حكّام الطوائف والعرقيات خانوا مصالح العراق ونخبة سياسية وإعلامية جبانة سكتت أو تواطأت معهم! فهل سيكون مصير ميناء الفاو والقناة الجافة كمصير مياه نهري دجلة والفرات؟
فلينزعج مَن شاء الانزعاج فسأكتب بصراحة دفاعاً عن العراق وقناته الجافة وميناء الفاو الكبير! مثلما تخلى حكام العراق ونخبته السياسية والإعلامية والثقافية الجبانة عن الرافدين “دجلة والفرات” وخذلوهما قبل نصف قرن، وتركوا تركيا وإيران تتماديان في بناء السدود وإقامة المشاريع وتحويل مجاري الروافد من طرف واحد ودون تنسيق أو شروط أو اتفاقية دولية لتقاسم ما تبقى من مياه النهرين، وها هو العراق ماضٍ نحو التصحر السريع وزوال أنهاره والاعتماد على زخات الأمطار العارضة؛ أقول مثلما تخلوا عن الرافدين ماضياً ها هم اليوم يتخلون ويخذلون أهم مشروع استراتيجي اقتصادي وجيوسياسي ألا وهو القناة العراقية الجافة وميناء الفاو الكبير، فيتبارون في منح الربط السككي لإيران اليوم، وقبلها حاولوا منحه للكويت قبل أن يختنق مشروعها المنافس “مشروع ميناء مبارك الكبير” تحت وطأة الرفض الشعبي العراقي مقابل رضا وسكوت وحتى تواطؤ حكومة المالكي ووزيره للنقل هادي العامري الذي رفع التحفظ الرسمي العراقي على منح أي ربط سككي للكويت!
واليوم وبعد أن منحت حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي إيران ربطاً سككياً ستطالب الكويت بربط سككي مماثل مع مينائها وتعود إلى العمل على إكماله ولن يكون لدى حكومة بغداد أي مبرر للرفض، وهكذا سيموت ميناء الفاو الكبير اغتيالاً وسيتحول العراق إلى خط ترانزيت للقطارات الإيرانية والكويتية، أي إلى “مزبلة بيئية” ولن يحصل الاقتصاد العراقي على أكثر من خمسة بالمائة من عائدات القناة والميناء العراقيين كرسوم ترانزيت!
إن سكوت وحتى تواطؤ الحكام والنخبة السياسية والثقافية أمر مفهوم ومتوقع وهو سبب آخر وإضافي سيدفع الشعب لإسقاطهم إن عاجلاً أو آجلاً ويفتح الباب على إنقاذ القناة والميناء ووقف عرقلة تنفيذ المشروع! ولكن لماذا تعمق وتضاعف السكوت على هذه الخطوة – الكارثة وأصبح يشمل الجميع تقريباً؟
السبب الأول، هو أن من نفذها هو رئيس وزراء محسوب على السفارة الأميركية وتلميذ الصهيوني كنعان مكية ولهذا سكت عليه الساسة والمثقفون الليبراليون واليساريون القشريون الذين صفقوا بالأمس للاحتلال سوية مع الإسلاميين الشيعة والقوميين الكرد والعرب السنة، ودخلوا في مؤسسات الاحتلال ولجانه!
السبب الثاني، هو أن هذا المشروع يصب في مصلحة إيران ولهذا سكتت على فعلة الكاظمي جميع أحزاب ومليشيات الفساد الشيعية وهذا أمر متوقع ممن يستمدون الحماية من الدولة الإيرانية ويمنحونها ولاءهم المطلق على حساب وطنهم وشعبهم!
حدث ضخم كهذا سكتت عنه غالبية وسائل الإعلام العراقية وصفحات المثقفين والساسة العراقيين على مواقع التواصل والمؤتمرات الصحافية، ولم أقرأ حوله إلاَّ منشوراً واحداً – وعذراً لمن كتبوا ولم أطلع على ما كتبوه – بقلم الصديق الشجاع منتظر ناصر رئيس تحرير صحيفة “العالم الجديد” الإلكترونية قال فيه: “الاتفاقية التي وقعها وزير النقل ناصر الشبلي أمس في بغداد مع نظيره الإيراني رستم قاسمي بشان تنفيذ إنشاء سكة حديد بين البصرة والشلامجة لم ينقلها سوى تلفزيون ايران الذي كان يرافق وزيرها خلال زيارته، خوفاً من ردة الفعل الشعبية على الاتفاقية التي من شأنها أن تقتل موانئ العراق وتئد حلم ميناء الفاو الكبير بسبب ربط البصرة (الساحلية) بميناء الامام الخميني الايراني، يجري هذا في ظل حكومة تصريف أعمال وهي بذلك خالفت المادة 64 من الدستور!!! الكاظمي منح إيران ما لم يمنحها رئيس حكومة سابق.. هل تستحق الولاية الثانية كل هذا التفريط والتنازل؟!!”
وكالعادة فلم يحظ منشور منتظر ولا ما كتبته في يوم سابق بالاهتمام الكافي والمكافئ لأهمية وخطورة الحدث، وهذا مؤشر على خطورة وانحطاط المرحلة التي بلغتها المنظومة الحاكمة ونخبتها السياسية والإعلامية والثقافية عموما. ولكن المعركة لم تنته بعد والشعب لم يقل كلمته الأخيرة والقطارات الأجنبية إن قدر لها أن تدخل أراضي العراق فستكون هدفاً للرفض والمقاطعة وكافة أشكال المعارضة والدفاع عن مصالح العراق، أما الذين خذلوا العراق ومصالحه الاستراتيجية من الحكام والنخبة فسيحيق بهم العار ويلبسهم الشنار إلى الأبد كما أحاق العار بمن سبقهم ممن تخلوا وخذلوا الرافدين وبلاد الرافدين!
في الوقائع، حكومة “تصريف الأعمال” تطلق مجدداً رصاصة الرحمة على ميناء الفاو الكبير، ووزيرها للنقل وقَّع على مذكرة تفاهم بسقف زمني محدد بثلاثين يوماً مع وزير النقل الإيراني لربط الموانئ الإيرانية بالقناة العراقية الجافة ما يؤدي إلى قتل ميناء الفاو الكبير! لماذا هذا الاستعجال الإيراني في خطف القناة العراقية الجافة وربط موانئها بها قبل إكمال ميناء الفاو، وفي هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه معركة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟ وهل من صلاحية حكومة تصريف الأعمال أن توقع على هكذا الاتفاقيات؟ هل يريد الكاظمي الحصول الى نقاط إيرانية ضمن التوافق الأميركي الإيراني الدائم في ركضه وراء ولاية ثانية؟
لتسهيل الإجابة على هذه التساؤلات لنقرأ هذه التفاصيل: وصل وزير النقل الإيراني رستم قاسمي إلى بغداد ووقع مذكرة تفاهم مع حكومة الكاظمي لتنفيذ الربط السككي عبر منفذ الشلامجة لربط موانئ إيران بالقناة الجافة العراقية حتى قبل أن تكتمل. وذكر بيان لوزارة النقل ان وزير النقل ناصر الشبلي التقى، اليوم الاحد، في دار الضيافة، نظيره الايراني رستم قاسمي. وقال الوزير الإيراني: “وقعنا مذكرة تفاهم اليوم مع وزير النقل العراقي ناصر الشبلي للشروع في إنشاء سكة الحديد بين مدينتي شلامجة في إيران والبصرة في العراق بعد طول انتظار”. وأضاف “كنا قد أجرينا سلسلة من المباحثات مع الجانب العراقي على مدى عشرين عاماً لتنفيذ هذا المشروع لكن لم نتوصل الى الحل المطلوب طيلة هذه الفترة… وأشار قاسمي الى، أن “اتفاقنا اليوم يحمل جدولاً زمنياً محدداً وواضحاً ويلزم الجانبين الايراني والعراقي ببدء تنفيذ هذا الخط خلال 30 يوما كحد أقصى”.
هذه ليست المرة الأولى الذي يرد فيها ذكر مذكرة التفاهم، فقد كان مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية الايراني، خير الله خادمي قد اجتمع قبل سبعة أشهر بالكاظمي، وورد في الأخبار أن إيران عرضت أن ينفذ مشروع الربط السككي باستثمارات ايرانية. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن خادمي، قوله: إن المشروع السككي سيتم عبر استثمارات إيرانية والأهمية تكمن بتسليم الأراضي للمستثمر بغية انطلاق العمليات الانشائية. واعتبر أن خط سكك الحديد شلامجة – البصرة “مشروعاً دولياً سيؤدي إلى تغير استراتيجي لإيران من حيث الترانزيت والممر السككي، بحيث يربطها بالموانئ السورية والبحر الابيض المتوسط ويشكل ممر (شرق – غرب) للبلاد.
وأضاف خادمي “المشروع يتيح امكانية نقل البضائع من باكستان أو ميناء تشابهار الإيراني والبضائع التي تصل من الصين وآسيا الوسطى عبر القطار إلى منطقة سرخس والموانئ السورية والبحر الابيض عبر شبكة سكك الحديد العراقية”.
وأشار إلى أن وزير الطرق الايراني ناقش في اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل فترة، مذكرة تفاهم خط سكك الحديد شلامجة – البصرة وقدم تقارير بهذا الخصوص.
وبيّن خادمي أن “إيران طالبت في الاجتماع استلام أراض لمد سكك الحديد، وأن رئيس الوزراء العراقي أكد أن الموضوع يتطلب موافقة مجلس الوزراء وتعهد بتسريع وتيرة اقراره وإبلاغ طهران”.