مسار جلجامش

سيرة الذاكرة

رجلٌ ومكتبةٌ ومدينة

“الحضارة: في كل بيت مكتبة”ّ/ سعيد تقي الدين

ربما تأخرتُ كثيراً في الكتابة عن مكتبة اللواء (تأسست في العام 1946، وقد أخذت أسمها تيمنًا بلواء أسكندرون السليب) المتربعة في وسط مدينة القامشلي (شمال شرق سورية) وعن صاحبها التسعيني الشمعة من العمر والتاريخ، أنيس حنا مديواية، الذي أراد للمكتبة أن تكون حافظة لذاكرة المدينة والعالم، وكما ذهب الباحث “ابراهيم محمود” في وصف علاقة “مديواية” بالمكتبة قائلاً: “صورته تمتزج مع المكتبة في تشكيل تاريخ موحد وبث ثقافة متنوعة”، غير أن السؤال الذي ظل يراودني هو: لماذا لم نكن قادرين على إظهار ذاكرتها المضيئة حتى الآن، إلاّ من بعض المحاولات التي تقدر وتحترم من قبل أبناء المدينة والمهتمين؟.. طبعاً هذا لا يعني أن الكتابة عن المكتبة لم تكن في وارد الكثيرين من أبناء المدينة، ولعلي هنا أذكر حديثنا أنا والشاعر “مردوك الشامي” عن ضرورة حفظ ذاكرة المدينة من خلال الكتابة عن مكتبة اللواء وأستاذنا جميعاً “أنيس مديواية”…وأذكر أيضاً، ما قاله لي يوماً الشاعر والروائي “إبراهيم يوسف” من أنّه يفكر بالكتابة عن هذا الصرح الثقافي في المدينة ودور “مديواية” في تغذية ذاكرتنا بما تحتويه هذه المكتبة من معارف متنوعة، ولكن ما حفزني بقوة في الكتابة عن المكتبة و”مديواية”، إشارة الباحث “نزار سلّوم”، رئيس تحرير موقع “سيرجيل”  الشهير، إذ قال سلّوم في سياق حديثه عن تقصيرنا بحق هذه القامة الكبيرة.. قال: “ربما علينا أن نشعر ببعض الحياء!” وهو يشاهد فيديو بثته RT تاريخ 9/3/2021 عن “مديواية” (رابط الفيديو في الهامش).

نعم علينا أن نشعر ببعض الحياء لتقصيرنا غير المبرر اتجاه “مديواية” ومساهماته الفكرية التي نشرها على امتداد جغرافيا محافظة الحسكة، وعبر منها نحو عوالمه الكثيفة بالأفكار والتصورات، وأنا من الذين كانوا ملتصقين بالمكتبة وصاحبها، وقد كنت أشاهده وأتابعه كيف كان يتأمل بعمق متأنٍ جمال وإنسانية احتفاله الدائم بذاته في الحياة وبمنجزه في المكتبة وبأثره الذي يرشح طاقة تنعكس على كل لحظة من لحظاته التي لا يريدها إلا إنجازاً… ورغم ذلك كنت تشعر وأنت تجالسه وتحاوره بذلك القلق “الجلجامشي” الذي يرافقه وكأنه يطبق حكمة الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير، هنري برجسون، الذي يقول “عندما لا يقلقني شيء ما، فإن هذا يكون مثار قلقلي بالذات”.

ولعل “مديواية” كان يعيش هذا القلق بحسب وصف برجسون له. بل كان يبني قلقه من هذا “الاختمار الروحي والعلاقة الحميمة بينه وبين مأواه”، بعدما حقق له المكان (المكتبة) فسحة من الصفاء والتصالح مع العالم الخارجي بغية التفرغ لأسئلة العقل المحضة، بعيداً عن الوقوع في فخ السذاجة والتسطيح وتعطيل إرادة الوعي. خاصة وأن المعرفة في أبسط تعريفاتها لدى “مديواية” هي حيازة الفهم، بل وتوظيف هذا الفهم في صياغة سؤال الوعي، إزاء عصر العولمة والتكنولوجيا الواسعة النطاق والتأثير، وخوفه أن يكون هذا العصر مدخلاً لاقتلاع الإنسان السوري من جذوره، وقد تحدث ذات مرةٍ الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر عن “خطر اقتلاع الإنسان من الجذور”. وحالما ينخلع الإنسان من جذوره وأصوله، ينبغي التساؤل عن تلك الجذور وعن صورة ذلك الوطن ومعنى أن تكون منه؟

مديواية، من مدينة عميقة في تجلياتها المتعددة الأشكال والتفاصيل والرؤى… إن القامشلي مدينة الحلم الدفين تأخذ الكائن (الساكن والزائر)، لغناها الإنساني المركّب، إلى مكامن الدهشة والنشيد العالي حيث المتعة المحفوفة بالكلمات تنحت هبوبها كإيقاع موسيقي تعزفه نسائم ناعمة تنشد ألوان الحياة…

و”مديواية” هو ذلك الإنسان الحالم الواقف قبالة أكوان ترتجي جمال إنسانيتها ولا تلوي على غير الانتماء العميق في الأمكنة… وهل ثمة أمكنة غير زوايا المدينة؟

إن حياة وتجربة “مديواية” تحيل إلى هذه الثلاثية المقدسة: “المدينة، الحزب، المكتبة”. ثلاثيّة تحرّض على البحث فيها والتنقيب عن كنوزها.

قبل امتلاكي لذاكرة مثقوبة

كما في قصة الكاتب الارجنتيني، خورخي لويس بورخيس (24 آب 1899 – 14 حزيران 1986)، التي لا تكاد تتجاوز الاثنتا عشرة صفحة والتي جاءت بعنوان «فونس قويّ الذاكرة»، حيث يتلاعب الكاتب الشهير باللانهائية في سياق متاهات هائلة من الذاكرة، وعواقب امتلاك قدرة غير محدودة على التذكر. كما في هذه القصة أرى عواقب امتلاكي لذاكرة مثقوبة بعد سنوات غيابي عن المدينة، وقد تأخرتُ كثيرًا في الكتابة عن (المكتبة ومديواية)، عن مكتبة بنوافذ فكرية عديدة، وعن مديواية كقامة تاريخية، بل ومعرفية شاملة، وما قد نراه في “أزقة” المكتبة وفي عقل “مديواية”، من أصداف وكأننا على شاطئ بحرٍ لا حدود له.

كان الخوف أن تبقى ذاكرتنا في حالة سبات، يُخشى عليها من الانطفاء. وربما يسيء البعض من المناضلين القوميين واسر الشهداء الظن كما لو ان نسيان استذكار مآثرهم إنما هو تجاهل مقصود…!

لا بالطبع هو ليس كذلك أبدًا. ليس ذلك كله نسيان، أو عدم وفاء، بل هو عطبٌ في الذاكرة، عطبٌ ستعالجه الكتابة لاحقاً التي ستردم ذلك الثقب بدواء الكلمة.

وأنا أراجع صور الماضي كانت الأسئلة لا تهدأ… ولا تتوقف عن استجلاب الأجوبة، ورُبَّ هو سؤالٍ يزعجُ معرفتنا الغارقةَ في سُباتِّها حتى الإيقاظ. عندئذ لن يكون التقصير في الكتابة حلماً، إنما أرقاً بملء العيون، ملء عوالم فلسفة “مديواية” في الحياة ومكتبته في التاريخ والزمن.

إذًا، كان على “مديواية” أنْ يسهر فلسفياً، حيث السَهر الفلسفي هو درجة قصوى من الكشف النهاري إزاء كلِّ ليلٍ محتملٍ (هل كان مديواية يستشرف ما حصل في بلادنا؟). كانت هذه الدرجة أحدَ أشكال الوعي بالأسئلة وشقاء العقل، لقد ظل “ديوجين” في اليونان القديم يبحث عن الحقيقةِ حاملاً مصباحه في وضح النهار!! وعلى حد قولِ المتنبي: “ذُو العقلِ يشْقى في النعيمِ بعقلِّه وأخُو الجهالّةِ في الشقاوة ينعمُ”.

هكذا، كان “مديواية” كأي أستاذ فلسفة يتحيّن الفرصة لقرع طبول الأسئلة. كانت أسئلته جامحةً وجذريةً حول المعرفة وعجز العقل عن تجاوز حدود الأشياء. لعل أزيزها المدوي كصدى الرصاص طال جوانبَ سورية منذ إحدى عشرة سنة: مفهوماً وإدراكاً ومنهجاً.

كانت الأسئلة بداخلي كدلالة قرع الطبول – في الحياة البدائية – إعلاناً عن حدث. هي لم تناشد مجهولاً ما، تأخذ بلياقة التعامل معه وتتحين الوقت لمعرفته، وفي الأغلب كانت الأسئلة تحاول بالأصوات ترويض تاريخ المكتبة وجعله مألوفاً أمام القراء.

“مديواية” الإنسان

بدت عملية تحرير الأسئلة من أغلال الصمت جزءاً لا يتجزأ من قراءة فكر وتاريخ “مديواية” كإنسان أولاً، وكراعٍ لمكتبة ذات جذور ضاربة في تاريخ مدينة القامشلي… المدينة التي كانت وقتها تحبو على رؤوس السنابل وهي تتأسس وتتكون من ساكنيها، ولم يكن ذلك مجرد معرفة، لكنه فهم لعمل الإنسان كـ “مديواية”، إزاء قضايا الوطن والمصير والحقيقة والحياة الواحدة، وقد دفع ضريبة إيمانه بوحدة الحياة، حصاراً وملاحقةً وسجناً وتعذيباً كما الكثيرين من رفقائه، عندما كانت الاحزاب العقائدية منائر تغيير، كالحزب السوري القومي الاجتماعي (الذي ينتمي إليه مديواية) والحزب الشيوعي… كانت منائر قبل أن تفرخ فكرة العروبة الوهمية، أحزبًا مذهبية وعرقية، نمت كالفطائر السامة في المدينة وفي وطننا.

كان الأستاذ “مديواية”، ولا يزال، أستاذًاً لجميع أبناء المدينة من دون استثناء… كان راعٍ لأجيال… كان كثيرًا ما يشرح لنا عن الحزب/ الاحزاب التغييرية، وأهمية وجودها. كانت اللغةُ لديه دوماً كفرشاةٍ ترسمُ لوحةَ الفكرِ وتعيد تأسيسه بعدما كان دون معالم أو يكاد أن يكون، كانت لغته تقف عند الجذور منه لا مجرد وعاء فارغ له… وفي خضم الواقع كان الحزب (الاحزاب) أسير ما يجري في متحدّ القامشلي باعتباره نتاجاً للمعرفة العقلية التي يعتمل فيها. وإذا أخرجَ حزبياً ما لفظاً (جديداً أو حتى شاذاً)، يُنظر إليه شذراً على أنَّ هناك شيئاً غير مألوفٍ قد حدَثَ. وتاريخياً ليس ثمة رصيد للأفكار غير اللغة التي تعطينا أفاقاً لدلالة الفكر والوجود.

المهمة بالنسبة لي ليست سهلة لإنعاش ذاكرة مكتبة جاءت تسميتها من لواء اسكندرون السليب، وهي إذ ترمي معارفها بحبّ أمامنا، وكأنها تخاريم من نور الشمس ترتعش مع نثر الغبار العالقة على الكتب أو أطراف الرفوف في الريح. أنْ أستطيع ابتكار الآفاق العقلية المناسبةَ لإيقاظ الذاكرة من غفوتها وسقوطها. فالحياة اليومية، منذ فارقتُ المدينة قبل ثلاثين عاماً واستقراري في بيروت، أشبه بغطاء كثيفٍ حدَّ الموت لإنسان نائم على قارعة التاريخ، كنت احتاج تدريجياً من يمزق الأحجبة ويجعل ضوء النهار نافذاً إلى عقلي، وقلبي وعيوني. وقد تبدو معاني هذه الأسئلة لشخص مثلي عالقةً بالتفلسف كفنٍّ لكشف طبائع الحياة والثقافة والناس. كما سيكون مرتبطاً بالنور والانكشاف والتجلي والتمزق والتفتق.

تجربةَ الكتابة عن “مديواية” الإنسان ومكتبة اللواء كفيلةٌ بحل عقدتي ذنب تمشيان معي في كل يوم، وتطرحان سؤالاً جوهرياً:

العقدة الأولى: المفارقات التي واكبت حياة “مديواية”، ودور المدينة/ المتحد في صياغة هذه الشخصية واستقرارها.

 العقدة الثانية: أصل المكتبة كضرورة معرفيةٍ.

بمعنى آخر هي لحظة الربط بين مادة التفكير وصورته… أي صورة المكان والزمان “الزمكان” والممكن والضروري المرجو منه في كتابة عن “مديواية” الإنسان ومكتبته العريقة: ماذا يمكننا أنْ نعْرف لنكتب؟ ما الواجب علينا فعْله لنؤرخ لحقبة من تاريخ مدينة القامشلي المتنوعة… المدينة الأشبه بلوحة تشكيلية غنية بألوان الحياة… ألوان الجماعات المتنوعة الساكنة فيها… ألوان العادات والتقاليد واللغات… ألوان المذاهب الدينية وألوان الاحزاب؟

كل شيء في مكتبة اللواء يضيء ويشتعل، والجو مفعم بالودَ الذي يلازم كل عمل بناء عقلي يراد له النجاح… فهي كما يقول إعلامي من محافظة الحسكة “إدمون اسحاق”: “ليست مجرد مكتبة بل مركز إشعاع ثقافي تنويري”… كانت المكتبة تمثّل لنا ومؤسسها “مديواية” عالماً روحياً متكاملاً، وكأننا كلما دخلنا إليها نشعر بولادة ثانية لنا. ويرى المحامي “الياس لحدو” أن المكتبة: “شكلت جزءاً مهماً من ذكريات مرحلة الشباب، وتفتح الوعي لدى أجيال الستينيات والسبعينيات… فقد شكلت منبراً للقاء نخبة من مثقفي المدينة، وبالنسبة لي كانت زيارة المكتبة يومياً هو جزء من نمط حياتي”.

قلق مديواية اللغوي

كانت حركة الثقافة في متحد القامشلي (وفي المجتمع السوري) تُلون عمل الجماعات واللغات المتنوعة المتداولة وفقاً لسلطتها وبحسب مرجعية الجماعة التي تنطلق منها، مثّلت رافداً هامّاً من روافد ثقافة المدينة، لدرجة أنَّ كل فكرة جديدةٍ هي انتزاع حقٍ إنساني ووطني ما كان ليُطرح بدون “عنف فوق عنف”! ولكن كيف؟

هي في هذا التوجه تعني خروج المعرفة على مفهوم المنفعة، الفردية، الطبقية، المذهبية، العرقية، العنصرية، الثقافية، السياسية، الجنسية،… لعموم المجموع المجتمعي، دون ذلك لا يمكن تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع القومي الواحد.

إنَّ التفكير بشكل مختلف في متحد متنوع، مذهبياً وإثنياً، نوع من “العنف” تمارسه الجماعة كمحاولة للتملص من محددات الثقافة المفروضة والمستبدة، وهيمنتها الوهمية التجزيئية. لكنه “عنف” مقبول وناعم ويبدو سهلاً نظراً لقيامه على الحوار وإعادة النظر بالواقع والقضايا المطروحة. وفي مواقف أخرى تصبح عملية التفكير بشكل مغاير وضعاً مرفوضاً من قبل السلطات القائمة، ولذلك سيكون التفكير بمطرقةٍ – على غرار فلسفة نيتشه – لهو أنجع الحلول لتفتيت الطباق المتكلِّسة حول العقل، لأنَّ العقل لن يستفيق من الأغطية الوهمية التي توضع فوقه وتجمده عن التفكير السليم نحو بلادة أبدية.

ولكن ماذا يعني التفكير المغاير عند “مديواية”؟

هو إدراك ما قد يمثله داخل لغة الجماعة (الأقلية).

كان يحدثني الرفيق الأنيق “مديواية” عما تشكله اللغة (أو اللغات) في المجتمع السوري من إثراء بعلامات ورموز وشفرات للتعبير عن غنى وجود المتحد “القامشلاوي” وأهدافه عند السريان والآشوريين والكرد والأرمن والشركس والعرب، إذ تتركز “لغاتهم أو لهجاتهم” على نطاق ثقافي عام في الأدبيات والأشعار والحكايات والأساطير، وهم يتكلّمون لغة موجوعة، ويحكون بحنين مطلق عن ذاكرة كبيرة لبلد صغير.

اللغة بهذا كونٌ دلالي يقبع بأعماقنا حين نقول خطابنا معاً. هي تحفظ العادات والتقاليد والتراث والفولكلور من الاندثار، إنها النظام الرمزي الذي يحدد ما ينبغي فعله أو تركه، وتحدد هذا تلقائياً عبر فاعلية الكلمات والجمل التي نتواصل بها. وبالتالي فأي نقد للتقاليد وتذويب جمودها في مجالات المعرفة والفكر، إنْ لم يلامس جوهر اللغة ومفاهيمها الجارية، لن يكون تغييراً ذا قيمة. ولعلنا هنا نستعيد مقولة النهضوي أنطون سعاده حول أهمية تعدد اللغات في مجتمع متنوع مثل مجتمعنا السوري ومتحد القامشلي جزء أصيل من هذا المجتمع. يقول سعاده: «إنّ كلّ مجتمع يجب أن يكون له وسيلة أو وسائل، لغة أو لغات، لهجة أو لهجات يتخاطب بها أفراده ويتفاهمون بها ويتفاعل تفكيرهم وتزداد ثروتهم العلمية»، ويتابع سعاده: «إنّ اللغة وسيلة من وسائل قيام الاجتماع لا سبباً من أسبابه، إنّها أمر حادث بالاجتماع في الأصل لا أن الاجتماع أمر حادث باللغة».

هذا الثراء اللغوي يدفعنا لتحسس ما يقوله “مديواية” كما لو كانت كلماته منحوتة. يقول: ستشكل الحقوق والواجبات داخل المجتمع السوري آليات لعمل المواطن والمشاركة من قبل الجماعات (الأقليات). ففي ابعادها سلوك ايجابي واقعي شامل متكامل يسعى لبلورة هدف ووسيلة ويؤكد الدور الفاعل للمواطن، بغض النظر عن مذهبه وعرقه، في إدارة مفاصل الدولة عبر الدخول السليم في خضم العملية الديمقراطية التعبيرية التي يجب أن ترتكز على الهوية السورية كهوية رئيسية وجامعة لكل مكونات المجتمع، في مواجهة استمرار تواصل المقولات التي تنتجها إيديولوجيات التَّخلُّف، والظلام والظُّلم، مع أشباهها ونظائرها المعتمة المخزونة في أقبية التُّراث… ولكن امتدادًا إلى واقعٍ تَسَلُّطيٍّ استعماري ضَارٍ ومرير، فكيفَ يُمكنُ لخطاب العقل أنْ يُؤَصِّلَ نفسه فكرياً؛ عقلياً ومنطقياً وإبداعياً وتنويرياً، وأنْ يُرسِّخَ حضوره وجوداً فاعلاً في وعي النَّاس، وفي الواقع الذي يتوقونَ إلى تغييره،؟ وكيف لهذا الخطاب أنْ يُوقِدَ شُعلة إطلاق مسيرة التغيير النَّهضويِّ، وأن يكون مُحفِّزاً للنَّاس على الانخراطِ الفاعل في مسارات التغيير المتشعِّبة والمُتواكبة؟

كنت تشعر وأنت تحاور “مديواية” أن كرامة تسكن هذا الرجل وتشع لكل من هم حوله. وأن الخبرة معه والاستماع إليه تتقوّى بتراكمها، بمعنى أن خبرتنا بالأشياء تزداد بواسطة المعرفة التي تهيّأت لنا من المكتبة وصاحبها “المخملي الشخصية” في ذهننا المضمر، أي وجداننا، المكان الذي يطلق عليه العلماء اسماً شاعرياً هو اللاّوعي، وتنتقل إلينا هذه المعرفة عبر الزمن بواسطة الذاكرة التي تحيي بطريقتها الشيفرات وهي تمشي كنهر الفرات الذي يوزع جداوله قبل أن يغمرنا التاريخ.

المكتبة: وطن “مديواية” ومكان إقامته

قراءة الكتب التي نشتريها أو نستعيرها من المكتبة… كانت تنمّي عادة النظر إلى العالم بشكل مختلف. كلّ ما هو موجود أمامنا له نظير حقيقي على الورق. نقرأه، ونتذكّر أننا شاهدناه من قبل، ثم نسيناه، وتعود ذكراه إلينا مثل الصدى، ويأتي اكتشافنا له هذه المرة عن طريق الذاكرة… كان “مديواية” قادراً على جمع السوريين على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم في مكتبته، بل كان نبعاً خصباً يسكن صدره وهو يستقبل يومياً، كافة شرائح المجتمع للحوار والنقاش، فهو كان مؤمناً بالصراع الفكري بمعناه الايجابي، بعيداً عن التشنجات التي كانت تحصل بين حينٍ وآخر في هذه المدينة المتنوعة.

يقول بورخيس: «لو طُلب منّي أن أذكر أهمّ حدث في حياتي لقلتٌ إنه وجود مكتبة أبي». ولعلنا جيل يمتلك شيئاً من الحظوظ، إذ أتيح لنا أن نحيا في زمن “مديواية” ومكتبة اللواء، فهو كان كأب لجيلنا الذي تعلم منه الكثير سواء في درسنا أو كتاباتنا في صنوف المعرفة الرصينة وحيث واصلنا من خلالها إنضاج تراكم معرفي عن مناهج البحث في حقول المعرفة التي تعتمد العقل وبعيداً عمن يعيشون في غشية السّحر والإيمان بالخرافة والطقوس الغريبة في تفسير وإدراك ما يكتنف المجتمع السوري، ولا يمكن لجيلنا هنا تناسي دوره في إنضاج توجهاتنا، ولعل من سمات الجهد الوضاء لأستاذنا “مديواية” تواصله مع فضائنا الثقافي حتى ليمكن القول إن الأسماء التي أمست علامات فارقة في “القامشلي”، هم لأشخاص في الغالب ممن تعرفوا على “مديواية” وخاضوا معه سجالاً صاخباً تارةً، وهادئاً تارة أخرى. وكانوا بهذه المعرفة الوضاءة إضافة نوعية متميزة أغنت مشهد المدينة بإنجازاتها الخصيبة وهي تقارب بعدي البحث والشعر والرواية والقصة والمسرح والفن والتراث، في حوار معرفي خلاق، فمن له أن يتكلم عن الدراسات الأدبية والنقدية “القامشلاوية” ـ بمختلف مجالاتها ـ من دون أن تظهر أمامه شاخصة أسماء مهمة من مثقفي المدينة الذين سيرسون لأجيال لاحقة نهجاً وعطاء لا يمكن تجاوزهما، ولعلنا هنا نتذكر….

القراءة في حركة “مديواية” ودبلوماسيته المعهودة في التعامل مع متحده “القامشلاوي” معناها “التَذكُرْ والتّتبُع”… القراءة هي معرفة الاشياء وتحديد الرابط الاجمالي الذي بإمكانه ضم معاني حركته تطلعاً للفهم. غير أنَّها بصدد الخطاب عملية معكوسة حفرياً واصلةً إلى أدق الجذور والتفاصيل. إنّها استطراق حفري للداخل حتى الأعماق القُصوى، أي تبحث عن شيءٍ ما كامن في صمت اللغة: داخل أنظمتها، أحداثها، طِباقِّها المتراكمة وكذلك في أبعادها الأكثر تأثيراً، وقد ارتبط “مديواية” بهذه الأحلام الكبيرة من خلال مكتبته التي ظلت تستنهض المئات عبر عقود، وتمدّ المبدعين بالأفكار برهافة خلّاقة، وتستحثهّم للتعبير عن ذلك الأمل والتشوّف، قصائدَ ورسوماتٍ وقصصاً ورواياتٍ، ونماذج تشكل مصادرَ للنهوض والتوثبّ والعبور إلى المستقبل الحُلم، في بناء دولة المواطنة.

كأن المكتبة العظيمة هي قدر الرجل المحتوم. وطنه الذي يسكنه. حتى إذا فكر في الهجرة منه، لعبت حبكة الحكاية دورها الماكر في إعادته إليه مستسلماً لذلك العشق الأبدي وحلم التكوين الأزلي. وهذه ستكون اللحظة الفارقة التي طبَعت وجدان “مديواية” في سنين حياته، لتتخّذ لها أعمق معنىً ودلالة، وأوضح تجلٍّ عن اللوعة السورية ومكنوناتها ومرتجاها في الآمال التي تكاد تتبدد في هذه الحرب اللعينة على تاريخنا وحضارتنا وقيمنا ووحدتنا.

“مديواية” الحزبي

لا أدري لماذا وأنا أعود بذاكرتي إلى محاولة اختصار تاريخ مدينة بشخصية “أنيس مديواية” الحزبي ومكتبة اللواء… لا أدري لماذا دمعتّ عيناي وهي إذ تنهمر كزخات من أضواء وكأنني أمام وجه الرجل المبتسم بتواضع جم، كطفل خجول في يومه الأول بالمدرسة، كلما زار بيروت وتواصل معي للاطمئنان علي؟

يحق لـ “مديواية” بناء رؤيته بما تأتى له فكرياً ومعرفياً وسلوكياً، وهو إمكان لم يتح له لولاّ إيمانه الواسع بالحزب الذي أراده أنطون سعاده، حركة نهضة. فإن لم يكن كذلك، سيصبح طلب السوري لقيم جديدة غاية توجهه… ولكن كيف يتم التعبير عن رؤيته في ظل أزمة القيم الراهنة، إزاء عصر العولمة والتكنولوجيا الواسعة النطاق والتأثير؟ وبقدر أهمية هذا العصر يبقى الخوف ملازماً لنا، يقول “مديواية”، من “خطر اقتلاع الإنسان من الجذور” على حد تعبير الفيلسوف الألماني “مارتن هيدجر”، حيث يتعرض الإنسان في عصر العولمة إلى الإلقاء في العراء مقذُوفاً به في وجه العواصف.

يقول “مديواية”: “إن القيم في علاقتها بالغايات المتوخاة من كل فكر وسلوك إنساني، لا يمكن تصورها كقيم سياسية أو اجتماعية، أو أخلاقية أو اقتصادية”… دون تصور ارتباطها بغايات عامة نبيلة تهم السوريين من حيث هم مجتمع واحد.

تتمتع شخصية “مديواية” بقيمة خاصة مستمدة من سيرته خلال هذا التاريخ الطويل والعاصف. هو كتاب عظيم يصلح حزبياً للقراءة مرّات ومرّات فقد جسّد بحق سلوك الإنسان المتميز ورب لعائلة محترمة مع شريكة حياته، المربية الفاضلة وسيدة المجتمع “اليس سمعان”، التي كانت عونًا له، وهي التي مارست التربية كسلوك يومي، داخل العائلة وفي التعليم المدرسي.

كان “مديواية” يؤمن أن الوعي منطقة شعور لا منطقة عقل فقط، وهدف المنتمي لحزب تغييري إشاعة مفاهيم الثقافة المنتمية لروح المجتمع، إذ لا عالمية من دون الانطلاق من البيئة، وفي طليعتها الحفاظ على قيم المجتمع المطلقة.

لا يستطيع “مديواية” القومي الاجتماعي إلاّ أن يساهم في بناء المشاريع الحضارية الفكرية الكبرى لمجتمعه، والتصدي لتيارات التطرف، واستبدال ذلك بالحوار وقبول المختلف، ونبذ التخلّف والجهل والرأي الواحد، وتشجيع روح الإبداع والابتكار، فهو تمرد على روح التنميط الثقافي والجمود والتحجر أمام النصوص وتقديسها كأفكار لا تقبل النقاش، وعمل على تشغيل آلة الزمن ليسافر نحو المستقبل، لا ليعود إلى الماضي لاعنــاً الحاضر دون المساهمة في تغييره أو السعي إلى ذلك من خلال البدء بالنفس. فهو يدرك أن الأعمال العظيمة وحدها هي التي لا تدعي النجاح المطلق والكمال ففي الفشل يكمن الغنى الإنساني لأنه نقطة التنوّر كما يراها الروحانيون في كل الثقافات!

لم يكتف الرفيق “مديواية” أن يكون عمره من عمر المدينة (زالين، القامشلي، قامشلو) التي كانت قد بدأت تتأسس من عناصر وجماعات متنوعة، وكان تأثير الرفيق الراحل زكي نظام الدين كبيراً في جذب “مديواية” وغيره للحزب، حتى أصبح “مديواية” من أوائل من زرع نبتة الانتماء للحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1946، وكان الحزب فرصته ليكتشف مساحة مضيئة لامعة له في الحياة، وسرعان ما انتشر الحزب وتمدد وضم 400 عنصر وبناء سبعة مديريات في المدينة والقرى المحيطة بها، ولعلني سأذكر أهم الشخصيات التي انتمت للحزب وساهمت بنشر تعاليمه ومبادئه وأهدافه، واعتذر ممن لم تسعفنا ذاكرتنا بأسمائهم: زكي نظام الدين، حبيب رهاوي، ناصر سليمان، حسين صالح العمر، منيرة شيخموس الفيل، شيخموس توفيق، عبود عبد الاحد مديواية، جورج هرموش، الياس مقدسي، قوجحصارلي أبو سمير، محي الدين صالح العمر، سعيد هارون، حكمت الفيل، سمير حداد، محمد زكي محمد، عبد الرزاق صالح العلي، موريس حداد، عبود كركو، الياس سليمان (أبو صبري)، جورج صباغ، عبد أبو علي (منطقة زنود)، ملكون كربيت، سليم عبدالمسيح، نهاد مارديني، محمد أبو علي (هلالية)، فهمي اسطنبولي، غبريال كوركيس (أبو آشور) / المالكية، الياس اسطنبولي، جاك خلف، أكوب ملكنيان، عبد القادر يوسفان، درسن هسام، صلاح قنجي، حمي حرسان (والد الأمين مصطفى حرسان)، كبرئيل رهاوي، اليانور رهاوي، سميرة عبد المسيح، ودنحو دحو وعبد اللطيف عبده.. وكان قد سبق تأسيس الحزب القومي بستة سنوات، الحزب الشيوعي الذي انتشر وتوسع وامتد الى القرى وبين كافة شرائح المتحد “القامشلاوي”، ثم تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في المنطقة عام 1947.

كان السؤال البعدي (الفوقي) بالنسبة لـ “مديواية”، كيف نتمدد داخل الأرياف حيث الغنى الروحي العميق للمواطن المرتبط بالأرض؟ وكأن سؤاله هو سؤال حول سؤال… إنه تساؤل جَسور، لا يستثمر مدخراته الاستفهامية ومكتنزاته الفضولية في جواب معلّب مطمئن، بل في سؤال مفتوح قلِق حول مصير الوطن والمجتمع بكل عناصر نسيجه… السؤال البعدي هنا هو فتّاح علب الأسئلة. إذ إنه يفتحها ويشّعها عبر سؤال استكشافي تنقيبي خلاّق عن عناصر المجتمع ككل، وهكذا امتد الحزب إلى عامودة والدرباسية من خلال انتماءات عديدة، ووضعت لهم أسماء حركية لحمايتهم من الملاحقات الأمنية أو المضايقات من المتعصبين طائفياً أو عرقيًاً، ولا ننسى تمدد الحزب إلى نصيبين وماردين المحتلتين من قبل تركيا، حيث عمل الرفيق الراحل “ميرزا مسعود” والرفيق م. ح. ا، على بناء تنظيم سري حيث انتمى عدد لا بأس فيه من الرفقاء، وقد تم اتلاف سجلاتهم مع بدء الحرب الكونية على سورية.

أكد “مديواية” وعيه السياسي أمام أهالي القامشلي بأنه عارف بمكانه معرفة لا حدود لها، بل هو قارئ ممتاز للواقع، وقد شكلت مصادره التاريخية (الحزبية) باختلاف أنواعها وتعدد أشكالها مادة أساسية في الكتابات والتوثيق التاريخي لدى الباحثين والمهتمين، ومن تلك المصادر نجد لقاءاته الشخصية مع زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهي لقاءات  اكتسبت أهميتها من خلال ما حملته لنا من معلومات وأخبار ترجمتها رؤى قائلها الذي عايش الأحداث بزمانها ومكانها، وقد شكلت تلك المرحلة مع رفيق دربه زكي نظام الدين، مادة دسمة للقاءات مع سعاده.

ويذكر أن لقاءات كثيرة حضرها “مديواية” مع حضرة الزعيم في المخيم القومي المُقام في ظهور الشوير عام 1948. كما حضر الحفلة التي أقامتها منفذية السيدات في رأس بيروت في دار الرفيق جبران جريج، بحضور الزعيم والموسيقار زكي ناصيف.

رافق الزعيم الخالد بزيارته الأولى لدمشق مع الأمين لبيب زويا، عميد الثقافة والفنون ذلك الوقت، وزكي نظام الدين.

يقول الأمين “مديواية”، وهو يستعيد أول لقاء له مع سعاده، وقد ظل اللقاء محفوراً في ذاكرته التي لن تمحوها الأيام والسنون مهما طال عمر الزمان.

يقول: (في صيف عام 1947 وبعد عودة الزعيم إلى الوطن بتاريخ 2/3/1947 توجهت والرفيق زكي نظام الدين من مدينة القامشلي إلى مدينة حلب، ومن هناك رافقنا الأمين عمر أبو زلام والشهيد الصدر عساف كرم. ثم تابعنا سيرنا فمررنا بمدينة معرة النعمان وأنضم إلى رحلتنا الرفيق الدكتور راتب الحراكي ومن ثم إلى مدينة حماه فزرنا الرفيق ابراهيم العظم في منزله، ثم زرنا الرفيق جورج حمصي (أبو زيكار) مع عائلته، وأكملنا سيرنا إلى لبنان وصعوداً إلى بلدة ضهور الشوير التي وصلناها فجراً، ونزلنا في المخيم الذي أقامه الحزب آنذاك بإدارة الرفيق جورج عطية.

في اليوم الثاني من وصولنا تركنا المخيم وتوجهنا نزولاً إلى ضهور الشوير حيث يقيم الزعيم فاستقبلتنا حضرة الأمينة الأولى السيدة جولييت المير التي رحبت بقدومنا فسألتنا عن هدف هذه الزيارة فقلنا هدفنا هو لقاء حضرة الزعيم ونحن رفقاء قادمون من الشام.

فقالت: اسلكوا هذه الدرب لبضع دقائق تجدونه بالقرب من العرزال .

فتابعنا سيرنا والتقيناه حيث طلب حضرته أن ننتقل إلى العرزال.

بدأ الرفيق زكي نظام الدين بالحديث بأن الوفد جاء من مدينة القامشلي ومدينة حلب ومدينة معرة النعمان لمقابلتكم والترحيب بحضرتكم. وجرى حوار حول مواضيع عديدة تخص عمل الحزب في المناطق الشامية وبالأخص منطقة الجزيرة، وتطرق حضرة الزعيم في الحديث إلى غنى منطقتنا بعناصرها السريانية والعربية والآشورية والكردية والأرمنية والشركسية مؤكدًا على فعلها الكبير في الحضارة السورية طالباً منا تعزيز ثقة هذه الشرائح السورية بوطنهم وأمتهم قائلاً لنا: كونوا أنتم رسل وحدة ومحبة بين الجميع، مطالباً بوجوب طبع مبادئ الحزب باللغة الكردية والسريانية للتعريف بمبادئ الحزب بشكل أوسع.

في هذا اللقاء وعدنا سعاده بزيارة مدينة القامشلي خلال جولته لمدن الشام، وفي حين تمت هذه الزيارة لهذه المدن في أوائل تشرين الثاني وفي عام 1948 وقد كان من مرافقيه الرفيق زكي نظام الدين والرفيق عفيف استنبولي، ولكن مع الأسف الشديد لم تتم زيارته لقامشلي بسبب أحد كبار اقطاعيي وسياسيي المدينة (…..) الذي ساءه خبر زيارة الزعيم للقامشلي، التي يعتبرها منطقة نفوذه السياسي، فارتأينا التأجيل لهذه الزيارة.)

كان حراك “مديواية” وبقية رفقاء المدينة، دعوة صادقة من أجل بناء حياة سياسية فعالة عبر تكريس المبادئ الاصلاحية للحزب (المبدأ الأول – فصل الدين عن الدولة. المبدأ الثاني – منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين. المبدأ الثالث – إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب. المبدأ الرابع – إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة. المبدأ الخامس – إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن)، حياة سياسية تستند إلى النظام البرلماني الدستوري وسيادة القانون المدني، كتعبير شامل عن واقع العمل السياسي في المجتمع ومؤسساته وتمثله من خلال السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي ضوء التطورات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الإيديولوجيات والبرامج وواقع القوى والأحزاب والحياة السياسية بشكل عام… وقد سبب له عمله الحزبي الكثير من المضايقات وكان أول مسؤول حزبي شملته الاعتقالات والتوقيفات والسجون مرات عديدة في تلك المرحلة من حياته.

في الخاتمة

عندما ينظر “مديواية” إلى ما يحدث في وطننا السوري الكبير،فإنه يتأسف كون التشرذم والتفرقة ذات المرجعيات الطائفية والعرقية المختلفة، هي ما ينتظم الخطابات السياسية للمواطنين. ويتحول الأسف إلى استغراب من كم النزوع إلى التشتت الذي يسم توجهات هذه الإيديولوجيات العنفية في نظرتها وتوجهها. ولكن مع ذلك يقول عميد مكتبات القامشلي: ” إننا محكومون بالأمل” على تعبير الراحل سعد الله ونوس، و(سنظل نعمل للحياة ولن نتخلّى عنها) كما يقول أنطون سعادة.

————————————————–

رابط فيديو التحقيق الذي أجرته قناة RT عن مكتبة اللواء ومؤسسها أنيس مديواية: Facebook.com

 

 

أنيس مديواية

من مواليد اسكندرون 1926 .

نزح عام 1939 برفقة أبيه وعائلته إلى حلب ومن ثم تعين بعدها والده مديراً لمدرسة صقر قريش في مدينة القامشلي من قبل مفتشية المعارف (التربية والتعليم) فانتقل إليها من حلب.

عام 1946 أسس وافتتح (أنيس حنا مديواية) مكتبة ” دار اللواء ” التي كانت مركزاً لمثقفي المدينة على اعتبار أن المركز الثقافي لم يكن موجوداً آنذاك، وكانت المكتبة الأولى والوحيدة في المدينة.

عام 1947 أقام داراً للنشر في مدينة القامشلي، حيث طبع ونشر أكثر من 20 عنواناً لمثقفي هذه البلدة منهم :

” نديم مرعشلي – علي الزيبق – عدنان مراد – سليم حانا – جان ألكسان – موسى رمضان – جورج سعدو – مطانيوس ميخائيل – سعيد ابو الحسن – الأب بولس بيداري – المطران جورج صليبا والقائمة تطول . .

من مؤلفات أنيس مديواية:

– منهل الإملاء 1947 .

– الماسونية ذلك العالم المجهول 1954 .

– القامشلي 2011 .

هناك كتاب رابع عن لواء اسكندرون.

– عام 1947 بدعم من راعي الكنيسة القس أوغسطين جزراوي تأسس النادي الرياضي للطائفة الكلدانية بالقامشلي بإسم “النادي الرياضي الكلداني” وبإدارة (أنيس مديواية) وضم عدداً كبيراً من محبي الرياضة من أبناء المدينة، فكانت له نشاطات وفعاليات عديدة في حقلي (الملاكمة وكرة القدم) .

كما كان للرعية فوج كشفي عام 1943 ضم في صفوفه أكثر من 60 شاباً من جميع الطوائف يترأسها أنيس مديواية.

مكتبة اللواء، مركز معرفة يكثف تاريخ الثقافة في مدينة القامشلي.

نظام مارديني

كاتب وصحفي سوري

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق