العالم الآن

عالمٌ مُغلق ومفتاح ضائع!

أظن أن كل كاتب يملك مفتاحاً خاصاً به ليفتح البوابة الفاصلة بين خياله والواقع. الأديب الفرنسي بلزاك مثلاً، فسّر الواقع بالمال الذي من خلاله تشكلت رؤيته إلى المجتمع وعلاقاته والسياسة والحب والأدب…

 فيما اعتمد الأديب الروسي دويستوفسكي على مفاتيح النفس الداخلية، ومفتاح الجريمة الدامي الذي اكتسح بواسطته أبواباً موصدة بشدة… والأديب البولندي – الإنكليزي جوزيف كونراد امتطى البحر وجاب عبره هذا العالم.

الأديب الإيطالي البيرتو مورافيا رأى في الجنس مفتاحاً عجيباً لعوالم لا علاقة له بها!

إن كان الكتّاب والأدباء يملكون هذه المفاتيح وغيرها، فماذا نملك نحن القرّاء وعامة الناس من مفاتيح لكشف مغاليق نصوص هذا العالم الموبوء…؟

موبوءٌ بالأنظمة المصروعة على التوحش والتهافت والتكالب،

شركات وحكومات عملاقة تحكم العالم وتتاجر بالناس. ينحل محلولها الأخلاقي فيروسات غير مرئية قاتلة…!

الإطار العام صار هو نفسه شديد الغموض، فيما يسجن الانسان / الفرد في شروط حياته الصعبة والتي تزداد صعوبة على مدار الوقت.

إنه زمن العولمة، والعمل العصري السريع الطحن لكل ما هو إنساني، في سبيل المال والسلطة بلا هوادة… وبلا رؤية لخط النهاية!!

أصبحنا أشياء تطفوا على مياه نهر الحاجة المتدفق، يجرفنا في حركة دورانية بلا نهاية… لدرجة الشعور بالغثيان والتقيؤ.

تقيؤ مقومات الحياة التي سكبتها الأنظمة والديكتاتوريات في أعماقنا الغضة، كاشفة عن مخلوقات عاجزة أمام أعمالها وواجباتها وومسؤولياتها…!!

فالإنسان لا يختار ولا هو سيد عمله، إنما عرضة له، مسلوباً أمامه، وفي غربة عنه، كما كان البدائيون عرضة لقوى الطبيعة في فترة ما قبل التاريخ.

إنه زمن التوحش الحديث، ينتكس بالإنسان وبكل أسلحته المتطورة وهواتفه الذكية وحواسيبه السريعة الأجيال… ينتكس به إلى عالم قديم، كما هبطت الذات الفردية الحرة في الحيوان الأسطوري.

مع التحفظ – أن سياق العمل العصري على خلاف العصور القديمة التي كانت شغوفة بحب الاكتشاف والمغامرة – يمثل رتابة غبر مميزة، تفتقر إلى الحكمة والفروقات النوعية، إنما ينحل ويتماهى كل شيء فيها على وتيرة واحدة، ويبقى الإنسان مكرسّاً كـ(رقم)، يتنازل أو يتصاعد على جدول النظام المحكم الإغلاق، أو فأر تجارب لاستحقاقات مدرجة في برامج جديدة..

إنَّ ساعة الحائط أو اللوغو أو الشعار المعلق في ديكور مكتب ما، أثمن وأغلى من أي لقاء إنساني يحدث تحت إشراف هؤلاء السادة / الطغاة، ملاّك (اللعبة) ومن فيها.

وأكثر أهمية من أي حوار حول الحق والظلم والعدل والحرية، هذا إذا سُمح لهذا الجدال أن يحصل أصلاً…؟

إن الاضطرار للعمل المتواصل دون انقطاع وتحت لواء هذه الثقافة المنحطة، يقضي على كل ما هو إنساني، ويختم بالشمع الأحمر منظومة القيم والأخلاق، ولا يتمكن أي مفتاح من محاكاة بابها الموصد.

هذا كله، ينعكس ويتجلى بسلوك الأفراد وتصرفاتهم- بشكل صوري- فقد تشابهت ردود أفعالهم والفروقات ليست سوى ذات طبيعة صورية وكمية أيضاً، والفرد  الذي يتجرأ على التصرف بشكل مغاير، يبعد ويلقى خارجاً، كما يلقي المرء المنزعج – قطاً – خارج الباب أو يسحق عنكبوتاً على الحائط، دون تفكير، فقط لأن هذا الفرد المختلف المتمرد، أبدى امتعاضاً من هذا النظام العصري، وخدش رتابة مخيلته المظلمة…!!

من السخرية المفجعة أن الطيبة والبراءة التي سكنت الطبيعة الانسانيّة، تحول الآن دون قبوله في هذا الواقع الفظ، وأن كفاحه من أجل الحق والعدالة يجعله غير صالح لهذا العالم، ولا يشفع له عمله الدؤوب واجتهاده الصادق، فكل التصرفات الحميدة تصبح غير معقولة وتصب في بحر أخرق يشاطىء هذا النظام الذي يصد ويرد كل خلجة إنسانية.

إنه تناقض لا يزول بين الوجود الشخصي والوجود الرسمي، في حياة مصلوبة على روتين ولوائح معلبة صارمة.

إنَّ ما يحصل الآن وما سيحدث لاحقاً من كوارث، قد يؤدي إلى انقراض البشرية، وهذا ليس إلاَّ نتيجة أكثر من طبيعية، نظراً لاستيقاظ الوحش في الإنسان.

فهل ينجح كورونا …؟ في دغدغة الحبال الصوتية لبوق اسرافيل؟؟

أم أنَّ طمع وجشع هذه الأنظمة المتوحشة والتي تغرز أنيابها في حناجر الناس ستتمكن من استثماره كما فعلت وتفعل دائماً…؟

الباب مغلق، هل من يجد المفتاح؟

هزّاع الشمالي

كاتب وشاعر سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق