العالم الآن

الانتخابات الالكترونيّة ما بين العراق وفنزويلا؟

شروطها وميزاتها وإشكالياتها

المقصود بالانتخابات الإلكترونية معنيان، المعنى الأول هو أن الانتخابات تجري بواسطة التصويت غير المباشر عبر الانترنيت وليس بواسطة صندوق الاقتراع في محطات اقتراع محددة، وهذا النوع جزئي الاستعمال في دول قليلة وهناك دول تفكر في اعتماده بشكل كامل كالولايات المتحدة كما قالت صحيفة “فورين بوليسي”. والمعنى الثاني وهو المقصود في العراق هو الذي يجري في محطات اقتراع محددة وصناديق اقتراع إلكترونية ويجري فرز وعد الأصوات بواسطة أجهزة إلكترونية تعتبر مفيدة في تسهيل عملية الانتخاب والفرز والعد وتسريع إعلان النتائج بشكل كبير ولكن سلبياتها ونقاط ضعفها كبيرة وخطرة.

علماً أن بعض الدول تراجعت عن استعمال الوسائل الرقمية الإلكترونية في الانتخابات جزئياً أو كلياً بسبب استحالة ضبطها وحمايتها من الاختراقات وعمليات القرصنة “التهكير” والتدخلات الخارجية، وعاد بعض الدول إلى استعمال التصويت اليدوي بالورقة والقلم، وحدثت مشاكل وتدخلات في دول أخرى وآخرها روسيا.

الفرق بين الانتخابات والديموقراطية

 

 من البديهيات التي يحاول البعض تزويرها وتزييفها هي أن الانتخابات لا تعني الديموقراطية السياسية بل هي عملية إجرائية “تنفيذية” يمكن أن تجري في دول

رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي

استبدادية يفوز فيها الرئيس أو الحزب الحاكم بنسب تسعينية “99 بالمائة” غالباً، أو تقوم بها أنظمة رجعية دينية هي التي تنتخب وتزكي وترفض وتحرم من تشاء من المشاركة في الترشيح والترشح كما هي الحال في إيران. وحتى الانتخابات كعملية إجرائية لا بد أن تتوافر فيها شروط ومقاييس دولية مما تراكم من تجارب الشعوب تجعلها نزيهة أو قريبة من النزاهة منها هذه الشروط:

1أن يتمتع البلد المعني بالاستقلال والسيادة الوطنية في البلد المعني وخلوه من القوات المحتلة أو المفروضة البقاء. (لا استقلال ولا سيادة للعراق، وهو بلد شبه منزوع السلاح وممنوع من بناء جيش قوي وحديث، والقوات الأجنبية – الأميركية والأطلسية والتركية مفروضة عليه فرضاً والتدخلات الإيرانية تشمل كل شيء من تعيين رئيس الوزراء وحتى مصادر مياه الشرب)

 2-وجود مفوضية تقود الانتخابات مؤلفة من خبراء مستقلين تماماً عن الأحزاب والقوى السياسية وقانون انتخابات وطني قائم على أساس المواطنة وليس المحاصصة الطائفية او العرقية. (مفوضية الانتخابات في العراق تتقاسم عضويتها الأحزاب باسم مكوناتها الطائفية والعرقية وحتى حين جاؤوا بقضاة لعضويتها كانوا على أساس المحاصصة الإتنية والطائفية ومن المحسوبين على الأحزاب والمليشيات).

3سيطرة وطنية كاملة ومائة بالمائة على أجهزة التصويت والفرز والعد الإلكتروني من قواعد البيانات وحتى السيرفرات “الخوادم” التي يجب أن تكون داخل البلد المعني في دائرة إلكترونية محلية لا ترتبط بأي دوائر أجنبية دولية. (سيرفرات وقواعد بيانات أجهزة الفرز والعد تدار من خارج العراق وتجمع وتنقل النتائج بطرق غامضة لا يعرف الشعب عنها شيئا)

4– سلمية الانتخابات ومنع المال السياسي والسلاح المليشياوي. (أفراد المليشيات والأحزاب المسلحة كالبيشمركة الكردية والفصائل الشيعية وجماعات الضغط السنية هي التي تدير وتشرف على العملية الانتخابية).

5علنية وشفافية التصويت والفرز والعد وإمكانية إعادة الفرز والعد العشوائي تلقائياً لنسبة معتبرة من صناديق الاقتراع. لا وجود لإعادة العد والفرز العشوائي وحتى إن حدثت إعادة العد والفرز بعد فضائح وطعون خطرة كما في الانتخابات السابقة فإنها تجري بنسبة ضئيلة لا تتجاوز الخمسة بالمائة).

 6-المساواة في الدعاية الانتخابية للمرشحين أحزاباً وأشخاصاً. (لا وجود لأي شكل من أشكال المساواة).

ولكن، هل هناك نموذج محترم ومعترف بنزاهته عالمياً من نماذج الانتخابات الإلكترونية؟

دأبت الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية وخاصة بريطانيا وفرنسا وهي الدول الاستعمارية التي تعبر نفسها “الملاك الحارس وقدس أقداس” الليبرالية والديموقراطية والانتخابات في العالم، دأبت على مباركة وتأييد ودعم واحدة من أفشل التجارب الانتخابية في العالم ألا وهي الدورات الانتخابية الأربع التي جرت في العراق بعد احتلاله سنة 2003، وهنأت القائمين عليها والفائزين فيها بالمناصب العليا حتى لو وصلوا الى تلك المناصب الرئاسية من خارج البرلمان وانتخاباته؛ في الوقت ذاته فإن هذه الدول الغربية وقفت موقفاً عدائياً من واحدة من أبرز التجارب الانتخابية في العالم في إحدى دول أميركا اللاتينية هي فنزويلا والتي تعتبر – كما قالت الجهات الدولية المتخصصة والمراقبين الدوليين – قدوة ومثالاً جيداً للانتخابات الإلكترونية، لأسباب سياسية، في مقدمتها أن هذه الدولة مستقلة استقلالاً حقيقياً، وتنتهج نهجاً اشتراكياً مناهضاً للإمبريالية.

إن واقع التأييد الغربي والأميركي لتجربة الانتخابات العراقية الهزيلة ومعاداتها للتجربة الفنزويلية يقدم دليلاً لا يدحض على أن العراق بلد منقوص الاستقلال مثلوم السيادة يريد له الغرب أن يبقى هكذا إلى ما لا نهاية تحت قناع الانتخابات الهزيلة لترسيخ حكم المحاصصة الطائفية ودولة المكونات الميتة سريرياً.

فماذا بخصوص التجربة الفنزويلية رغم ما تثيره من تحفظات على أداء قيادتها لدى المراقب لها عن يسارها لا عن يمينها؟

مادورو يدلي بصوته

في فنزويلا تعد أجهزة التصويت الالكتروني بمثابـة القـدوة فـي تكنولوجيا التصويت الالكتروني فمنذ انتخابات عام 1998، أصبح الانتخاب عن طريق الأتمتة (باستخدام أجهزة الكترونية بشاشات لمس (دي آر إي) التي توفر للناخبين سجل مراجعة وتدقيق)، تحت إشراف المجلس الوطني الانتخابي. وهذه الأجهزة تمنع التزوير وتطبع وصولات استلام بموجب تقنية إلكترونية متبعـة تسمى ماتك سمارك ( (Matic Smart ؛ إذ تقدم نظاماً مبسطاً يعتمد شاشة اللمس حيث يختار الناخب مرشحه المفضل عن طريق لمس صندوق ظاهر على الشاشة يحتوي اسم المرشح وصورته والحزب الذي ينتمـي اليه وبمجرد أن يتم الاختيار تظهر الشاشة مرة أخرى اسم المرشح وتطلب مـن الناخـب تأكيـد اختياره، وعند التأكيد يقوم جهاز الحاسوب بطباعة وصل ورقي بنسختين يمكن للناخب ان يتأكـد من خلاله صحة اختياره ويضع الوصل الثاني في صناديق الاقتراع.

إن هذه التقنية تعد بسيطة وآمنه وتـتم عـن طريق وجود شاشة تعرض اسم كل مرشح وصورته والمعلومات الخاصة بحزبه. ويتم عن طريقهـا تأكيد اختيار الناخب أو غيره قبل ان يتم احتساب صوت الناخب بصورة نهائية زيادة في طمأنته قبل انتهاءه من التصويت، هذا من ناحية، من ناحية أخرى يمكن الاستعانة بالوصولات للتأكد من صحة النتائج الانتخابية اي التأكد يدوياً في حالة حدوث عطل أو خلل وإن كان هذا مستبعداً لأننـا ذكرنا ان اجهزة التصويت الالكتروني غالباً ما تكون مزودة بأنظمة احتياطية لتلافي الأعطال.

*تمت مراقبة العملية الانتخابية الأخيرة من قبل أكثر من 150 مراقب انتخابي. وشمل ذلك 14 لجنة انتخابية من ثمانية بلدان من بينها مجلس الخبراء الانتخابيين في أمريكا اللاتينية؛ بعثتين انتخابيتين فنيتين؛ و18 صحافياً من مختلف أنحاء العالم. ووفقا للمراقبين الدوليين، “كانت الانتخابات شفافة للغاية وتم الالتزام بالمؤشرات الدولية والتشريعات الوطنية”.

* لا يمكن الاحتيال على الناخبين، في الأجهزة الفنزويلية حيث يتطلب الأمر ابراز الهوية وبصمات أصابع لكل ناخب. يتم تدقيق آلات التصويت قبل وبعد الانتخابات مباشرة. تفعل فنزويلا شيئاً لا تفعله أي دولة أخرى في العالم – وهي مراجعة عامة لعينة عشوائية من 53٪ من آلات التصويت المتلفزة. وتوقع جميع الأحزاب الـ 18 على عمليات التدقيق. (قارن مع النسبة في العراق والتي لا تتعدى 5 بالمائة وفي حالات خاصة وفضائح تزوير كبيرة كما حدث في انتخابات 2018. ويبقى التساؤل حول ارتباط سيرفرات وخوادم هذه الأجهزة بدائرة إلكترونية وطنية مغلقة أم أنها مرتبطة بالدوائر الخارجية الصانعة؟ ليس لدي معلومات أكيدة بهذا الخصوص ولكني أرجح الاحتمال الأول بناء على معطيات نتائج ونسب هذه الانتخابات.)

 من الأدلة العملية على نزاهة الانتخابات الفنزولية ودقة الأجهزة فيها أسجل الوقائع والنتائج التالية:

1-في انتخابات فنزويلا سنة 2018 فاز الرئيس الاشتراكي البوليفاري “وطني” مادورو في انتخابات الرئاسة بهامش واسع 67٪. يليه المعارض اليميني هنري فالكون بـ 20٪؛ ثم زميله خافيير بيرتوتشي بـ 10٪؛ ثم ورينالدو كويغادا، بنسبة 0.39٪ من الإجمالي.

2-وفي فنزويلا نفسها وفي العام ذاته، استخدم نظام التصويت والأجهزة نفسها في الانتخابات التشريعية وقد خسرها حزب مادورو في انتخابات المحافظين والتشريع وصارت أغلبية المقاعد للمعارضة.

3-أما في انتخابات سنة 2021 والتي قاطعتها المعارضة وفاز فيها الحزب الاشتراكي فإن نسبة المشاركة لم تتخطَّ عتبة الـ 31%، وسيطر فيها حزب مادورو على البرلمان، ورغم ذلك لم يزور النظام نسبة المشاركة وأعلنتها مفوضية الانتخابات كما هي، وأعلنت أنها منخفضة ولكن لا يوجد قانون يبطل هذه النسبة وهي نسبة تعكس صعوبة الأوضاع الحياتية والاقتصادية في البلد الذي يعاني من حصار وتآمر أميركي وغربي شديدين على صادراتها النفطية.

4-وافقت حكومة مادورو على شرط المعارضة للمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة في شهر تشرين الثاني نوفمبر 2021 في تحالف موحد من ثلاثين حزباً بعد أن كان القانون الانتخابي الفنزويلي يسمح للأحزاب وليس للتحالفات بالمشاركة. وتعهد مادورو بالاعتراف بنتائج الانتخابات إذا فازت المعارضة مثلما تعهد في الانتخابات الرئاسية بالاستقالة من منصبه إذا فازت المعارضة ولكنها أصرت على المقاطعة.

خاتمة: يقول أحد الأصدقاء العاملين في داخل العملية الانتخابية العراقية الجارية هذه الأيام في منشور له قبل يومين، إن “التزوير وشراء الأصوات كلام فارغ ولا صحة له أبدا” بسبب التحرزات والتحوطات التقنية التي يتمتع بها جهاز التصويت ولكنه أضاف “لكن الخوف من التزوير والفضائح هو بالنتائج النهائية التي تعلنها المفوضية والتي تتدخل بها جهات سياسية دولية معروفة وهي مسيطرة على السيرفرات التي تعطي النتائج النهائية/ طالب الكعبي”.

*للمزيد من التفاصيل رابط مقالة مترجمة عن انتخابات 2018 في فنزويلا:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=626279

علاء اللامي

باحث وكاتب من العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق