العالم الآن

بريكس

عالم ما بعد القطب الواحد

مدخل:

عندما صاغ الاقتصادي البريطاني “جيم أونيل” مصطلح مجموعة “بريكس”، عام 2001، لم يخطر بباله ظهور تحالف قد يسعى إلى تحدي الهيمنة الغربية في الشؤون الدولية.. بل جل ما أراده هو لفت الانتباه إلى معدلات النمو الاقتصادي القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين (قبل انضمام جنوب أفريقيا عام 2010)، وكان المقصود من هذا المصطلح أن يكون سيناريو متفائلًا للمستثمرين وسط تشاؤم السوق في أعقاب الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من ذلك العام.
وتوقع “أونيل” أن تتضخم اقتصادات «بريكس» لتتفوق على مثيلتها لدول مجموعة السبع الكبار بحلول عام 2035 وأن الاقتصاد الصيني سيضيف تريليون دولار سنوياً للناتج العالمي ليصبح أكبر اقتصاد في العالم وليتفوق على الأميركي فى عام 2027، وأن الهند ستصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم بدلاً من فرنسا.
فهل سيكون استشراف “أونيل” دقيقًا في اقتصادات الدول الناشئة كأسرع الاقتصادات العالمية نموًا؟ وكيف سيواجه تراجع نمو الغرب ودول السبع الصناعية (7G) المجموعات المنافسة على الصعيد العالمي؟ وهل تهدف بريكس في إعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تحويل القوة من “الشمال العالمي” إلى “الجنوب العالمي”؟
سلط “أونيل” الضوء كمثال على نجاح الصين في الماضي في مواجهة التحديات الاقتصادية، مستشهدًا باستجابتها للأزمة المالية الآسيوية 1997-1998، وقدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والتوسع الحضري السريع، والسياسات المالية الفعالة. ورأى أن تركيز بكين الحالي على الابتكار في مجالات مثل شبكة الجيل الخامس والسيارات الكهربائية سيكون ضروريا للنمو في المستقبل، رغم أن التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، تمثل تحديات لا سيما في قطاعي التكنولوجيا والتجارة.

مقدمة:

انعقدت في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية فعاليات قمة بريكس في نسختها السادسة عشرة بمشاركة نحو 40 دولة، وتناول موضوع القمة الرئيسي تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين.
وتعد هذه القمة الأولى بعد انضمام خمس دول جديدة لمجموعة بريكس في العام 2024، واستمرت أعمالها لمدة 3 أيام. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح بأن زعماء دول “بريكس” سيتخذون قرارات مهمة لتعزيز قدرات المجموعة خلال هذه القمة.. بينما أشار الرئيس الصيني إلى الاضطرابات الخطيرة التي يشهدها الوضع الدولي، وأكد أن قمة بريكس عامل مهم لتشكيل نظام التعددية القطبية العادلة.. فما هي رهانات المجموعة في المرحلة المقبلة؟ وما هي انعكاسات دورها على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية؟
ولكن أهم الرهانات هي أن الرئيس بوتين أراد توصيل رسالة مفادها فشل الولايات المتحدة الأميركية والغرب في عزل روسيا.

التحولات الكبرى:

شهد النظام الدولي في العشرية الأخيرة من القرن الماضي، بعد سقوط جدار برلين (تشرين الثاني/نوفمبر 1989) وتفكك الاتحاد السوفياتي (26 ديسمبر 1991) الذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”. وقال “من لم يشعر بالأسى لسقوطه إنسان بلا قلب، ومن يعتقد في احتمالات عودته إنسان بلا عقل!”.
التحولات الكبرى التي نتج عن هذا التفكك يمكن حصرها في ثلاث مجالات هي:
1- تحولات جيوسياسية ترتبت عن إعادة توزيع عناصر القوة بين أطراف النظام الدولي.
2ـ تحولات اقتصادية تجلت في التوجه نحو بناء نماذج تنموية ترتكز على اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج.
3- تحولات قيمية برزت في صعود العوامل القيمية المرتبطة بالهويات والثقافات وبروزها على الصعيد الدولي.
تمثل تعهدات قادة بريكس بالدفاع عن مصالح الدول غير الغربية جزءًا من تحول تدريجي في تركيز المجموعة من الاقتصاد إلى الجغرافيا السياسية. وقال دانييل سيلك، مدير مؤسسة (بوليتيكال فيوتشرز) الاستشارية ومقرها جنوب أفريقيا: “لا تخطئوا الفهم، فالأمر لا يتعلق بالتجارة وحدها. إنه يتعلق بالتشرذم والاستقطاب السياسي الذي نشهده في العالم”. وأضاف أن الصين أشارت إلى احتمالات نشوب حرب باردة جديدة مع واشنطن كمسوغ لتوسعة المجموعة.
لكن مازال أمام دول بريكس طريق طويل لتقطعه لتحويل نفسها إلى منظمة عالمية متحدة بوسعها فعليًا تحدي الهيمنة الغربية على المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين.
لقد أسهمت تلك التحولات في تطور المنافسة بشكل حاد؛ ما أعطى الجانب الجيواقتصادي زخمًا جعله يتبوأ موقع الصدارة في إدارة العلاقات الدولية على حساب الجانب الجيوسياسي. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية، تتالت الأصوات الداعية إلى إصلاح النظام الاقتصادي العالمي وتوسيع عملية صنع القرار داخله.
في خضم هذه السياقات، مثَّل ظهور مجموعة البريكس، عام 2006، قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية، حدثًا نوعيًّا بارزًا.
وقد عبَّر ظهور المجموعة عن تحول مهم في نمط الحوكمة الاقتصادية للنظام العالمي وإنهاء المركزية والتحيز لمصالح دول مجموعة السبع الصناعية (7G) التي تهيمن عليه منذ نشأته عبر نظام “بريتن وودز” عام 1946.
تزامن حدث التأسيس (البريكس) مع الإرهاصات الأولى للأزمة المالية العالمية وتراجع النمو الاقتصادي في معظم البلدان الصناعية وتراجع الثقة في الاقتصاد الأميركي خاصة. كما تزامن مع بداية التخلي عن الدولار (Dedollarization) في المبادلات التجارية العالمية وتوسعها لتشمل عددًا مهمًّا من الدول الحليفة تاريخيًّا للقطب الأميركي – الأوروبي. وما زاد من أهمية تأسيس البريكس، ما تتميز به دول المجموعة من خصوصيات تختلف بها عن المجموعات والتكتلات الإقليمية والدولية الأخرى، التي غالبًا ما يجمع بينها البعد الجغرافي أكثر من غيره. ومن أهم تلك الخصوصيات:
* سرعة النمو: فهذا التكتل يضم 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم؛ ما يجعل منها أحد أهم التكتلات الاقتصادية، مقابل تراجع نمو المجموعات المنافسة، وفي مقدمتها مجموعة السبع الصناعية (7G). وقد أغرت تلك الخاصية عددًا من الدول الأخرى بطلب الانضمام للمجموعة.
* الثقل السكاني والجغرافي: فالمجموعة تمثل 40% من مساحة العالم، وتضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة الجغرافية، متوزعة على أربع قارات. وبها أكبر بلدين من حيث الكثافة سكانية، هما: الهند والصين؛ ما يجعل من البريكس أكبر الأسواق عالميًّا.
* الوزن الاقتصادي: تستحوذ المجموعة على ما لا يقل عن 40% من الثروة العالمية و31.5% من حجم الاقتصاد العالمي؛ ما جعلها تتجاوز مجموعة السبع الصناعية التي تمثل 30.7%. كما تمتلك المجموعة حوالي 20% من حجم التجارة العالمية، وتوفر أكثر من ثلث الإنتاج العالمي من الحبوب، وتتحكم في 50% من احتياطي الذهب والعملات في العالم.
* طبيعة العلاقة: فالرابط الذي يجمع بين بلدان المجموعة ليس رابطًا تاريخيًّا أو جغرافيًّا وإنما هو رابط جيواقتصادي بالأساس، يعكس إرادة جماعية لإرساء نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب. وهذا الهدف عبَّرت عنه المجموعة في جملة أهدافها التي رسمتها في وثائق التأسيس؛ ما يجعل منها مبادرة عالمية بامتياز، وليست مجرد تكتل إقليمي كباقي التكتلات.
* نموذج العمل: تقدم المجموعة نموذجًا غير تقليدي يتوجه نحو الاقتصادات الصاعدة التي لها القدرة على النمو ومنافسة التكتلات الكبرى، بالتوازي مع تأثيرها في المؤسسات المالية العالمية. مرجعية هذا النموذج النظام الرأسمالي القائم على الاقتصاد الحقيقي بدلًا من الاقتصاد المالي الذي يهيمن في الوقت الراهن على النظام العالمي. ويهدف هذا النموذج إلى إنشاء نظام نقدي جديد بديلًا من نظام “بريتن وودز” المترهل، ومستقلًّا عن هيمنة الدولار عبر إرساء عملة عالمية جديدة. كما يسعى إلى الحد من دور صندوق النقد الدولي وتمكين مشاركة الدول النامية في المؤسسات المالية العالمية، إلى جانب إنشاء وكالة تصنيف دولية مستقلة.

انضمام دول لـ “بريكس”

أعربت “بريكس” عن اهتمامها بتوسيع عضويتها لتشمل الاقتصادات الناشئة الأخرى؛ بهدف توسيع نفوذ المجموعة وتمثيلها في الحوكمة العالمية. ويتضمن هذا التوسّع توجيه الدعوات إلى دول جديدة تشترك في رؤية مجموعة بريكس لنظام عالمي أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب. وقد أعلنت المجموعة عن أول توسعة لعضويتها في تاريخها؛ حيث ستنضم إليها رسميًّا، اعتبارًا من 1 يناير 2024: مصر وإيران والمملكة العربية السعودية (لا تزال حذرة) والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين (الأخيرة علقت انضمامها بعد وصول رئيس جديد للجمهورية “خافيير ما يلي” وهو يميني متطرف وصديق للغرب و”إسرائيل”). وهناك أكثر من 30 دولة تقدمت بطلبات رسمية أو أبدت اهتمامها بالانضمام إلى البريكس، مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام وتركيا، ومنتجي النفط والغاز الرئيسيين مثل الجزائر (قبل أن يُعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن بلاده -التي لم تتم دعوتها للانضمام ضمن المجموعة السابقة المكونة من ست دول- طوت صفحة الانضمام للتكتل). علاوة أيضاً على دول ذات أعداد سكانية كبيرة مثل إندونيسيا ونيجيريا وبنغلاديش.
ويمكن أن يجلب توسيع العضوية العديد من الفوائد لمجموعة بريكس منها: أولًا، تعزيز التمثيل العالمي؛ حيث من شأنه أن يزيد من تمثيل المجموعة في العالم، الأمر الذي يعطي صوتًا أقوى للاقتصادات الناشئة والدول النامية. وثانيًا، تعاون اقتصادي أوسع من شأنه أن يوسّع فرص التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار بين مجموعة واسعة من البلدان. علاوة على ذلك سيكون هناك تأثير أكبر على القضايا العالمية، ما يمنح المجموعة صوتًا أقوى في تشكيل السياسات الدولية ومعالجة التحديات العالمية.
إن توسع المجموعة بإضافة الدول الجديدة يمثل فرصة كبيرة لتعزيز مكانة التكتل ودوره في المستقبل.
من المتوقع أن يكون التكتل أكثر تأثيرًا بناء على عدة عوامل، منها:
*إن انضمام دول نفطية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات، في ظل وجود روسيا، يمثل فرصة كبيرة لزيادة احتياطي المجموعة من النفط.
*إن انضمام دول جديدة منها أثيوبيا وإيران ومصر، سيرفع عدد سكان التكتل، ليمثل نسبة كبيرة من سكان العالم، وبالتالي يصبح أكثر تأثيرًا.
*تنسيق التكتل الرؤى حول المواضيع الأساسية سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية سيكون أمرًا مؤثرًا في المحافل الدولية، خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، ليكون أكثر تنظيمًا، فإذا تمت مقارنته اقتصاديًا سيكون أكبر منافس لمجموعة السبع.
كما سيكون لتوسع التكتل على الهيمنة الأميركية، تأثيرات طويلة المدى أن من الممكن أن يتم من خلال استخدام عملة مشتركة تدريجيًا ستجرى التهيئة لتقليل الاعتماد على الدولار، ليكون التحول نحو الاعتماد على عملات الدول التي يحدث بينها تبادل تجاري فيما بينها، أو مستقبلًا إيجاد عملة بديلة للدولار قد تكون عملة رقمية.
ووفق USIP، فقد شهدت التجارة داخل مجموعة البريكس نمواً ملحوظاً، حيث تم تشجيع استخدام العملات المحلية في التجارة بين الأعضاء. وزادت التجارة الداخلية بين دول البريكس بنسبة 56% من 2017 إلى 2022، ونتيجة للعقوبات الغربية على روسيا، ازدادت هذه التجارة.
وتسهم العقوبات الغربية وحالة الدولار كعملة احتياطية عالمية في دفع الدول إلى الانضمام للبريكس. كما تسعى الدول التي تأثرت بالعقوبات الأميركية، مثل روسيا والصين، إلى تقليل هيمنة الدولار لتفادي العقوبات وتقليل نفوذ الولايات المتحدة. وقد برزت الصين كزعيم في جهود تخفيض الاعتماد على الدولار، حيث أصبح اليوان العملة الأساسية في التجارة بين الصين وروسيا. يندرج ضمن المساعي الروسية والصينية أيضاً لإقامة نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب وفق رؤيتهما الخاصة، وبصفة خاصة فيما يخص النظام الاقتصادي. ويقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي لـ CNBC عربية: “لذلك تسعى المجموعة لجذب المزيد من الدول النامية حتى تقدم لهم بديلاً عن رؤية المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي، وكيفية التنمية والإقراض وهكذا”.

القمة الـ 16 في “قازان”

في خضم هذه التحولات جاءت القمة الـ 16 لمجموعة البريكس (22.10.2024) رمزية فريدة تستند إلى اعتبارات عدة، تتمثل في دلالة اختيار مدينة قازان التي تقع على بعد نحو 500 ميل شرق موسكو، في محاولة لإظهار المرونة الواضحة للاقتصاد الروسي، وفشل العقوبات الغربية في التأثير عليه، حيث تعد قازان العاصمة الثالثة لروسيا، وهي واحدة من أغنى المدن في البلاد، وتتمتع ببنية تحتية جيدة، ومشروعات استثمارية متوسعة، وتدل المدينة المضيفة أيضًا على علاقة روسيا الوثيقة مع العالم الإسلامي، فهي عاصمة تتارستان؛ الجمهورية المسلمة الواقعة عند مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا.
تأتي قمة البريكس في وقت حاسم حيث تشهد الولايات المتحدة تراجع هيمنتها العالمية. يشير تعبير “تنافس القوى الكبرى” أو “الحرب الباردة الجديدة” إلى الديناميات العالمية الحالية، لكن هذه الأطر قد لا تعكس بشكل كافٍ التحولات التي يشهدها العالم، وفق تحليل “آدم غالاغر” و”أندرو تشيثام” من معهد السلام الأميركي. ويضيفا أن التحول إلى نظام متعدد الأقطاب هو اتجاه رئيسي يجب أخذه بعين الاعتبار. بالنسبة لدول الجنوب العالمي، فإن تعددية الأقطاب توفر وسيلة أكثر أمانًا للحد من الهيمنة. ومع ذلك، تعاني المؤسسات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، من عدم الفعالية، حيث لا تعكس تركيب السلطة المعاصر، مما يؤدي إلى أزمة في النظام الدولي.

أرقام القوة الاقتصادية لـ “بريكس”

تظهر الأرقام القوة الاقتصادية التي وصلت إليه دول بريكس، فقد أصبحت مسيطرة وكبيرة على مستوى العالم، وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي، أن مساهمة التكتل بلغت 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي بنهاية 2022، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية (هي الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، كندا، اليابان).
وفيما يلي أبرز الأرقام:
أـ يبلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 26 تريليون دولار.
ب ـ مجموعة بريكس تسيطر على 17 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
ت ـ تسيطر دول بريكس الحالية على 27 بالمئة من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع.
ث ـ يبلغ عدد سكان التحالف 3.2 مليار نسمة ما يعادل نحو 42 بالمئة من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع، نحو 800 مليون نسمة.
ومع دخول الأعضاء الجدد إلى مجموعة بريكس يمكن أن تنمو مساحة التحالف بمقدار 10 ملايين كيلومتر مربع، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة. حيث تضم المجموعة، ثلاث قوى نووية هي: روسيا، الصين، الهند، وأربعة من أقوى جيوش العالم، بصدارة الصين والهند وروسيا.
وتشير بيانات صندوق النقد الدولي، أن حجم اقتصاد الصين لوحده، يفوق 6 من اقتصادات (G7)، وهي ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة.

بنك التنمية بديل البنك الدولي

في سياق متصل، أطلقت دول المجموعة خلال قمة “فورتاليزا” التي عقدت بالبرازيل عام 2014، بنك التنمية الجديد (NDB) برأس مال أولي قدره 50 مليار دولار؛ يعمل كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يوفر التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة. كما أنشأت “صندوق الاحتياطي النقدي” “سي آر إيه” (CRA) والتي تهدف إلى توفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية وهذا يشمل قضايا العملة حيث تتأثر العملات الوطنية للدول الأعضاء سلبًا بالضغوط المالية العالمية.
وتُظهر هذه المبادرات، نية التكتل، في إنشاء مؤسسات تمثل مصالح الاقتصادات الناشئة، وتوفر بديلاً للمؤسسات المالية العالمية الحالية.
وكان إنشاء بنك “بريكس” للتنمية، تأكيدًا لتزايد قوة تأثير اقتصادات المجموعة في الاقتصاد العالمي، خاصة أن الاقتصاد الروسي كان ينمو بحوالي %7.5 فى عام 2007، والاقتصاد البرازيلي بأكثر من %6 فى ذلك العام، وإن كان متوسط نمو اقتصاد «بريكس» خلال العقد الحالي بلغ أكثر من %6 سنوياً، وهو يعادل أكثر من ضعف متوسط النمو السنوي لمجموعة السبع الكبار.
وفي هذا الصدد، قال “جوستافو دي كارفالو”، كبير الباحثين في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية، إن إضافة الدول الغنية بدولارات النفط إلى بريكس قد يوفر سيولة تتعطش إليها مؤسسات مثل بنك التنمية الجديد.
استراتيجيًا يشار في هذا السياق، إلى بنك التنمية الجديد، يُعرف بكونه بديلاً عن المؤسسات المالية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويسعى إلى تقديم تمويل بشروط مرنة وبفوائد منخفضة مقارنةً بالبنوك الغربية، مما يجعله جاذباً للدول التي تواجه صعوبات اقتصادية أو ترغب في تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، ولم يخطئ وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” خلال مشاركته في ندوة الخيال العلمي الدولية “خلق المستقبل” (4.11.2024).. لم يخطئ القول أن الجانب السلبي من الكفاح العدواني ضد غير المرغوب فيهم هو ان “الغرب يقطع الغصن الذي يجلس عليه”، مدمرًا النظام العالمي لتقسيم العمل الذي انتشر في كافة أنحاء العالم منذ بداية التسعينيات.

ختامًا
إن مضاعفة دول التكتل محاولة جيدة من جانب دول المجموعة من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، وهي الخطوة التي لن تنجح في يوم وليلة لكنها تحتاج إلى سنوات قد تصل إلى عقود للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب في وجه الولايات المتحدة الأميركية.
كما أن فكرة خلق اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب، والتوازن في العلاقات الاقتصادية إضافة إلى تقليص من هيمنة الدولار الأميركي، كلها خطوات هامة يأمل الوصول إليها، لكن حدوثه ليس سهلًا، حيث إن الوصول إلى التوازن العالمي يتوقف على قوة الأطراف الموجودة في البريكس.

فارس سعد

رئيس مجلس الإدارة / المدير العام لمجلةالصناعة والاقتصاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق