ليس مهماً، أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متعثراً بنتائج الانتخابات الفرنسية التي جرت أواخر حزيران الماضي، أو مهموماً بالانشقاقات العديدة التي شهدها حزبه (الجمهورية إلى الأمام)، أو لايزال يعاني من صدمة وباء كورونا الذي حلِّ على حين غرة في بلده، أو يعاني من ثقل الإرث المعنوي الذي تركته مظاهرات السترات الصفراء في الشوارع الفرنسية، أو من الإخفاقات المحيطة بخطة الإنعاش الأوروبية. ذلك كله وغيره الكثير ليس مهماً، طالما يوجد بلد مثل لبنان، يمكن أن يوفر له: المناسبة النموذجية، والزعماء (غير القابلين للوصف بسبب القصور اللغوي للقواميس)، وسلالة التابعية الانتدابية، كي يدخله بانتشاءٍ (بونابارتي)، وإن لم تكن العصا الإمبراطورية في يده، بل في لسانه!
المناسبة: دخل ماكرون إلى لبنان، من بوابة الخراب الكبير. بوابة تدمير بيروت بـ (قنبلة نووية لبنانية)، سواء انفجرت بفعل صاعق استخباراتي، أو صاروخ إسرائيلي، أو حريق محلي بسبب (الإهمال)؟ يبقى أنَّ لبنان هو من تسبب بتدمير عاصمته.
الزعماء: الكارثة، إن وقعت في أي بلد من بلدان العالم، تستنفر في شعبه عوامل الوحدة والالتحام، فتنتفي الخصومات، وربما العداوات. إلاَّ في لبنان! الكارثة تأجج الخصومة وتدفع بها نحو العداوة، في اشتهاء مفتوح للوصول إلى حرب الإلغاء. كان في انتظار ماكرون زعماء يطوّقون بيروت ويشرفون على خرابها كغربان سوداء.
التابعية الانتدابية وتوسّعها: ثمة تابعية انتدابية راسخة تقيم في لبنان منذ العام 1920، وبحكم كونها (أقلية) تحلم دائماً بعودة مؤسسها، ورحمها الذي ولدت منه: الانتداب. غير أنّ نمواً ملحوظاً في شجرة عائلتها يمكن ملاحظته بفعل (تطعيمها) من تلك الشريحة اليائسة من (دولة محكومة بالفشل المطلق)، ولا ترى في الأفق أي بديل، بعد أن وقعت (البدائل) التاريخية في مصيدة النظام اللبناني، الذي رجمها بفتات طائفي مذهبي، وترّحم على أحلامها بالتغيير والنهوض والتحديث!
هذه هي الأثافي الثلاث، التي حملت (المِنَصَّة) التي اعتلاها ماكرون أثناء زيارته لبيروت، ليتفقد (شعبه) في لبنان، ويضعه في صورة برنامجه الانقاذي للخروج من الكارثة التي حلّت به.
بسهولة بالغة، تحدث ماكرون عن تغيير الميثاق الوطني اللبناني. عن وجوب تغيير النظام السياسي. لم يشر إلى أي ملمح للبديل وماذا يقصد من هذا التعبير (الثوري وغير المألوف)! طرح العنوان وتركه محاطاً بـ (الالتباس) للمساومة والتفاوض على طبيعة المولود الجديد؟
حدد ماكرون، على نحوٍ حاسم، طريق لبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية. ليس هذا الطريق سوى برنامج صندوق النقد الدولي، والخضوع لشروطه التي ستضع لبنان خلف قضبانه (حبيساً) لعقود قادمة قد تمتد للمئوية الثالثة!
وعد ماكرون (شعبه) في لبنان، بالعودة إلى بيروت لتدشين مئوية لبنان الثانية، وخلال غيابه سينزوي في الإيليزيه لإنجاز دستورٍ جديد وميثاقٍ جديد، ليطرحه على (شعبه) حين عودته.
طبعاً، سيكون الزعماء… الزعماء نفسهم، هم (رجال الميثاق الجديد)، ورجال بونابارت الجديد، والتابعية تهلل للبنان الجديد!!
حتماً، هذا ليس كل لبنان.
بل، ليس هذا لبنان أبداً.
ملحق:
الشاعر والسياسي الفرنسي المشهور ألفونس دي لامارتين، قام بزيارة بلاد الشام، ومنها لبنان في العام 1832/1833، ووضع كتابه (رحلة إلى الشرق)، فيه مذكراته ومشاهداته.
يقول لامارتين عن بيروت: (بيروت من المدن السورية الآهلة بالسكان، وقد عرفت عند الأقدمين باسم بيريت، وأصبحت على عهد أغسطس مستعمرة رومانية، وأطلق عليها الفاتح الروماني اسم جوليا فيلكس – السعيدة – وقد أخذت هذه الصفة لخصب ضواحيها وفخامة موقعها وجمال جوها)
لامارتين، أدبياً وسياسياً أسبق من غورو!!
الكلام الجوهري .
احييك