” الإسلام المحمدي” حمله الينا العرب المسلمون في فتوحاتهم وكانت سورية (الهلال الخصيب) حينها تتكلم الآرامية باللهجة السريانية، ومن دخل من أهلها الدين الجديد، أتقن اللغة العربية، وسبب ذلك أن العربية في أغلبها تعود إلى الآرامية النبطية، أي أن السّوري يكون مع الفتح العربي الإسلامي قد استبدل (لهجة – فرعاً لغوياً: السريانية) بـ (لهجة – فرع لغوي: النبطيّة). الفرعان يتّحدران من اللغة الأم: الآراميّة.
لم يقتصر انتشار السريانية على السوريين وحدهم، بل إنَّ رجال الدين المسيحي عامة في تلك الفترة، كانون يتقنون السريانية كونها لغة الانجيل المقدّس، وخاصة في مصر والمغرب العربي وإيران، إضافة إلى أنَّ لغة الدواوين في الامبراطورية الفارسية كانت السريانية، وكذلك اللغة القبطية المصرية، كانت خليطاً من المصرية القديمة والآرامية. الأمر الذي جعل انتشار العربية في هذه الأماكن سهلاً ومتيّسراً ومألوفاً.
هذا الواقع التاريخي، يدفعنا لملاحظة ذلك التلازم بين انتشار الإسلام وانتشار اللغة العربية، وقد عبر عن ذلك بـ “تلازم العروبة والاسلام ” في سورية (الهلال الخصيب) ومصر خاصة والعالم العربي عموماً، أما خارج هذه المناطق فقد انتشر الإسلام في بلدان عدة دون أن يترافق انتشاره مع اللغة العربية، أي أن تلازم العروبة والإسلام ليس أمراً حتميّاً مطلقاً.
قيام الخلافة الأموية والعباسية في سورية ودولتهم العربية الإسلامية الطابع عزز فكرة تلازم العروبة والإسلام في سورية، ولم يغير هذه الفكرة لاحقاً، قيام الدولة العثمانية ومن ثم الخلافة العثمانية ذات اللغة التركية، مع انه الدليل الواضح على بطلان التلازم المطلق بين العروبة والإسلام واعتباره مسلّمة فكريّة ثابتة.
اقتصرت سيطرة الدولة العثمانية في آخر عهدها على سورية والحجاز من العالم العربي، ونتيجة احتكاك هذه الدولة بالفكر الأوروبي في تلك الفترة ظهرت حركات قومية تركية متطرفة، تعتمد عصبية اللغة والعرق والدين. من هذه الحركات وأشهرها وأكثرها تأثيراً جمعية تركيا الفتاة، وحزب الاتحاد والترقي. حيث أظهرت هذه الحركات وجهها القبيح، باحتقار السوريين في الجيش ودواوين الدولة والطلبة في جامعات اسطنبول، فجاءت ردود فعل السوريين من نفس النوع، وإن لم تكن من نفس درجة القوة والتأثير. نظم إبراهيم اليازجي قصيدة، تشير إلى تأفف السوريين من الأتراك وشوفينيتهم، حيث يقول في أحد أبياتها:
تنبّهوا واستفيقوا أيّها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الرُّكب
ولم يكن اليازجي يخاطب جميع الناطقين باللغة العربية من المحيط الى الخليج، وإنما الناطقين باللغة العربية الخاضعين للاحتلال التركي من أبناء الهلال الخصيب عامة ومن بلاد الشام خاصة.
وفي مثال آخر، أصدر نجيب العازوري كتاب (يقظة الأمة العربية) عام 1905، وواضح من المحتوى أنه يقصد سورية، وليس (الأمة العربية) وفق التعريف الأيديولوجي للتيار العربي الإسلامي (من المحيط إلى الخليج)؟
جاء ذلك وغيره كردة فعل على ما أظهره الأتراك من تعصب للغة التركية واحتقار للناطقين باللغة العربية، فعبّر أبناء الهلال الخصيب وخاصة في بلاد الشام عن عصبيتهم للغة العربية واتخذوها عنواناً لشعورهم القومي المنفصل عن تركيا، ومن التنظيمات التي انشاؤها الجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد وغيرها حيث التحق فيها العديد من الضباط السوريين المسرّحين من الجيش العثماني.
والواقع أنه ومنذ منتصف القرن التاسع عشر كانت قد بدأت تظهر الكتابات حول الشخصية السورية التاريخية، مثل مجلة نفير سورية لبطرس البستاني، ولاحقاً في أدب جبران خليل جبران. إلى أن انعقد المؤتمر السوري العام 1919/1920، حيث أعلن استقلال الامة السورية (يقصد بلاد الشام.)
شغلت فكرة الأمة بالمعنى السياسي الاجتماعي الفكر السوري في تلك الفترة، فإضافة إلى القول بالأمة السورية والدعوة لاستقلالها، ظهرت لاحقاً وفي فترات متقاربة من القرن العشرين:
— الدعوة إلى الأمة الاسلامية وإلى خلافة جديدة ليست من العثمانيين، والأمة الاسلامية تشمل المسلمين في العالم معتمدة على ما ورد في القرآن الكريم ” وكنتم خير أمة اخرجت للناس ” .
— الدعوة إلى الأمة العربية التي تضم المسلمين الناطقين باللغة العربية آملين بالعودة إلى الامبراطورية العربية الإسلامية في فترة حكم الخليفة هارون الرشيد، وحددوا دولتهم الوطن العربي الذي يضم الأمم الناطقة بالعربية سورية والجزيرة العربية ووادي النيل والمغرب العربي. وعصبية هذه الامة تقوم على اللغة العربية والعرق العربي والدين الاسلامي المحمدي
قلنا سابقاً أن انتشار الاسلام في سورية رافقه انتشار اللغة العربية وعبر عنه بالتلازم بين العروبة والاسلام وهذه حقيقة لواقع تاريخي لبلادنا، لكن فهم هذه الواقعة تمثل برأيين:
الأول يقول، إن التلازم بين العروبة والاسلام شكل رابطة بين الامم المسلمة والناطقة بالعربية وأساساً في نشوء العالم العربي .
هذه الرابطة، تشبه رابطة الكمنولث أو الرابطة الفرنكوفونية، غير أنها رابطة أقوى وأمتن، ومع ذلك لم تتمظهر بأية مشاهد تؤكد ضرورتها بالنسبة لسورية، بل اعطت نتائج سلبية وسيئة، بالنسبة للقضايا السورية، منذ اعتمادها والأخذ بها وإلى الآن.
الثاني يقول، إن العالم العربي أمة واحدة، هي الأمة العربية، وتضم جميع الناطقين باللغة العربية، مع تجاهل الواقع الاجتماعي الذي تتكون منه امم العالم العربي وتاريخها وتمايز بعضها عن الآخر؟
هذا الاتجاه الأيديولوجي يقف عاجزاً أمام أسئلة تاريخية موجودة وحاضرة، فكيف يقارب مثلاً مسألة أن أهل بلاد الشام حتى العهد المملوكي، كان المسيحيون منهم يشكلون 70% ويتكلمون السريانية، فكيف تكون بلاد الشام عربية إن كانت غالبية السكان غير مسلمة ولا يتكلمون العربية؟
ويعاكس منطق القائلين بالأمتين العربية والإسلامية، نفسه، عندما تتبنى نصوصه نفس الأعلام والعظماء والقادة والمفكرين، وأغلبهم من أصول غير عربية، مثل الفارابي والرازي وابن سينا الخ… طبعاً لا يتم ذكر أي علم أو مفكّر من سورية كون العديد من المفكرين والعلماء السوريين في تلك الفترة كانوا يكتبون بالسريانية أو اليونانية وغير مسلمين.
يعتمد منطق الدعوة إلى الآمة العربية، على فرضيتين تاريخيتين:
الأولى، تقر بأن سورية الطبيعية، كانت فيها شعوب متعددة، مثل السومريين والآشوريين والكنعانيين والحثيين والآراميين وغيره، لكنهم اندثروا وبقي العرب! وفق هذا المنطق تكون حضارات هذه الشعوب مشمولة بمصطلح العصر الجاهلي؟ ولا تستحق الاطلاع عليها.
الثانية، لا تقول باندثار هذه الشعوب، ولكنها تعيدها بأصلها إلى الجزيرة العربية، التي انطلقوا منها في ما يعرف بـ (الهجرات السامية)، وعلى ذلك تكون الحضارة الإسلامية استمراراً لحضارات تلك الشعوب. ورغم ذلك يتم تجاهل تاريخ حضارات ما قبل الفتح العربي الإسلامي؟
في كلتا الفرضيتين، ثمّة خطأ علمي وآخر أخلاقي هو عملية تزوير واضحة.
فالعرب، حسب المرجعية الواحدة بالنسبة للفرضيتين، ثلاث، بائدة وعاربة ومستعربة. والعرب المستعربة هم من جاؤوا من خارج الجزيرة العربية وحطوا فيها واستوطنوها فاستعربوا، ومنهم العدنانيين الذين جاؤوا من بلاد اشام، ويعود نسب النبي محمد إليهم. بالمقابل لماذا يتم النظر إلى من جاء من الجزيرة العربية واستوطن سورية بأنه ظلّ عربياً ولم يتسرين، أي لم يصبح سورياً؟ بل على العكس أعطى صفته العربية، رغم أنه أقلية، للأكثرية السورية وعرّبها؟.
من المؤكد أن انتشار اللغة والدين هو من الشؤون الثقافية، ولا يغيّر في هويّة الأمة ليجعلها عربية، والاشارات الأثرية البسيطة عن وجود كتابات عربية قديمة هنا أو هنالك، في منطقة حوران أو غيرها لا يحجب وجود الآلاف من اللقى الاثارية الكتابية بلغة السوريين غير العربية، إضافة لمدن أثرية كاملة، لا تقارن بأثر كتابي بسيط؟
وفي السياق نفسه، لا تعتبر قبائل الغساسنة والمناذرة في قوس البادية الممتدة من حوران وحتى جنوب العراق، دلالة على الوجود العربي، فهذه القبائل من يحسم أصولها العربية؟ كما أنها كانت من ضمن تشكيل سكاني واسع تُشكّل فيه في أحسن الحالات أقلية، وخصوصاً إذا ما نسبت إلى كامل جغرافيا الهلال الخصيب.
العرب كـ (اتنية) كان منهم في سورية قبل الفتح العربي الإسلامي، وتسرينوا وأصبحوا مثل باقي السوريين لناحية اعتناقهم المسيحية والتكلم باللغة السريانية، مع اندماج كامل في حياة المجتمع السوري .
خلاصة أولى:
مما لا شكَّ فيه أنَّ الدعوات التي يشغل الدين أحد عواملها الفاعلة (التي تنضوي تحت مصطلح الإسلام السياسي، أو أحد تمظهراته)، سهلت غلى أبناء الأمم العربية وخاصة سورية وضع قضايا أمتهم بيد قوى خارجية، وسمحت وتسمح للقوى الخارجية بخرقها بسهولة، ان لم تكن القوى الخارجية هي التي تصنع المشاريع السياسية لهذه الأمم من بابها إلى محرابها، في إطار تنفيذ استراتيجياتها في السيطرة عليها. ومثال على ذلك الدعوة التي أعلنت الخديوي عباس – طبعاً قبل أن يصبح خديوياً – خليفة للمسلمين. وبعد فشل هذا المشروع استعيض عنه، في فترة لاحقة، بإعلان الشريف حسين قائداً للثورة العربية الكبرى 1916، وأيضاً إنشاء جمعية العهد من الضباط السوريين المسرحين من الجيش التركي الذين استخدموا في الثورة العربية الكبرى وفي قيام دولة الملك فيصل في دمشق، وفي الفترة الحالية، يمكن ملاحظة الحضور الاستراتيجي الواضح للخارج في قيام الربيع العربي والدعوة الحديثة للخلافة العثمانية.
خلاصة ثانيّة:
إنَّ مقولة تلازم العروبة والإسلام في بلادنا، إقرار بأن الدخول العربي، غيّر دين أهل سورية (الهلال الخصيب)، وغيّر لغتهم، ولكن ذلك لا يعني أنه ألغى سوريتهم، بل سورية من بنت دولة الإسلام في عصريها الأموي والعباسي، رغم القراءات التي تعتبر هذا التلازم الإطار الأيديولوجي لدعوة الأمة العربية، التي في حالاتها كلها تعتبر أحد التمظهرات الفكرية للإسلام السياسي
كلام سليم ومنطقي
الواقع ان تلازم العروبة والاسلام من اهم واكبر الانتكاسات بالبلاد التي سيطر عليها العرب اثناء نشر دينهم تحت مسمى الفتوحات الاسلامية وهي بالواقع الغزو الاسلامي
وواقع الحال ان ذلك المفهوم هو الذي وضع الدول التي آمنت به هي من اكثر البلاد تخلفا وفي ذيل الامم ولن تقوم لها قائمة حتى نهاية الزمان
ولنأخذ ماليزيا المسلمة وغير العربية اين وصل بها التقدم مع أنها دون أية موارد طبيعية