العالم الآن

لاجئون ببشرة شقراء وعيون زرقاء!

العنصرية الحاضرة في الحدث الأوكراني

(ننشر هذا المقال للكاتب الصيني وانغ وِنْوِنْ، وهو يمثل رؤية صينية إلى الانكشاف الواضح للعنصرية في الغرب، حيث ظهرت بفجاجة مع نشوب الحرب في أوكرانيا- ترجم المقال عن الإنكليزية علاء اللامي).

أي نوع من الناس في مناطق الحروب، ذاك الذي يستحق التعاطف والدموع؟ وما الذي يجعل المرء يقرر إدانة الحرب؟

في الاشتباكات الجارية في أوكرانيا، لقد أعطى الغربيون جوابهم: إنه لون البشرة!

منذ أن بدأت الأزمة الأوكرانية، تدفق دعم كبير للأوكرانيين في جميع أنحاء العالم الغربي.

كبير مراسلي شبكة سي بي أس نيوز الأمريكية في كييف، تشارلي داغاتا قال، في 25 فبراير، “هذا المكان – في أوكرانيا – ليس مثل، مع كل الاحترام الواجب، العراق أو أفغانستان اللذين يشهدان صراعاً مستعراً منذ عقود. إنه مكان متحضر نسبياً. إنها مدينة أوروبية حيث لا تتوقع ذلك، أو تأمل أن يحدث ذلك “.

ثم، في اليوم التالي، استضافت بي بي سي ديفيد ساكفاريليدزي، نائب المدعي العام الأوكراني السابق، الذي قال “إنه مؤثر للغاية بالنسبة لي لأنني أرى أوروبيين بشعر أشقر وعيون زرقاء يقتلون كل يوم”، بينما ردت مذيعة البي بي سي عليه، “أنا أفهم المشاعر، وبالطبع احترامها “.

معلق في تلفزيون “بي أف أم” الفرنسي قال: “نحن في القرن الحادي والعشرين، نحن في مدينة أوروبية ولدينا صواريخ كروز كما لو كنّا في العراق أو أفغانستان، هل يمكنك أن تتخيل ذلك!”

عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين أجبروا على الفرار من منازلهم والمعاناة من لهيب الحرب، فلماذا يجب اعتبار الأوروبيين مختلفين عن أولئك الموجودين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ تكشف التغطية المنحرفة في وسائل الإعلام الغربية عن الجوهر الحقيقي لعقدة تفوق العنصر البيض السائد في الغرب، على الرغم من أن الغربيين يروجون لما يسمى بالقيم العالمية كل يوم.

النفاق الغربي

تشير الإحصاءات إلى أن عدد القتلى المدنيين في حرب العراق كان أكثر من 200 ألف، وفي الحرب الأفغانية والحرب السورية كان العدد 30 ألفًا و40 ألفًا على التوالي. ومع ذلك، نادراً ما كان هناك أي غضب أو انتقاد من الغرب، ناهيك عن فرض عقوبات أو عقوبات على مرتكبي هذه الحروب المدمرة.

في نظر الغربيين، لا ينبغي أن تحدث الحروب في أوروبا “المتحضرة نسبيًا” التي تستضيف أناساً بشعر أشقر وعيون زرقاء. منطقهم هو أن الناس من مناطق “غير بيضاء” مثل العراق وأفغانستان يستحقون الحرب، بينما الحروب التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لا ينبغي وقفها وانتقادها. كان استغلال الغرب للأزمة الأوكرانية في الأيام القليلة الماضية أكثر من كل حديثه عن سوريا وأفغانستان واليمن في السنوات القليلة الماضية.

إن عقيدة تفوق الغرب الأبيض ونفاقه مكشوفان تماماً في قبول اللاجئين الأوكرانيين أو من يسميهم الغربيون المهجَّرين. وبحسب ما ورد قال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف، “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم … هؤلاء الناس (الأوكرانيون) أوروبيون […] هؤلاء الناس أذكياء ومتعلمون”. المعنى واضح هنا: عندما يتحدث شخص ما عن “أشخاص مثلنا”، فهذا يشير إلى أن أولئك الذين يأتون من سوريا، أو العراق أو أفغانستان أو إفريقيا ليسوا كذلك، وأن هؤلاء المهاجرين غير الأوروبيين أقل ذكاءً وأقل تعليماً وأكثر خطورة.

يقدر الاتحاد الأوروبي أن ما يصل إلى 4 ملايين أوكراني قد يحاولون مغادرة البلاد، وقد خفف الاتحاد بالفعل قواعده بشأن قبولهم، وقال إن الدول الأعضاء فيه سوف ترحب بهم “بأذرع مفتوحة”. ودعت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيسر إلى “إيجاد حلول غير بيروقراطية لإحضار الناس في أسرع وقت ممكن إلى بر الأمان”.

يجب أن يتذكر المرء مدى صعوبة محاولة أوروبا إغلاق أبوابها أمام اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان. إذا كانت أوروبا تريد عرض استجابة إنسانية تجاه الأوكرانيين، فكيف يمكنها أن تفسر أكتافها الباردة للآخرين؟

قال سونغ لوزينج، الباحث السياسي الذي يعيش الآن في فرنسا، لصحيفة غلوبال تايمز إنَّ الغرب يدافع دائماً عن المساواة والتنوع، لكن ما يفعله على أرض الواقع هو عكس ذلك تماما.

وأضاف سونغ: “على الرغم من أن رفض شعار “تفوق العرق الأبيض” هو أمر صحيح سياسياً في الغرب، فإن ما يفعله الأوروبيون هو تطبيق هذا الشعار الأساسي”.

الطبيعة الحقيقية لتفوق البيض:

لطالما كانت أيديولوجية تفوق البيض موجودة في العالم الغربي. فهذا بنيامين دزرائيلي، رئيس وزراء المملكة المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر، وأحد أكثر الإيديولوجيين العنصريين العرقيين التزاماً في عصره، يقول: “إن العرق يعني الاختلاف، والاختلاف يعني التفوق، والتفوق يؤدي إلى الهيمنة”.

يمكن أيضاً معرفة عنصرية التفوق الغربي للبيض من الرسوم الكاريكاتورية السياسية خلال الحرب العالمية الثانية. يُعتقد أن مسلسل “التقليد”، الذي نُشر في صحيفة واشنطن بوست عام 1942، يرمز إلى الانقسام الحاد في الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى دول المحور “أي التحالف بقيادة ألمانيا النازية والذي يضم اليابان وإيطاليا”. بينما يتم تصوير الفرد الياباني “النموذجي” على أنه قرد بدائي، فإن العدو الألماني، الذي يرمز إليه هتلر في الرسوم الكاريكاتورية، هو نسخة واقعية للقائد، بدون سمات بربرية وشبه بشرية. عندما يتعلق الأمر بالعصر الحديث، لا يزال الغربيون يمتلكون إحساساً بالهوية يتضمن رؤية الأبيض كرمز للنقاء والفضيلة.

ومع ذلك، فإن سيادة البيض تجرد العرق أو الأشخاص الملونين من حقهم في أن يكونوا بشراً، ومن حقهم في تعريف المصير وتقرير المصير. إن -هذه العنصرية البيضاء- لا تختلف عن انتهاكات حقوق الإنسان.

يعتبر “تفوق العنصر الأبيض” بمثابة الصمغ الذي يربط ويجمع بين العنصرية والاستعمار. قال شين يي، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية والشؤون العامة بجامعة فودان، لصحيفة غلوبال تايمز: في الواقع، لا يزال الغرب يؤمن بمذاهب الحقبة الاستعمارية – كان البيض من السوزيرين “الدول ذات السيادة” وغير البيض كانوا دولاً تابعة. لذلك، ينغمس الغربيون في المركزية والاستثنائية الغربية.

قال شين: “لم يتوقف الغرب أبداً عن الدعوة إلى الاستعمار. في الماضي، استخدم “الديمقراطية ” و” الحرية “و”حقوق الإنسان” كقناع، لكنه الآن يتباهى علناً بتفوقه العرقي الأبيض”.

وأشار شين إلى أن السبب هو تراجع الغرب. نسبة الاقتصاد الغربي في الاقتصاد العالمي آخذة في التناقص. لا يُعزى تطور الغرب في الماضي إلى تقدم نموذجه التنموي، بل يرجع إلى تاريخه الاستعماري الذي لعب دوراً حاسماً في تراكم الثروة. بينما يستهلك الغرب تدريجياً أمجاده الماضية، ومع صعود قوى ناشئة أخرى، يشعر بالتراجع وينظر إلى نفسه كضحية – عقلية الضحية تجعله منعزلاً وكارهٍ للأجانب ومتقوقعاً على ذاته.

مثل هذا الغرب ليس في وضع يسمح له بإعطاء تعريف الحضارة والمدنية.

——————————————————-

مصدر النص: غلوبال تايمز الصينية الناطقة بالإنكليزية- عدد 4 آذار مارس 2022

علاء اللامي

باحث وكاتب من العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق