[ كتب روبرت دريفوس هذا المقال تحت عنوان: رغية عمرها ثلاثون سنة، قبل الاحتلال الانكلو – أميركي للعراق، وقامت بترجمته الدكتورة ناديا خوست، وننشره الآن بعنوان إضافي: ألغاز احتلال العراق – سيرجيل]
لو بحثت في العالم كله عن المكان الأكثر حساسية بالنسبة لبناء امبراطورية أميركية لوجدت منطقة الخليج العربي هي الأولى. تحت رمال صحراء هذه المنطقة يوجد ثلثا نفط العالم كله. يساوي مخزون العراق وحده، تبعاً لبعض التقديرات، مخزون روسيا والولايات المتحدة والصين والمكسيك معاً. وقد كان الخليج على مدى الأعوام الثلاثين الماضية محط اهتمام مجموعة مؤثرة من استراتيجي السياسة الخارجية لواشنطن تعتقد أنه على الولايات المتحدة، أن تتحكم بهذه المنطقة لكي تؤمن سيادتها على العالم. وقد ولد هذا النهج خلال أزمة الطاقة في السبعينيات وطوره منذ ذلك الوقت جيل من السياسيين، ووجد أكبر دعم في إدارة بوش التي اقتربت أكثر من أية من الإدارات السابقة إلى تحويل الخليج إلى محمية أميركية من خلال خططها في غزو العراق وإقامة نظام موال فيه لواشنطن.
وفي الرؤية جيوسياسية التي تسيّر سياسة الولايات المتحدة في العراق فإن أساس الأمن القومي هو السيطرة الشاملة على جميع الخصوم المحتملين. ولهذا السبب لا يكفي أن تكون الولايات المتحدة قادرة على نشر قواتها العسكرية في أي مكان وفي أي وقت، بل ينبغي عليها أيضاً أن تسيطر على المصادر الأساسية، وأهم ما فيها النفط، وخاصة نفط الخليج. بالنسبة إلى الصقور الذين أصبحت لهم الآن الكلمة في البيت الأبيض والبنتاغون، فإن منطقة الخليج هامة ليست فقط لأنها تشارك في تزويد الولايات المتحدة بالنفط (أصبحت هناك مصادر أخرى أكثر أهمية عبر السنين) وإنما لأنها يمكن أن تتيح للولايات المتحدة أن تحكم سيطرتها على مصادر الطاقة العالمية، وربما أن تمنع وصول منافسيها إليها. وتعتقد الإدارة الأمريكية أنه “لابد من السيطرة على المصادر لكي تتوفر القدرة على الوصول إليها” كما يقول شاس فريمان الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية إبان حكم الرئيس بوش الأول. والفكرة المسيطرة أن نهاية الحرب الباردة جعلت الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها على العالم، وأن من الواجب على القادرين على التحكم بالأحداث بالقوة أن يفعلوا ذلك. تلك هي الأيديولوجيا.
والعراق من هذا المنظور، هو جائزة استراتيجية ذات أهمية لا تضاهى. فنفط العراق الخام، بخلاف النفط تحت سهوب ألاسكا المتجمدة أو تحت سهوب آسيا الوسطى أو تحت قيعان البحار العاصفة، هو نفط سهل الاستخراج بكلفة تقل عن 15 دولاراً للبرميل وهي أقل كلفة إنتاجٍ في العالم تقريباً. وقد أجرت شركات نفط غربية خلال الأشهر الماضية لقاءات مع المبعدين العراقيين بهدف الحصول على حق في ذلك الكنز.
ولكن بينما تأمل الشركات الاستفادة من عراقٍ تسيطر عليه أمريكا، لم يكن مدراء الشركات النفطية الذين يقلق بعضهم من نتائج الحرب، هم من يدفع لإزالة صدام حسين. ولم يكن كذلك نائب الرئيس تشيني والرئيس بوش، وكلاهما رجلا نفط سابقين، ينظران إلى الخليج لمجرد ما فيه من فوائد يمكن كسبها. لقد كانت الإدارة الأمريكية تفكر بما هو أكبر من ذلك. أكبر بكثير. يقول ميخائيل كلير، وهو أستاذ دراسات سلام وأمن العالم في كلية هامبشاير ومؤلف كتاب حرب المصادر: (إن السيطرة على العراق هي من حيث أن النفط قوة، أكثر من حيث كونه وقوداً. إن السيطرة على الخليج العربي تعني السيطرة على اوروبا واليابان والصين، إنها وضع يدنا على الحنفية).
منذ أزمات النفط في السبعينيات والولايات المتحدة تزيد من قواتها العسكرية في الخليج بواسطة بناء القواعد وبيع الأسلحة وعقد الشراكات العسكرية. وهي الآن تدعم قوتها في مكان سيكون نقطة ارتكاز الميزان العالمي للقوى خلال العقود القادمة. ويمكن لإدارة بوش، بضربةٍ تسيطر على العراق، أن تقوي تصميماً استراتيجياً طويل الأمد. ويقول جيمس أكينز وهو ديبلوماسي أمريكي سابق: (إنها خطة كيسنجر، وقد اعتقدت أنها ماتت، لكنها بعثت من جديد).
لقد تعلم أكينز درساً قاسياً حول السياسة النفطية حين كان مبعوث الولايات المتحدة إلى الكويت والعراق، وأخيراً سفيراً في السعودية خلال أزمة النفط في عامي 73 و 74 ففي بيته في واشنطن العاصمة تمتلئ الرفوف بفخاريات الشرق الأوسط كما تغطي الجدران تذكارات أخرى. فبعد مضي نحو ثلاثين عاماً ما زال ينفعل حين يتذكر أول مرة اصطدم فيها بفكرة أن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لاحتلال البلاد العربية المنتجة للنفط.
في العام 1975 بينما كان أكينز سفيراً في العربية السعودية ظهرت مقالة عنوانها “الاستيلاء على النفط العربي” في هاربرز، وكان المؤلف الذي استخدم الاسم المستعار مايلز إغنوطس، قد عرف نفسه بأنه “أستاذ مقيم في واشنطن ومستشار دفاع ذو علاقات وطيدة بصانعي السياسة الأمريكيين رفيعيّ المستوى”. وقد رسمت المقالة، كما يشير أكينز “كيف يمكننا حل جميع مشكلاتنا الاقتصادية والسياسية بالاستيلاء على حقول النفط العربية وبجلب التكساسيين والاوكلاهوميين لتشغيلها.” وفي الوقت نفسه ظهرت قصص مماثلة كثيرة في الصحف والمجلات. ويقول أكينز: “كنت أعرف أنها كان يجب أن تكون نتيجة لتعليمات خلفية عميقة، فلا يمكن أن يظهر فجأة عدد من الناس بالفكرة المحورية ذاتها وبصورة مستقلة.” ويتابع أكينز: “لكنني أخطأت خطأ مصيرياً فقد قلت في التلفزيون إن أي إنسان يمكن أن يقترح ذلك فهو إما أن يكون مجنوناً أو مجرماً أو عميلاً للاتحاد السوفييتي.” وسرعان ما علم بعد ذلك أن التعليمات الخلفية كانت من رئيسه هنري كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية في ذلك الحين. وقد أُقيل أكينز بعد ذلك في العام نفسه.
(لم يعترف كسنجر أبداً بأنه زرع بذور تلك المقالة. لكنه في مقابلة مع “بزنس ويك في العام نفسه ضمّن كلامه تهديداً خفياً للسعوديين موحياً بخفض أسعار النفط من خلال “حروب سياسية شاملة ضد بلدان مثل العربية السعودية وإيران بحيث تهدد استقرارهم السياسي وربما أمنهم إن هم لم يتعاونوا).
كان الوجود العسكري الأمريكي في الخليج شبه معدوم في السبعينيات بحيث أن فكرة الاستيلاء على نفطه كانت مجرد حلم. ومع ذلك، بدءاً من مقالة مايلز إغنوطس، ومن أخرى موازية لها للاستراتيجي المحافظ روبرت توكر، الأستاذ في جامعة هوبكنز، المنشورة في “كومنتاري”، بدأت الفكرة تلقى رواجاً بين مجموعة من المفكرين المتشددين المناصرين لإسرائيل، وخاصة جماعة الصقور المتحالفة مع السناتور الديمقراطي هنري جاكسون من واشنطن والسناتور دانييل باتريك موينيهان من نيويورك.
وأخيرا أصبح هذا المزيج من الاستراتيجيين يعرف باسم “المحافظين الجدد”. وقد لعبوا أدواراً هامة في وزارة دفاع الرئيس رونالد ريغان وفي الجمعيات وفي مراكز السياسة الأكاديمية في الثمانينات. وهم يحتلون الآن، بقيادة ريتشارد بيرل، رئيس مجلس سياسة الدفاع التابعة للبنتاغون، ونائب وزير الدفاع بول وولفوفيتش، عشرات المراكز الأساسية في البيت الأبيض وفي البنتاغون وفي وزارة الخارجية. ففي القمة هم الأقرب إلى نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد اللذين تحالفا عندما كانا كلاهما في البيت البيض إبان رئاسة فورد في أواسط السبعينات. وقد تجمعوا كذلك حول تشيني حين كان وزيراً للدفاع خلال حرب الخليج في عام 1991
وعلى مدى هذه السنين، وبخاصة بعد حرب الخليج تسللت قوات الولايات المتحدة بصورة مستمرة إلى الخليج والمنطقة المحيطة من القرن الإفريقي إلى آسيا الوسطى. وقد سعت الإدارة الأمريكية، خلال تحضيرها غزو العراق واحتلاله، لبناء الخطوات التي اعتمدها المخططون السياسيون والعسكريون خلال ربع القرن الماضي.
الخطوة الأولى: قوة الانتشار السريع
في عامي 1973 و 1974 ومرة ثانية في عام 1979 أدت الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط إلى زيادة كبيرة في أسعار النفط التي ارتفعت بما يعادل خمسة عشر ضعفاً خلال عقد من الزمن وركزت الانتباه على الخليج العربي. وقد اعتبر الرئيس كارتر بالفعل في كانون الثاني عام 1980 الخليج منطقة نفوذ أمريكية وخاصة ضد النفوذ السوفييتي. وقال ما أصبح فيما بعد يعرف بمبدأ كارتر: “ليكن موقفنا واضحاً تماماً. إن أية محاولة من قوة خارجية لبسط سيطرتها على منطقة الخليج العربي سينظر إليها على أنها اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة وسوف يقمع مثل هذا الاعتداء بكل الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية.” ولدعم هذا المبدأ أنشأ كارتر قوة الانتشار السريع وهي وحدة عسكرية قادرة على نشر عدة آلاف من القوات الأمريكية في الخليج في حال حدوث أزمة.
الخطوة الثانية: القيادة المركزية
بدأت الولايات المتحدة في الثمانينات، أثناء رئاسة ريغان، بالضغط على بلدان الخليج لمنحها حرية الوصول إلى القواعد والمنشآت العسكرية. وتحولت قوة الانتشار السريع إلى القيادة المركزية، وهي سلطة قيادة عسكرية أمريكية مسؤولة عن الخليج والمنطقة المحيطة من شرق إفريقية إلى أفغانستان. وقد حاول ريغان أن ينظم “إجماعاً استراتيجياً” بين الحلفاء المعادين للسوفييت بمن فيهم تركيا وإسرائيل والعربية السعودية. وقد باعت الولايات المتحدة بما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة للسعوديين في بداية الثمانينات من طائرات المراقبة اواكس إلى المقاتلات ف 15 وفي عام 1987 في ذورة الحرب بين العراق وإيران أنشأت البحرية الأمريكية القوة الشرق أوسطية المشتركة لحماية ناقلات النفط التي تبحر في مياه الخليج مما وسع الوجود البحري الأمريكي من مجرد ثلاث أو أربع سفن حربية إلى أسطول يحوي أكثر من 40 من حاملات طائرات وسفن حربية وبارجة.
الخطوة الثالثة: حرب الخليج
لم تكن الولايات المتحدة حتى عام 1991 قادرة على إقناع دول الخليج العربية بأن تسمح بوجود أمريكي دائم على أراضيها. وفي تلك الأثناء بينما كانت العربية السعودية تحافظ على علاقاتها القوية بالولايات المتحدة، إلا أنها بدأت تنوع علاقاتها التجارية والعسكرية. وفي الوقت الذي وصل فيه سفير الولايات المتحدة شاس فريمان إلى هناك في نهاية الثمانينات، كانت الولايات المتحدة قد انحدرت إلى المرتبة الرابعة بين مصدري السلاح إلى المملكة. وقد علق فريمان على ذلك بقوله: (كان يستعاض عن الولايات المتحدة حتى بالمعنى التجاري بالبريطانيين والفرنسيين وحتى بالصينيين).
لكن ذلك كله تغير بعد حرب الخليج. فلم تعد العربية السعودية ودول الخليج الأخرى تعارض الوجود الأمريكي المباشر والقوات الأمريكية وبناء الفرق وتجار الأسلحة. وتدفقت فرق المساعدة العسكرية. ويقول فريمان: (لقد أعادت حرب الخليج المملكة العربية السعودية إلى مكانها وأحيت علاقة كانت قد تآكلت بشدة).
وفي العقد الذي تلا الحرب باعت الولايات المتحدة من الأسلحة والمعدات والمشاريع البنيوية ما قيمته أكثر من 43 مليار دولار للسعودية وما قيمته 16 مليار دولار للكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وذلك وفقاً للبيانات التي جمعها اتحاد العلماء الأمريكيين. فقبل عملية عاصفة الصحراء كانت الولايات المتحدة تتمتع بحق تخزين الذخائر العسكرية فقط في الدول الخليجية البعيدة نسبياً، عُمان، على المحيط الهندي. أما بعد الحرب فقد بدأت كل دول المنطقة تقريباً بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مستضيفة وحدات البحرية الأمريكية وأسراب القوى الجوية ومانحة الولايات المتحدة حقوقاً تفضيلية. وقد تباهى وليام كوهين، الذي كان حينئذ وزيراً للدفاع في عام 1995 قائلاً: (لقد ازداد وجودنا العسكري في الشرق الأوسط ازدياداً كبيراً).
وكان الدعم الآخر لوجود الولايات المتحدة الفرض أحاديّ الجانب مناطق حظر الطيران في جنوب وشمال العراق في سنة 1991 وهو الذي فرضته بصورة أساسية طائرات الولايات المتحدة من قواعد في تركيا والسعودية. ويقول كولن رونسون من مركز معلومات الدفاع: “لقد كانت هناك منشآت هائلة وخاصة حول قاعدة أنجيليك في تركيا لفرض منطقة حظر الطيران الشمالية، وحول الرياض لفرض منطقة حظر الطيران الجنوبية. وقد بني مركز قيادة ذا تقانة عالية كلفته مليار دولار في العربية السعودية قرب الرياض، وخلال السنتين الماضيتين كانت الولايات المتحدة تكمل سراً مركزاً آخر في قطر. ويقول روبنسون إن المنشآت السعودية (بنيت بإمكانات تفوق كثيراً مقدرة السعودية على استخدامها، وهذا بالضبط ما تفعله قطر الآن).
