[يُخيّل لي، أنَّ وليد الهليس مُصاب بحالة من – الشعريّة المفرِطة – التي تكاد تكون لغة غريبة في عالم مُصاب – بالا شعرية – أو بما أدعوه: التوحّش اللغوي. وهو مصطلح يحيل إلى ما قبل اللغة… إلى الغمغمة والحشرجة و(التصويت: إصدار الأصوات) الخارج من الحنجرة متجاوزاً لسان اللغة الذي دونه سيظل العواء هو اللغة المشتركة بين الانسان وسكان الغابة جميعهم.
ينقذنا وليد الهليس بشعريته المفرطة ويحمينا بأغانيه من توحش يقبع على طرف اللسان. ن. سلّوم]
I
أغنية الطفلة العمياء
البداية وميضٌ،
كذبةٌ
عثرة لأجل الطريق
والنهاية طفلة عمياء
تمسك بيدي
لتقودني
ميعة السنابل في الريح
وفم الغزالة فوق غصن الرضى
كل وقت وله غزالة وغصن
كل سنبلة ولها ميعة في الرياح
لا يوقد النار فوق جبل
سواك
ولا تطفئ في الليل الحريق
أيها العابث الأبدي بالأغاني؛
يا مقامراً بما تبقى في جيوبه
من الأيام.
خذ من الخرائب ما حمل اسمها
ومن الحجارة ما لامسته يداها
واترك للسماء ما تبقى
لا شيء هنا يُطربُ
لا وتر يُرقِّص القدم
لا طبل يسفح الدم
ولا ناي يلوي ذراعيه حول خاصرة الحزن
لا شيء
لا شيء في البال
سوى البابِ
لا أخرج من باب سواه
ممسكا بيد طفلتي
لأقودها
II
أغنية حامل الجرار
لا أطير
ولا أشرب من فم الغيمة
لو كان لي جناح
لطرت
لو كان لي
لنقرت في غبش الفجر شباكها
لكن لي، حسب، أن أسير
حاملاً
جراريَ المحطمة
الرأس دامية
والجبين تاج الشوك
والقدم شرك الطريق
قدري عثرة
ومشيئتي خطوة أخرى
ولذا أمشي؛
أعثر وأمشي
لا أين
ولا متى
الليل ليس خيمة
للأغنية
ولا النهار فرساً
للعرس
هنا الرمل
انتظار أصفر اللون
لا ينتهي
العمر ليس غيمةً
ليمطر
والروح ليست موجة
لتنكسر
لا جناح لي
لا غيمة لفمي
ولا صديق أناوله الكأس؛
لا امرأة تلم الكسور؛
ولا ولداً يحمل الظلال اليّ
في هذه الهاجرة
إنما…
ليّ أن أنهض الآن،
لأمشي،
خطوة أخرى
حاملاً
جراري المحطمة
III
أغنية الجمرة الساهرة
يدها تطلب الروح
ويدي،
أيضاً
أصابعي تغزل الليل
وفمي يقرأ الكتاب:
في كل عرق مزامير تتلى
وتحت كل لمسة مملكة تنضو ثيابها
السماء تمشي على العشب حافية
والسُرَّة إبرة الطين والأعالي
والعتم معجزة
لم أغادر صفحة
ولم تغادر
ولم نترك على حجرٍ حجر
كل شيء شئت كانت
شاءته كنت
مملوكان مليكان معاً
صولجانٌ
وعبدٌ
عبدٌ وصولجان
كل شيء ويجرح
كل همسة وحريق
كانت العناقيد آخرة الصيف:
سُكَّرٌ ممسكٌ بالنبيذ
والوجود سُكرٌ
والصحو نصل ينتظر
كل برعم ناي يغني
وخيطَ دمعةٍ
أثر إله من هنا مر،
وتلويحة من مهاجر،
لا يعود.
جمرة العمر ساهرة، أنت
وأنا رمادةُ الرياح