الشرع الأعلى

مستقبل الأمّة وتاثير الاسم

سوريا أو سوراقيا؟

سعاده واسم سوراقيا

أول من أعاد احياء استعمال اسم سوراقيا في هذه القرن هو الدكتور كمال خلف الطويل الذي ولد في فلسطين وترعرع ودرس الطب في دمشق ومن ثم هاجر الى الولايات المتحدة الأميركية في 1976 فمارس الطب ونشط في الجالية العربية وكتب عدة مقالات في التاريخ السياسي للعالم العربي في مجلات وصحف عربية كالقدس العربي والاخبار. بعد الدكتور الطويل تبنى الكثير من الكتاب، قوميين اجتماعيين وغيرهم أمثال الدكتورة صفية سعاده، استعمال اسم سوراقيا للتعبير عن منطقة الهلال الخصيب أو المشرق.

 اسم ‘سوراقية‘ ‘نحته‘ أنطون سعادة بادغام اسم العراق بسوريا (6) بعد ان أكمل “توضيح الحدود الشرقية للوطن السوري، التي كانت متروكة مفتوحة في متطرّفها الشرقي” ورأى ضرورة “على وجوب وضع التعاليم السورية القومية الاجتماعية في نص يحفظ حقيقتها وجوهرها” و”لوضع حقيقة الأمة والقضية القومية الاجتماعية في نص واضح يحفظ بقاءها واستمرارها”. في هذا النص المضبوط، الطبعة الرابعة من “كتاب التعاليم السورية القومية الاجتماعية – مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايته”، المكتوب بتاريخ 18 أيلول 1947 (1)، يوضح سعاده ما يلي:

“ولا بد من القول إنّ هذا التنقيح كان قد جرى من قبل في أحاديث وخطب تعليمية بعضها دوّن وبعضها لم يدوّن، خصوصاً ما تعلّق بالمنطقة الشمالية الشرقية من سورية، منطقة ما بين النهرين (العراق)، التي كانت داخلة من الأول ضمن تحديد الوطن السوري، ولكن حدودها وتخومها لم تكن معيّنة كلها لأن بعضها كان لا يزال تحت التحقيق التاريخي والإتني والجغرافي. ولي في هذا الصدد، تصريح واضح يعود إلى سنة 1936، إذ قلت، جواباً على سؤال في محل العراق في قضيتنا: < إنّ العراق، أو ما بين النهرين، هو جزء متمم للأمة السورية والوطن السوري، وكان يشكّل جزءاً من الدولة السورية الموحدة في العهد السلوقي ويجب أن يعود إلى الوحدة القومية التي تشمله، حتى ولو اقتضى الأمر تعديل اسم سورية وجعله سوراقية>.”

كذلك كتب سعادة في جريدة الزوبعة في الارجنتين، العدد 62، في 1 تموز 1943 (2) ما يلي:

“أما الحزب السوري القومي الاجتماعي فقد أبدى هذه الإمكانية وحبّذها في مواقف عديدة منها تصريح للزعيم سنة 1936 حين سئل عن رأيه في العراق وصلته بسورية فقال: “إنّ العلاقات الإثنية والتاريخية بين سورية والعراق كانت قوية جداً في الماضي، ولم يحدث ما يضعفها في الحاضر. والعراق كان جزءاً من سورية الكبرى على العهد السلوقي. ولا مانع من إعادة هذه الوحدة في الوقت المناسب باقتناع الشعبين بوجوبها ولزومها”. وفي سنة 1938 ثبّت الزعيم رأيه المذكور في خطابه في نادي همبلط في برلين قائلاً: “إنّ سياسة سورية القومية الاجتماعية تسعى لإزالة الصحراء الداخلية بين سورية الأم والعراق وتحويلها إلى مزارع وبساتين تسمح بإنشاء القرى والمدن وترابط العمران فيتم الاتحاد الاجتماعي، الذي إذا لم يسبقه الاتحاد السياسي، فلا غنى له عن اللحاق به. فيمكن حينئذ إنشاء سورية الكبرى أو “سوراقية”ـ إذا لم يكن بدٌّ من تحوير الاسم”.

بدون الدخول في تحليل ما قصده سعاده ومن ثم تحليل التحليل فالنص واضح فسعاده يؤكد على الوحدة القومية المجتمعية بين بلاد الشام والعراق ولا يغفل العوامل الطبيعية والنفسية التي قد تُبعد او تفصل بين المجتمع الواحد فيدعو ‘لإزالة الصحراء الداخلية بين سورية الأم والعراق وتحويلها إلى مزارع وبساتين تسمح بإنشاء القرى والمدن وترابط العمران فيتم الاتحاد الاجتماعي‘ويتقبل تحوير الاسم من سورية الى سوراقية ‘إذا لم يكن بدٌّ من تحوير الاسم‘، لإزالة الحواجز النفسية بين الشعب الواحد.

الاسم او الأسماء التاريخية للهلال الخصيب

تخبرنا الوثائق التاريخية المكتشفة الى حد اليوم ان اول من ذكر اسم سوريا هو المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس وأطلقه على القسم الغربي من الامة السورية. يرجح الباحثون ان الاسم اشتقه هيرودوت من أشورية وغرنقه بحذف الالف (Assyria) وتحويل الشين الى سين. استمر إطلاق اسم سوريا على اشورية الغربية خلال الفترة الاغريقية-السلوقية والرومانية والبيزنطية وتبنت المسيحية الناشئة هذا الاسم وأصبح يطلق اسم السريان على الاراميين الاوائل الذين اعتنقوا المسيحة. بعد الفتح العربي في القرن السابع ب. م.، أطلق العرب والمسلمون المحمديون اسم بلاد الشام على سوريا حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. رغم تغييب اسم سوريا وتغليب اسم بلاد الشام، عاد اسم سوريا بقوة في هذه الفترة كهوية لحركات التحرر والجمعيات المناهضة لاحتلال الدولة العثمانية كسورية الفتاة وتأسست المدارس والجامعات والصحف باسم سوريا ومنها الجامعة الانجيلية السورية في بيروت وجريدة “سوريا الجنوبية” في القدس. كذلك ففي استفتاء للجنة كينغ-كراين التي عينها الرئيس الأميركي ولسون في أثناء انعقاد مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 للوقوف على آراء أبناء الشام ولبنان وفلسطين في مستقبل بلادهم، وجدت أن الأكثرية المطلقة من السكان تطالب بدولة سورية مستقلة استقلالاً كاملاً، وترفض فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. طبعا فرنسا وبريطانيا لم تكترث لإرادة الشعب، فصغّر سايكس وبيكو اسم سوريا على الجمهورية السورية الحالية وأطلقوا تسميات المناطق على الكيانات الناشئة على الأطراف في لبنان وفلسطين والأردن.

بالنسبة لشرق الامة فلا شك ان اسم أشورية أطلق على كل الامة الاشورية شرقاً وغرباً خلال الفترة الاشورية وأسماء أخرى خلال فترة الامبراطوريات الأخرى الاكادية والبابلية وغيرها. الاسم الأكثر شيوعاً خلال الفترة الآرامية هو “بيت نهرين” الارامي وهو يعني بيت النهرين او وطن النهرين وترجمه الاغريق الى مزوبوتاميا أي بلاد ما بين النهرين. من ناحية أخرى، من غير الواضح متى بدأ استعمال اسم العراق لوطن النهرين فهناك نظريات مختلفة عن جذور الاسم فالبعض يربط بين اسم العراق باسم مدينة  “أوروك” السومرية بقلب الهمزة عيناً والكاف قافاً ومدّ الراء بالألف وليس بالواو” والبعض الآخر يعتبر ان الاسم مشتق من كلمة ايراه الفارسية التي تعني الأرض المنخفظة وعرّبه العرب الى العراق وهناك راي ثالث أعلن عنه المؤرخ الأميركي ألبرت أولمستيد في مؤلّفه الضخم «History Of Assyria»، في عام 1923 يقول فيه «أن أول استعمال لكلمة العراق وردت في العهد البابلي الكاشي/ الكيشي» في وثيقة عن العاهل الآشوري أورتا توكلتي في القرن الثاني عشر ق. م.، وجاء فيها اسم إقليم على هيئة لفظة «أراكيا – أراقيا» (6). يرجح داعمي هذه النظرية ان هذا اللفظ «أراكيا» تعرب فأصبحت الالف عين والكاف قاف (الحرفين العين والقاف لا وجود لهما في اللغة الأكدية) فصار «عراقيا، عراق». هذا الاسم استعمل خلال الفترة العربية الإسلامية واستمر الى يومنا هذا.

تعدد الأسماء والهويّة واحدة

رغم اختلاف وتعدد الأسماء فتبقى حقيقة ثابتة حسب الباحث علاء اللامي وهي “وحدة النسيج الحضاريّ والأناسي” لسكّان بلاد الشّام مع الشّعوب الرّافدانيّة القديمة ويتابع ” أنّ هناك دون ريب تداخلاً وتمازجاً عميقَين بين تاريخ وجغرافيا وإثنوغرافيا البلدين والشّعبين الشّقيقين (سوريا والعراق) ضمن الصّيرورة الأناسيّة والحضاريّة الكبرى لجغرافيا المشرق الجزيري “السّامي” في عصور ما قبل الميلاد”. هذا التفاعل الاجتماعي بين هذه الشعوب في دويلاتها المختلفة على بقعة جغراقية محددة (الهلال الخصيب) هو الذي يحدد الهوية الثقافية لهذا المجتمع الاتم وليس الاسم. حسب الباحث احمد اصفهاني “فإنّ شيوع الاستعمال هو الّذي يُرسّخ الاسم في نهاية المطاف” (5) ولا يغير في حقيقة المجتمع الاتم وبيئته الطبيعية.

اسم الامة المستقبلي

من الواضح أنه عندما أطلق سعاده اسم سوريا على حركته في 1932 كان الاسم مقبولاً شعبياً ولم يشكل أي عائق في وصول صوته للشعب إلاَّ ربما في بعض مناطق جبل لبنان المارونية. اليوم وبعد 90 سنة على التأسيس نرى ان تقبُل الاسم ضعف كثيراً قي لبنان وفي الأردن وكذلك عند الشعب الفلسطيني المشبع من قيادته بدولة فلسطينية مستقلة وقراره المستقل. هل هذا يعني ان اسم سوريا مرّى عليه الزمن؟ اذا لاحظنا كيف لم يمت اسم سوريا خلال الفترة المملوكية والعثمانية وعاد بقوة في بداية القرن العشرين فلا اظن اننا لا نستطيع احياؤه مرة أخرى رغم العوائق. ان وحدة الحياة قي المجتمع السوري الغربي رغم كل الفواصل والتشققات الكيانية ما زالت قوية واذا توفرت الظروف اللازمة فالاسم لن يشكل عائقا أساسيا تستحيل معالجته في الوصول الى الشعب.

هل ما ينطبق على غرب الامة يمكن تطبيقه على شرق الامة؟ كما نعرف فسعاده اخذ الوقت الكافي لكي يدرس ويبحث الى ان حدد الحدود الشرقية النهائية في نهاية الثلاثينات. سعادة لم يغفله التجويف الصحراوي الرهيب الذي يبعد مجتمع الامة الاتم عن بعضه وحذر في كتابه نشوء الأمم (3) بانه” كاد يُفصل بين الشّام والعراق أو بين شرق سوريا وغربها لولاّ النّهران السّوريان العظيمان الفرات ودجلة اللّذان حفظا استمرار العمران السّوريّ وإمكانية تكاثره وتوثيق الحياة القوميّة ضمنه.” سعاده وعى ان لهذا الفصل غير المكتمل عبر العصور نتائجه النفسية ويجب اخذها بعين الاعتبار ولذلك تقّبل تغيير اسم سوريا الى سوراقيا “إذا اقتضى الامر”.

ان تشظي (بدون انقطاع) دورة الحياة القومية بسبب التجويف بين شرق الامة وغربها وعدم إطلاق اسم سوريا على العراق تاريخيا (رغم اشتقاق الاسم من اشورية)، يقتضي علينا إيجاد قواسم مشتركة تكون مدخلا لوحدة الحياة بين شطري الامة. ان الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يستطيع الاستمرار بشكل مؤثر اذا استمر كحزب لبناني كما هي حاله الى الامس القريب او حزب شامي (سوري غربي) كما يحاول ان يفعل اليوم فإذا أراد ان يكون حزب الامة كاملة كما ابتغى من تاسيسه سعاده، عليه ان يدخل العراق بشكل فعال والمدخل لذلك هو الوعي القومي للهوية القومية (4). تخبرنا تجربة 90 سنة اننا فشلنا في دخول العراق ولعب أي دور يذكر الى اليوم، واذا دققنا اكثر من خلال تواصلنا مع المثقفين والمواطنين المتقبلين لوحدة المجتمع وبيئته الجغرافية السورية-العراقية، فهم يرفضون اطلاق اسم سوريا على بلاد النهرين. لكي يسمعنا الشعب علينا ان نزيل الحواجز النفسية وغيرها بيننا وعلى راسها شعور اي جزء من الامة بضمه الى الجزء الآخر. ان تغيير اسم الامة السورية مدخل الى وعي الهوية القومية في العراق ولذلك يجب علينا تقييم اسم سوراقيا الذي نحته سعادة وأسماء أخرى كالمشرق ورسم خريطة طريق لاختيار وتبني الاسم الأنسب قبل مئوية الحزب في 2032.

المصادر:

1.    كتاب التعاليم السورية القومية الاجتماعية – الطبعة الرابعة، أنطون سعاده
https://antoun-saadeh.com

2.    ملحق رقم 2 فقرة من مقال “سورية الكبرى، أنطون سعادة
https://antoun-saadeh.com

3.    كتاب نشوء الأمم، أنطون سعادة

4.    سوريا لا سوراقيا – اسم الامة بدلالته التاريخيّة لا اللفظية، ماهر يعقوب؛

https://sergil.net

5.    سورية … الشام … سوراقية: تعددت الأسماء والهوية واحدة، أحمد اصفهاني
https://ssnparty.org

6.    اسم العراق عبر التاريخ .. خذ الأصل ودع الترجمة، علاء اللامي
https://www.almothaqaf.com

7.    الى علاء اللامي واحمد اصفهاني: سورية … اسم بترجمات كثيرة، د. علي حمية
https://www.saadeh.co

راجي سعد

مهندس وباحث في شؤون المشرق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق