العالم الآن

القضيّة التي لم تكن؟

اغتيال ستالين وهروب هتلر... ونشر وباء الكورونا...!

[لماذا علينا أن نهتم بهذه المسألة، أعني المؤامرة، إذا كان الغباء يقدم لنا تفسيراً أفضل لكل ما حدث؟ – يوهان وولفغانغ فون غوته]

[اعتقدت دوماً أن هناك دواء للسرطان تخفيه شركات الأدوية عنا حتى وفاه ستيف جوبز، الرجل الأكثر ثراء بين رجال العالم، فقط عندها تيقنت أن تلك الشركات لا تخفي شيئاً – قولٌ لأحد قرّاء صحيفة الديلي ميل البريطانيّة]

ماذا يربط أو يشكّل حبلاً سريّاً بين اغتيال جون فيتزجيرالد كيندي، وموت الأميرة ديانا سبنسر، وانتشار وباء الكورونا – كوفيد ـ 19، والأطباق الطائرة، ومصير أدولف هتلر، وجمعية البنائين الأحرار، والمتنورين، وموت داغ همرشولد (الأمين العام للأمم المتحدة الذي انفجرت طائرته فوق افريقيا عام 1961)، ووفاة يوسف ستالين…؟

الإجابة المباشرة، وهي غريزيّة تستجيب لمؤثرات راهنة والتي سوف تقفز إلى ذهننا تلقائياً، أنَّ في كل هذه الأحداث هناك ما هو غامض ومدعاة للشكّ …؟ لا يمكن تفسيره أو لا نستطيع قبول المُفَسَّر منه، وعليه لا نستطيع تقبل حقائقها البسيطة المعروضة علينا والتي قُدمت لنا إما بواسطة مؤرخين محترفين أو إعلام تم توثيق مصداقيته، لأنَّ هذه الأحداث – وهذا في رأينا في منتهى البساطة – لا يمكن لها أن تقع مع تلك النخبة من قاده العالم هكذا وبذلك التفسير المائع والرخو…! كما أننا لا نستطيع القبول هكذا بتلك الجمعيات ذات التقاليد الغامضة وإشارات التعارف السرية وثياب الاحتفالات الداخلية المزركشة ذات الطابع الوثني والمستوحاة من عصور موغلة في القدم، وأماكن الاجتماعات الغريبة التي تفتقد الإنارة الكثيفة مثل جمعية (البناؤون الأحرار). لا نقبل بإصرار عنيد أنها لا تملك نفوذاً ما غامض نصنع نحن له أطره بل نقرر أنها شريكة ومشاركة أيضاً في إدارة العالم وأزماته، مثل جمعيه نايتز اوف كولدن سيركل (فرسان الدائرة الذهبية ) وجمعيه سكال اند بونز (الجمجمة والعظام )، عداك عن جمعيات فرسان القديس يوحنا وفرسان مالطا والصليب الوردي والتنين، والمتنورين، أو تلك الأوبئة التي يتم صناعتها في مختبرات سريّة ويتم اطلاقها لبسط السيطرة على العالم (من سخرية القدر أن فيروس كوفيد – 19 الذي ابتدأ صينياً انتهى أميركياً في جيوب بفايزر ومودرنا).

 لم نستطع أن نقبل، ببساطة، أن جون كيندي تم اغتياله على يد فوضوي أو أناركي (غير مؤمن بالسلطة) أميركي كان يسارياً متطرفاً من أتباع ميخائيل بكونين اسمه لي هارفي اوزوالد ببندقية عادية تماماً معروضة بدون فخر في متاجر السلاح في كل مدن أميركا في الولايات التي لا تحظّر بيع السلاح، ولم نستطع قبول أن يوسف ستالين توفى بعد سهرة أمضاها في تجرع الفودكا مع شلّة من ندمائه بعض أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي وفاجأه نزيف دماغي حاد خلال ذهابه للتبول ليلاً، وبأنَّ لافرانتي بيريا زعيم الكي جي بي (المخابرات السوفيتية) لم يسممه، وأنَّ الأميرة ديانا ماتت في حادث سير عادي يقع مع ملايين البشر كل يوم بسيارة كان يقودها سائق جرعة الكحول في دمه أعلى بكثير من الحدود المسموح بها، وأنَّ أدولف هتلر انتحر ببساطة بإطلاق النار على رأسه مع زوجته ايفا براون بعد تناوله السم قبلها فقط ليكون متأكداً أكثر من موته، عندما أصبح الروس على بعد أمتار قليلة من المعقل – المخبأ الذي كان يحتمي فيه وأنَّه لم يهرب إلى أميركا الجنوبية ولم يلجأ إلى قاعدة سريّة في القطب الجنوبي، ولا إلى جبال الروكي في كندا. بل إنَّ هناك نظرية عمل عليها الاف بي اي تقول أنَّه لجأ إلى أميركا نفسها، إلاَّ أنه وبعد عملية بحث استمرت لسنوات ضحكوا من أنفسهم وقالوا إنهم لم يجدوا حتى المبررات التي تدعم مثل هذه النظرية سوى أقاويل من هواة نظرية المؤامرةإإ

أما الجمعيات السرية فلها موقع ثابت في أعلى هرم استدعاء هذه النظرية، والذهاب إلى روح القرن الأخير من القرون الوسطى لاستحضار إحدى جمعياتها:

 جمعية (البناؤون الأحرار) وهي جمعية عادية وجدت في حقبة لم تكن فيها الأحزاب السياسية شيئاً معروفاً آنذاك، وأنَّها أي هذه الجمعية لعبت دورَ ما يلعبه الحزب السياسي اليوم، بل شكلت معجزة في أيامها عندما صنعت رابطة فوق دينية في بلدان كان يتصارع كاثوليكييها وبروتستنتييها باستمرار، وبأن عدد أعضائها في تناقص مستمر لأنها كجمعية أصبحت تفتقد  لجاذبية الانضمام إليها، وهي نفسها من تم اختراع سطوتها عبر تقديم نفسها بأنَّها القوة المهندسة التي تجلس وراء صناعة الملوك والرؤساء، وهي قضية لم يعد من يشتريها اليوم، ربما فقط إلاّ  المأخوذين والمستلبين بنظرية المؤامرة والمستسلمين لقدريتها. (الحقيقة أن شهرتها مبنية على أن ثلاثة أو أربعة من الآباء المؤسسيين للولايات المتحدة الأميركية كانوا ينتمون إليها وأن بنجامين فرانكلين نفسه هو واضع الدستور الداخلي لهذه الجمعية بعد أن كانت تقاليدها يعمل به شفاهياً)

هل سمعتم بشفرة أوكام أو نصل أوكام…؟

حسناً، هو مبدأ يقول أنّه لتفسير أو حل أية مشكلة لا ينبغي الإكثار من شيء إذا لم تقتضي الضرورة ذلك.

أو بتعبير آخر، إنَّ أبسط الحلول يكون غالباً هو الحل الصحيح.

أو إنَّ أبسط التفسيرات تكون غالباً التفسير الصحيح لحدث ما.

لكن، هذا يضعنا أمام تحدٍ أخر لشفرة أوكام يتمثل في أنَّ نظرية المؤامرة أصبحت إيماناً ويقيناً ثابتاً أكثر من شيء يمكن البرهان عليه او عدم البرهان عليه.

في نظرية المؤامرة شفرة أوكام هي الضحية الوحيدة والثابتة، لأنَّها – نظرية المؤامرة – تستدعي دوماً فرضية مزمنة لا تتغير بالنسبة للمؤمنين بها، وهي أنَّ هذا الكون محكوم سلفاً بقوى مرتبطة فيما بينها تملك سلطات استثنائية القوة، ثرية لحدود خرافية، تسيطر على إدارة ثروات العالم خفية، ولا نستطيع رؤيتها أو التعرّف عليها، وبأن قانون الصدفة ليس قانوناً دارجاً أو معمولاً به بالنسبة إلى هذه القوى الخفية التي تراقب العالم وتدير حياته على لوحة شطرنجية واسعة بنقلات دائمة ليس فيها قتل للملك، لأنَّ اللعبة يجب أن تستمر، لذا يجب على ستالين أن يموت بالسم، وعلى كنيدي أن يقتل على يد السي آي اي أو الكي جي بي أو المافيا، وأدولف هتلر أن يهرب إلى أميركا الجنوبية أو القطب الجنوبي. وأنَّ الهبوط على القمر حدث في أستوديوهات هوليوود وأشرف على إدارة لقطاته بعض من أفضل مخرجي وارنر بروس أو يونيفرسال أو كولومبيا (بالمناسبة تحولت فرضيات نظريات المؤامرة إلى تجارة مربحة حول العالم عموماً وفي اميركا خصوصاً. يمكن ببساطة تتبع تلك السلسلة غير المنتهية من الأفلام أو المسلسلات التي تدور حول اغتيال كنيدي، أو هروب أدولف هتلر، أو اغتيال ستالين، أو الهبوط على القمر، إلى عشرات الألاف من الكتب وملايين المقالات حول بعض تلك المسائل).

 في كل الأحوال، إنَّ استدعاء نظرية المؤامرة يستدعي دائماً أنماط ثابتة للمتآمرين سادة لعبة النظرية، إما أن يكونوا داخليين أو خارجيين وفي كلا الحالتين ينتمون إلى مؤسسات سرية عليا تدير اللعبة ولا تتدخل بشكل ظاهر يمكن بها التعرف على أبطالها، لكن أنماط الترابط بين الداخل والخارج هي أيضاً نمطية وثابتة دوماً للمؤمنين بها وهي تدور في اتساق دائم للتعاون بين هذين الطرفين لإدارة لعبة التآمر الدائم.

وفي هذا الاتساق، أصبح العالم بأسره أحياناً، ضحية ثابتة لهذا اليقين أو الإيمان القطيعي بتلك النظرية والقبول بها، وربما هنا نستطيع أن نقبل بنظرية مؤامرة وحيدة هي المسألة المرتبطة ببيع هذه النظرية والأرباح التي تدخل في جيوب كبار ملاّك الصحف وإدارة المطبوعات وناشري الكتب وكتّاب الأغاني وأصحاب شركات الانتاج السينمائية وأرباب المؤسسات التلفزيونية والإذاعية من بيع نتاج نظرية المؤامرة إلى هؤلاء الذين يقبلون بها، أو حتى الذين لا يقبلون بها لأنها أصبحت مادة مسلية بالنسبة لهم إلى حد ما، لكنها من جانب آخر هي تحدي حقيقي لقدرتهم على التحليل والجزم وربط القضايا، والقبول أحياناً بدهاء العقل في التاريخ، وبأن حياتنا محكومة بقانون الصدفة أيضاً.

حيدر كاتبة

كاتب سوري

‫4 تعليقات

  1. قرأت مقالك باكرًا هذا الصباح على غير عادتي. فأنا لا استيقض عادة السادسة صباحا. ولكني سعيد جدًا.
    مقال رائع وخفت ان تصل الى “المحرمات”. اي الى الموءامرات التي حيكت وتحاك ضدنا وضد العالم العربي والإسلامي.
    فهذه كلها “صحيحة”

  2. لا لم اجرأ على الاقتراب منها ،لأنه لايمكن تقفي حدودها ،شكرا لملاحظتك وتنويهك صديقي الغالي انعام

  3. لكن لا يخلوا الأمر من وجود نظرية المؤامرة
    المخابرات الامريكية انفقت ملايين الدولارات لمحاربة الشيوعية إبان الحرب الباردة .
    هيلاري كلينتون اعترفت بأنهم من صنع القاعدة ..
    رئيس الموساد اعترف بالتسعينات انهم صنعوا حماس لضرب فتح لكن افلت الامر من يدهم
    السادات ساهم بتفشي التيارات الاسلامية بين الوسط الشبابي في الجامعات لضرب القوى اليسارية .
    على مملوك – وفق وثائق ويكيليكس- بيّن للمخابرات الامريكية أنهم زرعوا خلايا نائمة بين الجهاديين في العراق للسيطرة عليهم
    وطويلة الشواهد ..
    مقال جميل وربط احترافي في الاحداث شكرا ابو عادل

    1. هذا ما اردت تعريفه في الأساس ،الفارق بين الموءامره ونظريه الموءامره ،الموءامره هي ماده من مواد الحرب والاستخبارات والصراعات وهي موجوده ،نظريه الموءامره مسأله مختلفه كليا ،هي تفسير حدث ما خارج مايقدمه هذا الحدث من ممكنات بسيطه تفسره في الأساس ،سأستعرض قضيتين الآن تفسر ما أقصده ،حادثه خليج تومكين في الرابع من اب عام 1964 عندما اتهمت الولايات المتحده فييتنام الشماليه انداك بالاعتداء على فرقاطتها الحربيه يو اس اس مادوكس في المياه الدوليه وكانت مبررا رسميا انذاك للولايات المتحده للتدخل في الحرب ضد فييتنام الشماليه ،بعدها باربعين عاما افرجت السي اي ايه ووزاره الخارجيه الاميركيه عن الوثائق المتعلقه بهذه القضيه ،ثبت انه لم يكن هناك اي اعتداء من قبل الفييتناميين على هذه الفرقاطه الحربيه ،وبأن ماحدث كان موءامره مادتها الأساسيه الشعب الأميركي في الاساس والراي العام الدولي لاقناعهم بمبررات التدخل ،هذه تسمى موءامره
      الآن لنأخذ قضيه التغيير المناخي ،ولنأخذ رئيس دوله عظمى لا يوءمن به بل يعتقد انها مجرد فيركات لدفع الصناعه الأميركيه نحو الحضيض رغم كل المعطيات التي وضعها علمائه على طاولته ،هذا الرئيس هو الرئيس السابق دونالد ترامب وايمانه هذا بوجود مخطط لتحطيم اقتصاده هو مانسميه نظريه الموءامره ،اي نفي المعطيات لقاء تفسيرات لاتدعمها الحقائق على الأرض

      شكرا لمساهمتك صديقي عمار ،هي مساهمه ثريه ساهمت في اغناء الموضوع ودفعت الحوار حوله قدما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق