العالم الآن

قمة الحليف الصديق والعدو اللدود في سوتشي

الازدواجيّة في السياسة الروسيّة

 بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زار رئيس وزراء (إسرائيل) نفتالي بينيت مدينة سوتشي الروسية وعقد لقاء قمة جمعه بمضيفه الروسي، وهي الأولى من نوعها. اتسمت الزيارة بالود والحفاوة، وتم تمديد وقت اللقاء من ساعتين إلى خمس ساعات، الأمر الذي يشير إلى أهمية وخطورة موضوعات البحث، كما تم تمديد الزيارة ليومين آخرين مما يشير إلى أن لجاناً مهمة قد تشكلت لمتابعة وتنفيذ ما اتفق عليه الرجلان واستدعت بقاء بينت في روسيا . الصحافة (الإسرائيلية) احتفت بالزيارة وأكدت على حميميتها وعلى أهمية نتائجها ونجاحها الذي فاق – حسب ما ورد – توقعات (الإسرائيليين). وقد حضر اللقاء إلى جانب بينت وزير الإسكان (الإسرائيلي) – ذو الأصل والثقافة الروسية – زئيف بيلكن بصفته مستشاراً ومترجماً، وهو من كان قد رافق في السابق نتنياهو في كل زياراته لروسيا، مع الإشارة أن هذا الوزير يبدو أنه يلعب دور القاسم المشترك الروسي – (الإسرائيلي).

 وفقاً لتصريحات بيلكن: إن الزيارة كانت مثمرة وواسعة الطيف، وقد اشتملت على ثلاثة محاور:

المحور الأول: الوضع في سوريا، والذي احتل مكانة مركزية في القمة، حيث كانت المحادثات شاملة وهدفت إلى تعزيز التنسيق الروسي – (الإسرائيلي) وإبقاء سياسات روسيا تجاه الغارات (الإسرائيلية) على الأراضي السورية على ما هي عليه في الوقت الحاضر، ومنع أية حوادث قد تطال بها نيران الطائرات أو الصواريخ (الإسرائيلية) القواعد الروسية أو الجنود الروس العاملين على الأراضي السورية، و لاحقاً أضاف بينت أنه وجد لدى بوتين آذاناً صاغية بشأن احتياجات (إسرائيل) الأمنية .

المحور الثاني: الملف النووي الإيراني، حيث يرى الإسرائيلي أن البرنامج النووي الإيراني قد بلغ مراحل متقدمة وخطيرة ويثير قلق (الجميع)، ويبدو أن الجميع هنا تشمل موسكو، وأن إمكانية تسرب النشاط النووي الإيراني إلى سوريا تحمل مخاطر إضافية على (إسرائيل)، وقد تم التوصل إلى اتفاقات عملية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفي المضمون إطلاق يد الإسرائيلي لضرب التواجد الإيراني في الأراضي السورية، إذ بدا واضحاً أن في ذلك مصلحة روسية – (إسرائيلية) مشتركة.

المحور الثالث: الملفات الإقليمية الأخرى، وهي ولا بدَّ شملت العراق واليمن وترسيم الحدود البحرية مع لبنان وحقول الغاز في شرق المتوسط، ولم يرد أي ذكر للشأن الفلسطيني في الأخبار المتداولة عن هذه القمة.

في محاولة لقراءة هذه الزيارة قراءة سياسية، تجدر ملاحظة القلق الروسي – الإسرائيلي المشترك تجاه ملفات عديدة، وأن هذا القلق لدى الروس يتعلق أولاً باستعادة دورهم العالمي، وفي هذه الزيارة ما مكنهم من الإمساك بأوراق شرق أوسطية متناقضة وجمعها في قبضة واحدة، وتتعاطى موسكو بمنطق يشير وكأن سوريا رهينة لديها، لذلك نراها منزعجة من الشراكة الإيرانية في الملف السوري، في حين ترى الحكومة (الإسرائيلية) ضرورة البناء على ما أنجزته حكومة نتنياهو من تفاهمات حول سوريا وإيران مع القيادة الروسية، وترى أن هناك تبايناً في الرؤى مع الإدارة الأمريكية تجاه الملف السوري والملف النووي الإيراني. إدارة بايدن تريد العودة للاتفاق النووي الذي كانت إدارة الرئيس الأسبق أوباما قد أبرمته، وتدرك ويدرك معها الانجليز والفرنسيون والألمان بأن عقوباتهم تجاه إيران عبر أكثر من أربعة عقود لم تؤت أكلها، وإنما جاءت حصيلتها في صالح إيران التي تحولت عبر هذه العقود الأربعة من دولة نفطية استهلاكية مثلها مثل جيرانها من دول الخليج، إلى دولة متقدمة في الصناعة والزراعة والسيبرانية والإنتاج الحربي، معتمدة على استنهاض طاقاتها. كما أصبحت إدارة بايدن على يقين أن الأزمة السورية مهما استطال زمنها، إلاَّ أن خط النهاية قد أصبح مرئياً بوضوح، وهو أن الدولة السورية ستنتصر وباقية ولا بدَّ من التعاطي معها، الأمر الذي بدا في تجاهل واشنطن لقانون قيصر، وفي تطور العلاقات الأردنية – السورية والمصرية السورية ثم في الاتصال الأخير بين الرئيس السوري وولي عهد أبو ظبي، هذا ما لا تريد (إسرائيل) التسليم به وتجد فرصتها للمشاغبة عليه في الاستدارة نحو روسيا.

 يدرك من يعمل بالسياسة، أنَّ المصالح هي المحدد الأول للسلوك الاستراتيجي للدول، وإن كانت السياسة تعطي هامشاً أكثر مرونة للسلوك، إلاَّ أنَّ عليها في النهاية خدمة الإستراتيجية والمصالح العليا التي تبقى صاحبة الأولوية على المصالح العابرة والآنية، وأمام حميمية زيارة بينت لسوتشي والنتائج التي ترتبت عليها، يطرح التساؤل المشروع: هل يدرك سيد الكرملين أنَّ (إسرائيل) مهما اقتربت منه، إلاَّ أنها تبقى في حظيرة المشروع الغربي المعادي لروسيا ؟ وأن روسيا لا تستطيع ان تكون لاعباً دولياً على المدى البعيد بهذه الطريقة المنافقة ؟

ثم هل من المقبول قومياً أن نبقي على مجاملاتنا لهذا الصديق الحليف الذي يعطينا منظومات S 300 ويحول دون قيامها بدورها في حماية أجوائنا، ويجعل من سمائنا وأرضنا مكشوفتين أمام صواريخ وطائرات العدو، وذلك بشرط ألاَّ تستهدف قواعده وعساكره … هل يجوز لنا أن نقبل أن تكون دماؤنا وأرواحنا وأراضينا مادة استخداميه له ؟

نعترف ونقدّر الدور الروسي في مساعدة سوريا في بداية الأزمة عندما كان الدواعش ومن لف لفهم، وغرفة موك ونظرائها يعيثون في الأرض السورية قتلاً وفساداً ودماراً، ولكن على الدولة الروسية أن تعرف وتقدر أن سوريا هي أول من وقف معها في استعادة مكانتها التي فقدتها مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وسوريا من منحها إطلالتها على المياه الدافئة في طرطوس وهي الأهم للأساطيل الروسية، ومن منحها الإطلالة على أهم حقول غاز مستقبلية، مع فرص الاستثمار بها في شرق المتوسط.

 الروسي خير من يعرف أن استهداف سوريا كان بسبب عدم خضوعها للمشاريع الغربية السياسية والاقتصادية على حد سواء، ومنها محاولة الغرب الاستثمار في الغاز السوري عبر الشركات الغربية – الخليجية وبشكل خاص شركة (كيوتل)، ولضرب مبيعات شركة (غازبروم) الحكومية الروسية.

 تنظر روسيا إلى مصالحها الصغيرة والآنية على حساب مصالحها العليا، ولعل سكوتنا يشجعها على ذلك، فمن حقنا أن نرى مصالحنا باعتبارها الأولوية التي لا تأتي قبلها أية أولويات أخرى، ومن حقنا على روسيا أن تنظر بشكل استراتيجي لمصالحها المرتبطة أساساً بسوريا ومجال سوريا القومي والحيوي، وأن (إسرائيل) هي النقيض والوليد الخطر لسياسات معادية لأي دور روسي، سواء أكانت روسيا شيوعية أم قومية لبرالية رأسمالية.

الدور الروسي الآن من طبيعة مزدوجة مثير للقلق ومدعاة للحذر الشديد، وإذا ما استمر على هذا النحو، فإن تهاوننا في التعاطي مع هذا الدور أمر لا يجوز.

سعادة مصطفى ارشيد

سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين فلسطين المحتلة

تعليق واحد

  1. الى متى تبقى اسرائيل صاحبة القرارات العليا على دول العالم و هي التي تسير الامور و تقرر ما تريد و ترسم الخطط و الكل يطأطئوا رؤوسهم امامها و يقولون آمين
    لم يأتي الاسرائيلي على ذكر اي شيء خاص في فلسطين فقد اصبحت فلسطين طي النسيان . نستحق ذلك و أكثر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق