلني لصلاحية المنفّذ ولحرمة مركزه تجاه الأعضاء، أما جوابك فلا يمكن قبوله ضمن دائرة النظام. إن مثل هذا القول صدر من المنفّذة العامة للقوميات إلى ناموسة المنفذية وكان صدوره بهذا الشكل داعياً إلى استجواب المنفّذة العامة في اجتماع عمومي وإقالتها من وظيفتها.” (سعادة ، الأعمال الكاملة 10، 2001، صفحة 202)
سعادة شديد الحرص على كرامة الجميع والشخصية الإنسانية في كل إنسان.
في رسالته إلى غسان تويني يؤكّد سعادة أنه: “شديد الحرص على كرامة المعاونين وجميع الرفقاء وعلى كرامة قيمة الفكر والشخصية الإنسانية في كل انسان. (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 264)
ينطلق سعادة من الواقع الاجتماعي الذي يشكل وحدة حياة وحدة عمرانية وحدة اقتصادية وحدة جغرافية واستراتيجية، والأمة هي هذا الواقع الاجتماعي. يقول:
“إنّ أول نقطة نأخذها هي: أننا ننظر إلى الأمة في واقعها ـ في تكونها وحدة حياة، ومن غير اعتبار وجوب إخضاعها لأي مبدأ أو قاعدة استبدادية مطلقة لا تقوم الحقيقة لإخضاعها إليه. لذلك لا بدّ من أن نعتبر الأمة أمراً واحداً: إنه وحدة الحياة التي جمعت فيه مجمل العناصر الأساسية التي تتركب منها ودمجها بعضها ببعض فكوّنت منها حياة واحدة، متفاعلة، موثقة، اي مجتمعاً واحداً موحّد الحياة والمصير… هذه هي حقيقة أولية ومنها يجب أن نبتدئ لأنها هي الوجود الذي نراه ونلمسه وندركه بالحاسة وبالفكر والذي نحياه. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 50)
انطلاقاً من الواقع الاجتماعي للأمة يحدد سعادة المصالح المتنوعة، من المصالح الشكلية للأفراد إلى المصالح العامة الدائمة، والإرادة العامة ترتبط بالمصلحة العامة.
المصالح على ثلاثة أنواع:
1– النّوع الأساسيّ وهو يشمل المصالح الحيويّة والمصالح النّفسيّة (العقليّة).
2- ثمّ تأتي المصالح الاقتصاديّة البحتة (تمييزاً لها عن المصالح الاقتصاديّة الحيويّة الّتي تبعث الجمعيّات الحيويّة في نوعيها الجنسيّ واللاجنسيّ) وهذه تتناول الجمعيّات الماليّة والتّجاريّة الكبرى، والمصارف، والشّركات المتّحدة وغيرها.
3-وتأتي في أرقى المراتب المصالح السياسيّة
وكلّما ارتقى المتّحد في ثقافتيه الماديّة والعقليّة ازدادت المصالح المعيّنة الّتي من شأنها ترقية الحياة الجيّدة وتجميلها. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 128)
المصلحة والإرادة هما قطبا المجتمع فواحدها سلبيّ وهو المصلحة والآخر إيجابي وهو الإرادة، فالمصلحة هي الّتي تقرّر العلاقات جميعها والإرادة هي الّتي تحقّقها. وبديهيّ أنّه لا إرادة حيث لا مصلحة. فالمصلحة هي طلب حصول ارتياح النفس. وتحقيق ارتياح النّفس هو غرض الإرادة. وكلّما نمت الحياة وازدادت ازدادت المصالح الّتي تولّد الاجتماع وقلّت المصالح المفرّقة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 123)
المصالح، مبدئياً، صنفان:
المصالح المتشابهة أو الشّكليّة التي هي لكلّ فرد مثلما هي لكلّ فرد آخر، كتحصيل المعاش، أو ربح الصّيت ،أو جمع الثّروة، أو أيّ مصلحة أخرى شخصيّة خاصّة. فهذه المصالح هي شكليّة أو متشابهة، ولكنّها لا تقتضي اتّحاد من يريدونها أو إيجاد علاقة اجتماعيّة ثابتة فيما بينهم.
وهنالك المصلحة العامّة أو المشتركة الّتي يجمع عدد من النّاس على الاشتراك في تحقيقها لأنّها تشمل الكلّ، كمصلحة خير القرية أو المدينة أو القطر. ومهما كان الباعث على العمل لهذه المصلحة، فالمصلحة نفسها تظلّ مصلحة الجميع لأنّها تشملهم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 126)
في مستهل خطاب صافيتا يشير سعادة إلى واقع العالم الذي هو معترك تنازع الحياة والتفوق بين الأمم.
واجبنا هو الدفاع عن مصالح الأمة.
بعد زمن طويل لفقدان الإرادة السورية في تقرير مصيرها ومصالحها حان الوقت ليعرف العالم أن للأمة السورية بعد تأسيس الحزب إرادة في تقرير مصيرها ومصير مصالحها في كل شأن من شؤون البحر المتوسط والشرق الأدنى. أول مصلحة من مصالحنا هي صيانة كل شبر من هذه الأرض المقدسة التي عليها نحيا ومنها نستمد موارد الحياة.
ويتناول الخطر الذي يهدد هذا الحق وهذه المصلحة، الخطر التركي في الشمال والخطر الصهيوني في الجنوب.
تم وضع المبادئ الأساسية والإصلاحية التي تعطي الأمة حاجاتها وتؤسس مصالحها.
المصالح المتنوعة والمصالح الخاصة يجري تعزيزها وضمانها بواسطة النظام القومي الذي يجعل منها وحدة تامة، هي مصلحة سورية.
مصلحة الأمة هي ضمان لمصلحة كل عضو من أعضاء الدولة السورية القومية.
مصلحة الأمة كمنطلق وغاية هي الضمان لتحقيق مصالح الجميع.
الامتيازات المدنية استعبدت الشعب لأغراضها، وقتلت شخصية الأمة في سبيل مصالحها الشخصية، لذلك يلغي الحزب هذه الامتيازات ويعمل لخير الأمة ومصلحة الدولة وليس لحساب أشخاص وجماعات. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، الصفحات 59-63)
أصحاب النزعة الفردية وأصحاب النزعة الفئوية (دينية مذهبية، أو قبلية أو طبقية) يعرضون مصالح الأمة التي هي مصالح الجميع إلى الخطر ويتحولون إلى أدوات لخدمة مصالح أعداء الأمة.
