عالِمٌ وشاعر
حرّاس الحلم العظيم
[ماذا لو التقى عالِمٌ وشاعر…؟ عالِمٌ باحثٌ مُنقِبٌ، وشاعرٌ مفتونٌ بالأفق؟
العالِم الدكتور ميخائيل معطي هو فصلٌ بهيٌ من تاريخنا العلمي في حقل العلوم الجيولوجيّة، عمله وإنجازاته لها طابع تأسيسي لعمارة علميّة تقوم عليها. هو من ذلك الجيل الذي تفتّح وعيه على ذلك الحلم العظيم… حلم أن تخرج سوريا من تحت ركام تاريخي يكاد يجهز عليها… تخرج مجدداً لتكون كما يجب أن تكون، بإرثها الروحي والعقلي وخطها الإبداعي العملي.
خليل سلّوم شاعرٌ من ذلك الجيل نفسه… الذي حتماً سترى أدونيس في طليعته، خليل سلّوم هو الآخر مسكون بذلك الحلم الذي تحاصره الكوابيس من كل صوب… ولكنه عندما يتطلع في ذلك الأفق المفتوح يتحرر من تلك الكوابيس إذ يرى تلك العقول التي تحمي ذلك الحلم من الضياع وتعزز الثقة بأن الركام سينحسر بفعل تقدم تلك العقول نفسها.
في هذا المكان تماماً، يرى خليل سلّوم الشاعر ميخائيل معطي العالم، الذي سيُطلق على إحدى مُكتشفاته اسم: سوريا، فيلتهب خيال الشاعر مجدداً… وتبدو الآفاق واسعة وضّاءة…
عالِمٌ وشاعر… عقلٌ وخيالٌ… في عناق ابداعي هارموني على إيقاع: سوريا.]
عرّش يراعك واكتب سيرة العظما
خليل سلّوم
تحية إلى العلاّمة الدكتور ميخائيل معطي.
امسحْ دموعك ناجِ الطّرس والقلما
جُلُّ الكلام صدىً لسيرة العُظما
ناجِ العباقرة الأفذاذ مزدهياً
غنّي رُؤاهم ورنَّم ذكْرهم نَغَما
ما جدّد الكونَ إلاّ مبدعٌ فطنٌ
قد راحَ في بَحثِه شوطاً وما هُزما
ففكَّ أسرارهُ وكَمْ يخلّي لنا
من جَهدِهِ في رياضِ الفِكْر مُغْتَنَما
والعبقريُّ هو الباني بلا مننٍ
ما خرّبَ الجاهلُ الباغي وما هدما
***
يا عالِماً روَّض الأجيالَ طالعةً
جازت دروبَ المعالي تَرتقي الشَّمما
نِعْمَ العُلومُ تروزُ الكونَ تَسْبرُه
تزيده قدَراً تزيدُه نِعَما
شعّتْ رؤاهُ كَوهج الشمس ساطعةً
عِهِدنا منه الرّؤى الغرّاء والحِكَما
يُعطي بصدقٍ ويُعطي بالعَطا ألَقاً
والمبدعُ الصّاحي يَحيا العِزَّ والكرما
عُظمى الأماني لقد رَفّتْ له شغفاً
ففاق بالعلم ما جَدَّ وما قَدُما
شاء المعاني فصار فوق قمّتها
يا قمّةً شمَخت لكم عَلَتْ قِمما
***
يا عالِماً واعياً شعّت رُؤاه هُدىً
فجودةُ الرأي فاقت صحوةَ الحُكَما
نراهُ يرسمُ رؤيا من تطلّعهِ
يا سحرها الرؤيا يا سحرَ من رسما
فعانَدَ اللّيلَ لَمْ يأبَه لوحْشَته
مُنقّباً باحثاً ما كلَّ ما سئِما
ما أغمضَ الجفنَ نوماً إلاّ منتصراً
فوق أعالي الذّرا كم قبّلَ العَلَما
وضاحكَ الفجرَ مأخوذاً بمأربه
في فسحةِ اللّيل كم ناجاهُ مبتسما
ووجهه مشرقٌ شعَّ الضّيا فرحاً
فهل تُراهُ بوجه الفجرِ مُلتثما
ما غرّهُ زُخرفُ الدنيا وزينتُها
قد ماجَ جوهرهُ المكونُ فالتزما
يمضي مُنارَ الرؤى ما عاقَه هرمٌ
والمؤمنُ الحرُّ لا، لا يعرفُ الهرما
***
إنَّ التسامحَ بعضٌ من شمائِله
يا صادقاً مؤمناً ما كفَّر الصنما
لَهْ أصالتُنا والنصرُ نفحتُها
عزّتْ أصالتُنا ممهورةً بِدما
من طيفِ سحرِه ذاع الزهرُ نشوتَه
فوحاً نديّاً زكيّاً داعبَ النسَما
قد عرّشَ المجدُ مفتوناً بطلعته
في صفحةِ العمرِ خطَّ المجدَ مرتَسما
وهجُ الكمال كأنَّ اللهَ صوّره
فبالمهابةِ والإقدامِ اتّسما
عن الطعامِ يصومُ يومَه لغدٍ
وهو العليمُ، شهيَّ العلمِ التَهَما
***
يا أيُّها القدرُ الغافي استفقْ خجلاً
في صحوةِ المجدِ من يغفو فما سَلِما
***
أهلُ الخديعةِ خابوا وقد كذبَوا
كم فاسدٍ منهُمُ قد عاثَ واتّهما
همُ السّرابُ لكم جاؤوا بخادعةٍ
فموهّوا الرّملَ ماءً وأَتَوا بظَمَا
قد ادعّوا واهمين، المجدُ كذّبهم
فحلمهم جفَّ في أجداثهم رِمما
أهلُ السّرابِ وإن ضجّتْ مضاجعُهم
منذُ زمانٍ عرفَنا شحمهُم ورما
أيا شُجاعاً، مدار النصرِ ساحتُه
خاضَ الغُمارَ شديدَ البأسِ مُقتحما
قتلتَ تنينهم، غاموا، انزووا جزعاً
فجّرتَ ماءً نقيّاً صافياً عرِما
لوّحتَ للأفقِ فاربّدتْ سحائِبُه
تراصفتْ زُمراً فأوفدتْ دِيما
ابنُ الحياةِ لكم صدقتْ عزيمتُه
لوِ الرّمادُ تخطَّى داعبَ اللّمما
***
يا عالِماً صادقاً وعياً ومعرفةً
ليلُ الجهالةِ يمحوهُ ولو عتَما
صدقُ البطولةِ إيمانٌ ومعرفةٌ
الأرضُ شاهدةُ لها وسما
من استطالتْ جبينَ الشمسِ جبهتُهُ
بواهجِ النّور عِزّاً توّجَ الأُكُما
***
نضارةٌ أنتْ راحَ الفجرُ يرشُفها
والزهرُ يرصدُ من ألوانِها العنَما
بشاشةٌ أنتْ ما غابتْ مفاتنُها
غنيّتَها فرحاً، غنيّتَها شِيَما
منها استعارتْ ثغورُ الوردِ بسمَتَها
ما استمهَلتْ قبّلتكَ وجنةً وفما
***
سفينةُ المجد كم تحكي عراقتُها
عن سالفِ المجدِ والإبداعِ للقُدمَا
راحت ومن حرمِ التاريخ واهجُها
في بابلٍ، في دمشقٍ، مَهْدُها وحِمى
رُبّانُها أنتَ يا عالِماً علَماً
وخطُّ سيركَ لا ما انْزاحَ، ما انثلما
إذ صرتَ في الشطِّ صارَ الموجُ في هلعٍ
يعلو ويهبطُ رجراجاً ومُلتطما
وعَربدَ اليمُّ بالإعصارِ أرسلَه
لا ما انثيتَ، انثنى الإعصارُ مُنهزما
***
يا عالِماً صادقاً والصدقُ مَحتِدِه
عنه اليراعُ حكى ما غامَ ما كتما
جازَ العُثارَ وفوق الصخرِ معبرُه
فأورقَ الصخرُ إذ قد لامسَ القدما
دربُ الحياةِ طويلٌ شائكٌ عثرٌ
جاز الدروبَ تحدّى الشوكَ واقتحما
ففوّحَ الدربُ طِيباً ليس ذا عجباً
فزهرةُ الشوكِ كانت قطرةً من دِما
فالمُبدعُ الفذُّ ما عاقتْهُ غائلةٌ
فكم تحدّى سراباً خادعاً عَقِما
***
يا عالِماً صادقاً بالصدقِ منتصرٌ
الصدقُ والنصرُ رديفانِ بك التأما
باسمِ بلادي لكم يحيا بنا قَسمٌ
باسم الوفاءِ نحييّ الاسمَ والقَسما
آمنّا بالصدقِ يجلو كل خافيةٍ
ما همّنا الجهلُ يرغو يرشقُ التُهما
إن ضامَنا الجرحُ في نزفٍ وفي ألمٍ
نضمّدِ الجرحَ صبراً نعصرِ الألما
***
يا مرمريتا لكم أنجبتِ من عَلَمٍ
من نابهٍ عبقريٍّ عَلّمَ العُلما
قد استفاقتْ به أمجادُ أمتهِ
كم هلَّ للذكرى في تيهٍ بها حَلُما
وطافَ حرّكَ في التاريخ ذاكَرَهُ
أجدادُه الصّيدُ راحوا علّموا الأُمما
***
يا بلدةُ عَمُرت طابُ الوفاءُ لها
عهدُ الوفاءِ لها قد عزَّ ما انفصما
أحبابُنا فيكِ ما اهتزّتْ منابُرهم
شاؤوا الكتابَ هُدىً وحالفوا القَلَما
من كاتبٍ حذقٍ أو شاعرٍ غردٍ
أو عالِمٍ شعَّ نِبراساً لمن عَلِما
سبّاقةٌ أنتِ في علمٍ وفي أدبٍ
تَوزّعَ العِلمُ منكِ في القُرى فنما
***
العبَقريةُ روحُ العِلمِ خالدةٌ
عهدُ العباقرةِ الأمجادِ ما انصرما
لا يجرؤ الموتُ مسَّ عالِمٍ فَطنٍ
بالعِلمِ بالصدق بالإيمانِ اعتصما
الموتُ ماتَ وفي وادي الجحيمِ هوى
يصطكُّ ظُلمتَهُ والنارَ والعدما
إنَّ الحياةَ لنا قامتْ قُيامتنا
إنّا نُغنيّ، نُحييّ العالِمَ العلما
***
امسحْ دُموعكَ واحبسْ من تقاطُرها
عرّشْ يراعكَ واكتبْ سيرةَ العُظما
—————————————–
هامش: ألقى الشاعر هذه القصيدة في مهرجان تكريم الدكتور ميخائيل معطي يوم الجمعة الواقع فيه 29 تشرين أول 2021 في مسرح المركز الثقافي في مرمريتا.
الدكتور ميخائيل معطي
(1933 – 2021)
سيرة اعتزاز وافتخار
الأعمال الأكاديمية
إشراف على إنجاز شهادات دراسات عليا وعضو في لجان تحكيم أطروحات الماجستير والدكتوراة في جامعات دمشق وباريس وستراسبورغ، ويس ومرسيليا ونانسي.
الكتب التي ألّفها:
علم المستحاثات (الباليونتولوجيا)، الناشر: جامعة دمشق – 1967
مدخل إلى علم الجيولوجيا، الناشر: جامعة دمشق – 1967
الستراتغرافيا، الناشر: جامعة دمشق – 1976
الخرائط الجيولوجية، الناشر: جامعة دمشق – 1980
مبادئ الجيولوجيا الطبقية، الناشر: جامعة دمشق – 1980
الجيولوجيا التاريخية، الناشر: جامعة دمشق – 1998
الجيولوجيا الطبقية (الستراتغرافيا) (1)، الناشر: جامعة دمشق – 2003
كنوز الأرض – رحلة عبر تراث سورية الجيولوجي – 2005
(كتاب مرجع لعدد من الباحثين العالميين، تم نشره باللغتين العربية والإنكليزية)
الجيولوجيا الطبقية (الستراتغرافيا) (2)، الناشر: جامعة دمشق.
كما شارك في وضع خرائط الحقب الثاني الجيولوجية لمناطق المتوسط
(البرنامج الدولي لأقيانوس التيتس).
الاكتشافات
اكتشف خمسة أنواع جديدة من المستحاثات.
أربعة من هذه الأنواع محفوظة في متحف التاريخ الطبيعي في باريس، أحدها أطلق عليه اسم سوريا(Syriana)، ونوع واحد أطلق عليه اسمه (moutyi) محفوظ في متحف التاريخ الطبيعي في جنيف.
إضافة إلى تصنيف مجموعة مستحاثية نموذجية مميزة عالمياً لطوابق الكريتاسي الأدنى،
محفوظة في متحف التاريخ الطبيعي في جنيف بسويسرا تحت اسم: مجموعة معطي.
وتصنيف مجموعة مستحاثية نموذجية مميزة لطوابق الحقب الثاني في سوريا،
(كانت محفوظة في قسم الجيولوجيا بجامعة دمشق لتكون نواة لمتحف التاريخ الطبيعي بدمشق وقد تبعثرت هذه المجموعة جزئيا للضياع مؤخراً مع الأسف الشديد بسبب الإهمال.)
الأبحاث والمحاضرات
تقويم بحوث علمية للنشر في مجلات علمية عربية، فرنسية، أميركية. كما ألقى العديد من المحاضرات في بعض الجامعات العربية والأوروبية.
الخبرة المهنية
1- التدريس الجامعي.
2-استشارات علمية في مجالات النفط، الثروة المعدنية، الري، السدود..
3-دراسات علمية في مجالات النفط، الثروة المعدنية، الري، السدود، ومنها:
- دراسة جيولوجية ووضع خارطة جيولوجية لموقع سد الباسل على نهر الأبرش في منطقة صافيتا.
- دراسة جيولوجية ووضع خارطة جيولوجية لموقع سد تلدو شمال – غرب حمص.
- دراسة جيولوجية لنفق جر مياه نبع الفيجة إلى دمشق (18كم وللخزانات العملاقة في قلب جبل قاسيون.
- تدقيق الدراسات الجيولوجية لسد أفاميا في منطقة الغاب.
- تدقيق الدراسات الجيولوجية لسد الدويسات في منطقة جسر الشغوردركوش.
- دراسة الوضع الجيولوجي لحوض سد السخابة في المنطقة الساحلية وتحديد أسباب التسرب المائي في بحيرة السد.
– المشاركة في وضع المعجم الجيولوجي لهيئة الطاقة الذرية السورية.
المراكز الرسمية:
رئيس قسم الجيولوجيا – جامعة دمشق.
رئيس قسم الجيولوجيا والخامات النووية – هيئة الطاقة الذرية.
رئيس الجمعية الجيولوجية السورية.
عضو الجمعية الجيولوجية الفرنسية.
عضو الجمعية الجيولوجية السويسرية.
عضو الاتحاد السويسري لمهندسي النفط.
عضو الاتحاد الأميركي لجيولوجيي النفط.
رئيس مجلس أمناء جامعة الوادي السورية الألمانية الخاصة.
الجوائز العلمية:
جائزة المجلس الأعلى للعلوم للعام 1966.
جائزة باسل الأسد للبحث العلمي للعام 1997.
اجمل وصف أطال الله بعمر الأستاذ خليل سلىوم ورحمة الله على الدكتور ميخائيل معطي نفتخر بهذه القامات ترفع لهم القبعة.