أوراق العالم القادم

المرشد الأعلى للفيسبوك!

القوى الرقميّة العالميّة

عندما نصحو صباحاً أول ما نهرع له هو الفيسبوك لندخل في عالمنا الافتراضي قبل أن ندخل في نهارنا الحقيقي الجديد … لماذا؟

لأنَّ الفيسبوك هو بيت المرايا الذي تنعكس به صفحات الوجوه، وتتردد به أصداء ما تود النفس سماعه مما يغيّب احتمالية قيام حوار ومشاركة انسانية فعالة، إضافة إلى تكوين وقطع العلاقات الشبكية بضغطة زر لتسود أنماط علاقات خفيفة العبء والكلفة وحوارات تأخذ شكل تفاعل مكتوب بخلاف العلاقات الحقيقية التي تتطلب قدراً من المواجهة والتفاعل الحي مما يخلق وهم التواصل الإنساني، فهو ليس إلّا أصداء صوت وصورة خيال.

 فوسائل التواصل الاجتماعي تعمل على الحد من الخصوصية فهي تدعونا لإظهار أنفسنا. لنحاول تقديم أفضل صورة ليراها الآخرون، إنه التجلي الأكبر لنزعات الانسان المعاصر حيث مملكة أهواءه التي يديرها حاكم مستبد يقرر من يقصي ومن يبقي.

وفي هذا الإطار يقول “زيغمونت باومان” عالم الاجتماع البولندي الراحل: “مؤسس شركة فيسبوك يتغذى على خوف البشرية من الوحدة، ففي العالم الافتراضي لا وجود للوحدة، هناك دوماً مَنْ يبدي استعداده ليقرأ لنا وليشاركنا اللايك معرباً عن إعجابه ودعمه “.

ويرى باومان أنَّ وسائل التواصل كالفخ الذي يصطاد عواطفنا وبقايانا الهشة حيث تسود أنماط علاقات غير مستقرة بلا اعباء أو مسؤوليات، وأطياف أحاسيس تأتي اليوم لتنقضي غداً، تحمل هذه المواقع منافع شتى إلّا أنها تزيد من إحكام قبضتها يوماً بعد يوم لصالح الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تسيء توظيف قواعد البيانات لتحقيق مآرب وغايات محددة.

فكرة الجماعة البشرية ( أو المجتمع البشري ) تمّ استبدالها بفكرة الشبكة NETWORK.  ،  الجماعة البشرية تمتاز بكونها صعبة الإختراق (من قبل فرد لاينتمي لها)، وكمثال على ذلك ليس بمستطاع كلّ فرد أن يكون سويسرياً إلّا بعد أن يجتاز إجراءات طويلة ومعقدة على الأرض، وفي الوقت ذاته فإن التملّص والإنفكاك من جماعة بشريةٍ ما هو أمر صعب بمثل صعوبة الإنضمام إليها، كما أن تفكيك أواصر الروابط الإجتماعية التي تربط الفرد بتلك الجماعة يتطلّب موهبة مميزة وقدرة فائقة لا تُتاح للجميع، أما مع الشبكات الإجتماعية (مثل الفيسبوك) فالحكاية مختلفة تماماً؛ إذ يمكن للفرد أن ينضمّ ويشارك في تلك الشبكات أنى شاء وبطريقة يسيرة للغاية، كما يمكنه مغادرتها بمثل سهولة الإنضمام إليها، لكن ما أقدم عليه “مارك زوكربيرغ” بتشكيل مجلس الحكماء للاشراف على المحتوى المنشور في الفيسبوك يعتبر خطوة خطيرة لطموحات متورمة لدى هذا الرجل …

جون نوتون باحث أيرلندي مرموق واستاذ التكنولوجيا في الجامعة المفتوحة وكاتب دائم في صحيفة الغارديان البريطانية ومدير برنامج الزمالة الصحفية في كلية وولفسون وأحد اساتذة جامعة كمبريدج.

جون نوتون ألّف كتاباً بعنوان ” من غوتنبرغ الى زوكربيرغ. ما تحتاج معرفته حقاً عن الانترنت ” يصف فيه الفيسبوك بأنه امبراطورية سياسية خارج حدود المسؤولية أكثر من كونها شركة تكنولوجية، فهي مسؤولة عن نموذج عمل مسموم حقق تقدماً مخيفاً على مدار العشر سنوات الماضية لتقويض المؤسسات والممارسات الديمقراطية على حد سواء.

ويسمي نوتون ” مارك زوكربيرغ ” المرشد الأعلى للفيسبوك بدون تهكم وسخرية، ويبرر ذلك بقوله إنَّ مارك يتحدث برؤية طوباوية عن البشرية باعتباره رئيس جمهورية افتراضية مكونة من 3 مليارات مستخدم، ويعتبر قرار الشركة بتشكيل مجلس للإشراف على المحتوى من قبل 20 شخصية قد تتضاعف ليصبح 40 شخصية، يثير قلق الهيئات السيادية والمحاكم والهئيات التشريعية التي سيكون مطلوباً منها التنازل عن سلطاتها لحساب الشركات التكنولوجية الكبرى مثل فيسبوك وامازون وغوغل بوصفها دولاً رقمية عالمية تدير العالم اليوم.

وهذا المجلس سيعمل على إخفاء حقائق غير مرغوب فيها لأنَّ هذه الشركات تريد أن تضع القضاة وتحاكم نفسها بنفسها.

ويعتبر أنَّ تشكيل هيئة الحكماء هذه ما هي إلّا للتاكيد بأن الفيسبوك قوة سياسية كبيرة، فالشركة تقنية بالأساس لكنها تعاني من وهم أنها دولة قومية فقد سبق لها الإعلان عن عملتها الرقمية “ليبرا” لتكون البنك الدولي الذي يدير اقتصاد العالم في الظل، ومع فشل هذا المشروع قال مارك: (فيسبوك لا يعني لي مجرد شركة، بل بناء يغير الواقع ويحدث تغييراً فعلياً في العالم).

وضمن هذا الإطار فإن مصطلح ما بعد الحقيقة والأخبار الزائفة كبرا وتضخما مع تضخم الفيسبوك، فلا يوجد شيء مخيف أكثر من أن تتحول شركة فيسبوك إلى أكبر مستبد في العالم لتبادل المعلومات.

اقرأ في الموضوع نفسهالسلطان التكنولوجي

 

ملكون ملكون

كاتب وأديب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق