إنَّ فيزياء نسل السلطة المعقّد والمتشابك وما يملكه من أدوات دقيقة ومتعددة، اخترقت عميقاً في عالم ما قبل الأخلاق وما يخرج عن هذا العالم ونظامه. اخترقت في نوى الروح، فابتعدت كثيراً عن بيئتنا المعصومة لممالك الطبيعة سراً وجهراً.
فجعلت هذه البيئة متاحة لعبور وهجرة أغلى الأحاسيس والمشاعر، ودرباً لصعود الأرواح النبيلة والشابة…الأرواح التي لم يتح لها أن تستوي في جسدها / مكان إقامتها الإنساني.
على أي حال، إنهم – أبناء ذلك النسل – يفعلون ذلك من خلال سلسلة متواصلة من العمليات الممنهجة بدقة عالية تنتهي في قعقعة مكبوتة لنقطة مظلمة أحدثت ثقباً كونياً في غلافنا المعاصر…
فما نسمعه ونراه ليس الظواهر المتحراة نفسها، بل دائماً نتائجها،
فالعالم الفاجر في عمق السلطة المظلم يقع وراء إدراكنا الحسي.
هذه المحنة ليست عادية، بل – سابقة – بالقياس إلى تجارب الشعوب الأخرى على مسرح المحن.
فمعرفة الحياة عند هذا الحد المحتوم، لم يعد يأتي من التجربة الحسية المباشرة، لذلك فإن لغتنا اليومية المصابة بداء النقّ والذي تحول بدوره إلى مرض – النقرس- والتي تأخذ صورها من لون واحد، لا تعود كافية لوصف الظواهر المتفرعة كل يوم على الورم والحرارة…
كلما كان صمتنا أعمق فأعمق لابد أن نهجر ونهاجر أكثر فأكثر، ليس بأجسادنا فقط، بل بصورنا وأسمائنا وجملة ما احتضنت تلك النفس، في أعظم حادث مروع يمكن أن يقع في مملكة الوعي البشري. صمتنا العميق ينسف الأسس الفعلية لوجودنا ونظرتنا للحياة والفن.
وكل المحاولات من قبل النيات الحسنة للتكيف مع هذه الفيزياء التي تقوم على معادلات عديمة الحل فشلت فشلاً ذريعاً، واستمرارها الذي يبدو (أبدياً) سيحدث تغيرات عميقة في مفاهيم من مثل: وطن، مواطن، مكان، زمان، يرافقه شعور نهائي بأن الأرض انسحبت دون رؤية مكان يمكن أن يبني المرء عليه أساساً ثابتاً يحدد اسلوبه في اختيار العالم.
إنَّ الامتداد الكبير لـ (ثعلبتنا) في السنوات الأخيرة كشف عن مدى التشوّه الفظيع الذي أصاب وجهنا السوري، وأفصح عن فداحة الرعي الجائر لهويتنا، وألقى الضوء على ذلك النقص الحاد في فيتامينات دورتنا الدموية.
وبالتالي هزَّ الأساس الذي يقوم عليه التفسير المألوف لتحالفنا ومحور دورانه…
إنَّ الصنم المطلق في صميمه يظل دائماً هو… هو… لا يتزحزح ببعد منفصل عن الواقع، وكأنه لا توجد قوة قادرة على إزاحة ما صنعه الله في الخلق الأول…!
إنها الرؤية الأكثر تجليَّاً أمامنا، التي تفصح عن فراغ عظيم ينحني له المكان والزمان.
ونحن نتدفق بقوة الثقالة أو العطالة من الماضي عبر الحاضر إلى مستقبل ذلك الفراغ الذي أحدثه الحقل الكهرطيسي للصنم على شكل أمواج مرنة ومتوحدة مع هذا الأثير.
وكأن هذا الذي يحدث امتداد للطبيعة وقوانينها، باعتبار الأمواج كما هي العادة ذبذبات لفراغه مع أنك تستطيع أن تسافر في فضائه بطريقة منبوذة بكل لغات الطيران.
إذ ليس على المرء أن ينكر ذاته فحسب، بل أن يهيم كجرم سماوي بلا أي عزاء أو أمل…
نسلٌ يستنسخ نسخته ويتكاثر…
ومع ذلك:
صنمٌ وحيدٌ… وفريد…!!