منحت جائزة نوبل للآداب لهذا العام للشاعرة الأميركية لويز لوك (على صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله طابعاً عالمياً على الوجود الفردي)، كما جاء في نص الأكاديمية السويدية للعلوم، فتكون لوك الأنثى السادسة عشرة، في سجلّ نوبل الذي يعجُّ بالذكور، فيما تدخل برقم 111 في السجل العام للجائزة.
مرة جديدة، تثار الأسئلة حول جائزة نوبل وما يحيط بها من غموض، والدوافع النهائية التي تؤدي إلى منح كاتب دون آخر؟
برأينا الشخصي، تشكل نوبل خطراً محدقاً بالمخيلة الإبداعية، وتعمل على استعبادها وترويض حريتها بما يتناسب مع مقاييسها ورمزيتها وسلطانها.
منذ الرقم 89، لم أتابع عدّ سكان نوبل للآداب، ذلك لأن ديناميت نوبل لا يزال حاضراً وإن تم توضيبه للعبادة، لا للتفجير؟
هذا المقال كان بمناسبة نيل ديريك ولكوت الجائزة:
من رينيه فرنسوا أرماند (سولي بريدوم) الفرنسي الذي افتتح القرن العشرين بدخوله مملكة ألفرد نوبل بنيله جائزته عام 1901، إلى ديريك ولكوت الحائر الانتماء، وإن كانت ورقة إقامته تشير إلى سانتالوتشيا في الأنتيل الصغرى والذي جاء تعداده التسلسلي التاسع والثمانين (89) من سكان مملكة نوبل التي تتوسع سنوياً، يرتسم المشهد المغتصب أو المسلوب (المُختطف) من أرض الإبداع إلى مخافر سلطان الجائزة، حيث يتكرر موسماً بعد موسم الظهور الاستثنائي / النَوَسان الملحّ أو القيامة التعسفية “لخالق” الديناميت، الواسطة الزاحفة بقدرتها على الإلغاء والنسف، وتصميم مشهد النهاية المتلاشية الشبيهة بالعدم أو المنسوخة عنه.
تبدو جائزة نوبل بعد هذا العمر المديد كسلطان مطلق يستبّد بـ”جينات” المُخيلة وهواجس الإبداع ومساحات الحلم، يسلب من المبدعين “أرحام” نصوصهم ومفرداتهم وبوحهم الدافئ، ليصنّع لهم بالمقابل “أرحاماً” مضادة / مُختلفة / غريبة! فينزاح فعلهم عن ذاته ليدخل في حرم السلطة / الجائزة، ويبدأ لهاثه / تعبه العبثي، لينتهي مشرّداً بالقرب من جدران الأكاديمية السويدية التي تحظى بشرف تمثيل السلطان وتنفيذ برنامجه الأزلي باستيطان الإبداع، وهي لذلك – كسلطانها – تحيط نفسها بهالة من الغموض السلطوي الخاص الشديد الرعب (المتسبب بالرجفة)، الذي يستطيع التسلل بفصاحة الرعشة وكبرياء القشعريرة إلى آخر مخيلة هاربة، مختبئة في أكواخ ريو دي جانيرو أو شاهقات شيكاغو بل وتحت شمس القاهرة.
إنه الغموض المطلق القابض على أسرارالسلطان وسريرته، إنه فعل “الكهانة” حيث يمارس أصحاب المعارف (محتكرو الأسرار) طقوس التمتمات السحرية ومراسيمها، فيستحضرون تعاويذهم / حيلهم وأدواتهم، ويقبضون على محظوظ تعس يترك ذاته خارجه ويندفع بهلوسة وطيش إلى حضن “الوشّام النوبلي” الذي يدمغ مخيلته بوشم التمييز السلطاني، علامة القطيع الكبير / الجيش الجرّار المنزاح من موطن رعشات الإبداع الأولى / خلاصات الأصل، إلى “مستوطنات” النبضات المكهربة المرسومة بالزّيف، حيث يبدأ باجترار الحروف الباردة والكلمات الميتة كتعبير عن ولائه الكبير وامتنانه العميق، لخالقه الجديد.
ذات مرّة من عام 1964 أفلت جان بول سارتر من كمين سلطان الجائزة فرفضها “لأسباب شخصية وموضوعية” لكن المؤرخ (السلطاني حتماً) يدرج اسمه مع بوريس باسترناك الذي كان قد رفضها قبله، كمتمردين / عاقّين. بل (ومطلوبين فارّين أيضاً؟) من بين تسعة وثمانين (89) ملتزماً نظام السلطان ونعمته يمتدون على المفارز الزمنية السنوية المحددة لسلطة الجائزة.
ليس جان بول سارتر سوى “نَفَر” فارّ من النظام، ولم يكن مقاوماً له.. إذ ما يزال “الديناميت” قادراً على ممارسة إيحاءاته / تهديداته بالنسف والإلغاء عبر التعويضات (الجائزة) التي يقوم بمنحها أو بحجبها، وفي الحالتين يقذف بالمخيلة الإبداعية إلى زوايا انتظاره / تمجيده.. حيث لم يبق لها من مكان تلوذ به لتهرب من عسس السلطان الذين يقودون القطيع الكبير، الموجود (والمحتمل) الهائج والملهوف والشهواني، ولكنه المسلوب والمختطف أبداً.
…………………..
هامش: نشر هذا المقال، بالأصل، في مجلة الناقد – العدد 67 – العام 1994.