ليس لأن المحكمة الدولية، لم تتوصل إلى إدانة حزب الله ودمشق، بتهمة اغتيال رفيق الحريري، يعني أنها تعمل بعيداً عن السياسة، وتلتزم حقل القانون، ولذلك وصلت إلى هذه النتيجة.
لا، أبداً.
المحكمة الدولية، منذ تأسيسها، وبأسلوب عملها، وبالفصول التي شكّلتها مع توالي المحققين الدوليين، وباعتمادها للتهمة السياسية من بابها إلى محرابها، دون الالتفات إلى قرائن أخرى كانت بين أيديها (تنظيم القاعدة وعلاقته بحادث الاغتيال؟)، وبالنتائج التي توصّلت إليها، وبالقرار الذي صدر عنها أخيراً، لم تكن تعمل إلاَّ في حقل السياسة.
في قبولها اتهام دمشق وحزب الله والمنظومة الأمنية اللبنانية كانت تعمل بالسياسة، وفي قرارها المتضمن عدم الوصول إلى دليل يدين دمشق وحزب الله كانت سياسية.
لا تبّنيها للتهم يثبت أنها تعمل للعدالة.
لا نفي هذه التهم، بعد 15 عاماً، يثبت أنها نزيهة ومحايدة وحرفية ومهنية.
إنها أولاً وأخيراً، المكان الذي يتنكّر بجلباب القانون، الذي تلتقي تحته وتتشابك الخيوط الاستراتيجية، التي تشكّل نسيجه وألوانه وتتحكم بلابِسِهِ، من رأسه إلى أخمص قدميه.
دون أدنى شكّ، كان اتهام دمشق وحزب الله سياسياً، وجاءت (التبرئة الملّغمة بعدم وجود أدلة) سياسية أيضاً، لا قانونية حتماً. فيما تشكل إدانة شخص واحد، سليم عياش، ينتمي إلى حزب الله، نوعاً من إبقاء السياسة في (حالة كمون) وقيد التفعيل إن اقتضت لحظة مستقبلية ذلك.
هل يمكن التساؤل، والحال هكذا، إن كان ثمة انقلاب دولي في لبنان؟ أم أنَّ الأمر مجرد تغييرات تكتيكية مرتبطة برؤية جديدة سيبدأ مرتسمها بالظهور خلال الأسابيع المقبلة؟
في سبيل مقاربة تساؤل من هذا النوع، لا بدَّ من تحديد موقع منظار الرؤية. ثمة مكان ما، يمكن منه رؤية ما لا يمكن رؤيته من أي مكان غيره.
تأسس هذا المكان / المنصة – برأينا – من مشهدين / دعامتين ارتفعت عليهما هذه المنصة.
يتمثل المشهد الأول، في تلك العملية المركبة: السياسية – الاقتصادية – المالية – المصرفية، التي وضعت لبنان على حافة الإفلاس والانفجار الاجتماعي ووصول فساد الطبقة السياسية إلى أداء استثنائي غير مسبوق في فجاجته وفجوره ووقاحته.
ويتمثل المشهد الثاني، في ذلك التفجير الكارثي لمرفأ بيروت، ووظيفة بيروت ومعنى لبنان.
هذه هي المِنَصة اللبنانية الراهنة، التي تمكّن من رؤية (مستقبل لبنان).
جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان، وكأنها (إنزال مظلي) على هذه المنصة العالية، وسينفذ الرئيس ماكرون إنزالاً ثانياً بعد قرابة شهر أو أقل. ووفق هذا التشكيل للمشهد نستعيد بعض التساؤلات الكشَّافة التي يمكن أن تعاين الركام اللبناني القائم:
- إنَّ الطريقة التي ظهر ما كرون فيها، لم تكن تجاوزاً للدولة بمعناها المؤسساتي، بل كانت تجاوزاً لمكونات الدولة أو تحرّشاً مباشراً بـ (الدولة العميقة) المساوية للطبقة السياسية الفاسدة، والتي يُفترض أن أغلب مكوناتها غربية الاتجاه!!
- لم تجد هذه الطبقة في زيارة ماكرون ما يرضيها، لا بروتوكولياً ولا في مضمون الزيارة.
- كانت استعادة خطاب 14 شباط 2005 فعلاً ارتجالياً، على التوازي مع حركة الاستقالات الارتجالية، ومع الهجوم العنفي على الوزارات. لم يكن لهذه (الارتجالات) أي عمق دولي!!
- يعني التأكيد الفرنسي على ضرورة تغيير النظام، أنَّ (الطبقة السياسية الفاسدة) أصبحت تحت استحقاق لا يتوافق مع طبيعتها.!!
- اللقاء المنفرد بين ماكرون وممثل حزب الله محمد رعد.!!
أتفسر هذه التساؤلات شيئاً ما، في زيارة ماكرون وعلاقتها بالخلفية السياسية لقرار المحكمة الدولية؟
في الحالات كلها، المحكمة لم تصدر أوراقاً بيضاء ناصعة، ولا أوراقاً سوداء قاتمة، بل أوراقاً رمادية، يمكن أن تستحيل بيضاء أو سوداء بفعل السياسة.
المنصة اللبنانية، تشير بوضوح إلى إعادة إنتاج للبنان على نحوٍ يتوافق مع هذا التزاحم في حوض المتوسط الشرقي، والذي تأخذ فرنسا فيه طرف المواجهة في مقابل تركيا، فهل يعني هذا شيئاً بالنسبة لدمشق وحزب الله ولبنان.؟
اعتقد ان فرنسا تريد قطع الطريق على لبنان للتحول نحو دمشق وتركيا هي واجهة تستر عمل امريكا وفرنسا وهذ يزيد تعقيد الوضع اللبناني الذي سيؤثر سلباً على وضع سورية وهو الهدف الاستراتيجي لأمريكا.