تفاصيل اتفاق أضنة السّري بين سوريا وتركيا 1998
هل تنازلت دمشق عن حقها في لواء اسكندرون حسب الاتفاق؟
1000 قرية وبلدة سورية احتلتها تركيا منذ 2011 بحسب الاتفاق؟!
(اتفاق أضنة) اتفاق أمني سري؛ وقّعته تركيا وسوريا عام 1998 وشكّل “نقطة تحول” رئيسية في مسار علاقاتهما، فتحولت من ذروة التوتر إلى تقارب تدريجي ثم “تعاون إستراتيجي” أدى لتوقيعهما عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات. وبعد الحرب السورية اتخذت منه تركيا مستنداً لإنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا.
مؤخراً ومع تصاعد التهديدات التركية ببدء عملية بريّة ضد قسد شمالي سوريا أُعيد طرح اتفاق أضنة وإمكانية إجراء تعديلات عليه، خاصة في ظل حديث أنقرة عن إمكانية فتح حوار سياسي مع دمشق.
أبرز المكاسب التي تسعى تركيا إلى إحرازها من هذا التعديل في حال حصوله، هو السماح لها بتشكيل (منطقة آمنة) وتنفيذ عمليات عسكرية على عمق 30 كيلومتراً داخل الحدود السورية، وهو عمق كان الاتفاق قد حدده بـ 5 كيلومترات فقط.
وتشير المواقف والتحركات الروسية الأخيرة إلى قبول روسيا إجراء هكذا تعديلات ضمن مفهوم تطوير اتفاق أضنة. وهذا الأمر طُرح من قبل بوتين على أردوغان في لقائهما في سوتشي في آب اغسطس 2022.
وبحسب صحيفة الوطن السوريّة شبه الرسمية، أجرى قائد القوات الروسية، ألكسندر تشايكو، زيارة إلى مدينة القامشلي، التقى خلالها قائد “قسد” مظلوم عبدي، وحمل له (رسالة أخيرة) من تركيا. وتتضمن الرسالة مطالب بسحب القوات الكردية مسافة 30 كيلومتراً على طول الحدود الشمالية لسورية، على أن تحل مكانها قوات من (الجيش السوري).
ما قبل الاتفاق (بانوراما للأحداث السياسيّة)
في محاولة لإقناع سوريا بالتخلي عن دعم “حزب العمال الكردستاني” زار رئيس الوزراء التركي حينها تورغوت أوزال، في 17 تموز 1987، دمشق لتحسين العلاقة معها. ووقع الطرفان “بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني المشترك” الذي نصّ على تمرير كمية محددة من مياه الفرات تزيد على 500 متر مكعب بالثانية، وكانت هذه الكمية تتطلب وفق الاتفاق أن تحافظ تركيا على معدل تدفق لا يقل عنها، إلاَّ أنَّ هذه الكمية كانت تنخفض تلقائياً إلى نحو نصفها في شهري آب وأيلول، وقد حاول الأتراك أن يوحوا بأن تحديد حجم المياه بهذا الرقم كان كيفياً ومنحه تورغوت أوزال بهذه الطريقة، لكن لم يكن هناك أي مجازفة كيفية في تحديد هذا الرقم إذ أكد أوزال احترامه لكمية المياه التي سبق للحكومة التركية أن أبلغت كلاً من سوريا والعراق بها في عام 1976 بناءً على طلب البنك الدولي الذي قبل على هذا الأساس بهدف ضمان عدم معارضة سوريا والعراق تمويل تنفيذ مشروع نهر قرة قايا قرب بلدة جوش في محافظة ديار بكر .
ولكن حدثت المماطلة التركية بتنفيذ الاتفاق عندما لم تتجاوب دمشق مع المطالب التركية الأمنية المتعلقة بحزب العمال الكردستاني، وبشأن الاعتراف بضم لواء اسكندرون لتركيا، فأصبح الموقف التركي يمزج بين ثلاث مسائل هي مسألة المياه ومسألة الأمن ومسألة لواء اسكندرون. سوريا كانت قد أقامت معسكرات تدريبية في البقاع اللبناني لمقاتلي “العمال الكردستاني”، واستخدم الحزب للضغط على أنقرة في مسائل عديدة وليس أقلها موضوع مياه الفرات. وكانت أنقرة تضغط على دمشق لوقف دعم “العمال الكردستاني” بإنقاص كميات الماء الداخلة إلى سوريا عبر الفرات. الصراع المسلح الذي خاضه “العمال الكردستاني” ضد أنقرة كان قد اندلع في 1984، وسمحت دمشق لزعيمه عبد الله أوجلان، بالإقامة في دمشق. واعتبر الاتراك لاحقاً هذا الأمر مخالفة لبروتوكول 1987 الذي نصّ على “اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع أنشطة الجماعات والأفراد الذين يضمرون نيّة التخريب ضد أمن واستقرار البلدين”. وعملت دمشق على تنفيذ سد العاصي لقطع مياهه عن تركيا صيفاً حيث سيجف حوض النهر تماماً وسوف يترتب على ذلك جفاف مليون و193 ديكاراً من الاراضي في سهل العمق ومضاعفة الاوبئة في المنطقة، وكانت هذه الرسالة تعني:(إذا قطعت مياه نهر الفرات فساقطع مياه نهر العاصي). هنا لابد من الإشارة إلى أن الأتراك حاولوا الربط بين التوصل لاتفاق على الفرات باتفاق على العاصي لكن سوريا اعترضت على ذلك لأنه يعني اعتباره نهراً دولياً لأنه يصب في خليج السويدية في لواء اسكندرون، وبالتالي يعني اعترافاً واقعياً بسيادة تركيا على لواء اسكندرون.
في مطلع العام 1990 تطور الخلاف إلى مواجهة خطيرة، بسبب تحويل تركيا مياه الفرات لملء سد أتاتورك، من دون إعلام الجانب السوري. الرئيس أوزال حينها، أشرف على اقفال النهر لشهر كامل من 13 كانون الثاني لغاية 13 شباط 1990، فاتهمت سوريا تركيا بـ (الإضرار بالحاصلات الشتوية وعرقلة جرّ المياه إلى مدينة حلب)، بعدما انخفض منسوب المياه في بحيرة الأسد ثلاثة أمتار.
وتم نزع فتيل التوتر بتوقيع اتفاق أمني سوري-تركي في 17 نيسان 1992، نصَّ، في إشارة واضحة إلى نشاط “حزب العمال”، على المطالبة باتخاذ التدابير “تجاه منع العبور غير الشرعي على امتداد الحدود الوطنية” و”تطوير التدابير المتخذة لمنع إحداث إطلاق نار من دون مبرر على طول الحدود”، كامتداد للفقرات الأمنية في برتوكول توزيع المياه.
ولم تجد الاتفاقية طريقها للتنفيذ، فزار الرئيس التركي سليمان ديميريل دمشق في كانون الثاني 1993، لمناقشة موضوعي الماء و”حزب العمال الكردستاني” الذي رفدته سوريا بـ (الجبهة الشعبية لتحرير تركيا/فرع لواء اسكندرون).
مرة أخرى، أعادت تركيا تحويل مياه الفرات لملء سد بيراجيك (حكومة تانسو تشيلر) الذي يروي سهول ماردين وشانلي أورفه وجيلان بينار وتشغيل محطتها الكهربائية ما تسبب بانخفاض مياه الفرات إلى حد توقف 7 عنفات من أصل 8 في سد الفرات الذي كان يزود سوريا بـ 70 بالمائة من حاجتها للكهرباء.
ومع ذلك، لم يتوقف دعم دمشق لـحزب العمال الكردستاني، فهددت أنقرة بضرب معسكرات البقاع اللبناني لمقاتلي الحزب، لكن وزارة الخارجية التركية عادت وفضّلت الضغط على دمشق عبر الولايات المتحدة، في فترة المفاوضات السورية الإسرائيلية المشهورة بـ (وديعة رابين).
ووضعت المخابرات السورية خطة لضرب السدود التركية في حال قصفت معسكرات البقاع والقواعد الكردية فيه.
الرئيس بيل كلنتون، أثناء لقائه الرئيس حافظ الأسد في جنيف لإطلاق مفاوضات سورية اسرائيلية في 1994، طلب من الأسد نقطتين محددتين: معرفة مصير الطيار الاسرائيلي رون آراد، ووقف نشاط العمال الكردستاني، في حين طالب الأسد بالمقابل بفتح موضوعي إيران وليبيا. حافظ الأسد لم يناقش حينها ملف “العمال الكردستاني”.
رغم التوقيع على الاتفاق الأمني/العسكري بين هيئتي أركان تركيا واسرائيل، في العام 1996 كنتيجة للتقارب الذي ساد في عهد رئيسة الوزراء تانسو تشيلر، فقد حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريز تجميد العمل به أثناء التفاوض مع حافظ الأسد، قبل أن يُكشف مع فشل التفاوض. في العام 1997 أرغمت الضغوط نجم الدين أربكان، الذي كان يحاول التوسط بين حافظ الأسد والإخوان المسلمين، على الاستقالة. وتألفت وزارة جديدة بقيادة مسعود يلماز، وأطيح به في تشرين الثاني 1997، فتألفت حكومة أقلية بزعامة بولنت أجاويد، وواجهت رفع مستوى عمليات “العمال الكردستاني” إلى معدلات خطيرة، تسببت حتى العام 1999 بمقتل 35 ألف تركي، وخسارة مليارات الدولارات.
في أيلول 1998 حشدت تركيا 10 آلاف جندي تركي، وخطب قائد القوات البرية التركية مهدداً سوريا من الريحانية التي تبعد ثلاث كيلومترات عن الحدود السورية: ” تركيا ستتخذ الاجراءات المناسبة”.
دخل المصريون للعب دور الوساطة بين الطرفين، وأكد الأتراك لهم أن التحالف مع إسرائيل ليس موجهاً ضد سوريا. واكتشف حافظ الأسد في تلك الفترة أن التهديدات التركية جدية، وأن أميركا تستعد لتوجيه ضربة جديدة للعراق، لذا فضّل القبول بالوساطة العربية لحل الأزمة مع تركيا.
وزير الخارجية المصري عمرو موسى، توسّط لعقد تسوية بين الطرفين، يُبعد فيها أوجلان من سوريا، وتبدأ فيها مفاوضات أضنة الأمنية بين سوريا وتركيا على أعلى المستويات. سوريا شعرت أن موازين القوى تتغير مع ضعف الرهان على الحليف الروسي المرتبك، وقوة اللهجة التركية وانشغال واشنطن بتوجيه ضربة جديدة للعراق وعدم استعداد الدول العربية لدعم سوريا بأكثر من حدود التوسط لحل الازمة، لذا كان القرار بتجنب المواجهة مع تركيا والشروع بالتفاوض معها.
المفاوضات الشاقة انتهت بتوقيع اتفاق أضنة في 20 تشرين الأول 1998، وانبثقت عنه لجنة أمنية مشتركة تنعقد دورياً وكلما دعت الضرورة. وأُبعد أوجلان من سوريا إلى روسيا، ومنها إلى ايطاليا، وبعدها إلى كينيا حيث اختطفته المخابرات التركية في العام 1999. ومن سجنه التركي، في العام 2000 أعلن أوجلان انهاء العمل بالكفاح المسلح، قبل أن يتجدد القتال في العام 2004.
نص اتفاق أضنة الأمني
“في ضوء الرسائل المنقولة باسم سوريا من خلال رئيس جمهورية مصر العربية ، صاحب الفخامة الرئيس حسني مبارك، ومن خلال وزير خارجية إيران سعادة وزير الخارجية كمال خرازي ، ممثل الرئيس الإيراني ، صاحب الفخامة محمد سيد خاتمي، وعبر السيد عمرو موسى ، التقى المبعوثان التركي والسوري ، المذكور أسماهما في القائمة المرفقة ( الملحق رقم 1) ، في أضنة بتاريخ 19 و 20 تشرين الأول / أكتوبر من عام 1998 لمناقشة مسألة التعاون في مكافحة الإرهاب.
خلال اللقاء، كرر الجانب التركي المطالب التركية التي كانت عرضت على الرئيس المصري (الملحق رقم 2)، لإنهاء التوتر الحالي في العلاقة بين الطرفين. وعلاوة على ذلك، نبه الجانب التركي الجانب السوري إلى الرد الذي ورد من سوريا عبر جمهورية مصر العربية، والذي ينطوي على الالتزامات التالية:
1ـ إن سوريا، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا. كما ولن تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها.
2ـ لقد صنفت سوريا حزب العمال الكردستاني على أنه منظمة إرهابية. كما وحظرت أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها، إلى جانب منظمات إرهابية أخرى.
3ـ لن تسمح سوريا لحزب العمال الكردستاني بإنشاء مخيمات أو مرافق أخرى لغايات التدريب والمأوى أو ممارسة أنشطة تجارية على أراضيها.
4ـ لن تسمح سوريا لأعضاء حزب العمال الكردستاني باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة.
5 ـ ستتخذ سوريا الإجراءات اللازمة كافة لمنع قادة حزب العمال الكردستاني الإرهابي من دخول الأراضي السورية ، وستوجه سلطاتها على النقاط الحدودية بتنفيذ هذه الإجراءات.
اتفق الجانبان على وضع آليات معينة لتنفيذ الإجراءات المشار إليها أعلاه بفاعلية وشفافية.
وفي هذا السياق
أ) ـسيتم إقامة وتشغيل خط اتصال هاتفي مباشر فوراً بين السلطات الأمنية العليا لدى البلدين.
ب) ـسيقوم الطرفان بتعيين ممثلين خاصين [أمنيين] في بعثتيهما الديبلوماسيتين، وسيتم تقديم هذين الممثلين إلى سلطات البلد المضيف من قبل رؤساء البعثة.
ج) في سياق مكافحة الإرهاب، اقترح الجانب التركي على الجانب السوري إنشاء نظام من شأنه تمكين المراقبة الامنية من تحسين إجراءاتها وفاعليتها. وذكر الجانب السوري بأنه سيقدم الإقتراح إلى سلطاته للحصول على موافقة، وسيقوم بالرد في أقرب وقت ممكن.
د) اتفق الجانبان، التركي والسوري، ويتوقف ذلك على الحصول على موافقة لبنان، على تولي قضية مكافحة حزب العمال الكردستاني الإرهابي في إطار ثلاثي [أخذاً بعين الاعتبار أن الجيش السوري كان لم يزل في لبنان، وكان حزب العمال يقيم معسكرات له في منطقة البقاع اللبناني الخاضعة لنفوذ الجيش السوري].
هـ) يلزم الجانب السوري نفسه بإتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ النقاط المذكورة في “محضر الإجتماع” هذا وتحقيق نتائج ملموسة.
الملحق رقم 1:
عن الوفد التركي – السفير أوغور زيال – معاون الأمين العام في وزارة الخارجية.
وعن الوفد السوري – اللواء عدنان بدر الحسن – رئيس شعبة الأمن السياسي.
الملحق رقم 2: مطالب تركيا المحددة من سوريا
من أجل تطبيع علاقاتنا، نتوقع من سوريا الإلتزام بالقواعد والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. وفي هذا الصدد، ينبغي تحقيق المطالب المحددة التالية:
1ـ نظراً لحقيقة أن العلاقات التركية السورية كانت قد تضررت بشكل جدي بسبب الدعم السوري للإرهاب، نريد من سوريا القبول رسميا بالتزاماتها والتخلي عن موقفها السابق بشأن هذه المسألة. ويجب أن تشمل هذه الالتزامات تعهداً رسمياً بعدم منح الإرهابيين الدعم، أو الملاذ أوالمساعدة المالية. وينبغي أيضاً على سوريا محاكمة مجرمي حزب العمال الكردستاني وتسليمهم إلى تركيا، بما في ذلك زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان ومعاونوه [كانت سوريا أبعدت أوجلان قبل توجه عدنان بدر حسن إلى تركيا، وقد تلقت السلطات التركية إشعارا من موسكو بوصوله فعلاً إلى أراضيها].
2ـ في هذا الإطار، يجب على سوريا:
ـ أن لا تسمح لمخيمات تدريب الإرهابيين بالعمل على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها؛
ـ أن لا تزود حزب العمال الكردستاني بالأسلحة والمواد اللوجستية.
ـ أن لا تزود أعضاء حزب العمال الكردستاني بوثائق هوية مزورة.
ـ أن لا تساعد الإرهابيين على الدخول القانوني والتسلل إلى تركيا.
ـ أن لا ترخص الأنشطة الترويجية [الدعائية] للمنظمة الإرهابية المذكورة.
ـ أن لا تسمح لأعضاء حزب العمال الكردستاني بإنشاء وتشغيل مقرات على أراضيها.
ـ أن لا تسهل عبور الإرهابيين من دول ثالثة (أوروبا، اليونان، قبرص الجنوبية، إيران، ليبيا، أرمينيا) إلى شمال العراق وتركيا.
3ـ التعاون في جميع الأنشطة الرامية إلى مكافحة الإرهاب.
4ـ الامتناع عن تحريض البلدان الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية ضد تركيا.
5ـ في ضوء ما سبق، وما لم توقف سوريا هذه الأعمال فوراً، مع كل العواقب، تحتفظ تركيا بحقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وتحت كل الظروف للمطالبة بتعويض عادل عن الخسائر في الأرواح والممتلكات.
الملحق رقم 3
اعتبارا من الآن، يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أياً منهما ليس له أية مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.
الملحق رقم 4
يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.
أضنة، 20 أكتوبر 1998
ما بعد الاتفاق
على إثر توقيع اتفاق أضنة تحولت علاقات أنقرة ودمشق من ذروة التوتر إلى “نقطة التقارب” التدريجي ثم المتسارع، وصولاً إلى الدخول في “حوار إستراتيجي” كان من نتائجه تأسيس مجلس أعلى “للتعاون الإستراتيجي”، والدخول في عشرات الاتفاقات الاقتصادية والإعلامية والثقافية والتعليمية والسياحية، وتبادل عشرات الزيارات الرسمية على أعلى المستويات.
ففي 16 سبتمبر/أيلول 2009 اتفق البلدان على تأسيس “مجلس التعاون الإستراتيجي التركي السوري” الذي أبرمتا -من خلاله وفور تشكيله- ما يزيد على 30 اتفاقية و10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم، تشمل مجالات حيوية من بينها الدفاع والأمن والاقتصاد والصحة والنقل، كما وقعتا اتفاقية قضت بإلغاء تأشيرات الدخول لرعاياهما.
وفي تشرين الاول \ أكتوبر 2009 قالت وزارة الداخلية التركية إن عدد “الإرهابيين” الذين سلمتهم دمشق إلى أنقرة منذ عام 2003 بلغ 122 شخصاً “بينهم 77 شخصاً من حزب العمال الكردستاني”، وأكدت أن اتفاق أضنة “ما زال متواصلاً، ولكن يعاد النظر في مجمل الوثائق ونبذل مسعى في مجال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب على وجه الخصوص”.، لكن بعد آذار \مارس 2011 توترت العلاقات مجدداً واتخذت تركيا جانب المعارضة السورية وفتحت حدودها لها واستضافتها ودعمتها، واتهمت دمشق بالتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني التركي، وبتسليم المناطق المحاذية للحدود التركية إلى “الميلشيات الكردية” وخاصة “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPK) التابعة للاتحاد الديمقراطي. وهددت تركيا بـ “ممارسة حقها” في ملاحقة المتمردين الأكراد الأتراك داخل سوريا في حال الضرورة.
وفي 11 مايو/أيار 2016 قال الرئيس الدوري للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنس العبدة -في مؤتمر صحفي بولاية بيلاجيك التركية- إن “بروتوكول أضنة يهيئ الأرضية اللازمة لأنقرة لإقامة منطقة آمنة في سوريا، وفي حال تحقق ذلك وأُقيمت المنطقة الآمنة فإن أنقرة ستكون قد أمنت حدودها، وعندئذ يمكن للسوريين أن يعودوا إلى بلادهم بأمان”. لتنطلق في صيف 2016 عملية “درع الفرات ” العسكرية التركية باعتبارها “تطبيقا تركياً” لبنود اتفاق أضنة وملاحقه السرية.
وتبع ذلك في خريف 2019 انطلاق عملية “نبع السلام” والتي اعتبرها اردوغان لمحاربة الارهاب وان العملية ستتواصل حتى الوصول لعمق 32 كم في الاراضي السورية.
لماذا لم تنسحب سوريا من اتفاق أضنة؟
يبرز التساؤل عن جدوى استمرار سوريا في اتفاق أضنة ولماذا لم تنسحب منه بعد الحرب السورية منذ أكثر من عشر سنوات والدور التركي فيها…؟
الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي والعضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف قال رداً على سؤال لوكالة “سبوتنيك” الروسية ، إن “سوريا ومن منطلق الإدراك المسؤول بأن أمن كل دولة هو من أمن جيرانها، ومن واقع التزامها بمبادئ القانون الدولي وحفظ سيادة الدول، ومحاربة الإرهاب الذي تعتبر أكثر دول العالم تضررًا منه، ومن منطلق حرصها على مصداقيتها في الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات، لم تنسحب من اتفاق أضنة، لاسيما أن تمسك سوريا به يسحب الذرائع التركية حول تغطية أطماعها التوسعية بغطاء الحفاظ على أمنها القومي”.
تساؤلات
- هل يفُسّر الملحق الثالث بأنّه تخلٍّ رسمي من سوريا عن مطالبتها بلواء إسكندرون الذي تسميه تركيا “محافظة هاتاي”، ليصبح بموجب هذا البند جزءاً من الأراضي التركية. وفي هذا الصدد يقول مراقبون إن السلطات السورية توقفت -بعد توقيعها اتفاق أضنة- عن طباعة أو نشر خرائط رسمية يظهر فيها لواء إسكندرون ضمن حدودها. منذ عام 2004
- بعد عام 2011 احتلت تركيا المزيد من الاراضي السورية ونزلت تحت (خط معاهدة لوزان 1923) بما يعادل 9000 كيلو متر مربع، وإذا اعتبرنا قمة جبال طوروس هي الحدود الطبيعية فإن تركيا احتلت جنوب خط لوزان 1000 مدينة وبلدة، وأن مجموع الشمال السوري المسلوب يتراوح مابين 180 – 250 ألف كيلومتر مربع. ألا يستدعي هذا كله الانسحاب من اتفاق أضنة سيما وأنّه كان ذريعة لكل هذه الكوارث في السنوات الاخيرة؟؟
- ثم ألا يعتبر الدور التركي في الحدث السوري بعد العام 2011، نوعاً من إسقاط الاتفاق بالمعنى السياسي والأمني والعملي؟
- أين المطالب السورية في نص الاتفاق؟ ألا يؤكد النص على وجود ثغرة في هذه المسألة على النحو الذي يجعل الاتفاق مجموعة مطالب وشروط تركية دون أية مطالب سورية موازية؟
تركيا في النهاية هي دولة احتلال وليس الخلاف معها على أمن الحدود وحسب، ومن المؤكد أنها ستواصل ابتزاز سوريا باتفاق أضنة ما لم يصار إلى – على الأقل – الوصول إلى اتفاق يقضي بانسحاب جيشها من الأراضي السورية التي احتلتها بعد العام 2011.