العالم الآن

إسرائيل شاحاك: الرجل الذي تكرهه (إسرائيل)

التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: وطأة ثلاثة آلاف سنة

إسرائيل شاحاك: أستاذ جامعي إسرائيلي بولندي متخصص في الكيمياء. ولد في وارسو في بولندا عام 1933، وهو من الناجين من الهولوكوست النازي وقد قضى طفولته في معتقل بليسين النازي. جاء إلى فلسطين في العام 1945. عرف عنه نقده الصريح للحكومة الإسرائيلية وللمجتمع الإسرائيلي على وجه العموم. كما أن كتاباته حول الديانة اليهودية والتراث اليهودي القديم امتازت بالعمق والنقدية والصراحة الشديدة فأثارت الكثير من الجدل، وقد اتهمه الصهاينة بـ “معاداة السامية” على إثرها، وتعرض للاضطهاد والتهميش طويلاً.

كان نقدياً ضد الكيان الصهيوني، واشتهر بكشفه في الإعلام عن حادثة أو جريمة امتناع يهودي أصولي عن استعمال هاتفه يوم السبت لطلب سيارة إسعاف لإنقاذ رجل فلسطيني قرب القدس لأن عقيدته الدينية تمنعه من فعل ذلك كما قال، وكان شاحاك شاهد عيان على هذه الحادثة، وقد تضامنت الأوساط والمؤسسة الدينية اليهودية مع ذلك الشخص اليهودي وأيدت فعلته. وقد روى هذه الحادثة في كتابة الشهير “التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة”، والذي أقتبس منه هذه السلسلة من المختارات.

أولاً-عن معنى “إسرائيل كدولة يهودية”:

كتب إسرائيل شاحاك:

“كان مبدأ كون إسرائيل “دولة يهودية” ذا أهمية فائقة للسياسيين الإسرائيليين منذ قيام الدولة…وعندما ظهرت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي أقلية يهودية تعارض هذا المفهوم، صدر قانون دستوري له الأولوية على أحكام القوانين الأخرى، وقد أقرته غالبية كبيرة في الكنيست “البرلمان الإسرائيلي”؛ وبموجب هذا القانون لا يجوز لأي حزب سياسي إسرائيلي يعارض برنامجه مبدأ “الدولة اليهودية” أو يعلن عن عزمه تغيير هذا المبدأ بالوسائل الديموقراطية، أن يشارك في انتخابات الكنيست. أنا نفسي عارضت هذا المبدأ الدستوري، والنتيجة هي أني لا أستطيع، في الدولة التي أنا مواطن فيها، الانتساب إلى حزب سياسي أؤيد مبادئه، ولا يستطيع هذا الحزب الاشتراك في انتخابات الكنيست. … بموجب هذا التعريف الرسمي تعود “إسرائيل” لأشخاص تعرفهم السلطات بأنهم يهود وهي لهم وحدهم بصرف النظر عن مكان وجودهم … وهذا يعني عمليا أن أفراد قبيلة في دولة بيرو، إذا تحولوا إلى اليهودية يصبحون مؤهلين لأن يكونوا مواطنين إسرائيليين ينتفعون بحوالي 70 بالمائة من أراضي الضفة الغربية، وجميع غير اليهود – وليس الفلسطينيون فقط – ممنوعون من الانتفاع بتلك الأراضي. مسألة البيروفيين الذين تحولوا إلى اليهودية حصلت فعلاً منذ عدة سنوات، وقد استوطن هؤلاء اليهود الجدد في الضفة الغربية بالقرب من مدينة نابلس على أرض محرمة على غير اليهود” ص (12).

ثانيّاً – حول حدود إسرائيل:

حدود دولة “إسرائيل” التوراتية ليست في المتاحف بل في التطبيق، حيث يعتقد البعض أن قضية حدود الكيان الصهيوني التوراتية ” من النيل الى الفرات ” هي مجرد خرافات أو مقولات دينية مكانها المتحف ولا ينبغي القلق بشأنها في حين أنها مقولات سياسية يحاول الصهاينة تطبيقها وإحياءها بإصرار في عصرنا…

 كتب إسرائيل شاحاك:

 “قيد التداول الآن نسخ عديدة متناقضة للحدود التوراتية لأرض إسرائيل، التي تعتبرها المراجع الدينية اليهودية أرض الدولة اليهودية. أبعد هذه النسخ مدى تشمل المناطق التالية: جنوباً، تشمل كل صحراء سيناء وجزءاً كبيراً من شمال مصر حتى ضواحي القاهرة. وشرقاً، كل الأرض وقطعة كبيرة من السعودية وكل الكويت وجزءاً كبيراً من العراق. وشمالاً كل سوريا ولبنان وجزءاً كبيراً من تركيا حتى بحيرة وان، وغرباً قبرص. وقد نُشر في إسرائيل كمٌّ هائل من الأبحاث حول هذه الحدود، وصدر العديد من الكتب والأطالس والمقالات ونماذج من الدعاية الشعبية وغالباً بدعم مالي من الدولة. حتى أن الحاخام النافذ دوف ليور (DOV LIOR)، صرح تكراراً إن فشل إسرائيل في احتلال لبنان عقوبة إلهية وقعت على إسرائيل بحق لأنها تخلت عن جزء من أرض إسرائيل وبالتحديد إعادة سيناء إلى مصر. “…” في أيار 1993 اقترح رئيس الوزراء أرييل شارون رسمياً في مؤتمر حزب الليكود أن تتبنى إسرائيل الحدود التوراتية كسياسة رسمية”. ص (20 – 21)

ثالثاً – حول العقوبات الدينية البدنية حتى الموت التي كان يقيمها “الحاخامات اليهود” على المخالفين لتعاليمهم:

يكرر بعض الليبراليين القشريين واليساريين أو البعثيين المنقلبين إلى ليبراليين مجوفين مقولات فارغة من قبيل “أن العنف الديني الرجعي، والعقوبات الدينية البدنية ثيمة خاصة بالإسلام والمسلمين” وإن ما يسمونها “التركيبة الدينية الإسلامية المنغلقة لا تشبه أية تركيبة أصولية في الأديان الأخرى”، ويرفض هؤلاء أن يصدقوا ما يقوله الواقع التاريخي الثيولوجي والمثيولوجي والانثروبولوجي والتحليلات العلمية الحديثة لهذا التاريخ من أن هذه الثيمة أو المقولات التأسيسية العنيفة موجودة في جميع الأديان والحضارات البشرية ،وليست حكراً على دين أو مذهب معين إلاَّ عند المصابين بالحَوَلِ الفكري وبالانحياز للغرب وثقافته والتي هي – لو فكروا بعقلانية – لوجدوا أنها بصفتها ثقافة حديثة ثمرة أممية كل الحضارات الإنسانية وليست أوروبية غربية أصلاً…

كتب إسرائيل شاحاك:

“منذ أواخر أيام الإمبراطورية الرومانية، مارست الجاليات اليهودية – في أوروبا – سلطة قانونية واسعة على أعضائها، سلطة قمع عارية مثل الجلد والحبس والنفي، كل هذا كان يمكن إيقاعه على أي فرد يهودي من قبل محكمة حاخامية عقاباً لكل أنواع الجرائم. وفي بلدان عديدة كإسبانيا وبولندا كان يمكن إيقاع عقوبة الإعدام بالمدانين؛ وأحياناً بأساليب متناهية القسوة كالجلد حتى الموت. وكان للسلطات الحكومية في الدول المسيحية والإسلامية مصلحة مالية أحياناً؛ بالإضافة إلى مصلحتها في حفظ النظام تشجع عليه، كان الحاخامات يدفعون تسعة أعشار الغرامات التي يفرضونها على اليهود من أبناء جاليتهم إلى الملك “في ذلك البلد”… كانت قواعد الشريعة اليهودية ملزمة لليهود تحت طائلة الإرغام، ولا يستطيع اليهودي أن يهرب منها إلا بالتحول إلى دين الأغلبية … ولن يجد المرء في كل كتابات حنة آرندت عن اليهود والشمولية أو كليهما، على غزارتها أي تلميح عن حالة المجتمع اليهودي في ألمانيا في القرن الثامن عشر: كحرق الكتب واضطهاد الكتاب، النزاع حول قوة التعاويذ السحرية، حظر التعليم غير اليهودي حتى لو كان ابتدائياً…وحتى في الثلاثينات من القرن التاسع عشر أمر الحاخام  الأقدس “تزاديك” في مدينة صغيرة في أوكرانيا بإعدام منشق يهودي بإلقائه في ماء حمامات وهو يغلي. ص (28 و30 و31)

رابعاً- حول الإبادة الدينية على طريقة يوشع التوراتي:

كتب إسرائيل شاحاك:

“كان هناك عالم اجتماع وتوراتي قوي النفوذ هو يحزقيال كوفمان دعا إلى الإبادة العنصرية على طريقة سفر يوشع “أنظر الشروحات حول يوشع في نهاية الفقرة”. والفيلسوف المثالي هوغو شوميل بيرغمان الذي دعا سنة 1914 إلى طرد جميع الفلسطينيين إلى العراق، وكثيرون آخرون. كانوا كلهم في الظاهر “حمائم” لكنهم استغلوا صيغاً يمكن استغلالها بتطرف شديد ضد العرب، وكلهم كانوا من ذوي الميول الصوفية الدينية التي تشجع على نشر الأكاذيب متظاهرين بعدم القدرة على إيذاء ذبابة ولهذا السبب بالذات كان تأثير خداعهم أشد. ص (46).

(شروحات حول سفر يوشع): في سفر يشوع، وهو سادس سفر من حيث الترتيب في “التناخ” الكتاب المقدس في الديانة اليهودية والذي يضم التوراة والأنبياء والكتابات (توراة – نفيئيم – كتوفيم) ويسمى “العهد القديم” في المسيحية، نقرأ الأمثلة التالية على القسوة البالغة والتحريم بحد السيف “القتل” الذي لم يستثنِ الأطفال والنساء والبهائم:

أ – في اقتحام أريحا “وحرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها” (س/يش 6: 21، 24).

ب- عند اقتحام عاي “ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا وأحرقوا المدينة بالنار.. فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء أثنى عشر ألفًاً جميع أهل عاي. ويشوع لم يرَّد يده بالمزراق حتى حرَّم جميع سكان عاي.. وأحرق يشوع عاي وجعلها تلًا أبديًّاً خرابًا إلى هذا اليوم” (س/يش 8: 19-28).

جـ- في سفر يشوع تتكرَّر عبارة (الضرب بحد السيف وتحريم كل نفس حتى لم يبقَ شارد) بمعنى أو بآخر وذلك في اقتحام مقيدة، ولبنة، ولخيش، وعجلون، وحبرون، ودبير، وكل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح (راجع س/يش 10: 28، 30، 32، 35، 37، 38، 39، 40).

د – في اقتحام حاصور “ضربوا كل نفس بحد السيف. حرَّموهم ولم تبقَ نسمة. وأُحرق حاصور بالنار. فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف. حرَّمهم كما أمر موسى عبد الرب” (س/ يش 11: 11، 12).

خامساً – حول خطة طرد الفلسطينيين من وطنهم أعدها حزب العمال البريطاني سنة 1944، وهي تشبه خطة هتــلر للتعامل مع اليهود.

كتب إسرائيل شاحاك:

“في عام 1944، إبان النضال الفعلي ضد هتــلر، اعتمد حزب العمال البريطاني خطة لطرد الفلسطينيين من فلسطين، تشبه الخطط الأولى التي أعدها هتــلر قبل 1941 للتعامل مع اليهود، وقد اعتُمدت هذه الخطة نتيجة ضغط من الأعضاء اليهود في قيادة حزب العمال حيث أبدى العديد منهم تأييداً لكل سياسة إسرائيل أشد بكثير من تأييد أي محافظ لسياسات أيان سمث …إن الوضع السائد في الولايات المتحدة مماثل لذلك، والليبراليون الأميركيون هم الأسوأ. هذا ليس مجالا للتحري عن النتائج السياسية لهذا الوضع، ولكن علينا أن نواجه الحقيقة، وهي أن أعدى أعدائنا في نضالنا ضد العنصرية والتطرف في الديانة اليهودية، ليسوا العنصريين اليهود (ومستغلي العنصرية) بل هم غير اليهود الذين يدعون – كذباً في رأيي – أنهم تقدميون في مجالات أخرى” وأيضاً “واقع الأمر أن عددا من أعداء الستالينية المزعومين استبدلوه بصنم آخر يعبدونه وجنحوا نحو تأييد العنصرية والتطرف اليهوديين بحماس أشد ونفاق أدهى مما كنا نلمسه لدى الستالينيين في الماضي. هذه الظاهرة بدأت قبل ذلك بكثير لاسيما في الأوساط الاشتراكية الديموقراطية. فأحد أصدقاء ماركس وهو موسى هيس والمشهور على نطاق واسع والمقدر كأحد أوائل الاشتراكيين في ألمانيا فضح نفسه أخيراً كعنصري يهودي متطرف لا تختلف آراؤه عن “العرق اليهودي النقي” عن الآراء الجوفاء عن “العرق الآري النقي – يقصد النازية”. ولكن الاشتراكيين الألمان الذين ناضلوا ضد العنصرية الألمانية ظلوا ساكتين عن العنصرية اليهودية. ص (48).

———————————————————-

*رابط لتحميل نسخة رقمية بي دي أف من كتاب إسرائيل شاحاك:

noorbook

***رابط لقراءة مقدمة الراحل أدوارد سعيد لطبعة أخرى من الكتاب:

diwanlarab

علاء اللامي

باحث وكاتب من العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق