الشرع الأعلى

تأسيس العنف الرسمي

(في العلاقة بين المجتمع والدولة)

ندوة فكرية

تأسيس العنف الرسمي

(في العلاقة بين المجتمع والدولة)

بطاقة تعريف

1-مناسبة الندوة: ذكرى استشهاد أنطون سعادة في 8 تموز 1949.

2-موضوع الندوة: التوقّف عند اللحظات التأسيسيّة لما نطلق عليه (العنف الرسمي)، في إطار بحث العلاقة بين المجتمع والدولة الكيانيّة الممنوحة الاستقلال، في أربعينيّات القرن العشرين، وذلك انطلاقاً من حالة محددة، تتمثل فيها الدولة بكيانين / دولتين: لبنان – الشام (الجمهورية العربيّة السوريّة)، ويتمثل فيها المجتمع بالنهضة السورية القوميّة الاجتماعيّة، وأيضاً وفق مثال معين وبارز، هو قتل أنطون سعادة، بالاتفاق والتكافل بين الكيانين / الدولتين.

3-المشاركون:

 -الدكتور عاطف عطيّة، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانيّة، مفكّر وكاتب.

 -الدكتور أحمد برقاوي، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق سابقاً، مفكّر وكاتب.

فيما أدار نزار سلّوم أعمال الندوة، ووضع ورقة العمل الخاصّة بها.

تأسيس العنف الرسمي

(في العلاقة بين المجتمع والدولة)

ورقة العمل العامّة

 

 نزار سلوم

 

-1-

تبدو مشكلة “الدولة المعاصرة” في سورية مرتسمة في جانبين اثنين:

الأول: في علاقة الدولة بالأمة:

حيث لا توجد دولة واحدة للأمة الواحدة، بل دول متعددة في الأمة الواحدة. فتأتي صفة الدولة “التعدد” كنقيض لصفة الأمة “الواحدة”. هذا التناقض بين الصفتين هو التعبير الأول عن مشكلة الدولة المعاصرة في سورية. فلا تطابق بين الدولة والأمة، بل ثمة قصور هيكلي أصاب الدولة فجعلها على مسافة من الأمة. وهكذا يأتي “التعدد” كفعل مشوِّه لحالة ونظام “الوحدة” فيعمل على معاكستها دائماً، وتعمل الدولة هنا على تشكيل أو إعادة تشكيل المجتمع (في الواقع تمزيقه)، فتصطنع له مداه وتوجّه شؤون حياته بعيداً عن “حياته”، وتمثل شخصيتها المندرجة في إطار “العد والتعدد”، في الوقت الذي كان عليها أن تمثل شخصيته “الواحدة”.

الثاني: في علاقة الدولة بالمجتمع:

تأسيساً على ما سبق، ثمة مشكلة متحكمة في علاقة الدولة بالمجتمع، فهي، أي الدولة المعاصرة، لم تتأسس وفق الشروط التي تجعلها متطابقة مع المجتمع وممثلة لشخصيته. بل تأسست بشروط منقوصة، الأمر الذي يجعلها دولة منقوصة دائماً.

لقد أدى عدم التطابق بين الدولة والمجتمع، إلى توضّع طبقة / حالة من “الفراغ” بينهما، وهذه الطبقة / الحالة ستكون المكان الملائم للمواجهة المحتملة والمرتقبة بينهما. فالصدام بين المجتمع والدولة سيحدث هنا، في هذا المكان. وفي الوقت الذي يجب أن تكون نتيجة هذا الصدام (سيكون صراعاً لو أدى إلى النتيجة التي نقولها) إزالة طبقة “الفراغ” بقدرة أحد الطرفين أو كليهما على تلوينه وتشكيله كاملاً لأحدهما، أو مقتسماً بينهما، فإن ذلك لم يحدث إلاَّ نادراً ومؤقتاً، فسرعان ما يعود كل إلى خندقه مفسحاً في المجال مرة أخرى لتوضّع “الفراغ” وتمدده.

استتباعاً لمنطق هذه العلاقة، يكون الخوف والذعر هو المتحكم بنظرة كل من الطرفين إلى بعضيهما. غير أنّ ذعر الدولة من المجتمع وقواه أكثر وضوحاً وإفصاحاً عن نفسه.

يتصف فعل “الدولة المذعورة” باتجاه مساره صوب قوى المجتمع، كما في طبيعته المسكونة بالتناقض ما بين مسالمة الدولة لقوى اجتماعية تعتبرها جزءاً منها، وما بين قمع الدولة لقوى اجتماعية أخرى تعتبرها غريبة عنها.

ليس ما يدفع الدولة للتحرك صوب المجتمع، هو عامل الضبط الحقوقي، بل غالباً ما تتحرك من خارج النظام الحقوقي، وتفسح في المجال أيضاً لبعض القوى للتحرك من الموقع نفسه وإلى الهدف نفسه. الأمر الذي يجعلها صاحبة حق مطلق هو بكل الحالات “فوق النظام”. وهو حق التدخل في المجتمع ساعة تشاء وبالكيفية التي تراها “هي” مناسبة لهذا التدخل وأهدافه، فيكون العنف كيفية أو خياراً متيسراً للدولة، تستطيع ممارسته بطاقته القصوى متى أرادت ذلك.

يستمد العنف شرعيته من استخدام الدولة له باعتبارها السلطة الرسمية التي لا شريك لها، فتعدّي الصفات وترادفها يوصلان، صياغة، إلى “العنف الرسمي” ككيفية لفعل الدولة. وتحديداً لفضاء هذا المصطلح نستطيع القول: إن “العنف الرسمي” يشير إلى الشرعية التي تضيفها الدولة على أعمال، لو قام بها أحد غيرها لاعتبرتها “هي” غير شرعية وخارجة على القانون.

-2-

وفق منطق وحالة “الدولة المذعورة” انتظرت الدولة عودة سعادة إلى الوطن في 2 آذار 1947. واستكمالاً لمقتضيات هذا المنطق، قامت الدولة وعلى وجه السرعة بإصدار مذكرة توقيف بحق سعادة، فاصطنعت بعملها هذا طبقة / حالة من “الفراغ”، ستكون المجال الذي تمارس فيه الدولة فعلها العنفي ضد سعادة وما يعبّر عنه ويمثله.

هكذا جاء استشهاد سعادة في الثامن من تموز عام 1949، باعتباره حادثاُ عنفياً مطلقاً، كتجلٍّ رئيسي، وكنتيجة للمواجهة بين الدولة والمجتمع انطلاقاً من أن سعادة يعبّر عن قوة المجتمع أو إحدى قواه أو تجليات قوته الرئيسية. فإذا كانت الدولة (الكيانية طبعاً)، آنئذٍ في بدايات تأسيسها، فإنها وفي تلك المواجهة وبكيفيتها تكون قد أسست لنفسها نوعاً من السلوك (فوق القانوني) على قانونها المكتوب نفسه، وحتى على المجتمع نفسه بأعرافه وتقاليده وقيمه. والدولة بعملها هذا، أسست للانفصال عن المجتمع منذ بداية عمرها المعاصر، حيث سيشكل الانفصال أو الفصام بين الدولة والمجتمع أهم المشكلات التي واجهت الدولة نفسها في وجودها ووظيفتها.

-3-

الآن ووفق هذا الترسيم لمشكلة الدولة المعاصرة في سورية، نستطيع صوغ الأسئلة التالية:

  • إلى أيّ درجة استطاعت “الدولة المعاصرة” تأسيس نفسها في بلادنا؟
  • هل يمكن تحديد أو مقاربة سمات الفصام بين المجتمع والدولة؟
  • مشروع الدولة مغاير لمشروع المجتمع؟
  • نيابية الدولة عن المجتمع في كل شيء؟ الدولة الكيانية.
  • اعتبار الدولة للمجتمع كمجال آخر لا علاقة لها به، إلا بمقدار ما يؤكد وجودها هي؟
  • هيمنة التشكيلات التجزيئية الطائفية وغيرها على الدولة، أي لا وجود للدولة إلاَّ بمقدار ما تساهم في تعزيز قوة ووضع هذه التشكيلات.
  • كيف يزال الفصام بين المجتمع والدولة؟

هذه الأسئلة، مع غيرها، تشكل الفضاء الذي يمكن البحث فيه عن جانب من جوانب مشكلة “الدولة المعاصرة” في بلادنا.

‫2 تعليقات

  1. الدوله المعاصرة في كيانات الامه لم تلد من رحم الحاله الاجتماعيه ولا الحاجه الاجتماعيه لها بل جاءت كل منها اما لمخطط خارجي او نزاع داخلي على السلطه كانقلاب العسكر على العسكر في غياب الوعي القومي وتكالب الارادات الاجنبيه على ثروات الامه ككل.لذلك كانت المواجه حتميه بين مشروع سعاده ومشروع الدوله المعاصرة حتى الآن والى ان يعي الشعب اهمية سعاده وينتصر لمشروع.

  2. بداية. لا بد من تعرف. مفهوم الدولة والمجتمع كل على حده , ثانيا لا بد من تعريف الدول القائمه حاليا وفق مصطلحات علم الجتماع اي / الدول الحديثة / وهذا يعني ان علينا ان نضع كليهما في خانة واحدة , فإذا كانت الدولة تمتلك شرعية تصرفاتها , فالمجتمع يمتلك شرعية التغير , لكن وطالما ان المجتمع عاجز عن تنكب اعباء شرعيته , فمبدأ / كما تكونوا يولى عليكم / يبقى هو الحاكم بينهما , فالمجتمع , ممثلا بأحزابه والممثلة لشرعيته ,عجزت حتى تاريخه من ان تكون في مستوى مهمتها والسبب في ذلك انها – الاحزاب – تشكلت من مجةمع يحمل ارثا تاريخيا من الاستسلام للأمر المفعول عبر سلسلة الإحتلالات التي انهكت قواه الارادية في ان يكون حرا مستقلا , فالشعوب التي تحملت ضيم الاحتلال مستسلمة لما يفرضه عليها, لم تكن لديها تجربة الحكم الذاتي وتاليالم تكن لتملك ناصيه امورها , ولم تعتاد على حكم نفسها بنفسها وتستفيد من خبرة الحكم الذاتي وترسيخ مصطلحاته ومفاهيمه وقيمه , وهذا ما جعلها مطية لإرادات الغير , وعليه فإن الدولة والأحزاب كذلك الشعوب. من ذات الطينة فلا مفاضلة بين الدولة والحزب والشعب ذلك انهم من ( نفس الكوم ) الكل مشبع بذات القيم والمفاهيم وان ما نراه من ممارسات لخير دليل على ما تقدم , ولا يختلف الحزب السوري القومي الاجتماعي عن غيره من الاحزاب سوى بعقيدته التي حاول سعادة ترسيخ مصطلحاتها ومفاهيمها وقيمها في مجتمع لا يمتلك من ارادته شيء , كان سعادة ضحية عقيدته ومبادئها ذلك ان مريديه ما كانوا يملكون الإرادة للخروج من حالة الاستسلام المنوه عنها اعلاة , ذلك ان مريديه عاشوا حالة النفصام في الشخصية بين ما نشؤا عليه وما تتطلبه عقيدة سعادة وبقيت قيم المجتمع القديم هي الفاعلة في ممارساتهم الخاصة والعامة , من هنا نجد ان مختلف الاحزاب تعاني من خلل في بنيتها النفسية والذي حال دون قدرتها على مواجهة قمع الدولة لها , لم تتمكن مختلف الاحزاب من توحيد جهودها في قواسمها المشتركة في الحد الادنى مما مكن الدولة من تناولها مفردة وواحدة تلوى الاخرى , كل منها كان يعتقد ان بلوغ السلطه هو الشرط الاساس لانتصار عقيدتها فتامر بعضها على بعض. متإزرة مع الدولة – التي كانت عدوتها اللدود – وفق ما كانت تشير اليه مبادؤها مما مكن الدولة منها فطوعتها او دجنتها لخدنتها وكانت – الدوله – تنقض عليها في حالة تناقض مصلحها معها , الخلل الذي عانت منه الاحزاب عانته الدولة ايضا بعد استلام حزب البعث السلطة. بعد صراع طويل بين قياداته , وفي اكبر كيانين في الامة السورية. , لم يستطع البعث من توحيدهما على مدى يطاول النصف قرن , بل على العكس من ذلك كان الصراع بين البعثين السوري والعراقي على اشده حتى بلغ الامر تامر كليهما على بعضهما البعض , ليس البعث حالة مفردة بل يتندرج مختلف الاحزاب – في حال استلامها السلطة – تحت يافطته , هكذا نجد ان. الاحزاب والدولة والمجتمع في خانة واحدة لا مفاضلة بينها , سوى بعقائدها , فبين اممية نادى بها الشيوعيون واممية دينية نادى بها الإخوان المسلمون وبين امة عربية نادى بها البعث واخرى سورية وثالثة لبنانية , استندت بمجملها على إرث تاريخي دون علم الاجتماع الذي اعتمده سعادة في رسم معالم عقيدته , فالعاداتوالتقاليد والإرث العثماني الديني كان وراء انشاء البعث والاخوان كما كانت الماركسية الببغائيه ارثا للشيوعيون , ان تمز سعادة عن الاخرين اصطدم ببنية اجتماعية لا تختلف عن غيرها مما اجهض كافة جهوده في. انشاء مجتمع جديد دعت اليه مبادئه , المثال الأبرز في تاريخ سعادة كانت ثورته التي غرر به معاونوه في. انتصارها لكنهم خذلوه فور اعلانه لها فمجمل المناطق التي قيل له انها ستنتفض فور اعلانه للثورة تخلفت عن ذلك حتى ان الضباط القوميين الذين كان تعداده في الجيش اللبناني يزيد عن المئه لم يتحرك اي منهم. رغم دعوتهم للتحرك من قبله , هكذا كتب القوميون نهاية سعاده والمثال الاخر الذي يؤكد ما تقدم هو موقف شوقي خير الله الذي كان على بعد امتار من محاكمته ولم يجرؤ على اقتحام المحكمة وانقاذ زعيمه الذي آمن بمبادئه , الامثلة كثيرة على انتصار العقلية المستسلمة للعادات والتقاليد والخرافات على اية محاولة للخروج منها , فلا امل في ما يمكن له اخراجنا من هذه الحالة العفنه والمتخلفة عن ركب الانسانية قرونا وقرون , ولا امل في انتصار النحن على الأنا وحزب سعاده عانى منها الامرين وما زال , نحن مطالبون بانتصار النحن على الانا في معركة صراع كل منا مع ذاته وهذا امر لا رهان علية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق