في أحد أهم جوانبها الإشكالية، تطرح الاتفاقيات الموقّعة بين الامارات والبحرين، كل منهما مع إسرائيل، مسألة أحقية السلطة الفلسطينية في نفد هذه الاتفاقيات وإدانتها، مع التساؤل عن المرجعيات التي تستند إليها في نقد هذه الاتفاقية أو تلك وإدانتها؟
لا تتأتى هذه الإشكالية وتساؤلاتها، من استصغار مُتعمد لـ (السلطة) واستهانة بقدراتها، بل من الانتباه إلى طبيعة الإطار الذي تكوّنت فيه هذه (السلطة)، وتدرجت منهجياتها إلى الوقت الذي جلست فيه ولا تزال حبيسة (المكان) المخصص لها، كما حبيسة الإطار نفسه الذي أنتجها ووضّعها في مجاله وفلكه.
إذا كانت اتفاقية أوسلو (1993 – 1995)، قد شكّلت الإطار السياسي – الدولي الذي أنتج السلطة الوطنية الفلسطينية، فإن هذا الإطار نفسه، هو ما جعل من تعديل (تغيير) الميثاق الوطني الفلسطيني، الرحم الذي سيعطي لهذه السلطة هيئتها وطبيعتها، التي ستكرّسها منقوصة عن معنى السلطة / الدولة من جهة أولى، و (قاتلة) لما يُفترض أنه يشكل (ماضيها / تاريخها) من جهة ثانية!
وإذا كانت السلطة قد استهدفت، منذ خروجها من أوسلو، دَولَنة وضعها (تحويل طبيعتها ووظيفتها إلى طبيعة ووظيفة الدولة)، متوسّلة إقصاء منظمة التحرير بعيداً وتشتيت مكوناتها، فإن إلغائها لـ (المواد الهوياتية / الوجودية) من الميثاق الوطني الفلسطيني، في كانون أول 1998، لتتنازل عن 80% من أراضي فلسطين، فإنما تكون قد أنتجت (دولة في الفراغ)، تبين من مسارها الزمني وسجلها، أنها غير قادرة في لحظة (غضب إسرائيلية) من مغادرة مكاتبها!
يأتي حصار الرئيس ياسر عرفات في مكتبه، ابتداءً من آذار2002، مروراً بخروجه مريضاً / مسممّاً، وصولاً إلى وفاته في تشرين ثاني 2004، في أحد المشافي الفرنسية… يأتي في سياق العملية التي تم وفقها تحويل المقاومة إلى فريسة عزلاء يتلاعب المُفتَرس بها، كلما شعر بأنها تحاول الخروج من (مخبئها)!
على التوازي مع إنتاج (السلطة) من رحم اتفاقية أوسلو، دخلت حركة حماس في المجال المكوّن لها، عبر الانتخابات التشريعية، مع توضّع سياسي خاص بها في شبكة من العلاقات السياسية ذات المحتوى والإيقاع الإيديولوجي (الإسلامي) العام الذي يبدأ من طهران، ويمرّ في الدوحة، ويصل أنقرة! وهذا المسار الذي يجد لنفسه (ملتقى) في المرجعية الأيديولوجية، إلاّ أنه يفترق في المشروع السياسي (طهران – أنقرة؟!)، في مشهد يثير التساؤلات المتعددة حول (السبب) الملتبس؟ الذي يمكّن حماس من التوضّع فيه بهذا الاسترخاء!!
المفارقة هنا، تتمثل في أن حماس لا تلتقي مع طهران ولا في أي ملف خارج دورها العسكري في غزة، بل على العكس هي تقف ووقفت فعلاً في مواجهتها في معارك برّ الشام، ودائماً تحت قيادة أنقرة ومرجعيتها.!!
السلطة الوطنية الفلسطينية، بجناحيها في رام الله وغزّة، تحاصر (المصير الفلسطيني) بين حديّ الخيار السياسي المستوّلد من أوسلو، والخيار الإيديولوجي (الذي يعود في مرجعيته إلى تنظيم الاخوان المسلمين). غير أنَّ هذين الخيارين يتلاقيان في المرجعية السياسية النهائية التي ليست سوى: واشنطن إ وإن كانت المحطات الإقليمية الموكلة بدور حلقة الربط، لكلا الجناحين على تناقض أو تنافس أحياناً.
وعلى ذلك، يبدو التساؤل عن الحيثيات التي تستند إليها السلطة الفلسطينية، في إدانة الاتفاقات: الإسرائيلية – الإماراتية – البحرينية… يبدو هذا التساؤل مشروعاً، ويفتح الباب، استطراداً، للتساؤل ليس فقط عن الحيثيات وطبيعتها، بل من أين أتت؟
منْ ما تنازلت عنه السلطة، قبل أن تكون سلطة، في أوسلو؟
منْ (قتل) منظمة التحرير الفلسطينية؟
منْ تعديل (إلغاء) الميثاق الوطني الفلسطيني؟
منْ مرجعياتها السياسية الإقليمية والدولية؟
منْ علاقتها مع قطر الموكلة بالإشراف على منسوب (المواجهة) مع إسرائيل؟
منْ علاقتها مع تركيا التي تستثمر عثمانياً في المسألة الفلسطينية، وهي الدولة التي علاقتها مع إسرائيل، لا توازيها في القوة والمحتوى أية علاقة تربط إسرائيل بأية دولة في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأميركية؟
منْ التزام جناحها، في غزة، بالبرنامج السياسي لحركة الاخوان المسلمين، الذي دفع بها إلى القتال ضد الجيش السوري وحلفائه في دمشق، ورفع أعلام حزب الله في غزة، حتى يكتمل مشهد التضليل؟
تساؤلات كثيرة، متعددة وقابلة للتوالد، قد توصل إلى ضرورة إعادة قراءة الواقع الفلسطيني، المحكوم بـ (جناحيه) في رام الله وغزة، من أجل إعادة تصحيح ما أفضى إلى نشوء التساؤلات التي إثارتها تقف حائلاً دون تمكّن السلطة الفلسطينية، من اتخاذ موقف سياسي في مسألة تخص المصير الفلسطيني نفسه!
إذا كان تحرير السلطة الوطنية الفلسطينية من (مكانها – مكاتبها – مواقعها)، أي من (ذاتها) يتطلب مغادرة جناح رام الله (اتفاقيات أوسلو) وقيودها، وجناح غزة (إيديولوجيا الإخوان) وتضليلها… إذا كان ذلك غير ممكن، فإن المسؤولية تعود للشعب الفلسطيني الذي يجب أن يبتكر ثورته مجدداً.