جماليات

كتاب الغياب

نصّان بطعم الحِداء

[يدهشنا وليد الهليس، إذ يقدّم ما يُفترض أنّه (عادي ومألوف)، على أنّه شعر؟ بل هو في أقصى معناه. لا تغريه اللعبة اللغويّة الفوقيّة المستبدة بخيال القارئ، بل يدعوه لتلمس ذاته وحياته بترتيب مختلف لمفرداته وتفاصيله. ترتيبٌ يغيّر كيمياء العلاقة ما بين الكلمة وإيقاعها المتغلغل عميقاً في قارة الإحساس الجوانيّة القصيّة، ليكتشف أنَّ الكلمة العاديّة يمكن تتويجها ملكة في عالم شعري ينشر روحه كفضاءٍ لا متناهٍ، فيما كلمات قاموسيّة طاووسيّة، من عالم (الفكرويّة الحداثويّة) غالباً ما تقضي كجثة هامدة، مع نهاية الاستعراض النصّي المبهر.

يخلّص الهليس الشعر من فخ تلك المتاهة المرهقة الثقيّلة، فيأتي رشيقاً وومضاً وكشفاً… عذباً كعين هدهد حكيم يقيم في الجنّة] ن. سلّوم

 

أغنية السائرة في نومها

ياسمينة السياج

أنا،

صبّارة عمياء،

منسية؛

لا أنت تأتي

ولا المطر

كم طللاً سأرعى؟

كم حبيباً ومنزلاً،

سأفارق؟

أي أغنية سأغني؟

عد إليّ

بأسنانك المحطمة

بابتسامتك المنهوبة

بالطعنة في الظهر

والخاصرة

عد إليّ

بكل هدايا العمر؛

من الأثلام،

والندوب.

لا تبك عينك

لا تبعثر، في الهواء، رماحك

لا ترشق الأيام،

بالحصى،

لا ترجم الغيب

بنوارس

قد توقظ البراعم من نومها

للعصافير جناحُها؛

وسماؤها،

والغصونُ

وأنا لك

لي خبز قلبي،

كفاف روحي،

منك

وللريح ما تبقى من الأغنية…

لوحة بعنوان: أمل، جورج فريدريك واتس

حِداد

غيابك أدماني؛

أمشي، من كثرة الويل، حافية…

رأسي عارية؛

أنأى عن البيوت

باردٌ فراشي

وحديقتي يابسة.

 صار نومي رماداً؛

أنظر عالياً

لأقطف نجمة

.. ولا نجوم في السماء…!

لا أرى

أو أتكلم؛

لا أنظر في المرآة

ولا أرقص في غيابك،

لا أزغرد في فرح،

لا حلوى لي،

ولا طعام عرس.

 كيف؟

وأنت نرجسة مفرقي

وجنون الطبل في قدميّ؛

ارتعاشة ساقيّ

وانحلال ضفائري،

هزة نشوتي

وذهول خاصرتي أنت.

 لم أعد أطير في الحلم؛

كما وأنت في فراشي

لم أعد أغني وأنا أُطَيِّرُ الحمام.

 عيناي واسعتان

وقلبي أعمى؛

أنت العصا

وأنت باب بيتي.

بعدك أتعثّر في وضح النهار،

أخاف الليل…

وليد الهليس

شاعر من فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق