آذار يلّون الأزرق… حافياً
قصيدتان
[يمكن، ومن المقطع الأول، أن تشعر بأن وليد الهليس ينقلك إلى الوراء في الزمن لتقيم في (الفترة الزرقاء) التي قضاها بابلو بيكاسو في مطلع القرن العشرين _ فترة البحث في جدوى الحياة وطغيان العبثيّة _ ويتعزز هذا الشعور مع ملاحظة الاقتباس النيتشوي، الذي شكّل باب الدخول للقصيدة الثانية. يمكن أن تشعر بذلك حتماً دون أن ينتابك أيُّ شكٍّ بأنك على ضلال… لولا أنَّ الرجل المنهك الذي يكتب بـ (الأزرق الحزين التراجيدي) لا زال ماضٍ في بحثه يلاحق المعنى من أقصى إلى أقصى آخر. درجة الإحساس الرهيفة عنده يدفع ثمنها وحدة ومنفى / تعباً وحزناً، ولكنه يقبض منها كثافة غنائية تحيل الطيف الفلسفي المربك والجدلي، إلى نشيد أزرق بيكاسوي… ولكنه: عذب. ن. سلّوم]
مضى الليل
مضى الليل إلا أقلّه،
والشجى،
بخيطه الأزرق،
يعبر إبرتينا
غير أن الناي،
حتى الناي،
لم يشأ كل هذه الدموع.
أن ترقصي في ذراعيه،
وحسب؛
أنتِ صنّاجة الليل،
والرقصة أنت.
النهار والليل فيك يختصمان
وأنا المنفيُّ؛
لا نهار لي،
ولا ليل.
نصفك الأسود؛
نصفك الأبيض،
انا..
وأنت هذا الانشطار.
أي يد خبزتك لروحي؟
كم شتاءً وصيفاً
كم أبجدية
لأكتب اسمك على الجرار
لأقرأ النشيد للعناقيد،
نازلة في الدنان؟
عيناكِ غيمتان ومغفرةٌ
وأنا أهيئ المطر
وأتلقى البروق
وحيدان نحن،
ولم يبق من الليل إلاّ أقلّه
ومن العمر،
لم يبق يومان
والبيت باب محطم
وعتبة بيضاء
أو عتبتان…
الشتاء أيضاً
[هو ذا الخريف
إنه سينتهي بتحطيم قلبك _
فريدريك نيتشه]
والشتاء أيضا يجيء؛
وتكون وحدك
هناك
لا تبادل طائراً غنائه
ولا تصفر لحناً تحب
ولا تغازل امرأة أوجعك صوتها.
وحدك
كأن آذار لم يمشِ يوماً
بسراويلك القصيرة ذاتها
في يديه علبة الألوان
حافياً
ولا يكف عن نفخ مزماره
تحت شباكها
سدىً؛
ذهب العمر
سدىً؛
كما جئت، تذهبين
يُغمض العاشق عينيه، لينسى
راجياً لو بقيت قليلاً
لو ما أتيت
ولو لم يأت آذار
والشتاء يجيء أيضاً
وتكون وحدك
هناك
في عتم روحك
لا تضيء، حذر الفراشات، سراجاً
ولا تزيل زهر اللوز عن شعرك وعينيك
ولا تشكو كثرة السدى
——————————————
اللوحتان للفنان بابلو بيكاسو، ومن (الفترة الزرقاء).
واي مكان يغرقك في البحث في جدوى الحياة وطغيان العبثية اكثر من المكان الذي ولد فيه وليد الهليس هنا فلسطين.
وليد وبابلو لا فضت ريشاتكم وتعبيراتكم التي تصور الخزن والفراق والوحدة بهذا الجمال.
هذا شعر، ومن قماشة ثمينة، بالتأـكيد
هذا جمال مكثف، كنافة جميلة. تحياتي وليد.
أصدقائي كرام حقاً، وهم قبل أن ينتهوا من القراءة تتفتح أزهار جديدة في حديقة المعنى