الخطوة الرابعة: أفغانستان
لقد دعمت الحرب في أفغانستان، والحرب المفتوحة ضد الإرهاب التي أدت إلى أن تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات في اليمن وباكستان ومناطق أخرى، أكثر من قبل قوة أمريكا في المنطقة. وقد ربحت الإدارة الأمريكية زيادات كبيرة في ميزانية الدفاع، التي تصل الآن إلى نحو 400 مليار دولار بينما لم تكن في العام 2000 تتجاوز 300 ملياراً إلا قليلاً، ويذهب جزء كبير من هذه الميزانية، ربما مبلغ 60 مليار دولار، إلى دعم القوات الأمريكية في وحول جيبوتي في القرن الإفريقي إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، كما وسعت شبكة من القواعد ومهمات التدريب الوجود العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى. فمن أفغانستان إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة، اوزبكستان وقرغيزيا، وطدت القوات الأمريكية نفسها في مساحة كانت لمدة طويلة داخل مناطق النفوذ الروسي. وتشكل آسيا الوسطى الآن، الغنية بالنفط والمهمة استراتيجياً، الحلقة الشرقية في سلسلة شبه متصلة من القواعد والمنشآت والأحلاف الأمريكية الممتدة من البحر المتوسط والبحر الأحمر حتى أواسط آسيا.
الخطوة الخامسة: العراق
قد تكون إزالة صدام حسين هي الحلقة الأخيرة من السلسلة التي تحكم الوجود الامبريالي الأمريكي. وقد أعلم روبرت كاغان، وهو استراتيجي قيادي من المحافظين الجدد، مؤخراً مجلة أتلانتا إنستيتيوشن، أن من المحتمل جداً أن تبقي الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في العراق. (وسنحتاج على الأغلب إلى تركيز من القوات في الشرق الأوسط لمدة طويلة من الزمن، فحين تكون لدينا مشكلات اقتصادية يكون سببها انقطاع تزويدنا بالنفط. فإذا أصبحت لدينا قوات في العراق فلن يكون هناك انقطاع في التزود بالنفط).
كاغان مع ويليام كريستول من مجلة ويكلي ستاندرد، هو مؤسس مشروع الجماعة من أجل “القرن الأمريكي الجديد”، وهو تجمع من صقور السياسة الخارجية تضم بين مؤيديها بيرل من البنتاغون، ومارتن بيريتز ناشر نيوريبوبليك، وجيمس وولي المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية. ومن بين أعضاء المجموعة في إدارة بوش هناك تشيني ورامسفيلد وولفوفيتش ولويس ليبي، رئيس مكتب نائب الرئيس، وإليوت أبرامس مدير الشرقأوسطية في مجلس الأمن القومي، وزالماي خليل زاد ممثل البيت الأبيض لدى مجموعات المعارضة العراقية. مجموعة كاغان المرتبطة بشبكة من المنظمات المحافظة الجديدة المماثلة، والمنظمات المؤيدة لإسرائيل، تجمع المفكرين الذين قوي تقاربهم الايديولوجي إبان إدارتي نيكسون وفورد.
ويرى أكينز، العائد حديثاً من السعودية، أنه فريق يبدو أنه معروف جداً يسعى لوضع الخطة التي وضعت منذ عام 1975 موضع التنفيذ. ويقول: (ستكون الأمور أسهل بعد احتلال العراق. فنحن نملك الكويت وكذلك قطر والبحرين. لذلك فليس هناك سوى السعودية التي نتحدث عنها. وستسقط الإمارات العربية المتحدة بنفسها).
في الصيف الماضي أعطى بيرل نظرة موجزة حول أفكار حلقته حين دعا الاستراتيجي لورنت مودوفيك لتقديم محاضرة لمجلس سياسة الدفاع لديه، وهي لجنة مؤلفة من رسميين رفيعين سابقين وجنرالات يقدمون النصح للبنتاغون حول الأفكار السياسية الواسعة المدى. وقد أثارت مداخلة موروفيك خلف الأبواب المغلقة عاصفة من النقد حين تسربت إلى وسائل الإعلام. فقد وصف العربية السعودية بأنها جوهر الشر. واقترح أن يطاح بالعائلة المالكة السعودية. وقال بفكرة احتلال الولايات المتحدة حقول نفط السعودية. لكنه في النهاية فقد وظيفته حين وُجد أنه مثير للجدل أكثر من اللازم. موروفيك هو جزء من مدرسة تفكير في واشنطن تنظر إلى دول الخليج كلها على أنها “دول فاشلة” غير مستقرة، وتعتقد أن الولايات المتحدة وحدها لديها القوة لإعادة تنظيمها وبنائها بالقوة. ووفقاً لوجهة النظر هذه فإن منظومات السلاح والقواعد التي أقيمت للدفاع عن المنطقة يمكنها كذلك أن توفر بنية تحتية جاهزة للاستيلاء على هذه الدول وعلى حقولها النفطية في حال حدوث أزمة.
يقول روبرت ايبل، وهو مدير برنامج الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية csis جميس شليسنجر وزينجيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي: (إن لدى وزارة الدفاع على الأرجح خطط طوارئ لاحتلال السعودية إذا حدث شيء ما فيها. إذا أزيلت العائلة الحاكمة أو إذا قرروا وقف ضخ النفط فعلينا عندئذ أن ندخل).
كان ايبل، وهو موظف من المستوى المتوسط في المخابرات المركزية cia يشرف على مجموعة موقتة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ضمت عدداً من أعضاء الكونغرس وممثلين من الصناعة مثل ايكسون موبايل، آركو، BP، شل، تكساكو ومعهد أميريكان بتروليوم، وقد خلص تقريرها المعنون “جيوسياسة الطاقة في القرن الواحد والعشرين” إلى أن العالم سيجد نفسه معتمداً على مدى العديد من السنين على شعوب منتجة للنفط غير مستقرة ستدور حولها الأزمات والحروب. ويقول ايبل: (إن النفط سلعة بالغة الأهمية، فهو يحرك القوة العسكرية والخزينة المالية الوطنية والسياسية الدولية. وهو لم يعد سلعة يمكن بيعها وشراؤها داخل إطار موازين العرض والطلب على التزود بالطاقة، وإنما تحول إلى مال يحدد الرفاه والأمن القومي والقوة الدولية).
ومهما كانت أهمية الخليج العربي الآن فإن أهميته الاستراتيجية سوف تتصاعد بشكل أُسّي في السنين العشرين القادمة. هناك تقريباً برميل من كل ثلاثة براميل نفط احتياطي في العالم يكمن تحت بلدين فقط: العربية السعودية التي يبلغ احتياطيها المؤكد 259 مليار برميل، والعراق 112 مليار برميل. وهذه الأرقام قد لا تعبر تماماً عن مخزون نفط العراق الذي لم يكتشف بعد، والذي يبلغ وفقاً لتقديرات حكومية في الولايات المتحدة ما يفوق 432 مليار برميل.
ومع اقتراب المخزون النفطي في العديد من المناطق، وخاصة في الولايات المتحدة وبحر الشمال من النفاد يصبح نفط السعودية والعراق أكثر أهمية، وهذه حقيقة ذكرت في تقرير الإدارة حول سياسة الطاقة القومية الذي أصدرته في عام 2001 مجموعة موقتة في البيت البيض. ومع حلول عام 2020 سيزود الخليج مابين 54 و 67 في المائة من النفط الخام العالمي، كما تذكر الوثيقة. مما يجعل المنطقة حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. فإن استطاعة السعودية على الإنتاج سوف ترتفع من 9,4 مليون برميل في اليوم الواحد حاليا إلى 22,1 مليون برميل خلال الأعوام السبعة عشر القادمة. أما العراق الذي لم ينتج في عام 2002 سوى 2 مليون برميل في اليوم فيمكنه بسهولة أن يضاعف إنتاجه مائة مرة حتى العام 2020
لا يقلق الاستراتيجيون الأمريكيون بصورة أساسية من تزود الولايات المتحدة نفسها بالنفط، فعلى مدى عقود عملت الولايات المتحدة على تنويع مصادرها النفطية مع فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وبلدان أخرى تزداد أهميتها. أما بالنسبة لاوروبا الغربية واليابان وكذلك القوى النامية الأخرى في شرق آسيا فإن للخليج أهميته الكلية. فمن يسيطر عليه سوف يمتلك النفوذ العالمي الحاسم لعقود قادمة.
ويلاحظ بتلر أن ثلثي نفط الخليج يذهب اليوم إلى دول صناعية غربية. أما عام 2015 وطبقاً لدراسة مجلس المخابرات القومي التابع لوكالة المخابرات المركزية cia فإن ثلاثة أرباع نفط الخليج سوف تذهب إلى آسيا، وخاصة إلى الصين. وإن اعتماد الصين المتزايد على الخليج يجعلها تطور علاقات عسكرية وسياسية أوثق مع بلدان مثل إيران والعراق، وذلك حسب التقرير الذي قدمته مجموعة ايبل الذي يقول: “إن لديهم مصالح في الخليج تختلف عن مصالحنا، فهل من صالحنا أن يكون هناك منافسون آخرون على النفط في الخليج العربي”؟
ويشبّه دافيد لونغ، الذي كان ديبلوماسياً في العربية السعودية ورئيساً في قسم الشرق الأوسط في مكتب المخابرات والبحوث التابع لوزارة الخارجية إبان إدارة ريغان، نهج إدارة بوش بفلسفة الأميرال ماهان الاستراتيجي العسكري في القرن التاسع عشر الذي كان يدافع عن استخدام القوة البحرية لخلق امبراطورية أميركية عالمية، ويقول لونغ : (يريدون أن يكونوا أسياد العالم بالقوة، وهذا موقف جيوسياسي، وهم يقولون: نحتاج إلى السيطرة بالقوة على المنطقة).
كان وجه قوة الولايات المتحدة في الخليج حتى عام 1970 هو الصناعة النفطية التي تقودها ايكسون وموبايل وشيفرون وتكساكو وغولف، والتي كانت تتنافس بشدة مع شركة BP البريطانية وشل الأنكلو هولندية. ولكن في بداية السبعينات أمّم العراق كما أمّمت السعودية ودول الخليج الأخرى صناعاتها النفطية وأسست شركات تديرها الحكومات للآبار وخطوط النفط ومنشآت الإنتاج. ولم يؤد ذلك إلى تعزيز قوة اوبيك فقط مما جعل هذه المنظمة تفرض سلسلة من الزيادات الحادة في الأسعار، وإنما نبّه سياسيي الولايات المتحدة إلى الخطر كذلك.
يدافع اليوم عدد متزايد من استراتيجيي واشنطن عن مواجهة مباشرة للولايات المتحدة مع الصناعات النفطية التي تملكها الحكومات في البلدان المنتجة للنفط، وخاصة في الخليج العربي. فجماعات مثل معهد أميريكان إنتربرايز وصندوق هيريتج ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تجري مناقشات حول خصخصة الصناعة النفطية في العراق. وقد وضع بعضها خططاً تفصيلية تحدد كيف يمكن للعراق والسعودية ودول أخرى أن تُجبَر على فتح صناعاتها النفطية والغازيّة للاستثمارات الأجنبية. أما إدارة بوش نفسها فكانت حذرة ولم تقل الكثير عما يمكن أن يحدث لنفط العراق. لكن كانت لمسؤولي وزارة الخارجية محادثات أولية مع المبعدين العراقيين حول الصناعة النفطية، وكانت هناك تقارير تفيد أن العسكريين الأمريكيين يريدون استخدام جزء على الأقل من عائدات العراق النفطية لتسديد نفقات الاحتلال العسكري. وقد ذكر روب سبحاني، وهو مستشار نفطي، في مؤتمر أميريكان إنتربرايز في الخريف الماضي في واشنطن: “إن إحدى المشكلات الرئيسية في الخليج العربي هي أن وسائل الإنتاج بيد الدولة.” كما ذكر أن عدداً من شركات النفط الأمريكية بدأت دراسة إمكانية الخصخصة في الخليج. ويقول سبحاني إن تفكيك شركات النفط الحكومية يمكن كذلك أن يؤدي إلى تغيرات سياسية في المنطقة. “فبداية الديمقراطية الليبيرالية يمكن الوصول إليها إذا نزعت وسائل الإنتاج من يد الدولة.” ويعترف بأن العرب سوف يعارضون هذه الفكرة، ويخلص إلى أن الأمر يحتاج إلى الكثير من المساومة وإلى الكثير من التسويق.
أما أي الشركات ستطالب بنفط العراق فكان موضوع كثير من الجدل. فبعد الحرب من المحتمل جداً أن تلغى العقود التي كانت الشركات العراقية الحكومية قد وقعتها مع شركات النفط الاوروبية والروسية والصينية، مما يترك المجال لشركات النفط الأمريكية. ويقول أكينز: (إن ما يفكرون به هو الخصخصة ثم توزيع نفط العراق على شركات النفط الأمريكية، فهي التي ستكون الرابح الرئيسي من هذه الحرب).
وقد كان حكام عراق ما بعد صدام المحتملون يفكرون بالطريقة نفسها. إذ يقول أحمد تشلبي، وهو رئيس المؤتمر الوطني العراقي، مجموعة من الأرستقراطيين والأثرياء العراقيين الذين هربوا من البلاد حين أطيح بالحكم الملكي في عام 1958 : “سيكون لشركات النفط الأمريكية نصيب كبير في نفط العراق.” فقد عقد أحمد تشلبي خلال زيارة إلى واشنطن في الخريف الماضي لقاء جمع ثلاثة على الأقل من شركات النفط الأمريكية الكبرى محاولاً الحصول على دعمها. كما عقدت لقاءات مماثلة بين مبعدين عراقيين وشركات أمريكية في أوروبا.
ويقول جيرالد بيلي، الذي ترأس عمليات ايكسون للشرق الأوسط حتى عام 1991: “لقد حاورَنا المبعدون العراقيون قائلين يمكنكم أن تأخذوا نفطنا إذا تمكنا من العودة إلى هناك.” وقد التقت بهم كل الشركات الأمريكية الكبرى في باريز ولندن وبروكسل، وفي أماكن أخرى. وهم كلهم يناورون محاولين الحصول على مناصب.
لكن الشركات قلقة أيضاً من نتائج الحرب حسبما يقول العديد من الخبراء، ومسؤولو شركات النفط وموظفون سابقون في وزارة الخارجية. ويقول بيلي: “إن شركات النفط واقعة في مأزق.” فالمسؤولون يخشون أن تؤدي الحرب إلى دمار وفوضى شديدة في المنطقة فتنقلب البلدان العربية ضد الولايات المتحدة وشركات النفط الغربية ومن ناحية أخرى، لو كان الغزو الأمريكي للعراق ناجحاً فهم يريدون أن يكونوا هناك حين اقتسام النفط. إنه “الجشع مقابل الجنون” كما يقول دافيد لونغ الديبلوماسي الأمريكي السابق.
إن ابراهيم ولي، وهو مختص شرق أوسطي في جامعة جورج تاون، وهو الذي ابتدع تعبير بترودولار وكان مستشاراً لشركتي اوكسيدنتال و BP كان يراقب عن كثب المناورات الحذرة التي تقوم بها الشركات، ويقول: (أعرف أن شركات النفط خائفة من نتائج كل هذا، فهي ليست متأكدة إطلاقاً من أن هذا يصب بأفضل شكل في مصلحة الصناعة النفطية).
وتقول آن جويس، وهي محررة في مجلس سياسة الشرق الأوسط الموجود في واشنطن، والتي تحدثت حديثاً خاصاً مع مسؤولين كبار في شركة ايكسون، إنه من الواضح أن معظم مسؤولي الصناعة النفطية خائفون” مما يمكن أن تغير الحرب في الخليج العربي على المدى البعيد، خاصة إذا تطورت التوترات وخرجت عن السيطرة.” وتقول: (يرون أن الحرب خطرة جداً، وهم يكرهون المخاطرة، وهم يعتقدون أن الإخفاق التام يحيط بها).
———————————————————-
تنويه: ينشر موقع سيرجيل هذا المقال باتفاق خاص مع المترجمة السيدة الدكتورة ناديا خوست، وهو منشور على صفحتها الخاصة
المترجمة: الدكتورة ناديا خوست أديبة ومفكّرة سوريّة