العالم الآن

الابراهيميّة وأرض الميعاد والتطبيع الديني

في حضارة دونت كل شيء وذكرت “70 نوعاً من الأجبان و50 نوعاً من البيرة وادق التفاصيل في حياة الناس من أحداث سياسية واحتجاجات شعبية” منذ الـ 2500 ق. م.، لا يوجد أي ذكر او أثر اركيولوجي لابراهيم في مدينة أور في جنوب بلاد سومر وأكاد حسب د. خزعل الماجدي(1). كذلك لا يوجد أي أثر حتى اليوم لهجرته “التوراتية” من أور الى حرّان في شمال سوريا ومن بعدها عبر حلب ودمشق وغور الأردن الى أرض كنعان، ورحلته ذهاباً وإياباً إلى مصر، أو أي أثر لرحلاته “القرآنية” من أرض كنعان إلى مكة المكرمة لتفقد زوجته الجارية هاجر وابنه اسماعيل أو لتأدية فريضة الحج. رغم ذلك فإنَّ هذه الاكتشافات والقرائن التاريخيّة لا تهز إيمان اليهود والمسيحيين والمسلمين بـ “سيدهم” إبراهيم، كما يحاول البعض من أصحاب النوايا الحسنة استعماله كقاسم مشترك لتقريب هذه الأديان بعضها للبعض، ولكن البعض الآخر يحاول تسيسها لتحقيق مكاسب سياسية استراتيجية.

الابراهيمية والتوظيف السياسي

أول حديث عن ميثاق إبراهيمي The Abrahimic Covenantيجمع بين المؤمنين في الغرب كان في العام 1811(2)، وقد استخدمه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1949، في مقاله تحت عنوان: “الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب لكل المؤمنين” لمقارنة الأديان الثلاثة الابراهيمية. بعد ذلك بادر الكاثوليك إلى دعوة اليهود والمسلمين للقاء تحت لواء الإبراهيمية الظاهرة لدى أتباع الديانات الثلاثة، وذلك في المجمع الڤاتيكاني الثاني في (1962 ـ 1965)(3).

التوظيف السياسي لمفهوم الأديان الابراهيمية بدأت ملامحه تظهر في كتاب “اليهود في ظل الإسلام” لبرنارد لويس في 1995 الذي علل فيه نجاح المسلمين في الفتوحات في فجر الإسلام من خلال نجاحهم في استيعاب فكرة التواجد المسيحي واليهودي على الأراضي الإسلامية. كذلك يخبرنا الكاتب الألماني كارل جوزيف كوشيل في كتاب “السادات شميث … حوار الأزمات” عن اعجاب المستشار الألماني هيلموت شميث بالسادات وعن حديثه له الذي قال فيه “إنّ الأديان السّماويّة التّوحيديّة الثلاثة قد أوحي إليها على أرض سيناء؛ وإنّنا جميعاً أبناء إبراهيم(4). الغرب والصهيونية بنوا على هذه الافكار إلى أن تبلورت في مطلع 2000 إلى “إبراهيمية سياسية” تبناها ديك تشيني نائب الرئيس في إدارة الرئيس الأميركي الجمهوري جورج دبليو بوش وتبعته كل الإدارات المتعاقبة الديمقراطية والجمهورية من أوباما وترامب وبايدن.

مشروع الابراهيمية السياسية أو “الديانة الابراهيمية” يدعو في العلن إلى أن يحل مفهوم “الدبلوماسية الروحية” و”السلام الديني العالمي” بدل الحروب الدموية لحل النزاعات، فبدل أن يكون الدين مصدراً لتأجيج هذه الحروب يصبح مصدراً لتلاقي الشعوب وبناء الحضارات ومدخلاً للحلول والتسويات. المشروع يسعى إلى توحيد “ابناء إبراهيم” الذي تؤمن به الأديان “التوحيدية” الثلاثة ويبدأ بنعتها بمصطلح مستحدث في 2004 وهو “الأديان الإبراهيمية” وتسويقه أكاديمياً وانضاجه مؤسساتياً بتهيئة الأرضيّة الفكرية والمجتمعيّة والنفسيّة لتبنِّيه. في هذا الإطار، ستصبح هذه العقائد المشتركة مدخلاً لحل النزاعات وستشكل “نهجاً جديداً للتسامح العالمي والاخوة العالمية والحب والوئام” (4).

في الإطار السياسي، إنَّ أهم دعائم المشروع هو “المسار الابراهيمي” تحت شعار “معاً نصلي” على خط الحج المشترك الذي سار عليه “النبي إبراهيم”، حسب التوراة والقرآن. الهدف المعلن من هذا المسار هو إقامة كونفدرالية “الولايات المتحدة الإبراهيمية” بين دول المسار والجوار، (اي دول المشرق السوراقي ومصر والخليج العربي والكيان الصهيوني وتركيا وإيران)، وتعاونها ثقافياً واقتصادياً عبر السياحة الدينية، وحرية التجارة، والتنقل، وغيرها.

كما نرى فإن الأهداف المعلنة للمسار الديني والسياسي هي السلام والحب والوئام العالمي عبر الوصول إلى قواسم دينية مشتركة وتنحية النصوص المختلف عليها وتحفيز التعاون الاقتصادي بين الدول على هذه المسار ودول الحوار. عند التدقيق في التفاصيل والأهداف الغير- معلنة من هذه الكونفدرالية فسيتبين لنا مدى حقيقة هذه الأهداف والمغذى النهائي من هذه الطرح.

في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” في 1996 يركز رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شيمون بيريز على أن المصالح الاقتصادية والرخاء هي أهم العوامل لتلاشي كل العقائد سواء كانت قومية أو دينية وهذه المصالح لن تتحقق سوى بالسلام!(5)، والسلام بمفهومه هو أن تصيح إسرائيل نقطة الارتكاز والوصل الأساسية للنقل والمواصلات وشبكات وقنوات المياه والسياحة والتجارة والتكنولوجيا. إنَّ حديث بيريز عن خط سكة الحديد من المدينة المنورة إلى دمشق مروراً بوادي الأردن ومرتبطاً بحيفا، مع خط آخر من مصر إلى طرابلس الشام عبر حيفا وعن بناء ميناء جديد في غزة وميناء آخر مشترك مع الأردن في العقبة – ايلات وعن قناة مياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت وعن طرقات من شمال افريقيا عبر “اسرائيل” إلى العراق وإلى أوروبا… إنَّ هذا الحديث ما هو إلا مقدمة أو نموذجاً لنوعية المشاريع التي تعزز سيطرة إسرائيل على كل الحركة الاقتصادية في الشرق الاسط، وهي تتماهى مع ما جرى ويجري مؤخراً من تفجير لمرفأ بيروت وتهديم وتجويع وتهجير لأهل غزة وتخطيط لمشروع مدينة نيوم السعودية القريب جداً من مشروع ميناء العقبة – إيلات المشترك والتوقيع على اتفاق الممر الاقتصادي الهندي-الأوروبي عبر خط سكة حديد يربط الخليج بـ”إسرائيل”.

 الكونفدرالية الابراهيمية ما هي إلا الهيكل السياسي لتطبيق هذا السلام الابراهيمي الذي يبغي السيطرة الاقتصادية على كل بلدان المشرق السوراقي والجزيرة العربية ومصر من الفرات إلى النيل.

المشروع يتحدث أيضاً عن مفهوم “أصحاب الحق الأصلي” من دون تحديد هويتهم(6). هذا الطرح يفتح المجال أمام “اسرائيل” للادعاء “بالحق” بكل ما يتم اعتباره من ممتلكات اليهود في بلدان الكونفدرالية التي “هُجروا” منها خلال 75 سنة الماضية إضافة إلى “الحقوق التاريخية” في أي بقعة تخبرنا التوراة أو التلمود أو أي كتاب مقدس آخر عن وجودهم فيها من مصر إلى بابل إلى المدينة المنورة وخيبر في الجزيرة العربية، وبالتالي المطالبة بتعويضات كبيرة أو المقايضة على تهجير الفلسطينيين من أرضهم. الجدير بالذكر في هذا السياق، ما ورد في كتاب “العودة إلى مكة” لضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق “آفي ليبكن”، الذي أشار فيه إلى ما أسماه الشعوب الأصلية في أرض الجزيرة العربيّة والتي يجب إعادتها إلى بني إسرائيل(6) وأيضاً ما حاول القيام به علماء آثار يهود في زرع قطعة أثريّة فيها علامة للدين اليهودي في أحد المواقع الأثرية الأردنية للادعاء لاحقاً بوجود تاريخي لهم بهذا المكان.

الديانة الابراهيمية والهيمنة الروحية

من ناحية أخرى تدرك إسرائيل أن الهيمنة الاقتصادية رغم أهميتها لن تستمر طويلاً وتكتمل بدون تغيير الموروث الثقافي المعادي لوجود الكيان الصهيوني والذي أحد أهم روافده هو المعتقد الديني. إذا تابعنا السياسة الغربية الأميركية والأوروبية تحت عناوين محاربة الإرهاب والعنف ودعم “حقوق الأنسان”، فهي تسعى بشكل ممنهج إلى تغيير مفاهيم الإسلام الحالي التي تدعو بنظرهم إلى العنف وتكرس معاداة اليهود ولا تعترف بحق “الشعب اليهودي المختار” في الأرض المقدسة.

بالإضافة إلى الضغط الأميركي والأوروبي والصهيوني لتغيير أو “تطوير” المناهج التربويّة في المدارس وحذف أي آية أو إشارة ضد اليهود في الكتب الدينية والتاريخية وذلك عبر القنوات الحكومية الرسمية ومنظمات الأمم المتحدة كاليونيسيف والمنظمات الغير-حكومية والتمويل الموجه(7)، فهناك حملة كبيرة من كتاب وباحثين معروفين وصفحات مشبوهة على مواقع التواصل لإزالة القدسية عن المسجد الأقصى في القدس. تبدأ الحملة أو تستغل تنوع الآراء بقصة الاسراء والمعراج في القرآن التي تقول: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” [الإسراء: 1]، وتقول عن المعراج: ” وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) [النجم: 13-18]. بعض الفقهاء القلائل يرون أنَّ المعراج إلى المسجد الأقصى كان بروح الرسول دون جسده بينما الأكثرية الساحقة من رجال الدين يرون أنه عرج روحاً وجسداً معاً إلى القدس. تبقى هذه الأمور في علم الغيبيات ولا يمكن إخضاعها للعقل والمنطق والقدرات البشرية ولكن البعض يبني عليها لأغراض مشبوهة كالباحث المصري يوسف زيدان وباحثين آخرين ومشايخ ليقولوا إن المقصود في الآية بالمسجد الأقصى ليس المسجد الحالي في القدس بل مسجد آخر إما في مدينة الطائف أو مدينة الجعرانة بين مكة والمدينة لأن المسجد الأقصى في القدس لم يكن موجوداً في وقت الرسول وبناه الخليفة عبد الملك بن مروان الاموي(8). بغض النظر عن هذا الجدل الذي نتركه لعلم الآثار لإثبات أو إنكار وجود معبد في مكان المسجد الأقصى، فالغاية من الترويج لهذه الطرح واضحة وهي التشكيك أو إلغاء المسجد الأقصى كثاني مسجد بعد المسجد الحرام في مكة وكأولى القبلتين وثالث الحرمين، وبذلك إزالة أي إيمان ديني يربط المسلمين بالقدس وفك الارتباط الديني الذي يحفز أو يؤازر الشعور القومي بالانتماء للأرض في فلسطين والعمل على استعادة الحقوق المغتصبة.

لفك الارتباط الديني بالأرض تسعى الديانة الجديدة أيضاً إلى جعل الإسلام يقبل أو يعترف بأن فلسطين هي “الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ” لبني إسرائيل أي لليهود. بناء على ذلك يجب تفسير الآيات الكثيرة التي تتحدث عن بني إسرائيل والأرض المقدسة في القرآن على ما يتناسب مع هذه الطرح. نذكر من هذه الآيات:

“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ”. (المائدة: 20-21)

“وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحُسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون”. (الأعراف، 137)

“وَنُرِيد أَنْ نَمُنَّ عَلَى الذين اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنجْعَلَهمُ الوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لهُم فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وجنودَهمَا مِنْهُمْ مَا كانوا يحْذَرونَ”. (القصص 5، 6)

“ونمكن لهم في الأرض فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز، ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل”. (الشعراء: 57-59)

“وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفا”ً (الاسراء: 104)

معظم الفقهاء المسلمين يعتبرون أنَّ بني إسرائيل المذكورين في القرآن هم سلالة نبى الله إسرائيل (يعقوب)، واليهود هم من سلالة يهوذا أحد أبناء إسرائيل (يعقوب)”(9) ولذلك فاليهود لا يمثلون كل بني إسرائيل.

كذلك مازال الفقهاء يجمعون ورغم التأويلات والتفسيرات المختلفة لهذه الآيات، على رفض التفسير الحرفي للآيات وبالتالي رفض الوعد الإلهي لـ”بني إسرائيل” في أرض كنعان. الدكتور معتز الجعبري يؤكد في تفسيره على “ضرورة النظر في القرآن الكريم بشكل كلّي، وربط الآيات بعضها ببعض دون التوقف التفصيلي عند آحادها” وبناء على ذلك يستخلص من سورة البقرة “شروط استخلاف الله لأمة من الأمم في الأرض، والقوانين الإلهية التي تحكم ذلك، ومن تلك القوانين يتبين بشكل قطعي أن الله لا يحابي أمة ولا ينحاز إلى شعب”. بعد ذلك يفسر الجعبري معنى وراثة الأرض في القرآن فيقول إنها “تخليص لها (الأرض) من رجس كل طاغوت يحول بين الناس وبين معرفة الله وتوحيده، وإخراج الناس من ظلمات الشرك ودنسه إلى نور الله، … ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى؛ قال تعالى: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (سورة الأنبياء: 105-107). الجعبري يلخص بعد ذلك الفرق بين نظرة المسلمين ونظرة اليهود لوراثة الأرض بانه الفرق “بين رؤية بصيرة للوجود ورؤية ذاتيَّة مظلمة” كما يقول محمد علي آل عمر في كتابه “عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين -عرض ونقد.”(10(

رغم شبه الاجماع اليوم بين المسلمين على رفض التفسير الحرفي لتوريث الله للأرض المقدسة لبني إسرائيل، فإن المستقبل قد يخبئ مخططات إبراهيمية معاكسة. حتى الآن لم يتبن أي من الباحثين المعروفين في علم الأديان أي تفسير أو تأويل للآيات المذكورة آنفاً بشكل يتناسب مع المشروع الإبراهيمي التطبيعي، ولكن بعض صفحات التواصل المختصة والبرامج التلفزيونية تتطرق إليه من وقت لآخر وتحاول مثلا تفسير آية 21 من سورة المائدة التي يقول فيها موسى لبني إسرائيل ” يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ”. الجدير بالذكر أن المفسرون الأوائل في العهد العباسي وأهمهم المؤرخ الامام محمد بن جرير الطبري (839-923م) وضح ماذا تشمل هذه الأرض المقدسة في كتابه “تفسير الطبرى” فيقول: “وأولى الاقوال عندي بالصواب، أن يقال هي الارض المقدسة، كما قال نبي الله تعالى موسى (ص) لان القول في ذلك بانها ارضً دون ارضٍ لا تدرك حقيقته الا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير انها لن تخرُجَ من ان تكون من الأرض التي بين الفرات وعريش مصر، لأجماع جميع اهل التأويل والسير والعلماء بالاخبار على ذلك”(11). هذا تفسير من شخصية إسلامية تاريخية مرموقة بان الأرض المقدسة هي بين الفرات وعريش مصر وقد يستعمله ’ “الابراهيميون” للوصول إلى قواسم دينية مشتركة تعترف بأن فلسطين هي أرض الميعاد المقدسة لليهود. الجدير بالذكر أنَّ فك ارتباط الايمان الإسلامي بالمسجد الأقصى سيسهل أو سيمهد للاعتراف الديني بحق اليهود بأرض فلسطين.

