[نشرت جريدة الأخبار يوم الأربعاء 28 تشرين أول 2020، أربعة مقالات يمكن اعتبارهاً ملفاً حول أنطون سعادة وفلسفته وحزبه ومشروعه وأزمته الراهنة. وهذه المقالات هي للكتّاب: جورج يونان، عبد المنعم عيسى، أسامة سمعان، طه غدّار.
كُتب هذا النصّ، بعد قراءة ذلك الملف، وهو يأتي كنوعٍ من التداعي الفكري وليس كقراءة نقديّة]
-1-
راهنية سعادة
لا تتبدى راهنيّة سعادة فحسب، في تلك الشواهد الكثيرة والمدهشة التي نراها عنده، وتتناول مسائل مرتبطة بأحداث تقع الآن. حيث هذا المنهج الذي يعتمد (النصّ القديم) بعباراته وجمله وكلماته، لمقاربة (واقع راهن) يمكن أن يؤول إلى (سلفية مبّطنة) لا تجد تفسيراتها إلاّ في نصّها المرجعي.
يجب مقاربة راهنية سعادة، باعتماد منهجه نفسه. أي تبقى الأسئلة هي باب الدخول ولها أسبقية فلسفية على الأجوبة.
نقترح، في هذا المجال، الجملة التساؤلية التالية: في ضوء الواقع الذي يحكم مصيرنا، بحوادثه وعلاماته وآفاقه. هل نحن بحاجة إلى سعادة وفلسفته وحركته؟ وهل هذه الحاجة مصيرية؟ ولماذا هو تحديداً من يشكّل هذه الحاجة؟
ومشروعيّة طرح (لماذا)، سعادة وفلسفته وحركته؟ تتأتّى في التساؤل عن الكيفية التي تمكّننا من تجاوز الحالات/الكوارث التالية، على سبيل المثال: التجزئة القومية؟ الطائفية والمذهبية؟ الاتنية؟ سؤال الدين وحضوره العميق في الوعي السوري؟ التاريخ وإشكالية إنتاجه على مقاس المشاريع المشوّهة سياسياً واجتماعياً، وفي معنى الأمة والدولة؟
وفي تساؤل مكثّف: كيف لنا أن نكون مجتمعاً واحداً وأمة موحدة بدولة واحدة وإنسان جديد؟
فلسفياً، يقدم سعادة المدرحية كـ (خلاص) للإنسانية؟ ما هو النصّ الفلسفي الذي يحمل مضمون هذه الدعوة؟ وكيف يتبدى ذلك الخلاص لنا ولغيرنا؟
-2-
تاريخ الحزب
أوصلنا شحادة الغاوي، في تأريخه لـ (استشهاد سعادة وما بعده)، إلى تلك النتيجة المأساوية: سقط الحزب عن منصّة الثامن من تموز 1949، إلى حيث نراه محكوماً بمسار استنزافي مغلق، وإلى الوقت الذي يمكن فيه أن يستهلك مخزونه كاملاً!
هذا الاستهلاك الهائج لهذا المخزون الاستراتيجي من (القوةّ العقيدية)، كما من محتوى وغاية مشروع الحزب، هو من مسؤولية القيادة، بل من ضعفها، أو لعله من خطاياها وارتكاباتها؟
مراجعة تاريخ الحزب ونقده، ضرورة ملازمة للتاريخ نفسه. بل هي إحدى (وصايا) سعادة المرتبطة بتأكيده على ضرورة وضع ودراسة تاريخ الحزب في سياق تشكّله. غير أن مقاربة هذا التاريخ قياساً إلى قربه أو ابتعاده من/عن (غيره) من أحزاب وقوى ودول، من شأنه أن يؤدي إلى قمع الذات، وتأسيس رؤية إلحاقية بهذا (الغير). فلا يجوز معايرة تاريخ الحزب نسبة إلى قربه أو ابتعاده من/عن (الحركات النضالية: الناصريّة – الشيوعية – البعثية)؟
يُفترض أن تتأسس المقاربة النقدية على ملاحظة الغاية الأولى للحزب واستراتيجية العمل نحو تحقيقها، وأوليّات هذه الاستراتيجية في ضوء معطيات الواقع. إذ ذاك يمكن معايرة تموضع الحزب ودراسة صحته وتوافقه مع هذا المعيار أو لا؟ وبالتالي تفسير قربه من قوى وأحزاب أو بعده عنها. سواء أكانت هذه القوى في اليمين أو في اليسار أو خارج هذا التوصيف.
