العالم الآن

تفجير لبنان الكبير!

في سيرة المئوية: الإفناء الذاتي

يبدو الانفجار (العجيب)! الذي وقع في مرفأ بيروت، وكأنه استعادة لعملية تفجير أول قنبلة هيدروجينية نفذّتها الولايات المتحدة الأميركية في جزيرة أنيتوك في العام 1952، لتدمرها وتقتل الحياة فيها.

الانفجار النووي اللبناني، هو تعبير قد يوحي إلى أنَّ لبنان الكبير، وبمناسبة مئويته، قام بإجراء تجارب نووية تُوجت بالنجاح، بعد مائة سنة ماضية من عمليات التحدّيث والتنمية في مختلف الحقول، ينجح في نهايتها في دخول نادي الدول النووية!

يمكن لهذا السرد التخيلي أن يكون واقعاً لو أنَّ دولة، بمدلول علم الاجتماع السياسي، كانت موجودة على مقاس هذا (الكبير)، الذي أرتبك أهلوه بمساحته الشاسعة، التي اتجهت لتبتلعهم، فانهالوا عليها تقطيعاً وتشريحاً وتوزيعاً وذبحاً.

لا يمكن وصف ترك مواد قادرة على إحداث مثل هذا الانفجار النووي (وفق المقاييس العلمية)، مرتبة في أحد عنابر المرفأ، لتختمر طوال هذه السنوات (منذ العام 2014)، إلى أن تحين لحظة  (الخطأ) لتنفجر وتدمر محيطها، وتوقع هذا العدد الكبير من ضحاياها قتلى وجرحى، وعندما يحصل هذا كله وغيره وما سيليه، يأتي من يعزو سبب الانفجار إلى (الإهمال)!

ما جرى ويجري في لبنان الآن، هو تماماً فصلٌ من فصول (التدمير الذاتي) الذي يتحكم بدورة الحياة فيه، منذ نشوئه كـ (كبير) بقرار فرنسي، ومن ثم تلغيمه بنظام مشَّوّه وثقافة تستولد دورات العنف الأهلي والانقسام الاجتماعي والاغتراب القومي والتشرّد العالمي.

الإفناء الذاتي، هو أحد تعبيرات الانتحار، الذي هو أحد مرادفات أو دلالات (الانقراض)، بفعل (عدم الكفاءة)، والذي بدوره، لا يشير فقط إلى صفات الكائن وقدرته، بل وعلى نحوٍ أخص، إلى (الكائن) نفسه، بمكوناته وما يشكله، وإن كانت بالفعل، ترتبط بنظام حيوي يؤكد التحامها به. ذلك لأنَّ (اليد) أو (الرجل) أو (العين) أو (الأنف) أو…….. لا يمكن أن توجد كل واحدة منها بنفسها ولنفسها! فهذه الأعضاء توجد وتأخذ معنى لوجودها وتمارس وظيفتها في إطار كونها مدرجة في تشكيل (الكائن/الانسان). دون ذلك لا وجود للإنسان؟

لبنان، بهذا المعنى، لم يتشكل كـ (كائن)، وإن تواجدت على جسده (كائنات) طائفية ومذهبية وعشائرية وعائلية وإتنية…… فهذه (الكائنات) موجودة بنفسها ولنفسها فقط، خالية من معنى وجودها في إطار نظام حياة (الكائن: لبنان). هي دائماً خارجة منه وعليه!

إن لم يتم تدمير هذه (الكائنات) بالمعنى الوظيفي والثقافي والسياسي بما يؤدي إلى تدمير دورة حياتها الذاتية، فإنَّ لبنان/الكائن، سيظلُّ محتلاً من قبلها، وستبقى رابضة بثقلها فوقه، إلى أن يموت اختناقاً/انقراضاً، بفعل عدم الكفاءة على الاستمرار في الحياة.

خلال مائة عام، ولبنان يرزح تحت ضغط هذه (الكائنات). حروب وقعت على أرضه، أهلية وغير أهلية، وتلك الدائمة في الجنوب في مواجهة(إسرائيل). الدمار صفة لبنيته التحتية. نزيف موجع في بنيته السكانية. كل ذلك وغيره الكثير ولا تزال (كائناته) الطائفية والمذهبية و….. تواصل الإيغال في دمه حتى آخر نقطة!

وبعد هذا وذاك… يكون انفجار بيروت ناتجاً من (الإهمال)!!

لم ينفجر مرفأ بيروت، ولم تخرج بيروت من الخدمة وتعلن مدينة منكوبة… تلك أبسط من الحقيقة.

الحقيقة الأكيدة: إنَّ (كائنات لبنان) فجّرت (لبنان الكبير) بمناسبة مئويته.

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق