يا أوّلَ الجسرِ العتيج… يا أوّلَ الريحان حين تخضرُّ روحي في روابيها، وينامُ الكحلُ أخضرَ الدمعِ في محجريها.. تاركاً ليلهُ الطويل في شتلاتِ السطولِ الواقفة عند عتبةِ البابِ الخشبيّ العتيق…!
يا برارينا الداشرة بالحبِّ، والعشبِ، والكيصومِ، والحرملِ، وشقائق النعمان..
يا أوّلَ النهارِ الغافي على تخومِ الخيالِ..
يا خيالَ التينِ الواقف عند النافذة الوحيدة في الحوش الجميلِ، وهي تكسِّرُ مرايا النهار حين يمشي إلى ضفائرها كفاتحاتِ الصلاة…!
يا رفوفَ الذكرياتِ التي سافرتْ مع الغيمِ، وأجنحة اليمام، والقطا…!
هلْ امسكتِ بخيالِ النهارِ الداشر على البابِ يا ” زليخة”…؟!
ظلّكِ يتبعني يا “زَليخَةْ ” والسماءُ خفيضةُ الروحِ تسمعُ منّي ما أبوحُ و”أشتكي”…!
للنهرِ منّي قلادةُ الروحِ، وللكأسِ ما تلاهُ الغيمُ من رذاذِ التمنّي وهو يعيدُ الصحوَ إلى قُبلتها الأولى…!
يا صباحاتِ الروحِ الزاهية وهي تفتحُ البهاءَ إلى ادراجِ الهوى، والحب..
الرقةُ الوضّاحةُ…هل من إغفاءةٍ خضراء بين شجيراتِ القطنِ حين تتفتَّحُ أجراسها في بياضِ الأبد…؟!
لأعشاشِ الطيورِ، والقبّراتِ أنْ يلوّحنَ بالقشِّ كما لوّح النخل بسعفهِ في قلب البادية وهو يتقاطرُ بلحاً، وسكراً ولا أحلى…!
قلبي يراكضُ ظلّي إليها.. والماءُ أبعد يا “زليخةْ”…!
هي البلادُ التي ” تشبهُنا، ونشبهُها ” لابدَّ وأنْ تعودَ من منافيها لتلاقي اللهَ، والصحوَ الجميل
هي البلادُ التي صافحتْ خدَّ الماءِ، ثمَّ ابتلّتْ روحها فيهِ..
هي البلادُ التي لمّا نزلْ نراكضُ خيالها الداشر في الذاكرة…!
هي البلادُ التي عمّدتنا بالحبِّ، والحنانِ، وإشراقة الصباحِ البهيِّ، والغبشةِ الحالمة…!
“يا وردةً في خيالي”…!
لكِ يرتجفُ القلب حبّاً، وشغفاً، وحناناً ما بعده حنان…!
في الرقةِ.. يطفو حطبُ الدفلةِ فوق الماء من شدّةِ الحبِّ ولا يشتعل إلاّ بها…!
في الرقةِ.. ينامُ النهارُ عاليَ الضحى، خاليَ البال سارحَ المخيّلةِ.. داشرَ الروحِ…!
في الرقةِ.. أرى وجهَ أمّي وهي تغطّيني بلحافٍ من سماءٍ زرقاء وصافية…!
في الرقةِ…ينسى دلو البئرِ أجملَ القصائدِ في عمقِ الماء وصمتهِ…!
في الرقةِ.. يمنحُ الزيزفونُ قبلتهُ الأولى لمناقيرِ العصافيرِ وهي تغرّدُ آياتِ النهار العالي…!
في الرقةِ.. ينام النهرُ في صدر ” الحوائج ” كاتباً خلودهُ على جذوع الغَرَبِ، وفاتحاً أبواب النهارِ على نبتةِ خلود جلجامش فصلاً أخيراً في البوحِ، والحبِّ، والحنين…!
في الرقةِ…يسبِّحُ النهارُ، وما تبقّى من الليلِ، وما تركهُ الشاعرُ في قاع الكأسِ الأخيرة من جنون القصائدِ…!
في الرقةِ … يمتدُّ أذانُ “أبو عبدو الضرير” موسيقا من سماءٍ عاشرة، وهو يأخذُ صمتَ الليلِ إلى حنايا الروحِ وأبعدْ…!
في الرقةِ.. أسابقُ ظلّكِ على الحيطان الفخّاريةِ الباردة يا “زليخة”…!
هذا النهارُ طويلٌ.. طويلٌ… يا “زليخة”
هذا النهارُ عصيٌّ على الدمعِ يا “زليخة”
هذا النهارُ سيأخذُ الليلَ الطويل إلى سدّةِ الأفق حين يمحو السوادَ بالزغاريدِ التي تعالتْ من نافذةِ روحي…!
هذا النهارُ قريبٌ.. قريبٌ … والداشراتِ الظلِّ، والحانياتِ الصدرِ، والمائلاتِ الغيمِ، والكاظماتِ الغيظِ، والصافّاتِ، والعاتباتِ، والعاشقاتِ، وما سافرَ على ظهورِ الخيلِ وصهيلها “رجماً بالغيبِ”..
الرقةُ الوضّاحةُ…إليكِ قلبي، وروحي
هلاّ أخذتِ خيالي إلى خيالِ التوتِ، والتينِ، والصفصافِ،
وما تبقّى من احمرار الرمّان…؟!
——————————–
دمشق – أسابقُ ظلَّكِ يا “زليخةْ “، وأمسكُ بخيالِ النهارِ الداشرِ في البراري كطفلٍ يمسكُ بالطائرة الورقيّة..!- المربعانيّة -2024