العالم الآن

الرئيس والملك

دونالد ترامب وكوفيد التاسع عشر

لم يكترث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لخبر وصول كوفيد التاسع عشر للسياحة والتجوال، وربما التغلغل، في أنحاء سكان الولايات المتحدة الأميركية. حيث لم يجد هذا الملك المتوّج حديثاً على عرش سلالة كورونا، عند وصوله، أية استعدادات تتناسب مع (مكانته وهيبته وسمعته)، فنزل في مطارات نيويورك وواشنطن وفلوريدا وكاليفورنيا… دون ملاحظة أية تحضيرات ملموسة لـ (استقباله)، كما يليق بـه، فبدا كزائر عادي، وربما كمتسلل، لم يعبأ به أحد، من الرسميين، كما لم يستلفت انتباه أحد من العامة، فما كان منه إلاَّ أن نشر جيوشه وكتائبه وجنوده في أي جسد يقف في دربه ويصادفه، وبه ثغرة صحية أو ضعف خلقي أو علّة.

ومع التوسّع المتزايد الذي حققه (الملك) كوفيد التاسع عشر، في أكثر من ولاية، وخصوصاً مع حضوره الطاغي في نيويورك، ظهر كعدوٍ قوي في مواجهة التشاوف واللامبالاة والاستصغار الذي قابله فيه الرئيس ترامب، الذي وجد نفسه أخيراً في نزال لا بدَّ من خوضه، خصوصاً أن السمعة المرعبة للزائر/الملك، بدأت تؤثر على الرأي العام والأطباء وأهل السياسة وأصحاب الأعمال.

لم يأخذ الرئيس وقتاً طويلاً ليحدد ويشخّص جنسية الفيروس/الملك، فحسم بكونه (فيروساً صينياً)، لعلَّ في هذا التحديد ما يساعد في تقوية وتوسيع جيش (كارهي الصين)، وتحويل وجود فيروسها في الولايات المتحدة، إلى مناسبة مثالية للانقضاض على (أتباع) العولمة و (أزلامها وعملائها) الذين لا يزال (مربط خيل رأسمالهم) في شنغهاي!!

على أنَّ الأنصار الذين يحسبون ألف حساب للفيروس/الملك، لم يقفوا خلفاً في هذه المواجهة، حيث سارع كبير خبراء الأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي الذائع الصيت، ومن خلال ظهوره المتكرر، إلى جانب الرئيس، إلى رسم خريطة الخطر واستراتيجية مواجهته.

بالنسبة لفاوتشي، كوفيد التاسع عشر ليس سائحاً عادياً، بل مفترساً سيفتك بأرواح مليونية، خصوصاً منها التي أجسامها عليلة بأمراضٍ مزمنة.

استراتيجية المواجهة محسومة في ثلاثة أقانيم: الكمامة – الحجر – اللقاح. دون ذلك سننتظر حتى ينتهي (الملك) من إشباع شهوته بالتهام الضحايا!

إلى جانب أنتوني فاوتشي، كان مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، روبرت ريدفيلد، يؤازر ويقدم استراتيجية معدّلة تعتمد الكمامة كسلاح ثقيل لها، فهي (أفضل من اللقاح) الذي تتوقف فاعليته على مدى (تجاوب جهاز المناعة) كما أكدَّ مؤخراً.

لم يأخذ الرئيس، بطبيعة الحال، بأراء فاوتشي وريدفيلد، بل وعلى نحوٍ معاكس لاتجاههما، اتخذ من الكمامة مادة للتنمّر، خصوصاً تجاه خصمه جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، والذي التزم وضع الكمامة، كما التزم الانضباط في حركته، فيما كان الملايين من الأميركيين يسخرون من (الفيروس الصيني)، فلم يغيّروا أسلوب حياتهم قيد أنملة، وتمنّعوا عن تنفيذ مختلف التعليمات الطبية والحكومية، بل وفي بعض الأحيان كانوا يحملون أسلحتهم الفردية ويستعرضون قوتهم في الشوارع، في مظاهر واضحة للتحدي… ولكن تحدي من؟

مضت عدّة أشهر على حرب الفيروس/الملك، قبل أن يضطر الرئيس إلى وضع الكمامة ولأول مرة، في 12 تموز 2020، في أثناء زيارته لمنشأة طبية عسكرية لتفقد مشاة البحرية الذين هاجمهم (الفيروس الصيني) عل متن حاملة الطائرات يو أس أس روزفلت، حيث أقيل قبطانها بريت كروزير من منصبه جرّاء اعترافه بهذه الهزيمة. كانت الكمامة التي وضعها ترامب شديدة الخصوصية، زرقاء اللون كسلاح البحرية ومزينة بختم رئاسي ذهبي، فبدت وكأنها تتمة للباس الرسمي – الاحتفالي للرئيس، الذي ظلَّ محافظاً على تعهده بعدم فرض وضع الكمامة على فم الشعب الأميركي. وإن كان إظهاره للكمامة المخبأة في جيب سترته أثناء المناظرة الرئاسية الأولى في 29 أيلول، في مدينة كليفلند، يأتي كأسلوب من التراجع التكتيكي الانتخابي، أكثر من كونه تنازلاً أمام غريمه جو بايدن الذي صادق الكمامة منذ التوصية الأولى بها لأنتوني فاوتشي.

في الجولة الأخيرة من المنازلة بين الرئيس و(الفيروس / الملك)، تمكّن هذا الأخير من تدمير الدفاعات الأخيرة حول الرئيس، فحيّد عدداً من عملاء الخدمة السرية، وأقصى جانباً مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ووصل إلى هوب هيكس مساعدة الرئيس، ثم إلى الرئيس نفسه مع زوجته.

يضرب كوفيد التاسع عشر، حصاراً محكماً حول الرئيس، في محاولة لإجباره على الإقرار بـ (هيبته وقوته) وجبروت وعراقة جنسيته، واحترام من يتعامل معها من بني الرئيس وشعبه.

من داخل حصاره، اعترف ترامب باستسلامه المؤقت، ووعد بالخروج معافى بعد بعض الوقت، فيما تمكّن فريقه من نقله إلى منشأة طبية عسكرية لقضاء حكم الحجر هناك.

لكن، هل يخرج ترامب دون كمامة مواصلاً استصغاره لـ (الفيروس الصيني) وأتباعه وأزلامه وجنسيته؟

أم يخرج مع كمامة على وجهه، مستسلماً لـ (التنين الصيني) وجبروته، فيواجه غريمه بـ (كمامة) رئاسية مذّهبة، مقابل كمامة جو بايدن المعولمة؟

أو….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق