[قبل أن يكون الجسر خشباً، أو حديداً، أو اسمنتاً يصل بين ضفتين… كان فكرة وثقافة. الجسر، بهذا المعنى، رؤية إلى الانسان بوصفه واحداً غير منفصل بانهدام جغرافي، والأهم بانهدام ثقافي/أخلاقي/قيمي/ يكون حائلاً دون بناء أي جسر على الإطلاق.
وهدم الجسر قبل أن يحصل بالـ (ديناميت) الذي يحيله إلى ركام، يحصل بـ (ديناميت) ثقافي، يتم صناعته في مختبرات فكرية مغلقة، غير قابلة لتبديل أو تعديل أدواتها، وغالباً ما تكون مختصة بإنتاج العدم الإنساني، غير القابل لحمل منظومات قيمية تدفع إلى إعلاء أعمدة الجسور التي تحيل الإنسانية إلى أفق واحد.
الحروب، التي ثقافتها تعود إلى مرجعيات ثقافية من هذا القبيل، تستهدف الجسور الثقافية والاجتماعية والأخلاقية بوصفها عدوها الأخطر …. تحاول نسفها لتبني بدلاً منها جدراناً سميكة كي تعزل أطرافها، وكي يقيم أي منها خلفه.
في السنوات الماضية نسفت الثقافة التكفيرية جسور الوحدة الاجتماعية في برِّ الشام، فيما قامت عصاباتها بنسف الجسور الواصلة بين ضفتي نهر الفرات بالـ (ديناميت).
الجسر المعلّق في دير الزور كان ضحية من تلك الأضاحي، عندما سقط، عملاً بثقافة الحرب، وتنفيذاً لتعاليم مختبرات الثقافة التكفيرية – سيرجيل]
حاتم سلوم، يناجي جسر دير الزور، في ما يشبه مرثية موشّحة بحزن شفيف:
في ” دير الزور“،
جمع ” الفرات ” نفسَه،
ها هو في قاع الوادي
والذكريات…
يزأر من غضبٍ
أو من خوف؟
يحدثُ أن المارة
أقسموا أنهم
رأوا النهر
عاريَ الصدر يبكي!
ما حاجةُ جاهلٍ
إلى ذكريات الناسِ
المعلّقة
برهافة الجسر؟
كيف يفهم جاهلٌ
مشاوير َ العشق المسائية
وبوح الحب؟
كيف سيفهمُ
حاجة َ السمك والبط
والشجر
أن يستريح على ضفتي النهر؟
كيف يفهمُ
كم ناجى القمر
ماء النهر في
مساءات الصحو والحنين؟
أيّها ” الجسر المعلق“
بأهداب الحنين،
” الفراتُ” معك وعندك،
” الفراتُ” عائد ٌ
يبنيك
من جديد
……….
الجسر المعلّق في مدينة دير الزور، قديم يعود تشييده إلى عشرينيات القرن الماضي، في حقبة الانتداب الفرنسي على سورية. هو من أقدم الجسور في العالم المبنية على هذا الطراز، فقط يوجد جسر في جنوب فرنسا أقدم منه. يصل ما بين ضفتي الفرات بمسافة نصف كيلو متر تقريباً، وأبراجه ترتفع لحوالي 36 متراً. تم تدميره في العام 2013 من قبل التنظيمات الإرهابية، فيما قام طيران التحالف الدولي بتدمير الجسور الستة الأخرى التي تربط الضفة الشمالية بنظيرتها الجنوبية.
يعبرون الجسر في الصبح خفاقا
أضلعي امتدت لهم جسرا وليد
الراحل الكبير خليل حاوي
امتدت لهم جسراً وطيد
من كهوف الشرق
من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد
لك تحياتي