حين تقع عيناك على عنوان الكتاب يتبادر الى ذهنك سؤالان بديهيان:
لماذا أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي؟
ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟
طبعاً، وأنا السوري القومي الاجتماعي كان لي موقف عدائي مسبقاً من الكتاب – الذي هو بالأصل أطروحة دكتورة – قبل أن أبدأ بقراءته، ولهذه العدائية المسبقة أسباب تعود إلى أن الكاتب كارل يونكر Carl Yonker أستاذ محاضر في جامعة تل أبيب، والبروفيسور أيال زيسر Eyal Zisser كان المشرف على أطروحة الدكتوراة مع فريق عمل كبير من جامعة تل ابيب بالإضافة الى مركز موشيه دايان للدراسات، ومركز بالماش Palmash للأبحاث الذي وفّر الصور الفوتوغرافية التي تضمنها الكتاب، والبروفيسور Uriya Shavit ألذي أمّن التمويل اللازم للحصول على الوثائق والمستندات المطلوبة من مراكز أبحاث وجامعات حول العالم من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، لبنان، وأيضاً (إسرائيل).
استغرق إنجاز هذا العمل حوالي عقد من الزمن وجهود فريق كبير من أصحاب الاختصاص ومبالغ ضخمة من المال. كل هذا من اجل إلقاء الضوء على حقبة من تاريخ سورية وحياة أنطون سعادة.
المهنية العالية والموضوعية التي يتمتع بها الكتاب يستلفتان الانتباه ولا يمكن تجاهل حضورهما البارز في متن العمل. رافق الكاتب أنطون سعادة منذ سفره للالتحاق بوالده الدكتور خليل سعادة الذي كان قد سبقه الى المنفى عام 1914 قادماً من مصر حيث كان يقيم. كانت محطة أنطون سعادة الأولى عند خاله في أمريكا الشمالية، ومن ثم وصل إلى البرازيل ليعمل الى جانب والده في جريدة (الجريدة) ويكتب فيها مقالاته الأولى، ومن ثم في (المجلة) التي استأنفت الصدور عام 1923.
أبرز الكاتب دور خليل سعادة في الرعاية الفكرية لابنه أنطون وتكوين شخصيته الوطنية. إذ أن خليل كان سبّاقاً في مقارعة الاستعمار التركي ومن ثم الانتداب الفرنسي وتأسيس حركات سياسية تنادي بوحدة سورية وتعمل على منع تقسيمها.
كان خليل وأنطون يعملان جنباً الى جنب دفاعاً عن المصالح القومية ولهما مواقف وطنية معروفة في المهجر حيث توازعا المهام والمسؤوليات في هذا الشأن، ولنا في نشاطهما للدفاع عن الثورة السورية الكبرى التي سميت زوراً بثورة الدروز أكبر مثال على ذلك.
مراسلات الى السفارات الأجنبية، مذكرات الى عصبة الأمم يرسلها كل على حدا تحمل المواقف ذاتها واللغة ذاتها أبرزها كارل يونكر في كتابه دون أي زيادة او نقصان.
يلقي الكاتب الضوء على معاناة سعادة مع الجالية السورية في المهجر من فقدان للشعور القومي، إضافة للمعاناة المادية التي رافقت سعادة طيلة حياته.
ثم يرصد الكاتب عودة سعادة الى الوطن وبدء تدريس اللغة الإنجليزية في دمشق وبعدها اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية في بيروت حيث بذر أولى بذاره ليحصد النواة الأولى لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932.
محطات كثيرة تشعر فيها وكأن الكاتب يكن احتراماً كبيراً لهذا المفكر الثائر. إذ أنه وفي أكثر من محطة من محطات التاريخ ينصف سعادة، لا بل يكشف زيف التهم التي كان يرميه بها خصومه ومن ناصبوه العداء. من انكشاف أمر الحزب والاعتقالات الثلاثة والملاحقات والتهم بالتعامل تارةً مع الألمان وطوراً مع الطليان، بيّن الكاتب أنها كلها تهم واهية، حيث السلطات والأخصام لم يتمكنوا من إبراز أية وثيقة أو مستند يثبت أياً من التهم التي حاولوا إلصاقها بسعادة وحزبه، ليس فقط في الوطن، بل وصولاً الى النفي القسري والتهم التي لاحقته إلى البرازيل واعتقاله هناك وسجنه مدة شهر قبل الإفراج عنه لعدم ثبوت التهم، ومن ثم الطلب إليه بمغادرة البرازيل، فانتقل إلى الارجنتين مرغماً.
ويتابع الكاتب المرحلة الأخيرة من حياة سعادة بعد تغييبه ومحاولة منعه من العودة من قبل الأعوان والأعداء في وقت واحد، حيث من تاريخ عودته في 2 آذار 1947، صدرت مذكرة التوقيف وبدأت الملاحقات مع ما يرافقها من صراعه مع أصحاب (الواقع اللبناني) وصولاً إلى الثورة وخيانة حسني الزعيم ومن ثم الإعدام او الاغتيال كما يقول الكاتب حرفياً.
في مرحلة ما بعد استشهاد سعادة، يستعرض المؤلف أبرز المحطات من حلف بغداد والمرحلة الجيو سياسية آنذاك وما رافقها من صراع أمريكي بريطاني على المنطقة وكيف تعاطى معها الحزب، إلى محاكمات 1955 وعدم تمكن المحكمة في الشام من إثبات تورط الحزب باغتيال عدنان المالكي وإبراز دور محمود رياض بالعملية، ومن ثم محاولة الانقلاب التي كان يخطط لها غسان جديد بمعاونة أديب الشيشكلي وأسباب إلغائها في اللحظة الأخيرة، ومحاولة خطف غسان جديد من بيروت على يد عملاء السراج وكيف أفشلها مشهور دندش رغم ضخامة الخمسين ألف ليرة لبنانية، آنذاك، التي دفعها له السراج مقابل رأس غسان جديد فخسر السراج الرهان وانتصر مشهور.
السرد يصل للعلاقة مع كميل شمعون وثورة 1958، ومطالبة دمشق تسليم 40 قومياً مطلوباً على خلفية مقتل المالكي وعلى رأسهم غسان جديد وفضل الله أبو منصور.
ويتابع محاولة الحزب الانقلاب على فؤاد شهاب، ويبحث في أسبابها ومن ثم فشلها، ومرحلة السجن وما تلاها من عقد الحزب لمؤتمر ملكارت وحتى اندلاع الحرب الأهلية وتورط الحزب فيها. ويصل في النهاية إلى رصد المتغيرات الدقيقة التي حصلت داخل الحزب مع بداية الألفيّة الثالثة معتبراً أنَّ الحزب وصل إلى الحضيض!!
وفي تقييمه الأخير لما مر به الحزب من اضطهادات واعتقالات وملاحقات رافقته منذ تأسيسه على يد سلطات الانتداب الفرنسي والدولة في لبنان والشام والعداء الذي واجهه من سلطة الإكليروس ورجال السياسة التقليديين والإقطاعيين والزعامات المحلية وأصحاب النزعات الانفصالية والرجعية والمد العروبي والشيوعيين، ومن ثم المد الناصري، ربما ما أراد الكاتب إثباته بالوثائق والأدلة أن سعادة لم يجد في سورية من ليس هو عدو متوحش ضده.
رغم سوداوية المشهد وحالة الضعف التي يلقي الكاتب عليها الضوء، ولكنه يصرّ، ولم أتمكن من معرفة طبيعة أسبابه، على إنهاء كتابه بشيء من التقدير فنراه يقول في الختام: لا يسعني إلا أن أقول يكفي فخراً لهذا الحزب أنه لا يزال الحركة العلمانية الوحيدة في هذا الشرق.
اما انا ما زلت أبحث عن الجواب، لماذا سعادة والحزب في كتاب من جامعة تل أبيب ولماذا الآن؟
بطاقة تعريف:
العنوان: التاريخ السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي.
الكاتب: كارل يونكر Carl Younker
صورة الغلاف لاحتفال الأول من آذار 1949 مأخوذة من مركز بالماش للدراسات الاسرائيلي.
تاريخ النشر 2021
اسم الناشر: Walter de Gruyter .GmbH . Berlin/ Boston
سينصف العالم كله وخصوصا المفكرين هذا الرجل ، باستثناء ابناءه واتباع عقيدته الذين حولوه الى صنم فقط يتغنون بشعاراته وصوره بعيدا عن الهدف والغاية الكبرى .
طبيعي هذا الغزل العلني لانطون سعادة ، وهو مكافأة لحزبه على تاريخ من الهدم لعقيدة سعادة ، واعتقد ان هذه الدراسة تؤسس الاعتبار هذا لحزب تاريخ مضى واندثر ، ويجب وضعه في مكتبات النسيان .
مقالة الأمين نزار هادئة رزينة وموضوعية.
تصحيحا مقالة الأمين رضوان رزق بدل الأمين نزار سلوم. ارجو المعذرة.
تحياتي ومحبتي
🙋🏼
هل الكتاب مترجم للعربية و أين ممكن الحصول عليه؟
لم يترجم إلى العربية إلى الآن