الكرسي
(ملحق عن أحوال السلطان)
تتقدم الجموع باتجاه الكراسي المنسّقة بأناقة، المصفوفة بترتيب دقيق، إنما مُستنفر للحيرة!
تجلس الجموع.
كل واحد منهم على كرسيه المُخصص له، ليس من أحد دون كرسي.
قهقهات صاخبة، أصوات هائجة، ابتهاج طاغ، سعادة فائقة، صوت واحد من الجموع (كأنه شعار): يحيا العدل.
***
يلتمس السلطان طريقه بين الكراسي، مربّتاً على كتف (واحد) في الأمام، مشجعاً (ثان) في المنتصف، مومئاً بابتسامة لـ (ثالث) في الأخير. مُكشّراً للآخرين، فيضيق تنفسهم.
يصيح الأول: عاش.
يصيح الثاني: عاش… عاش.
يصيح الثالث: عاش… عاش… عاش.
يصيح الآخرون: عاعاعا… ش.
يبتسم السلطان لهم،
يتنفسون.
***
يستغربون…!!
ليس للسلطان كرسي ليجلس عليه؟ يروح ويجيء بين الكراسي. يشكر متطوعاً لدعوته إلى الجلوس مكانه… لا يجلس؟
يحيي متحمّساً لدعوته إلى مناصفته مكانه… لا يجلس؟
واحد من الجموع، لوجعٍ في قلبه… مات، نقلوه إلى المقبرة. كرسيه فارغ… ولكن السلطان لا يجلس؟
يروح ويجيء وأنظار الجموع مصاحبة لرواحه ومجيئه.
***
يقصُّ السلطان حكاية طويلة، ملولة، مشوشة… والجموع تنصت مستاءة من الحكاية لطولها…
تتثاءب الجموع تعبة، والسلطان يتابع حكايته بعناد.
تنام الجموع احتجاجاً: أليس للحكاية خاتمة؟
***
بعد نوم طويل، طويل، عميق… تستيقظ الجموع وهي راكعة!
الكراسي المنسّقة بأناقة، المصفوفة بترتيب دقيق مستنفر للحيرة اختفت!
والسلطان لا يكاد يُرى وهو يقهقه فوق كرسي عملاق…
تنظر الجموع إلى فوق، الدهشة وشم يميزها…
أليس للحكاية من خاتمة؟
——————————-
هامش: نُشرت هذه القصة القصيرة جداً، في جريدة الحياة التي كانت تصدر من لندن.
تاريخ النشر 12 آذار 1991 – رقم العدد 10264.
مقام الكرسي: لوحة للفنان السوري عبيدة الفياّض
مرض الكرسي ، لا دواء له
الاستئصال فقط!!