لذلك شدّد سعادة على القوميين الاجتماعيين أن يكافحوا النزعة الفردية مكافحتهم الاحتلال الأجنبي، بل أشد. فخطر الاحتلال الأجنبي من الخارج، أما خطر النزعة الفردية على سلامة المجتمع فمن الداخل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 159-160)
ويشير سعادة إلى تفشي النزعة الفردية في الجيل السوري الحاضر. ومبلغ خطر هذه الظاهرة الاجتماعية على منظماتنا ومؤسساتنا ومشاريعنا العمومية. ويعتبر النزعة الفردية مخالفة لطبيعة الاجتماع، لأنها ترمي إلى جعل السيادة في الفرد نفسه وليس في المجتمع ونظامه. ولما كان الأفراد غير موجودين إلا في الجماعة، كانت النزعة الفردية، أكبر عامل تفكك وهدم لكيان الجماعة. ذلك لأن كيان الجماعة لا يقوم إلا بخضوع أفرادها طوعاً أو كرهاً، لكيانها ونظامها، وإننا نلاحظ هذه الحقيقة من درسنا تاريخ التطور الإنساني وتواريخ أنظمة الجماعات والدول منذ أقدم الأزمنة التاريخية إلى اليوم. والأنظمة يصير تطورها وارتقاؤها ضمن دائرة الاعتراف بالنظام وتقديم حق الجماعة على حقوق الأفراد. فنظام الجماعة يتطور ولا يلغى، ويقوم على إرادة الجماعة حسب اختيارها أو قبولها وليس على إرادة الفرد. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 185)
4-التفكير العملي
أريد تحويل الفكر عن مجرّد الاطّلاع والإلمام بعموميات القضايا الفكرية التي تبقى فائدتها في عالم النظريات، أما من الوجهة العملية فإنها تستفز روح الشباب استفزازاً عديم الجدوى، لأنها لا تعيّن مسائل خاصة تستدعي استضمام الفكر للبدء بحلّها بالتفكير العملي الذي يقودنا حتماً إلى العمل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 390)
وإني أفكر بإعداد مشروع مساعدة المهاجرين للمدرسة القومية، فأطبع أوراقاً لهذا المشروع، وأؤلف اللجان الخاصة لهذا الغرض هنا وفي البرازيل ثم في المهاجر الأخرى. (سعادة ، الأعمال الكاملة 9، 2001، صفحة 164)
الفكر السوري الصحيح المتحرر من قيود الصوفية واللاحسية. هذا هو التفكير الصحيح الذي يدرك الواقع ويعالج المحسوس. فإذا أضفنا إلى هذا التفكير مبادئ النهضة السورية القومية ونظام حركتها وجميع حقائقها الروحية والمادية، خرجنا باتجاه نحو هدف واضح وقصد خالص وفي هذا الخروج سر النجاح. (سعادة ، الأعمال الكاملة 9، 2001، صفحة 288)
يجب أن ننشئ لأنفسنا تربية قومية مؤسسة على المبادئ الشعبية الصحيحة التي تقوي فينا احترام النفس والثقة بالنفس، وأن نوجد لأمتنا مركزا محترما بين الأمم وأن نحقق بأنفسنا مطلبنا الأعلى الذي نفتخر بأنه يمثل مزايانا الخاصة بكل ما فيها من الروح السليمة والمدارك العقلية العالية ونجعله منارنا الخاص الذي يهدينا إلى ما فيه فائدتنا وفائدة البشرية جمعاء. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 388)
التربية
الأطفال هم سر الأمم المكنون وزخمها المخزون. هم الجبابرة إذا أطلقوا أحرارا مدربين، مروضين، وهم الأقزام إذا عقلوا وكبتوا أذلاء. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 223)
تعلمون أنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية تعني تغيير اتجاه الأمة السورية من فوضى الانحطاط إلى نظام النهوض. من مصير الاضمحلال إلى مصير الوجود الحي، العامل، بوعي كامل، لأغراض الحياة الجيدة ومقاصد النفس القومية الكبرى (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 226)
إنّ القضية الأولى التي تواجه العقيدة القومية الاجتماعية هي قضية التربية والتثقيف، ـ قضية الصراع المميت بين تاريخ حديث وتواريخ دخيلة مستمرة ـ قضية الصراع الفاصل بين نفسية فتية تنظر إلى الحياة والكون والفن نظرة جديدة ونفسيات شائخة اعتادت النظر إلى شؤون الحياة والكون ضمن الحدود المغلقة التي تكونت فيها. فقضية الصراع العقائدي الذي أثارته الحركة السورية القومية الاجتماعية بتعاليمها الجديدة هي قضية صراع ثقافي تعليمي بين مبادىء الحياة الجديدة ومبادىء الحياة الجامدة (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 230)
إنّ صلب المعركة ليس مع الذين انتهى تكوينهم النفسي على خطط منافية للعقيدة القومية الاجتماعية وللنفسية التي تتطلبها، بل في العمل مع الذين هم في طور التكوين النفسي، إنّ صلب المعركة هو في تثقيف نفسية الأحداث ومعارفهم في البيت وفي المدرسة الابتدائية والمدرسة الثانوية. وتستمر المعركة العقائدية ما وراء ذلك (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 231)
في هذه الحالة تبرز لنا بوضوح أهمية المدرس والمربي القومي الاجتماعي المنصرف إلى التدريس والتربية والإرشاد. فإذا كان تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية وغاية الحركة السورية القومية الاجتماعية هو أول عمل اساسي من أعمال هذه الحركة العظيمة، كان المدرس القومي الاجتماعي أول جندي في معركة العقيدة القومية الاجتماعية. إنه جندي خط الهجوم الأول الذي عليه أن يدخل صلب المعركة ويحارب لإنقاذ نفوس الأحداث من العقائد الغريبة أو المتأخرة وإدخال العقيدة القومية الاجتماعية، المحررة، البانية إليها. فهل فقه المدرس، المثقَّف القومي الاجتماعي مهمته الأساسية الخطيرة؟ (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 231)
إذا ربحنا الأحداث ربحنا معركة العقائد ومعركة المصير القومي كله. فهدف مؤتمر المعلّمين السوريين القوميين الاجتماعيين السنوي هو: ربح الأحداث للنهضة السورية القومية الاجتماعية التي تشق طريق حياة جديدة للأمة السورية (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 234)
مبدأ التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع هو أهم مبدأ مناقبي قام عليه فلاح أي مجتمع متمدن أو متوحش. والتضحية ليس لها شكل واحد لأنها ليست حالة شكلية، بل مبدأ عاما. فالذي لا تكون التضحية قاعدة عامة عنده لا يعرف البطولة الاجتماعية ولا يقدم عليها ففائدته للمجتمع قليلة أو سلبية. ومن أشكال التضحية تضحية الشهوات الحادة وتضحية الأنانية العمياء، وهذه التضحية صعبة جدا على الذين لم يروّضوا أنفسهم على الفضائل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 147)
التفكير العملي المجموعي
وأول ما يجب أن نبدأ به هو أن نحوِّل التفكير النظري، الذي لا يحقق شيئاً بذاته، إلى تفكير عملي يدفعنا إلى العمل على تحقيق ما نؤمن به ونعتقد بصلاحه.
أكرر القول بوجوب اعتمادنا على التفكير العملي لأن العصر الذي نعيش فيه عصر عمل وتحقيق مطالب عليا. وقد قلت في محاضرتي التي ألقيتها في حفلة جمعية «العروة الوثقى» أنّ المثال الأعلى الظاهر في الحياة السورية هو «العمل للخير العام في ظل السلام والحرية» وهو أجمل المثل العليا للحياة الإنسانية، ولكن تحقيقه يحتاج إلى تفكير عملي مجموعي. أقول تفكير عملي مجموعي لأجعل منه ما يقابل التفكير العملي الفردي. والأول يتناول المجموع وينعكس على الفرد، والثاني ينحصر في الفرد وقد يؤول إلى أذيته من حيث لا يدري، لأن ما لا يعود على المجموع بالخير لا يعود بالخير على الأفراد، وإذا ظهر أنّ بعض الأفراد استفادوا منه ففائدتهم إلى حين، ثم ينقلب الخير إلى شر عليهم أو على أبنائهم، وفي حياتنا أمثلة كثيرة على ذلك تظهر لنا كل يوم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 396)
إنّ أكثر مصائبنا هي من فقدان الهدف المجموعي في هيئتنا الاجتماعية. والذي أراه أنّ أقدس واجبات الشبيبة السورية هو أن تحل المصلحة العامة محل المصلحة الخاصة، وأن تبتدئ في العمل الإصلاحي الكبير لتنقية حياتنا القومية من الأدران النفسية والصدأ العقلي، فتعود الصحة والنشاط إلينا ويصبح في إمكاننا بذل الجهود الصادقة لتحقيق مطلبنا الأعلى، وإلا فإننا مهما اجتهدنا في تحسين أحوالنا الفردية نظل معروفين بين شعوب العالم بالصفة الملازمة لنا، وهي صفة الخمول والأنانية الخائفة على ذاتها المحبة للأخذ الكارهة للإعطاء. وليس للآخذ كرامة المعطي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 397)
النجاح الفردي والنجاح القومي
يبين سعادة خطورة النجاح الفردي الذي لا يشعر بالمسؤولية إلا على النجاح الخاص، وهذا النجاح
لا يمكن اتخاذه قاعدة أو مقياساً للنجاح القومي أو لمقدرة الفرد على إحراز النجاح القومي العام. ويعتبر أنّ طبيعة النجاح القومي تختلف كل الاختلاف عن طبيعة النجاح الفردي. والنجاح الفردي غير المحدود يصل إلى الاصطدام بمبادئ النجاح القومي والاجتماعي ويأخذ هذا الاصطدام أحياناً شكل ثورة دموية من العامة على طبقة امتياز النجاح الفرد المطلق، التي لا يهمها إذا أهين شرف الأمة أو ذلّت أو فقدت سيادتها طالما تقدر هي (الطبقة) أن تظل متمتعة بخيرات الدنيا المادية.
وكثيراً ما يجرّ العمل بمبدأ النجاح الفردي المطلق إلى تحالف الرأسمال الوطني النفعي مع الإرادة الأجنبية الاستعمارية، كما هو حال معظم الإقطاعيين وأصحاب الثروة في بلادنا الذين يأتمرون مع الرأسمال الأجنبي المدعوم بالسياسة الاستعمارية على استغلال ذلّ الأمة وسقوطها، لأن طبيعة العمل بقاعدة الغنى الفردي بصرف النظر عن النجاح القومي، لا يمكنها أن تربط مصيرها بمصير طبيعة العمل بقاعدة النجاح القومي قبل كل شيء، التي تتطلبها أحياناً كثيرة التضحية بمعظم أو بكل الثروة الخاصة من أجل تأمين حرية العمل للنجاح القومي العام. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 490)
قاعدة النجاح الفردي المطلق هي: عدم الشعور بالمسؤولية إلا عن النجاح الخاص.
قاعدة النجاح القومي المطلق: عدم الشعور بالمسؤولية إلا عن النجاح العام أو عدم الشعور بالمسؤولية عن النجاح الخاص إلا ضمن النجاح العام.
هاتان قاعدتان تفرضان همّين مختلفين: همّ الحالة الفردية وهمّ الحالة القومية. الهمّ الأول يطلب تحقيق غرض الفرد وهو المحدود الأسهل. والهمّ الثاني يطلب تحقيق غرض المتحد أو الأمة.
والذي يمكن تقريره، من درس طبيعة عمل صاحب عقلية النجاح الفردي، أنه غير مؤهل للاضطلاع بأعباء الإدارة العليا للنجاح العام إلا حين يكون هذا النجاح قد تأمن بعمل أصحاب نفسية النجاح القومي المطلق وبالاستناد إلى مؤازرتهم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 491)
التفكير العلمي الفلسفي العملي يجب أن يقترن بالمصلحة العامة بمصلحة المجتمع بالتفكير القومي الاجتماعي
5-التفكير القومي الاجتماعي
النظرة الجديدة الى الحياة والكون والفن
حصول النظرة الفلسفية الجديدة إلى الحياة والكون والفن يفتح آفاقا جديدة للفكر ومناحي جديدة للشعور. وهنا نقطة الابتداء لطلب سياسة جديدة وأشكال سياسية جديدة ولفتح تاريخ أدب وفن جديدين. فالأدب والفن لا يمكن أن يتغيرا ويتجددا إلا بنشوء نظرة فلسفية جديدة يتناولان قضاياها الكبرى. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 342)
بهذا الاتجاه الجديد يمكن أن يترافق الأدب والحياة، فيكون لنا أدب جديد لحياة جديدة فيها فهم جديد للوجود الإنساني وقضاياه التي نجد فيها الفرد والمجتمع وعلاقاتهما المثلى ومثلهما العليا كما تراها النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 358)
إنّ الأدب الصحيح يجب أن يكون الواسطة المثلى لنقل الفكر والشعور الجديدين، الصادرين عن النظرة الجديدة، إلى إحساس المجموع وإدراكه، وإلى سمع العالم وبصره، فيصير أدباً قومياً وعالمياً لأنه يرفع الأمة إلى مستوى النظرة الجديدة ويضيء طريقها إليه، ويحمل، في الوقت عينه، ثروة نفسية أصلية في الفكر والشعور وألوانهما إلى العالم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 358)
إنّ الأدب الذي له قيمة في حياة الأمة، وفي العالم، هو الأدب الذي يعنى بقضايا الفكر والشعور الكبرى، في نظرة إلى الحياة والكون والفن عالية أصلية، ممتازة، لها خصائص شخصيتها. فإذا نشأت هذه النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن أوجدت فهماً جديداً للقضايا الإنسانية، كقضية الفرد والمجتمع وقضية الحرية وقضية الواجب وقضية النظام، وقضية القوة، وقضية الحق، وغيرها. وبعض هذه القضايا يكون قديماً فيتجدد بحصول النظرة الجديدة إلى الحياة وبعضها ينشأ بنشوء هذه النظرة. فالحرية، مثلاً، كانت تُفهم قبل النظرة الجديدة إلى الحياة في أشكال واعتقادات لا وضوح ولا صلاح لها في النظرة الجديدة. فلما جاءت النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، التي نشأت بسببها الحركة السورية القومية الاجتماعية، وقرنت الحرية بالواجب والنظام والقوة، وفصّلت الحرية ضمن المجتمع وتجاه المجتمعات الأخرى هذا التفصيل الواضح، الظاهر في تعاليمها، نشأت قضية جديدة للحرية ذات عناصر جديدة يبينها فهم جديد يتناول أشكال الحياة كما تراها النهضة القومية الاجتماعية، وفعل الحرية وشأنها ضمن هذه الأشكال. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 358-359)
سبق لي القول إنّ الخطوة المطلوبة تفصل بين عالمين وقد تحتاج لعكاز. ذلك لأنها تنقل صاحبها من نفسية إلى نفسية ومن نظرة إلى نظرة، فيصير لها عالم جديد بأشكاله، وألوانه، وغاياته، ومثله. الخطوة أو القفزة المطلوبة تكون باستعمال جميع القوى النفسية لرفس عالم النزعة الفردية والغايات المادية، وترك جعل حب إبراز الشهرة الفردية غاية أخيرة للفرد، والقفز إلى عالم ابتغاء الحقيقة الأساسية الكبرى التي يستقر عليها الفكر ويطمئن إليها الشعور، واتباعها حين توجد، سواء أوجدت بالاهتداء الذاتي أم بهدي هاد. هي حقيقة الفرد والمجتمع وحقيقة النفسية السامية التي انتصرت على قيود المادية المجلجلة في الحضيض وحلّقت إلى السماء ــــ من أجل خذل الأقبح والأسفل والأرذل والأذل، ورفع الأجمل والأسمى والأنبل والأعز، فلا تكون هنالك اختلاجات حب إلا ضمن دائرة هذا الوعي الذي يرفع قيمة الإنسانية طبقات جوية فوق القناعة براحة النزعة البيولوجية ذات الارتباط المادي، الغافلة عن المطالب النفسية الجميلة في نظرة شاملة الحياة والكون والفن.
القاعدة الذهبية، التي لا يصلح غيرها للنهوض بالحياة والأدب، هي هذه القاعدة: طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 360-361)
الحقيقة الإنسانية النظرة الجديدة
عقيدتنا تقول بحقيقة إنسانية، كلية، أساسية هي الحقيقة الاجتماعية: الجماعة، المجتمع، المتحد. فالاجتماع للإنسان حتمي لوجوده، ضروري لبقائه واستمراره. والمجتمع هو الوجود الإنساني الكامل والحقيقة الإنسانية الكلية. والقيم الإنسانية العليا لا يمكن أن يكون لها وجود وفعل إلا في المجتمع فمتجه القيم كلها هو المجتمع-هو مصدرها وهو غايتها.
الحق والخير والجمال من حيث هي قيم مطلقة لا وجود لها، في الواقع، في العالم الإنساني إلا حيث ينتفي تنوع النظر أو تنوع المصالح وتصادمها،
الحق والخير والجمال والحقيقة هي قيم اجتماعية، لا قيم فردية. . (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 386)
إنّ موضوع الإنسان الذي يقدمه سعاده يختلف كثيراً عن موضوع الإنسان في كلام السفسطائيين
إنّ الإنسان، في عُرف السفسطائيين، هو الفرد ـ كل فرد هو لنفسه مقياس الحقيقة شعوراً ومعرفة، فلا تكون هناك حقيقة واحدة، بل حقائق عددها عدد الأفراد وعدد الحالات التي يمر بها الأفراد. أما سعاده فيقول إنّ الإنسان الحقيقي هو المجتمع لا الفرد، وإنّ الفرد هو مجرد إمكانية إنسانية. سعاده يقول: “إنّ عقيدتنا تقول بحقيقة إنسانية، كلية، أساسية هي الحقيقة الاجتماعية: الجماعة، المجتمع، المتحد… المجتمع هو الوجود الإنساني الكامل والحقيقة الإنسانية الكلية”. ويقول أيضاً: “إنّ عقيدتنا اجتماعية، تنظر إلى الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى ـ حقيقة المجتمع، لا من زاوية الفرد، الذي هو في حد ذاته وضمن ذلك الحد، مجرّد إمكانية إنسانية” “ليست قيمة الحق، ولا قيمة الحقيقة والخير والجمال، مادية، فهي لا تقاس بالسنتيمترات أو بالأمتار المربعة أو المكعبة ولا توزن بالأواقي ولا بالأرطال ولا تحد بمكان أو زمان معيّن. إنها قيم إنسانية نفسية ـ إنها قيم مجتمعية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 173-174)
يدعو سعادة إلى نمط جديد من التفكير هو التفكير القومي الاجتماعي يتناقض مع تفكير ذوي النزعة الفردية والفئوية
اخترت اسم النظام الجديد عنواناً لهذه المجلة لتحمل خطط التفكير الجديد ـ التفكير القومي الاجتماعي ـ ومخططات النظام الجديد الذي تسير الحركة القومية الاجتماعية بالأمة نحوه، كما ترسمها مدرسة الفكر القومية الاجتماعية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 159)
نبتدئ، من هذا العدد، بنشر سلسلة المحاضرات الدراسية في التعاليم السورية القومية الاجتماعية، التي يلقيها الزعيم، أسبوعياً، في الندوة الثقافية للحركة القومية الاجتماعية. والمحاضرة التي ندرجها فيما يلي هي الأولى، ولها طبيعة تمهيدية فكرية ـ روحية للدخول في نطاق نظرة الحركة القومية الاجتماعية إلى الحياة والكون والفن، كما يرسم خطوطها المعلم الذي أسس مدرسة الفكر القومي الاجتماعي (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 1)
فمصلحة سورية هي مصلحة هذا المجتمع السوري، لأن سورية هي الوطن وهي الأمة،
هي المجتمع جسماً ومكاناً، إليها نعود في كل فكر أو رأي وعنها تصدر الإرادة. مصلحتها إذن هي المصلحة الأساسية الكبرى، هي الوجود القومي، هي الحدود الاجتماعي في كل ما يعنينا ويتعلق بنا. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 82)
إنّ أول خطوة كان يجب على الحركة السورية القومية الاجتماعية القيام بها لتتقدم، هي تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها، لأنها هي الحقيقة الأساسية التي بها نوجد شعباً وأمة ولها نعمل. كل عمل آخر من سياسة وتنظيم لا فائدة منه بدونها ولا يجدي القيام به إن لم يكن متفرعاً عنها وعائداً إليها. إنها محور الحياة والفكر الأساسي، فكل عمل يجب أن يدور عليها، ولذلك كان الغرض الأساسي من الحركة السورية القومية الاجتماعية جعلها عامة ومنتصرة في الأمة السورية وحيثما أمكن تحقيق رسالتها الاجتماعية وفلسفتها المدرحية. ولقد ظن بعض المغرورين أنّ العمل العقدي الأساسي كالبحث في الأمة وقوميتها وحقيقتها وأهدافها، أمر يمكن الاستغناء عنه والاستعاضة عنه بالمساومات السياسية المطوحة بالعقيدة القومية الاجتماعية وغاية هذه الحركة العظيمة فكادت القضية المقدسة تسقط من أساسها وابتدأ الميعان والفوضى يهددان الحركة بالتفكك العام. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 229)
رسالة سعادة هي تعبير عن فكر الأمة السورية
وقد عاد الزعيم اليوم ليتابع أداء رسالته العظمى المعبّرة عن فكر الأمة السورية وإرادتها ومُثُلها العليا – عن نظرتها إلى الحياة والكون والفن. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 373)
نحن نفكر في المسائل الكبرى. إننا نفكر في أنّ اقتصادياتنا يجب أن تنظَّم تنظيماً يكفل لنا الحياة.
نحن عقيدة ثقافية اجتماعية اقتصادية سياسية، نعمل لهذا المجتمع لتوحيده من جميع الوجوه.
نحن نفكر بأمور لا تخطر على بال المرشح النيابي.
إنّ النيابة وسيلة لإظهار إرادة المجتمع، إنّ إرادة مجتمعنا هي الحياة، يجب ابتكار الأساليب لفتح طرق الحياة أمام الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 141)
نحن حركة هجومية لا حركة دفاعية. نهاجم بالفكر والروح، ونهاجم بالأعمال والأفعال أيضاً. نحن نهاجم الأوضاع الفاسدة القائمة التي تمنع أمتنا من النمو ومن استعمال نشاطها وقوّتها. نهاجم المفاسد الاجتماعية والروحية والسياسية.
نهاجم الحزبيات الدينية،
نهاجم الإقطاع المتحكم في الفلاحين.
نهاجم الرأسمالية الفردية الطاغية،
نهاجم العقليات المتحجرة المتجمدة،
نهاجم النظرة الفردية. ونستعد لمهاجمة الأعداء الذين يأتون ليجتاحوا بلادنا بغية القضاء علينا، لنقضي عليهم (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 126)
حملتنا على الحزبية الدينية من كل دين ومذهب ليست حملة على الدين نفسه ولا على شيء من الاعتقادات الدينية البحتة التي يجب أن يكون لكل فرد من أفراد الأمة السورية الحق في الذهاب فيها أي مذهب شاء، بل هي حملة لتعزيز الدين وتنزيهه عن الأمور الاجتماعية ــــ السياسية التي يجب أن تبقى خاضعة لمبدأ التطور حسب مقتضيات حاجة الأمة وما يقول به الفكر القومي الرامي إلى خير الأمة بأسرها، أي إلى خير كل فرد وكل عائلة في الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 8-9)
إنّ الحزب السوري القومي قد جاءك بالعقيدة التي تعبّر عن وجدانك القومي وتظهر شخصيتك وتقويها، وتوحد مصالحك تجاه المصالح الأجنبية وتوسعها، وتثبت مركزك في العالم فتفتح لك مجال الصناعة العظيم الذي يتسع له وطننا، وتنمي مواردك الزراعية التي تكفي وحدها لنحو عشرين مليوناً من أبنائك يعيشون برفاه وتحميها، وتدعم تجارتك بقوة الدولة القومية المؤسسة عليها، وتؤسس مجتمعك تأسيساً جديداً متيناً على دعائم مبادئها الاجتماعية والاقتصادية التي تقيم العدل الاجتماعي ـ الاقتصادي، وتقضي على عوامل التهديم الاقتصادي والتفكيك الاجتماعي، وتقيمك أمة حية، متجانسة قوية، منيعة. الحزب السوري القومي وتأسيسه للمصلحة القومية على قواعد صحيحة لا تسمح بالتلاعب ولا باستمرار قيام المنافع الفردية على حساب مصلحة الشعب.(سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، الصفحات 366-367)
الحقيقة في الأمر أنّ الحزب السوري القومي هو صاحب الرسالة القومية وهو المنظمة القومية العاملة على تنظيم العقائد والفكر والعمل في مجموع الأمة. ومؤسساته هي التي تضبط أعمال الأفراد فتربطهم بمبادئ وبرامج وقوانين وصلاحيات ومسؤوليات من شذّ عنها فقد برهن على عدم كفاءته للاضطلاع بالمبادئ والمسؤوليات. ومن هذه الجهة ينتظر أن يكون الحزب السوري القومي حَكَماً على الأفراد لا أن يكون الأفراد، مهما كان شأنهم، حَكَماً على هذه المنظمة القومية التي لها أهداف واضحة ومؤسسات فنية تعيّن الخطط التي يجب أن يتمشى عليها مجموع الحزب.
(سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 239)
إنّ الحزب السوري القومي هو المنظمة الوحيدة في هذا الوطن العاملة لتوحيد الأمة لأنه يعمل على مبدأ إجماع الفكر على المصلحة العامة، نحن اليوم في عصر القوميات ولكي لا تهضم حقوقنا ولا نفقد موارد حياتنا علينا أن نكون قوميين، كونوا قوميين وثقوا بنفوسكم وحزبكم وقضيتكم. القومية تحتم علينا أن نعتمد على أنفسنا وأن نفهم أنّ العوامل التي تعمل ضدنا والجماعات التي تقاومنا وتحاربنا تعمل موجهة بالإرادات الأجنبية كالشيوعية وغيرها.
نحن ننظر في حياة الأمة جميعها لا في حياة جزء منها، الأمة جميعها وشخصيتها الواحدة الجامعة جميع المصالح ضمنها.
أما الشيوعية فإنها تحمل حقداً يحل محل حقد.
إننا تألمنا كثيراً من الأحقاد، ولكنها أحقاد بين مذهب ومذهب، فجاءت الشيوعية لتحل محلها حقد الطبقة ضد الطبقة.
إنّ للعامل في محيطنا حقاً في الحياة الراقية ولكن العامل فينا هو عامل ضمن الأمة القومية (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 142)
قامت “الكتلة الوطنية” في الشام بعمل بُني على العاطفة الوطنية لا على التفكير القومي ولذلك لم تنشئ الكتلة منظمة شعبية أو مؤسسة سياسية. وكان غرضها إيجاد وحدة الحكم في الشام وتحويل الانتداب إلى معاهدة. أما ما هو أساس الدولة الاقتصادي والاجتماعي وما هو الأسلوب الذي يمكن أن يحول المتناقضات القومية إلى تجانس موحد للعواطف والأفكار لكي تصبح الدولة وحدة فاعلة، لا مجرّد ركام من المواد البشرية المشلولة، فمن الأمور التي ظلت بعيدة عن تفكير سياسيي الكتلة، ولذلك لم تضع “الكتلة الوطنية” برنامجاً اقتصادياً يعالج مشاكل الأمة الداخلية ويضع الحلول العملية لها.
(سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 162)
ولما كانت اللجان الفلسطينية لم تدرس جيداً خطط هذه السياسة وممكناتها العملية ولم تَسْعَ لتخطيط سياسة ثابتة يصح التمشي عليها، إذ الفكر السياسي خاضع لاعتبارات السياسة الاعتباطية فقط، كانت النتيجة أنّ الظروف هي التي تعين الانعكاس وأنّ السياسة القومية في فلسطين بقيت سياسة انعكاسية.
إنّ الوطنية عاطفة نبيلة، ولكن سياسة التضحية يجب أن تكون مخططة تخطيطاً دقيقاً، وسفك الدم ضروري متى كان وفاقاً لخطة دفاعية موزونة واضحة أهدافها العملية ومحسوبة مبرراتها التنفيذية. أما سفك الدم عن جهل للنتائج فنتيجته خسارة الأرواح وضياع الثروة والوقت.
ليت العاملين في السياسات المحلية يدركون الحاجة إلى سياسة قومية تحفر خططاً عميقة في حياة الأمة وتكون اتجاهاً ثابتاً. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 188)
بناءً عليه تكون القضية السورية القومية، التي أوجدها الحزب السوري القومي وقام على تحقيقها، قضية مصالح الشعب السوري كله، أي مصالح الزراع والصنّاع والتجار وأهل الفنون السوريين، لا قضية فئة من الشعب قامت على أساس الأغراض السياسية التقليدية من نشوء الأحزاب. وهذه الحقيقة تعني أنّ الحزب السوري القومي لم ينشأ على القاعدة المعروفة في مبادئ العلم السياسي والعلم الاجتماعي، التي تعرّف الأحزاب أنها تنظيم جماعات ذات مصالح معينة ضمن الدولة، وتكون هذه المصالح أحياناً مصالح الحكم. فهو حزب من حيث دلالاته على تحزُّب معتنقي مبادئه وانتظامهم لتحقيق هذه المبادئ، ولكنه في طبيعته حركة ترمي إلى تناول الشعب السوري كله بالتنظيم الفكري والعملي، لأن مبادئه هي مبادئ حياة الأمة السورية بأسرها.
منذ نشأ الحزب السوري القومي وضع مؤسسه وزعيمه في صدر الأغراض الهيولية الواضحة هذا الغرض: إيجاد إرادة الأمة السورية فعلياً في التاريخ.
ومن درسنا تاريخ نشأة الحزب السوري القومي وانتشاره نخرج بهذه الحقيقة: إنّ الزعيم بذل كل جهده واستخدم كل وسيلة عرضت له ليجعل الإرادة السورية القومية شيئاً محسوساً وقوة فاعلة، ولتهيئة الأسباب لإظهار هذه القوة وفاعليتها عندما تحين الفرصة (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 120)
مدرسة التفكير القومي
إنّ هذا الحادث يكون وجهة خطيرة من قضيتنا القومية ـ الاجتماعية. إنه ظاهرة من ظواهر مسائل سورية الإتنولوجية. ولذلك فإن معالجة هذا الحادث يجب، وفاقاً لمدرسة التفكير القومي، أن تتناول حقيقة أساسه الإتنولوجي. فمدرسة التفكير القومي تأخذ المسائل من أساسها. إنها لا تذهب أفقياً مندفعة مع رياح النزعات الجامحة، كما هي الحال في مدرسة الحماس “الوطني” الأهوج. بل تتعمق عمودياً أولاً حتى تبلغ الأساس ومن ثم تعود فتمتد أفقياً. إنّ تفكير النهضة السورية القومية تفكير هندسي راسخ، لا تفكيراً حسابياً عددياً أولياً.
كل بحث في وحدة سورية ونهضتها لا يتناول بالدرس قضية تركيبها الإتنولوجي لا يصل إلى نتيجة ناجحة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، الصفحات 401-402)
الطريقة الوحيدة لصهر هذه العناصر هي طريقة تسليط عامل روحي ـ اجتماعي ـ ثقافي عليها واختلاف الأديان في سورية وجعل الدين محور كل حياة قضيا بتجزؤ روحية الشعب السوري واجتماعه وثقافته، فامتنع العامل الجوهري لصهر الجماعات الإتنولوجية. وهكذا عاشت الهجرات في سورية أجيالاً، فظل الكردي كردياً والشركسي شركسياً والأرمني أرمنياً والآشوري آشورياً. وكانت الإرادة الأجنبية حريصة على استمرار هذه الحالة الشاذة ففسحت المجال لزيادة الهجرات وزيادة الهجرات تنعش الشعور بالرابطة الأولية الذي كان أخذ يتحول، مع الأيام، إلى شعور بالرابطة الجديدة مع الشعب السوري والأرض السورية.
هذه هي مشاكل الوحدة السورية القومية الأساسية. أما الحكم والمركزية واللامركزية وتغيير الوزارات وغير ذلك من المسائل فهي شكلية. ولا يمكن أن يقوم حل شكلي مقام حل أساسي. فلما بدأت أعالج قضية أمتي توجهت إلى الأساس أولاً فوضعت المبادئ الأساسية لقضية الأمة السورية ثم رتبت الأمور الشكلية لتنطبق على الأساس.. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 403)
يرى سعادة أن التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخة في العالم كله، والديموقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس، فتحولت إلى نوع من الفوضى لدرجة أنّ الشعب ذاته أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها «تمثيل» الإرادة العامة، وصار ينتظر انقلاباً جديداً.
وهذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على «التعبير عن الإرادة العامة» بدلاً من «تمثيل الإرادة العامة» الذي هو شكل ظاهري جامد.
الإرادة هي تحقيق المصلحة كما يعرّفها سعادة، والإرادة العامة هي تحقيق المصلحة العامة.
تمثيل الإرادة العامة وفق الآليات المتبعة حتى في الدول المتقدمة ينتج عنها تسخير المصلحة العامة لمصالح فردية وفئوية.
التعبير عن الإرادة العامة يعني تحقيق المصلحة العامة للجميع دون استغلالها من قبل شخص أو فئة.
هذه الفكرة الجديدة، أي «التعبير عن إرادة الشعب»، هي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد. وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائماً كما تريد الأمة
التمثيل هو دائماً أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد.
هذا هو الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري الحديث أن يصلحه، تفهُّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 38)
السوري المفكر يجب أن يهتم في إنقاذ الديموقراطية من الهلاك. وذلك بأن يزيل ما دخل إليها من الفساد ويُدخِل إليها تفكيراً ينطبق على ما وصل إليه الناس من العلم والمعرفة، فتصير صالحة لنفع الإنسان وتكفل حقوق الإنسان من كل مهاجمة وتعدٍّ. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 41)
رسالة الزعيم تعبّر عن فكر الأمة السورية وإرادتها ومُثُلها العليا – عن نظرتها إلى الحياة والكون والفن. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 373)
استنادا إلى تاريخ سورية ومآثر مفكريها ومبدعيها عبر التاريخ ما يدل على عقل عملي فاعل ومبدع بعيدة عن العقلية الشرقية يعمل سعادة على تجريد سورية من تأثير هذه العقلية وإعادة عقليتها الأصلية إليها. هذه النظرة الفلسفية الجديدة التي يجيء بها سعاده ويبيّن أهميتها، وكيف أنها تنقذ النفسية السورية من التخبط في أوهام الفكر الشرقي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 9، 2001، صفحة 107)
تفكير سعادة يتمحور حول فكرة الأمة\المجتمع قضية الأمة حقوقها مصالحها مصيرها، لذلك فكل الخطط والعلاقات تخضع حتما للمقاصد والمصالح القومية السياسية. وهذا أيضا بالنسبة للاتحادات السياسية “الاتحادات السياسية عند الأمم الواعية التي تمثّل حكوماتها في السياسة الخارجية مصالحها القومية لا تؤخذ بمثل السذاجة التي تؤخذ بها فكرة “الاتحاد العربي” عند المنساقين في اللاوعي القومي من السوريين العروبيين الذين لا يميّزون بين الاتحادات الإنترناسيونية السياسية والوحدة القومية الداخلية للشعب الواحد.
إنّ وحدة الحياة القومية شيء والاتفاق، بضرورة المصالح والتقارب الثقافي أو الروحي، شيء آخر. ولذلك فإنّ ما يمكن إحداثه اليوم في أوروبة بينما ألمانية محطمة وممزقة ومجرّدة من صناعتها الكبرى، وفرنسة وإيطالية تنهضان ببطء بواسطة المساعدات الأميركانية والبريطانية ليس بالشيء الذي يمكن أن يوصل أوروبة إلى الاستقرار الذي لا يمكن أن يحدث إلا بوحدة حياة أوروبية تتكون بها أمة أوروبية جديدة، وعوامل صهر أوروبة وحياكة نسيج حياة واحدة من أممها لا تزال عوامل ضعيفة على الرغم من كل ما يذاع عن محاولات اتحادات أوروبية (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 360-361)
عندما نصل إلى هذه الدرجة من تفكيرنا الاجتماعي نبتدئ بتعيين أهدافنا إلى الحياة. وما لم ندرك هذا المجتمع وحقيقته لا يمكن معرفة أهدافه. معرفة المجتمع هي شرط أولي لإمكان تعيين الأهداف. يجب أن نعرف هذا الكائن الذي يسير فنعرف إلى أي هدف يسير. فبإدراكنا لحقيقتنا يمكننا أن ندرك مقاصد هذه الحقيقة وأهدافها. فإذا عمَّ هذا الوعي الشعب كله أمكن أن تضافر الجهود وأن توحد القوى لتحقيق المقاصد والأهداف. وتسير الأمة الواحدة بإيمان واحد وفاعلية واحدة فتتمكن من بلوغ الدرجة التي تمكّنها من تحقيق أهدافها.
الوعي القومي الذي يوضح حقيقة المجتمع وينقذه من تخبطاته هو شرط أولي للابتداء بالعمل الأولي للتقدم والفلاح، لذلك نحن نفضّل أن نبدأ بهذه الطريقة بوعي قومي اجتماعي صحيح يقضي على جميع المشاكل الروحية والنفسية في المجتمع (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 422)
إنّ الإنقاذ الكلي هدفنا نحن القوميين الاجتماعيين، حزب تفكير، حزب تنظيم وتفكير، وعمل صامت مجدٍ. نحن حزب أعمال، ولسنا بحزب أقوال وبيانات، الإنقاذ الكلي هدفنا. نحن لسنا حزب بيانات، حزباً يستغل المناسبات، نحن حزب عمل وحزب قتال. تاريخنا يشهد أننا حزب عمل، وحزب قتال، فلا مفر لنا من القتال.
لذلك نحن لسنا حزب بيانات، نستغل عواطف الشعب لأنه ليست لنا مصالح وصولية، ليست لنا غاية إرضاء جماعات لها مآرب خصوصية، لذلك نحن حزب عقيدة، نحن حزب يقين، نحن حزب تخطيط، نحن حزب عمل، نحن حزب قتال، في سبيل حياة أمة (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 429)
النقطة الأساسية، نقطة البدء الصحيح، أن تكونوا جماعة نظام فكري صحيح، جماعة نظام عمل صحيح. وعلى كل واحد منا ممارسة هذا النظام، بكل أشكاله، بكل مراتبه. هذا العمل البنائي، بناء العقيدة في نفوس المواطنين، بناء الصفوف، وتنظيمها التنظيم الموحد، جمع روحيتها في الأهداف الصحيحة التي تسير إليها، هذا النظام والسير في هذا النظام، وفي جميع فروعه ومراتبه هو الذي يكفل لنا النصر الخير. ومن جهة أخرى، نحن جماعة أخلاق (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 431)
هدف التفكير
المجتمع-الأمة- وخيره ومثله العليا هي غاية النهضة والغاية الأخيرة للاجتماع (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 333)
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس لنخدم أغراض شخص معيّن. نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس لنخدم أغراضاً خاصة لشخص اسمه أنطون سعاده، ولسنا في هذه الحركة لنخدم أكثر من غاية شخص واحد: غايات خاصة لعدد من الأشخاص أو عائلة تجمع هؤلاء الأشخاص.
لسنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي لخدمة غايات فردية أو جزئية. نحن في الحزب القومي الاجتماعي لنخدم غاية الشعب بأسره غاية المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي وغير المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي من الذين لم يتمكنوا من إدراك حقيقة نفسية الحزب. وإذا كان لشخص أو اشخاص قيمة عامة في الحزب القومي الاجتماعي في البلاد، فهي لأنهم يعبّرون عن هذه الحقيقة الأساسية الكبرى ويظهرون طريقة تحقيقها في الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 150)
قضية النهضة هي قضية نهوض بالأخلاق والمناقب قبل كل شيء (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 537)
الانحراف الحزبي في غياب الزعيم
مر الحزب، في أثناء غياب الزعيم في أميركا، في فترة تهدمت فيها المثالية النظامية والعقدية. فاتجهت الأعمال الحزبية نحو المظاهر، بدل الاتجاه الأول الصحيح الذي كان نحو البناء الداخلي وتأسيس القيم النفسية، الأخلاقية والمناقبية، وإعداد الطرق العملية لانتصار القضية القومية الاجتماعية المقدسة. ولم يقتصر الاتجاه الانحرافي على طلب المظاهر، بل تعداه إلى نشوء نفسية التسوية بين القضية القومية الاجتماعية، الكلية، الاجماعية وبين المآرب والمطامع الخصوصية، الفردية، في عدد غير قليل من الذين صاروا في الطبقة الظاهرية من الحركة القومية الاجتماعية.
شيئاً فشيئاً تطغى المآرب الخصوصية على الغاية العظمى، وصارت القضية القومية الاجتماعية المقدسة مجرّد واسطة للأغراض الخصوصية. فنشأت محاولات التسوية بين نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايات مخالفة للقضية. وكان قصد المحاولات المذكورة الوصول إلى غايات خصوصية عن طريق قوة الحزب، حتى ولو أدى الأمر إلى تضحية عقيدته وغايته في ذلك السبيل (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 214)
إنا لا نريد في الحزب القومي الاجتماعي كثرة عدد متضخم يمكن أن يفيد الذين أصبحوا يميلون إلى التسوية ويغريهم ضعف الإيمان ووهن البناء النفسي العقدي بالمساومات والمضاربات.
إنّ عملية تطهير الحزب من نفسية المساومات والمضاربات والتسوية ستستمر، وستقضي على الانغماس السياسي الخصوصي قضاءً مبرماً فلا يبقى في الحزب غير: جنود عقيدة ونظام وإيمان بالنصر ـ جنود في كل عمل وكل اختصاص ـ جنود في الإدارة وجنود في الإذاعة وجنود في الثقافة وجنود في السياسة (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 216)
يجب القضاء على جميع المآرب الخصوصية، ووضع حدّ للميعان العقدي والنظامي ضمن الحزب، ويجب قطع دابر الانتهازية التي تطعن القضية في صميمها، وأنه يجب حفظ المراكز الأمامية في الحزب للذين يحاربون حرب القضية والنظام، فلا يجوز أن يتقدم إليها من لا يحملون حمل العقيدة والنظام، مهما بلغت مهارتهم في اجتذاب ميول الجماهير بأساليب الديماغوجية (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 250)
كل ما فينا هو من الأمة وكل ما فينا هو للأمة. الدماء التي تجري في عروقنا، عينها، ليست ملكنا. هي وديعة الأمة فينا ومتى طلبتها وجدتها!
إنّ الذين يعيشون لذواتهم يعيشون في نطاق الأنانيات الصغيرة، المحدودة، التي لا تستحق إلا الازدراء والاحتقار (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 283)
مقياس التفكير
الدليل على نوع التفكير:
إن قيمة عقل الإنسان تظهر في مقدار تفكيره ونوعه، والدليل على نوع هذه القيمة وأهميتها يظهر من نتائج التفكير المتجلية في الحياة الاجتماعية. ومن معرفتنا حقيقة الحياة القومية لشعب من الشعوب يمكننا أن نحكم على مبلغ تفكيره وأن نعيّن بالضبط المحل الذي يحله ذلك الشعب من بقية الشعوب. وهذا الحكم وهذا التعيين لا يقتصران على وصف الشعب بمجموعه فقط، بل يتناولان طبقات الشعب وجمعياته والهيئات التي تمثله. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 390)
هذا المقياس يمكن تطبيقه على الحياة القومية وعلى الحياة الحزبية.
—————————————–
المراجع
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 1. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 10. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 11. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 12. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 2. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 3. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 4. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 5. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 6. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 7. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 8. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة . (2001). الأعمال الكاملة 9. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
ريتشارد مينش. (2010). الأمة والمواطنة في عصر العولمة. دمشق: منشورات الهيئة العامة السورية للكناب.
———————————————–
تنويه: ينشر سيرجيل هذا النص باتفاق خاص مع مؤسسة سعادة للثقافة