من مآسي الحزب الواضحة والمستمرة، أنه يدفع من (رصيده) في معاركه مع خصومه، كما يدفع من مكونات (شخصيته) في لقائه مع حلفائه. ففي جبهة تحالفاته في لبنان يضحّي بخطابه الإصلاحي، ويضحّي في الشام بخطابه القومي… ماذا يبقى له؟
ومن مآسي تاريخه أيضاً، تلك الشخصانية الجامحة التي تستهدف تحقيّله على أسماء بعض قادته / رؤسائه: جورج عبد المسيح، عصام المحايري، أسد الأشقر، عبدالله سعادة، يوسف الأشقر… إنعام رعد…أسعد حردان …
ومن مآسي تاريخه المنهكة لروحه، تلك القرابين التي قدمناها، وكأننا ننفّذ حكم (إلهٍ غامض) يطلُّ علينا بين عقد وآخر، ليختطف بعض أجمل ما فينا: وسيم زين الدين… محمّد سليم… توفيق الصفدي… حبيب كيروز… ومن أيضاً؟
لكن، شئنا أم أبينا، هذا هو تاريخنا، فيه ما يحمل التاريخ من خطايا وأخطاء وارتكابات، وربما ما هو أكثر! وفيه الكثير…الكثير بما ينضح بمواقف العزّ والإنجازات والنجاحات.
لن نتمكن من الخروج منه أو التّنكر له. علينا مراجعته بلغة نقدية كاشفة ودقيقة، حتى نتمكن من تجاوز أسئلته التي تؤرّقنا وتحاصر ضميرنا حتى الاختناق، لنتمكّن من صوغ مستقبلنا وفق منهج سعادة، كي يصبح تاريخاً نهضوياً كما ينبغي.
-3-
نُخبٌ وتلامذة؟
ثمة تكرار متواصل لما يُسمى (مأساة النخبة الفكرية) في علاقتها مع الحزب.
لم تبدأ هذه (المأساة)، كما هو شائع، بعد استشهاد سعادة؟
لمَ لا نقول أنّها بدأت مع سعادة وبوجوده؟ طالما سنفترض أن أي حائز متفاخر بلقب (نخبوي)، هو من دخل الحزب، ثم خرج سريعاً لوجود (بغلٍ) متربّص به… قام بـ (لبطه) خارجاً، وفق الصورة التي التقطها سعيد تقي الدين ذات يوم!
لا شكَّ أنَّ حركة الحداثة بهيّة، وفي تجربتها المتمثلة بمجموعة مجلة شعر من يوسف الخال إلى أدونيس إلى الماغوط… تبدو مرجعية سعادة بيّنة واضحة وساطعة. ترافقت هذه الحركة مع وقوع حدثين كارثيين، اغتيال عدنان المالكي 1955 وتداعياته، والمحاولة الانقلابية 1961 وتداعياتها. آنذاك ارتسم مشهد (النخبة الفكرية) في مجموعة مجلة شعر وما يتعداها، ما بين الابتعاد عن الحزب (أدونيس … الماغوط … خليل حاوي…) وما بين الاندماج فيه حتى الشهادة (كمال خير بك).
وفق انتقائية إعلامية، يتم اسقاط النخبوية عن المبدع الملتزم الذي يُوصف بـ (الحزبي)، وبوكالة نقدية / إعلامية يحوز (البعيد) عن الحزب، بل والمتنّكر له على الصفة النخبوية!
يبقى أنَّ التنسّيب لمدرسة سعادة وفلسفته، يجب أن يتم وفق مقاييس مفهومية، مرتبطة بمرجعية سعادة وتأثيره البيّن في (التلميذ)، وليس في (بطاقة انتماء) حصل عليها ذات يوم ودخل بواسطتها إلى (المدرسة) ثم سرعان ما خرج أو أُخرج منها، ليلتحق بـ (مدرسة) أخرى بتعاليم مختلفة ودروس مناقضة؟ بهذا المعنى، ليس سعيد عقل تلميذاً لسعادة، وإن حاز ذات يومٍ على تلك البطاقة، فيما أدونيس تلميذ لسعادة على المستوى الإبداعي/ التجاوزي، وإن كانت مواقفه في بعض محطات حياته، التي تنكّر فيها للحزب وسعادة، يمكن إدراجها في حقل الضعف الإنساني… المسجّلة تاريخياً في نسختها الأولى على اسم بطرس الذي أنكر المسيح ثلاثاً، ثم عاد واغتسل ببكائه المُرّ.
-4-
تشويش العلمانية
ليس أمراً عارضاً، عدم استخدام سعادة لمصطلح العلمانية، إلاَّ ربّما في حديث صحفي، حيث جاء استخدامه للمصطلح كوصف يشير إلى طبيعة الدولة التي يراها. ومهما تكن الأسباب الكامنة وراء عدم اعتماد سعادة لمصطلح يشكّل أحد ركائز الدولة القومية الحديثة، يأتي مجهوده الاستثنائي وغير المسبوق في إنتاج (مِنَصَّة دينية) موَحَدة وموَحِدة – مقالات جنون الخلود خصوصاً – ليشير إلى الكيفية التي يرى الدين وفقها ومكانته في تاريخ سورية، ومنسوب حضوره وعمقه في الوعي السوري كما في النفس السوريّة.
كان يمكن للمبادئ الإصلاحية الثلاثة الأولى، أن تكتفي بصيغتها القانونية الحازمة: فصل الدين عن الدولة – منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين – إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب. لولاّ أنَّ سعادة، يدرك بعمق أنَّ القانون لا يمكن أن يستقيم ويأخذ محلاً له في فضاءِ (وعي)مشوّه، محكوم بالفوضى وعوامل الغموض. هو وعي (الانسان القديم) الذي يجب إعادة إنتاج مُكونات وعيه على نحوٍ آخر كي يصبح (إنساناً جديداً) قادراً على التعامل مع حمولات (القانون) والتفاعل معها بمنسوبٍ عالٍ ارتقائي.
عاصر سعادة مصطفى كمال أتاتورك، ونموذجه العلماني، كان إلى جواره وتحت مرمى بصيرته، وما لا شكَّ فيه أنه كان نموذجاً جذّاباً واستقطابياً بسبب من مواجهته لإرث يمتد لأكثر من خمسة قرون. رغم ذلك يبدو سعادة وكأنه لم يتأثّر بهذه الجاذبية أبداً؟
(العلمانية الأتاتوركية) تشارف على السقوط النهائي، رغم عمرها المديد، لأنَّ (الوعي التركي) بها استسلم لها كـ (قانون) محميّ بقوة الدستور وسلطة الدولة، ولكنه قاومها بحمولاته الثقافية – الدينية. هكذا سقط الطربوش العثماني واعتلت القبّعة الأوروبية (الرأس التركية) التي بمكوناتها حوّلت القبعة إلى لباس يتنكّر تحتها طربوش على مقاس (الوعي العثماني) الذي يجد تعبيراته الآن في الحياة التركية على أوسع نطاق.
الافتراق المعرفي الكبير لسعادة هنا، يبدو أولاً في رؤيته العميقة للعامل الديني وقوة حضوره في مكونات (الوعي السّوري)، وثانياً، في كيفية التعامل معه بمحاولة إنتاجه في (مِنَصَّة موحدة) وتوضيبه على هذا النحو في (الوعي الجديد) الذي سيعلن ولادة (الانسان الجديد) القادر على حمل مبادئ سعادة… سعيداً.
علمانية أتاتورك يفتك بها الطربوش العثماني، فيما الانسان الجديد السّعادي، لايزال في طريقه الطويلة والشّاقة !… بلى، ولكنه لا يزال.
-5-
الواقع اللبناني… الواقع السوري؟
تبقى (السّوريّة)، هي المحتوى المركزي لـ (عقيدة سعادة)، كما تبقى مستهدفة دائماً: بتغييبها وبتجاهلها وبإقصائها.
بيان (الواقع اللبناني)، الذي أنتجته قيادة الحزب، في الأربعينيات أثناء اغتراب سعادة القسري، وشكّل افتراقاً عن المحتوى المركزي للعقيدة، لم يتمكن من مواجهة سعادة الذي أسقطه بمفاهيمه ورجاله ووقائعه السياسية.
لكنه، ورغم هزيمته ظلَّ كامناً في (الوعي القيادي) في سياق تاريخ الحزب. وتبدو قابليته لتجديد نفسه واضحة كلما سنحت الفرصة له بذلك. يبدو حضوره بارزاً في إطار تطبيع الحزب مع متوجبات تطبيق (اتفاق الطائف 1989)، الذي أدخل الحزب إلى بنية السلطة في لبنان. ومن ثم ولد شبيهه (الواقع السوري) في إطار أحكام قانون الأحزاب في الشام.
يتم تغييب (السّوريّة) من الخطاب المركزي، في تأثير خفي ومستمر لـ (الواقع اللبناني) بمفرداته وعناوينه وحجم حضوره.
مقاربة هذه الإشكالية ممكنة من باب التساؤل التالي: هل (السّوّرية) حاضرة في (الوعي القيادي) وبأي منسوب لها؟ وما هي دلائل هذا الحضور؟
ألم تلتهم مفردات الواقع اللبناني، الوعي القيادي الذي سيتعثّر في إيجاد أجوبته الأولى عن مفرداتٍ استراتيجية تخصّ العراق مثلاً، فيما سيعدد غيباً أسماء مخاتير لبنان!
انتشل سعادة (السّوريّة) من تحت الطبقات التاريخية المتراكمة فوقها، ومن لحظة كشفه عنها بدأ يقاتل من أجل ترسيخ حضورها. يعلّم بها في الداخل ويقاتل من أجلها في الخارج، ثم أصبح يقاتل في الداخل وفي الخارج!
تتبدى إشكالية الدفاع عن (السّوريّة)، في كون ظواهرها التاريخية في الحقل الاجتماعي الثقافي موجودة وحاضرة، ولكنها غائبة بالمعنى السياسي. هذه إحدى الإشكاليات الجدية التي تواجهها.
يمكن، مع حذرٍ منهجي، التساؤل إن كانت سوريّةُ سعادة تتمثل في مشروعه الذي يستهدف إنجاز مطابقة ما بين واقع اجتماعي تاريخي ثقافي بعلامات وظواهر واضحة، ومرتسم سياسي مركزي لم يكن حاضراً بالمنسوب نفسه، بل يعاني من غياب طويل؟
هل تندرج هذه الإشكالية في إطار العيوب المرافقة للدعوة لـ (السّوريّة)؟
قطعاً لا. لماذا؟
لأنَّ الأمم مصنوعة لا مخلوقة. فليس من أمة تسقط من جنين ما في لحظة ما، بل تصنع في سياق تراكمات متوالية اجتماعية وسياسية وجيوسياسية. قبل ذلك لا تكون الأمة نفسها مطابقة لمفهومها كأمة.
هل كانت فرنسا هي فرنسا قبل تشكّلها كأمة، أو إيطاليا أو ألمانيا…؟
بهذا المعنى، (السّوريّة) بحمولاتها التاريخية وبرؤية سعادة لها، مشروعُ مستقبلٍ يصنع نفسه، وليست مشروعاً يستعيد حالة تاريخية بعينها.
(السّوريّة) ليست عملاً استعادياً لمرتسم تاريخي لها، لا في نسخته الآكادية ولا التدمرية ولا السلوقية ولا الأموية ولا العبّاسية… ولا في أي مثال محدد؟
الاستعادة منهج سلفي مغلق.
منهج سعادة الإبداعي هنا، يبدو في استحضاره التاريخ السوري ووصل خصائصه المميزة له، بمشروع (صناعة) السّوريّة الراهنة والمعاصرة.
(السّوريّة)، في لحظتها الراهنة تثبت نفسها كحقيقة جيوسياسية، على منصّة الهلال الخصيب، ورغم ذلك لا تزال تقاوم مشروع قتلها المرسوم في سايكس – بيكو1916، وأخذ أشكالاً متعددة خلال قرن مضى، كما تقاوم عمليات تغييبها وتجاهلها بـ (الواقع اللبناني) مرة وبأشباهه مرات، وبانخفاض منسوب حضورها في (وعي) بعض أهلها ومريديها!
-6-
سعادة والحزب والأمة
سعادة أوجد الحزب، وليس الحزب من أوجد سعادة.
سعادة ليس (ملكية حزبية مُطّوّبة) يمكن إثباتها بصكوك…!
سعادة خارج نطاق التنسّيب التملكي الحصري مهما كانت قرائنه…؟
سعادة سوريٌ، وسورية نفسها سوريّةٌ وليست (حزبية). هي للسوريين، وفق المبدأ الأول، وليست للسوريين القوميين الاجتماعيين بصفتهم الحزبية.
الهجوم على سعادة، وقع من أول يوم عُرف فيه كصاحب عقيدة. والهجوم كان مستمراً وشاملاً، خلال حياته، ولم يتوقف بعد استشهاده، وإلى الآن.
في حياته، واجه سعادة الهجوم بنفسه، وقاتل بأسلحته وأدواته المصنوعة وفق منهجه والمتّسقة مع مضمون فلسفته. قاتل بمرجعية العقل وأدوات المعرفة ولغة النقد.
لم يجبره أي جاهلٍ، على ترك أسلحته وعتاده جانباً، واستعارة أسلحة متدنية وهابطة، وإن وسِمت بالقدرة على الفتك؟
تظلُّ القاعدة عنده، بما يؤمن به، لا بما يُعرض عليه؟
الآن، ثمة ما يستلفت الانتباه، في نوع وطبيعة ومستوى الأسلحة التي نستخدمها في الوقوف بوجه هجوم مفاجئ ومستجّد يستهدف سعادة. هجوم من أي مستوى: مقال، بحث، تصريح، تغريدة، وربما غداً: رسم كاريكاتيري؟
أنترك أسلحتنا جانباً، ونأخذ بسلاح التكفير؟ بأبي وأمي يا سعادة! إلاَّ سعادة!
أكاد أشعر أنَّ (حالة حسينية) نشأت في دواخلنا مع استشهاد سعادة وترسّخت على مدار الوقت. لماذا؟
هل نلوم أنفسنا لعدم تمكننا من تشكيل جسم ثورة 1949؟
هل لأننا (تركنا) النظام اللبناني – الشامي، يفتك بسعادة، ليرتسم استشهاده على مِنَصَّة تراجيدية، فيما نتحلّق حولها كـ (نبلاء روما) ونستعيدها عاماً بعد عام؟
هل لأننا لم نتمكن من (الانتقام) له، وكما أوصانا وهو على بعد مسافة الرصاصة التي اتجهت نحو رأسه، بأن يكون انتصار عقيدته هو ذلك الانتقام؟ لم نتمكن، فانتقمنا بقتل (القاتل)، مكتفين بحيازة إنجاز الثأر الشخصي، التي لو عرفنا ما يعني له، لاعتذرنا منه!
هل لأن (مكاننا) ضاق علينا؟ ولا نتمكّن من توسيّعه ليطابق مكانه المنشود؟
القتال مع سعادة في معركة النهضة لا يستقيم إلاَّ بأسلحته: مرجعية العقل، أدوات المعرفة ولغة النقد. بها وحدها نصل إلى انتصار العقيدة، ودونها سنبقى نتحلّق حول تلك المِنَصّة المأساوية!
-7-
مشروع سعادة
دخل سعادة تاريخنا المعاصر وأقام فيه كصاحب عقيدة وزعيم نهضة تعمل على تغيير هذا التاريخ نفسه. تغيّر قوانينه وفصوله وتصنع هوّيته. بهذا المعنى سعادة دخل في حساب التاريخ العام، وليس بحساب حادث مفرد أو جزئي. وبحكم وضعه لـ (الخريطة الجينية) للأمة، فهذا يعني أن مشروعه مطابق لحياة الأمة ووجودها. وهو يؤكد أن الأمة كائن حي، وشروط الحياة والموت تشملها.
إذاً، لا مجال للحديث عن فشل مشروع سعادة قبل أن نرى الأمة السورية جثة هامدة!
وتنتهي الأمة إن لم تأخذ بوصفته وتستدل على نفسها بنور نهضته، وتتبنى جراحته الاستئصالية لـ (سرطاناتها) وتثبّت (خريطته الجينية) التي تؤسس للرحم الذي سينتج الانسان الجديد، وإلاَّ تقضي لفقدان أهليتها، بحكم اختيارها مسار الإفناء الذاتي.
والحزب وفق المقياس نفسه، إن ابتعد عن سعادة، يصبح (غير حزب/ غير نفسه)، أي يتجه في مسار الإفناء الذاتي.
سعادة يمكن أن يُوجد دون الحزب …
لكن، هل يمكن للحزب أن يبقى دون سعادة؟
حذارِ… ثم حذارِ… ثم حذارِ!!!
تحياتي أمين نزار،
في البدء لك مني كل التقدير والاحترام.
اشتقنالكم، وكم نتوق للقائكم مجددا.
دراسة رائعة واقعية تستحق الدرس والتأمل وقريبة من اعتمادها كنوع من منهج للمستقبل.
لكم مني كل التقدير والاحترام.
دوموا من أجل الأفضل.
لتحي سوريه وليحي سعاده.
شكراً جزيلاً لاهتمامك ورأيك، ,أرجو أن نساهم في استكمال المنهج الذي يساعد في بناء مستقبل نهضوي لنا ولأمتنا.
أرجو أن نلتقي قريباً مع خالص الاحترام.
دراسة ادبية فلسفية عميقة بوضوح وواضحة بعمق. العقدة ” السورية ” هي نتاج العقد الطائفية. لولا الطائفية لما كان الانعزال اللبناني. ولولا العامل الديني المستبطن داخل العروبة التقليدية، لما كانت الانفلاشية الوهمية لاهثة وراء انتشار الدين.السورنة تنتصر بانتصار الانسان العقلي على منازعه وأحماله الدينية، الخائفة منها من الآخر، وتلك الموهومة بقوة الآخر.لتحي سورية.
شكراً جزيلاً لإضافتك ورأيك، ومن المؤكد أنَّ الخطاب القومي العربي مسؤول بنسبة كبيرة عن هذه الاختلاطات التي في النهايةحمّلت الدين ما لا يجب تحميله، وكبّلت الفكر القومي بحمولاتٍ دينية تتشظى مذهبيات وطوائف.
مع خالص الاحترام
يبقى أنَّ التنسّيب لمدرسة سعادة وفلسفته، يجب أن يتم وفق مقاييس مفهومية، مرتبطة بمرجعية سعادة وتأثيره البيّن في (التلميذ)، وليس في (بطاقة انتماء) حصل عليها ذات يوم ودخل بواسطتها إلى (المدرسة) ثم سرعان ما خرج أو أُخرج منها، ليلتحق بـ (مدرسة) أخرى بتعاليم مختلفة ودروس مناقضة؟.
اعتقد أن هذه الفقرة هي جوهر الموضوع وأن فلسفة سعادة تخطت حزبه لتشرح واقع كل الأحزاب التي تعاقبت على هذه الأمة،
حقاً، فلسفة سعادة تخطّت حزبه، ومن المؤكد أنّها تحتاج لمفكرين أكفّاء كي يشرحوها ويقدموها في حقول مستولدة من الواقع القائم وحركته وأحداثه
شكراً جزيلاً لرأيك وحضورك. تحياتي