الحرب على غزة

لن أدخل في الأهداف الاقتصادية من الحرب للسيطرة على غزة لموقعها البحري كنقطة وصل بين المشرق السوراقي ومصر والجزيرة العربية ولشواطئها الغنية بالغاز وسأكتفي بإلقاء الضوء على الأهداف الثقافية والدينية من هذه الحرب.

 إنَّ “الإسلام الجهادي” المشرقي السوراقي الذي مركزه القدس ودمشق وكربلاء والمتمثل سياسياً بحركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله ودول محور المقاومة يشكل عائقاً ثقافياً تطبيعياً أمام إسرائيل. فمفهوم الجهاد في سبيل الحق والدفاع عن المقدسات وأهمها القدس والمسجد الأقصى ورفض الاحتلال لن يعطي الأمان لمغتصب الأرض وسيكون عرضة لانتفاضات شعبية متى سنحت الفرصة ومهما تفعّل التعاون الاقتصادي الإقليمي. بعد نفاد الدور المرسوم للإسلام التكفيري الوهابي للتقسيم والتطهير والفرز العرقي في المشرق، يتم التخطيط اليوم “للإسلام الحيادي” الغير فعال، أو الغير مكترث لأي قضية ظلم واستعباد وقهر قد تحصل لشعوبه عامة وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. هذا “الإسلام الحيادي” لا يتلقى الدعم من اسلام الأزهر المصري التقليدي لحد الآن، ولكنه يستغل حاجة الإسلام إلى التجدد والقراءة الجديدة التي تتناسب مع العصر في عدة مسائل حياتية (وخاصة في ما ورد بالسيرة النبوية والأحاديث)، ليدعو إلى التحديث والتغيير لخدمة أغراض سياسية استعمارية.

هذه “الديانة الابراهيمية” ما هي إلا مخطط تآمري يتطلع إلى مستقبل إنهزامي أكثر استدامة وأكثر استقراراً، يقوم على جمع الأديان السّماويّة في جهة واحدة تعمل معاً على خدمة المصالح الاستعمارية (6) بقالب عصري ناعم، ظاهره سلام ومحبة وأخوة، وباطنه سيطرة وتبعية وعبودية. المشروع يحمل في طياته بعداً دينياً وبعداً سياسياٍ واقتصادياً، لكن كلها تصب في هدف واحد وهو الهيمنة الثقافية الروحية الصهيونية باعتبار اليهود هم أصحاب الحق في فلسطين، والهيمنة الاقتصادية المادية على مواردنا من خلال ربطها بإسرائيل وبذلك شل قدراتنا كأمة سوراقية مشرقية وعالم عربي.

المصادر والمراجع:

1.   أين اختفت آثار الأنبياء – خزعل الماجدي،

2.   الابراهيمية في السياقات الدينية والإستخدامات السياسية – د. عبدالحق دحمان

3.   الديانات الابراهيمية من الإختلاف الى الإئتلاف – رضوان السيد

4.  الديانة الابراهيمية وصفقة القرن – هبة جمال الدين

5.   أوراق إستراتيجية » مشروع بيريز يكشف ما وراء كواليس الأحداث الراهنة – إيهاب شوقي

6.   .الدّيانة الإبراهيميّة”؛ لعبة التّنين القديمة لتمويه هويّة الأرض – د. زينب الطحّان

7.   .استاذة باحثة تكشف معطيات عن الاختراق الصهـ.يوني للعالم العربي والاسلامي.. هل فات الآوان؟

8.   يوسف زيدان يكشف : المسجد الأقصى لا يوجد في فلسطين، بل في هذا الموقع

9.   إسرائيل فى القرآن الكريم – المصري اليوم، فوزية العشماوي

10.   كيف أبطل القرآن مزاعم اليهود بأحقيتهم بأرض كنعان؟، معتز الجعبري

11.   تفسير قوله تعالى يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم

اقرأ في الموضوع نفسه:

كلّنا إبراهيميّون…!

راجي سعد

مهندس وباحث في شؤون المشرق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق