أدرك سعاده منذ مطلع العشرينات الخطط الفرنسية الرامية إلى تمزيقنا، ومن يراجع مقالاته في جريدة “الجريدة” الصادرة في سان باولو البرازيل ومجلة “المجلة” الصادرة في البرازيل أيضاً، يرى بوضوح تركيز سعاده على كشف المؤامرات الفرنسية، وسوف نقتطف هذه الفقرة للدلالة على هجوم سعاده المستمر على السياسة الاستعمارية الفرنسية في سورية من مقال بعنوان: “الامبراطورية الفرنسية الشرقية” كتبه وهو بعد في السابعة عشرة من عمره يقول: “لقد ظن غورو أنه بانتهاء معركة ميسلون انتهت القضية السورية وأصبحت سورية تحت سيطرة فرنسة والحقيقة هي أنه ما كادت معركة ميسلون تنتهي حتى ابتدأت المسألة السورية في دخول طور خطير… في سورية ستتقوض الأساسات التي شاد عليها الفرنسيس صروح الامبراطورية الشرقية ومتى سقطت عليهم تلك الصروح أحدثت دوياً عظيماً تردد صداه جميع اقطار الشرق. أجل: إن العصر الذهبي الذي يعلل الفرنسيس أنفسهم بقرب مجيئه سيتحول الى عصر دم” (1). واستمرت مواقف سعاده البطولية من قضية تمزيقنا بعد وصوله إلى الوطن في صيف 1930، وسوف يلاحظ القارئ من مواقف سعاده أنه كان يتتبع قضية سلخ لواء الاسكندرون خطوة خطوة.
ففي أول خطاب ألقاه بعد عودته من المهجر في حفلة افتتاح نادي الطلبة الفلسطيني في الجامعة الأميركية، حذّر سعاده من الخطر اليهودي والتركي، فقال “إن الخطر التركي أيضاً يقوى ويستفحل. فإن المطامع التركية تتجه إلى سورية أولاً لأن سورية مجزأة ومفككة الاوصال ويسهل التلاعب بمآرب فئاتها اللا قومية العاجزة….. فإني أخشى أن تكون سوريانا آخذة في الانزلاق من أيدينا المتفرقة. ففي الجنوب تتراجع الحدود السورية أمام الحدود اليهودية وفي الشمال تتقلص الحدود السورية أمام الحدود التركية”(2)
إثر ورود خبر الاتفاق الأوليّ بين فرنسة وتركية على منطقة الاسكندرونة في اواخر 1936 الذي اعتبر أول خطوة نحو إلغاء السيادة السورية على اللواء، كتب سعاده في جريدة الشرق: “إن تأمين السلام على الحدود السورية التركية لا يمكن أن يتم بالإجحاف بحقوق سورية وافقادها سيطرتها على بقعة هامة من الوطن السوري تضاف إلى البقاع التي فقدتها بموجب اتفاقات سابقة. إن الاحتفاظ بحق الدفاع عن لواء الاسكندرون للقوات التركية والفرنسية يعتبر تمهيداً عملياً لتهديد استقلال سورية وخسارة كبيرة لمصالح الامة السورية” (3) وتابع في المقال نفسه استشرافه الرائد للمسألة الاسكندرونية معتبراً أن خسارة اللواء خسارة قومية “إن في فقد السيطرة على لواء الاسكندرون خسارة لا تنحصر في دولة الشام بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الاردن والعراق لأنها فقد بقعة خصبة وموقع هام للتجارة والأعمال الحربية وتهديداً لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سورية الجغرافية كلها لأن اجتياز الحدود من الشمال الغربي يعني أن البلاد كلها أصبحت في خطر”(4)
وحذر حكومة “الكتلة الوطنية” في دمشق من مواقفها المتخاذلة قائلا “وإذا كان على رأس الحكومة السورية رجال مسؤولون يحبون السلام أكثر من الاحتفاظ بالحياة ويقفون تجاه الأخطار المحدقة والمناورات الموجهة ضد سلامة الوطن ومصالح الامة مكتوفي الايدي لا يبدون ولا يعيدون فليس موقفهم معبراً عن رغبات الأمة وإرادتها. إن الأمة لا تريد أن تختنق بين الضغط التركي والضغط الصهيوني. إنها قد سئمت العقم الفكري والشلل السياسي اللذين يغمران موقف السياسيين الكلاسيكيين القابضين على زمام الامور ولا يعرفون من طبائع الأمور السياسية سوى ما يدعون ويجادلون، وما يختلقون من أعذار لشلل المصابين به. إنهم يطنون الامة مشلولة وليس الشلل إلاّ في نفوسهم(5)
ويتابع سعاده في المقال نفسه هجومه على السياسيين التقليديين معتبراً كما أسلفنا أن خسارة الاسكندرون خسارة قومية. كان ذلك في بدء ظهور المؤامرة التركية – الفرنسية. واستمر الحزب بملاحقة المسألة فأرسل سعاده مذكرة إلى الجمعية الأممية والأمم الصديقة والمتمدنة وذلك بتاريخ 14 كانون الاول 1936 يقول فيها “إن الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد كل عمل يقصد منه بتر لواء الاسكندرونة عن جسم سورية أو وضع حدود لسيادة الأمة السورية على هذا اللواء خرقاً لحرمة سيادة الأمة السورية وللمادة الثانية والعشرين من عهد الجمعية الأممية ولكمال الارض الوطنية السورية…
إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يطلب من الجمعية الاممية وخصوصاً الأمم المتمدنة والصديقة أن تؤيد الاثباتات السورية وأن لا تعطي حلاً شاذاً لمسألة الاسكندرونة يشجع على إيجاد حال محرجة في الشرق الأدنى تتحول عاجلاً أو آجلاً إلى مصدر نزاع” (6). وأجابت لجنة الانتدابات في خريف 1937 على مذكرة الحزب قائلة “إن هذه المذكرة تعتبر شكوى على الدولة المنتدبة وإن اللجنة لا يمكنها أن تنظر في الشكوى”(7)
واتبع الزعيم المذكرة هذه بخطاب ألقاه في حشد الحزب السوري القومي الاجتماعي في صافيتا، مشدداً على ضرورة الاحتفاظ بكل شبر من أرضنا المقدسة “إن أول مصلحة من مصالحنا هي صيانة كل شبر من هذه الأرض المقدسة التي عليها نحيا ومنها نستمد موارد الحياة. إني أعلن أن الاسكندرونة أرض سورية ضرورية لحياتنا وتقدم مصالحنا وإننا مستعدون للاحتفاظ بها مهما كلف الأمر، وإني أعلن أن كل قضية من قضايا الشرق تكون لنا مصلحة فيها وتسوى بإهمال مصالحنا وإرادتنا تكون تسويتها فاسدة”(8)
والجدير بالذكر أن سعاده كان قد هاجم موقف الكتلة الوطنية وتواطؤها في سنة 1936 في البلاغ الذي أصدره إلى الرأي العام، الذي عرف “بالبلاغ الازرق” والذي صادرته الحكومة الفرنسية المنتدبة وعاونتها في ذلك حكومة “الكتلة الوطنية” في دمشق، وللتعريف بجماعة “الكتلة الوطنية” هذه سوف نعطي هذا التحديد لهم الذي أعلنه الزعيم “الكتلة الوطنية شركة سياسية محدودة عمل فيها أشخاص رموا إلى المجد الشخصي وبعضها عمل فيها أفراد نفعيون مستغلون. وأكثر العاملين على الاطلاق هم من بقايا الطبقة الاقطاعية القديمة المقتدرة على أساليب السياسة المحلية الضيقة العاجزة كل العجز في السياسة القومية والسياسة الكبرى”(9)
واستمرت مواقف الحزب المشرفة خاصة بعد اشتداد المناورات التركية – الفرنسية وابتدأت تصل إشاعات عن حشد قوات تركية على الحدود فقدم الزعيم في 8 كانون الثاني سنة 1937 مذكرة إلى المفوضية الفرنسية واضعاً المتطوعين القوميين الاجتماعيين للدفاع عن اللواء”… لنا الشرف أن نضع تحت تصرف جيش الدفاع العدد اللازم من المتطوعين من اعضاء حزبنا للمساعدة على الاحتفاظ بالسنجق السوري… وعلى أمل ان تفهم فرنسة الموقف الذي تمليه علينا كرامتنا القومية. تفضلوا يا فخامة المفوض بقبول فائق احترامنا”(10)
عند وصول لجنة سندلر إلى الاسكندرونة التي رفعت تقريرها بفصل اللواء عن الشام وبجعل اللغة التركية اللغة الرسمية الأولى، أدرك سعاده أنَّ العمل بمضمون التقرير يعني فقد السيادة السورية على الاسكندرون، فوضع مذكرته الثالثة المشهورة ووجهها إلى الحكومة الشامية يعنفها على موقفها من المناورات لتركية – الفرنسية قائلا: “.. والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلن أسفه للموقف الذي وقفته الحكومة السورية من المناورة التركية التي انتهت بتكتيل جهودها بالاتفاق الفرنسي التركي على نزع السيادة السورية بالفصل والاحتفاظ بستار اسمي يبقي لواء اسكندرونة ضمن الحدود السورية……
والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلن للحكومة السورية استعداده لتأييدها في اي موقف جريء لحفظ حقوق الامة وسلامة الوطن ويطلب منها أن تقف في جانب قضية الامة وتحملها مسؤولية خسارة قوية تقع بالوطن وسلامة حدوده (11)
وهكذا دعا سعاده لإنشاء “جبهة وطنية” للوقوف في وجه المؤامرات التركية الفرنسية ومحذراً الحكومة الشامية من مواقفها، واجتمع سعاده برئيس الوزارة الشامية جميل مردم بك في صوفر واتفق على عقد اجتماع آخر يخصص لدرس موضوع الاسكندرونة. زار الزعيم منفذية دمشق لتفقد أحوالها وبهذه المناسبة تمكن من الاجتماع برئيس الوزارة مرة ثانية، واجتهد بإقناعه للوقوف موقفاً حازماً، ويصف سعاده هذا اللقاء في معرض تشريحه للمواقف الرجعية المتخاذلة “للكتلة الوطنية” قائلا: “المعجزة الوحيدة التي أمكن أولئك الرجال اتيانها قبل الحرب وفي ظروف سياسية موافقة جداً لاغتنام الفرص وتعزيز موقف الامة السورية في الخارج هي الموافقة المستورة على تسليم فرنسة منطقة الاسكندرون لتركية غير عابئين بغليان الامة ولا ملتفتين إلى رجاء زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي لهم (مذكرته إلى الحكومة الشامية) أن يغيروا موقفهم، ولو بصورة مستورة أيضاً، ليتمكن الحزب من تنظيم الامة للدفاع عن حقها في بقعة من أغنى بقاع وطنها وأصلحها للتقدم الزراعي والتجاري.
لا تزال عبارة جميل مردم الذي كان آنئذ رئيس الوزارة، للزعيم ترن في اذن التاريخ وستظل ترن إلى أن يعود الحق إلى نصابه ويأخذ الحق مجراه.
إنها لعبارة مضحكة مبكية: “إن الخسارة في سلخ الاسكندرون وضمها إلى تركية واقعة على تركية وليس على سورية لان في الاسكندرون عناصر غير تركية تتبعها.
هذا كان نغم الكتلويين وصحافتهم الذي أرادوا به تخدير الشعب وصرف فكره من خطورة الجريمة المدبرة باشتراكهم ومواقفهم ضد الوطن وحقوق الامة
وهم الذين اجتمعوا في أربعين “هنانو” وحلفوا “اما ولله لم تمنعنا فرنسة سوى عقال لحاربناها عليه” فكان موقفهم موقفا دونكيخوتيا…
ولكن سرعان ما زالت رغوتهم عن الصريح وانكشف تصنعهم فلما ظهرت مسألة مطالبة تركية بالاسكندرون واستجابة فرنسة إلى ذلك لم يجدوا الاسكندرون تستحق أن يحاربوا فرنسة عليها! إنها كانت في اعينهم اقل من عقال بدوي….”(12)
وهكذا قطع سعاده الأمل من هذه الشركة السياسية الخائنة لمصلحة الامة واستمرت جريدة “النهضة” في بيروت في حملاتها المتواصلة اليومية على الحكومة الشامية كاشفة مسؤوليتها عن تقوية الدعاوة التركية في اللواء وتنفير العناصر “غير العربية” كالأكراد والأرمن، والشركس بسبب سياستها العنصرية العقيمة.
وقبل ابراز موقف الحزب النهائي من الطبقة الرجعية في لبنان بسبب مواقف التأييد للسياسة الفرنسية سوف نعرض آراء ونظريات الاقطاعيين من جماعة الكتلة الوطنية في مسألة الاسكندرون.
نظريات الرجعيين
يقول زكي الأرسوزي العصبوي في جريدة الشباب الحلبية الصادرة في 14 تموز 1938 “ولما ظهرت القضية السورية بعد انتهاء الاضرابات العامة سنة 1936 اشترطت الحكومة الفرنسية على الوفد المفاوض (إشارة إلى الوفد السوري المفاوض) الإجابة على جميع مطالب الاتراك، وذلك قبل أن تتضح نوايا الأتراك الحقيقية”.(13)
ويقول جميل مردم “أود أن أؤكد أن سورية ستبقى إلى جانب فرنسة في كل خلاف يحدث بين الدول لأن في خدمة فرنسة خدمة للقضية الإنسانية كلها” (14) أجل إن خدمة فرنسة بالنسبة لعملاء فرنسة خدمة للقضية الانسانية كلها، هذا هو منطق الخونة، الذي يستمر اليوم بأشكال مختلفة من قبل أحفاد “الكتلة الوطنية” الموزعين في كياناتها ويجيء دور رئيس الوفد السوري مظهراً عواطفه تجاه تركية “إننا ذاهبون لتوطيد العلاقات مع تركية لا لنعلن الحرب والقتال”.(15)
ويقول لطفي الحفار أحد أركان الكتلة الوطنية “إن صديقي وزميلي في النضال، جميل مردم بك، صرح بأن خدمة فرنسة هي خدمة الانسانية فأنا لا أستطيع الامتناع عن التصريح بدوري بأنه لا يجب علينا أن نخدم فرنسة فحسب، بل ينبغي أن نمجدها ونكرمها أيضاً”.(16)
ليس العجب أن يمجد لطفي الحفار ويكرم فرنسة، إنما العجب أن يستمر منطق التمجيد والتعظيم للذئاب الاستعمارية التي مزقتنا وتهدد وجودنا في الوقت الحاضر من قبل أمثال لطفي الحفار المنصبين حكاماً ومشايخ علينا.
ويعرف عن جميل مردم بك صداقته لتركية حيث يؤكد بعد اجتماعه بالأتراك والفرنسيين في 28 حزيران 1937 “ليس اتاتورك للترك فحسب، بل هو ابو الشرق ايضا”.(17)
وتتوالى التصريحات الرجعية فإذا “بالمناضل” الدكتور الشهبندر يقول: “إنه يهم سورية كثيراً، وهي تركب مركب الحلفاء، أن تكون تركية قد ركبت المركب نفسه. إن أعداء تركية الجديدة يشيعون إشاعات مختلفة عن أطماع الأتراك في بلاد العرب. فالسوريون الذين عاشوا بالاتفاق مع الاتراك (!! والمشانق والاسكندرون!) منذ القرن السادس عشر يعلقون أهمية كبيرة على أن تصبح أهدافهم متفقة والأهداف التركية”.(18)
ولا بد من الإشارة هنا أن الأمير عبد الله أمير شرق الأردن أبدى سروره وتأييده للأتراك في مواقفهم مع الإشارة أيضاً إلى سرور وتأييد “المناضل” الآخر نوري السعيد في العراق.
وانبرى “مدعي الجهاد” من أراخنة السياسة التقليديين بالتبخير والتعظيم لفرنسة خاصة رجال الدين الذين دغدغت عواطفهم المفوضية الفرنسية في لبنان، وتشكلت “الجوقة ” الرجعية من مجموعة الاقطاعات الاحتكارية العشائرية الطائفية التي تآمرت على الحزب السوري القومي الاجتماعي متهمة إياه بالنازية والفاشية بسبب مواقفه الثورية ضد الاستعمار الفرنسي. يقول سعاده “نحن حاربنا ونحارب الاستعباد الداخلي الذي يتخذ من الاقطاعية والرأسمالية والتكالب على المصالح والمنافع واسطة وشكلاً، الاستعباد الداخلي الذي كان حليفاً للاستعباد الخارجي والذي لولاه لما فقدنا كيليكيا والاسكندرون وفلسطين.(19)
وهكذا تستمر المؤامرات على القوى الثورية الرافضة الوجود الاستعماري الصهيوني والوجود الامبريالي بمختلف أشكاله على أرضنا، هذه المؤامرات التي تنفذها عصابات الرجعيين لحماية مناصبهم واحتكاراتهم وإرضاء أسيادهم الإمبرياليين هؤلاء الرجعيين “يحصل تعاون وتزاوج ثنائي بينهم وبين سلطة الاستعمال فيتحولون إلى طبقة حاكمة خائنة عميلة”.(20)
الإرهاب الفرنسي: إيقاف جريدة النهضة
لقد بقي الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب الوحيد في سورية كلها واقفاً معلناً إرادة شعبنا، لذلك اضطر الحزب أن يتلقى حملات الاضطهاد من قبل الفرنسيين ورجال الكتلة الوطنية الحاكمين ” سعيداً” في دمشق. ونود هنا أن نعرض قليلاً من مواقف الحزب في جريدة “النهضة” الصادرة في بيروت التي عطلت من قبل السلطات المنتدبة لموقفها الصريح من مؤامرة فرنسة والكتلة الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن جريدة “النهضة” منعت قبل صدور قرار تعطليها من دخول الأراضي الشامية.
يوضح سعاده في مقال “الجزيرة بعد الاسكندرون” كيف طلب رجال الحكم في الشام من الحزب السوري القومي الاجتماعي أن يعمل في الاسكندرون والجزيرة، بشرط أن لا يعمل في حلب ودمشق تنفيذاً لسياستهم العنصرية على أساس أن الجزيرة والاسكندرون مناطق بعيدة. والمهم أن تكون سيطرتهم على المدن الشامية حيث مناطق نفوذهم المذهبية. وهذا ما يريده اليوم من الحزب تشكيلات الطائفيين في لبنان الذين يعتبرون بعض المناطق “مناطق نفوذ”. يقول سعاده : “استندت سياسة الكتلة في معالجة مشكلة لواء الاسكندرون على النعرة العنصرية. فهي تعطي الأساس الحقوقي من وجهة العنصر العربي مهملة العناصر الأخرى التي لها شأن في تقرير مصير اللواء. فأدت هذه السياسة العنصرية إلى النتيجة الوحيدة لكل سياسة عنصرية وهي تنافس العناصر الداخلة في سورية وتصادمها.(21)
إن نتيجة السياسة العنصرية قد ظهرت كما أسلفنا في نتيجة الانتخابات التي قامت في الاسكندرون حيث شكلت الفئة التركية أكثرية بين الأقليات.
ويفضح سعاده موقف الكتلة الوطنية إثر اتفاقها مع الأتراك سراً ” وبينما كان الزعيم يكتب الكتائب القومية الاجتماعية ويطلب السلاح للزحف الى الحدود الشمالية لمقاومة كل محاولة تركية للاستيلاء على الاسكندرون كان الكتلويون يتفقون سراً مع الفرنسيين على تسليم تلك المنطقة العزيزة للأتراك وأرسلوا السيد عادل أرسلان “المير” إلى أنقرة لينوب عنهم في ذلك الدور المخزي”.(22)
وفي مقال آخر، يحذّر من الخطر التركي على المتوسط يقول ” إن الخطر التركي قد أصبح مداهماً، وفي حالة حرب لا يستغرق زحف الجيش التركي أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام حتى يصبح عند مداخل لبنان.(23)
لذلك دعا إلى قومية المعركة قائلا: إننا لا نوافق على النظرية الخرقاء القائلة بأن تهديد سلامة الشام لا يتضمن تهديد سلامة لبنان. إن المصير القومي واحد للبنان والشام وفلسطين وشرق الاردن والعراق ولا شيء يؤمن خير المصير سوى استعدادها (الأمة) لإدراك خطورة الموقف وتوحيد الجهود في نهضة غرضها حماية المصلحة القومية العامة”.(24))
وأعلن سعاده أيضاً، باسم القوميين الاجتماعيين خيانة فرنسة لعهدة الجمعية الأممية وتعدياً على حقوق الامة “باسمكم أعلن أن الاتفاقية التي سلمت فرنسة بموجبها لواء الاسكندرون إلى تركية هي اتفاقية باطلة تكون خيانة لعهدة الجمعية الاممية وتعدياً على أرض الوطن وحقوق الأمة السورية الصريحة، وأن مشروع استعمار مطلق الشؤون السياسية والاقتصادية والحربية”.(25)
بسبب الحملة القوية التي قامت بها جريدة “النهضة” على السلطات الفرنسية والشامية أقفلت الجريدة كما ذكرنا بأمر من المندوب السامي الفرنسي بعد أن كتب سعاده فيها سلسلة طويلة من المقالات بعنوان ” حقوق الامة بين الكتلة الوطنية” مفنداً مواقف الكتلة الوطنية المتواطئة مع الاستعمار الفرنسي.
وقد أدى ظهور الحزب القومي والتفاف الشعب حوله إلى خوف السلطات الفرنسية والرجعيين، ذلك لأن الحزب قد حل أهم المسائل التي واجهت وتواجه سورية وهي المسألة الانتلوجية. فقد صهرت جميع المسائل الانتلوجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي ويشير سعاده إلى ذلك بقوله إنه سلط على جميع العناصر عامل روحي – اقتصادي – ثقافي صهرها وحولها إلى عناصر متلاحمة متجانسة في صلب الأمة السورية، لذلك قامت بين فرنسة والحزب السوري القومي الاجتماعي حرب هي حرب مصالح، مصلحة الأمة ومصلحة المستعمر. فأوعزت فرنسة إلى رجال الكتلة بدمشق للتحرك وبدأت الاعتقالات في صفوف القوميين الاجتماعيين. وبدأ التحرك الرجعي الطائفي في لبنان بواسطة التشكيلات الطائفية التي شجعتها فرنسة ” وكان من وراء ذلك أن تمكنت القوات الفرنسية من القبض على عدد من أركان إدارة الحزب السوري القومي الاجتماعي وعدد آخر من رجاله الفرعيين ومحاكمتهم في مجلس حربي والحكم عليهم أحكاماً قاسية ظالمة، لأنهم لم يذعنوا ويسلموا كما أذعن غيرهم وسلم سلاحه”.(26)
خاتمة
إن مسألة الاسكندرون تشكل ذروة التآمر الرجعي الاستعماري بعد الحرب العالمية الاولى في بلادنا، كما شكلت فلسطين أيضاً ذروة التآمر الرجعي الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. إن الأدوار في كلتا المسألتين تتشابه والحاجة إلى دراسة مقارنة ضرورية لفضح العقلية التي تقود شعبنا إلى الكوارث ولتكون لنا حافزاً لتدميرها.
“إننا لا نريد أن نبكي على الماضي”، ولكننا نريد أن نأخذ من مسألة الاسكندرون درساً وحكماً نهائياً قاطعاً على الطبقة الرجعية الخائنة حقوق الامة التي باعت شعبنا في الاسكندرون وفي فلسطين وتضعنا جميعاً برسم البيع في سوق النخاسة الإمبريالية.
إن سعاده باستشرافه الثوري ورؤيته الواضحة قد حدد معالم الطريق. طريق طويل وشاق يبني الانسان الثوري القادر على الوقوف في وجه المد الاستيطاني الذي يهدد وجودنا كله.
المراجع
جريدة “الجريدة” سان باولو – البرازيل – العدد 49 تشرين الاول 1921 1-
سعاده – خطابه في افتتاح النادي الفلسطيني في الجامعة الاميركية سنة 1933 2-
-جريدة الشرق – بيروت في 29 يناير 1937 عن النظام الجديد، الحلقة السابعة عشرة، صفحة 83، دمشق 1951
4-المصدر نفسه
5-المصدر نفسه
6-جريدة ” الرائد” الطرابلسية، العدد 112 السنة الثالثة، في 6 كانون الثاني 1937
7-جريدة ” سورية الجديدة”، مقال ” الخطر المقبل مسؤولية فرنسة” تحت باب رأي سورية الجديدة
8-النظام الجديد الحلقة التاسعة آب 1950 صفحة 66
9-جريدة “النهضة” بيروت العدد الصادر في 5 يناير 1938
10-النظامالجديد، الحلقة السابعة عشرة صفحة 88 طبعة دمشق نيسان 1951
11-النظام الجديد – الحلقة السابعة عشرة صفحة 90 دمشق نيسان 1951
“12-الزوبعة ” العدد 66 سبتمبر 1943
13-النظام الجديد – الحلقة السابعة عشرة نيسان 1951 صفحة 86
14-مقال ” عتلة الهدم في الشام ” الزوبعة عدد 66
15-جريدة ” صوت الاحرار” – بيروت العدد الصادر في 29 أيار 1937
16-مقال ” عتلة الهدم في الشام “الزوبعة العدد 66
17-المرجع السابق
18-المرجع السابق
19-خطاب أول آذار 1949
20-خطاب وليد نويهض مشغرة بمناسبة السادس عشر من تشرين الثاني 1971 “البناء” – عدد 45
21-مقال ” الجزيرة بعد الاسكندرون” – جريدة ” النهضة ” بيروت
22-جريدة “الزوبعة ” العدد 66 سبتمبر 1943 مقال ” عتلة الهدم في الشام
. 23-جريدة “النهضة ” بيروت العدد 3 – السياسة الخارجية
. 24-النظام الجديد الحلقة السابعة عشرة دمشق 1951 صفحة 85
. 25-جريدة ” النهضة ” – العدد 100 مقال اعتقالات دمشق
. 26-الزوبعة – العدد 66 مقال عتلة الهدم في الشام
تنويه: ينشر سيرجيل هذا البحث باتفاق خاص مع مؤسسة سعادة للثقافة.