في مُناخ عدم اليقين الذي يسود العالم الآن، وفي سياق البحث المحموم عن أدلة تثبت أن العديد من الجهات كان لديها معرفة مسبقة بإمكانية ظهور وباء عالمي، تداول العديد من الكتّاب والصحفيين – بعضهم من مستوى احترافي مرموق – باسم كتاب يعود لـ ( سي آي أي ) تحت عنوان : كيف سيكون العالم غداً ؟. فأشاروا، على نحو عام وغير موثّق كفاية،( لا ضرورة علمية لذكر أسمائهم ) إلى أن الكتاب الموضوع في العام 2005 فيه معلومات تؤكد أن الوباء سيظهر حتماً ؟
ماذا يتضمن الكتاب فعلاً ؟
لدي قصة مع الكتاب سأرويها ومن خلالها نتعرف إلى محتواه.
استلمت رسالة، بواسطة تطبيق الوتسآب، من أحد الأصدقاء فيها صورة لغلاف الكتاب المعني، مع تسجيل صوتي يشرح صاحبه فيه أنّ هذا الكتاب فيه معلومات تؤكد معرفة الجهة التي وضعته بأن وباءً قادماً سينتشر في العالم. ذكّرتني صورة الغلاف بكتاب كنت قد اشتريته منذ أقل من عشر سنوات، فعدت مباشرة أبحث عنه وخلال وقتٍ قصير وجدته موضّباً تحت مجموعة كتب أكبر حجماً منه فأخفته عن ناظري طوال هذه السنوات.
ما هو هذا الكتاب ؟
هو كتاب صادر باللغة الفرنسية:
Éditions Robert Laffont, S.A., Paris, 2009 – Pocket
ومترجم عن الأميركية – تستخدم دار النشر هذا المصطلح تمييزاً عن الإنكليزية البريطانية – وقام بترجمته مجموعة من 3 أشخاص تحت إدارة ألكسندر ادلر الذي يتصدر اسمه أعلى غلاف الكتاب، ويقدمه بقراءة طويلة بلغت 37 صفحة.
للكتاب عدّة عناوين بارزة على الغلاف كما على الصفحة الداخلية الأولى، وهذه العناوين :
1_ التقرير الجديد لـ سي آي أي.
2_ كيف سيكون العالم غداً ؟
3_ كيف سيكون العالم في العام 2025 ؟
إن صيغة ( التقرير الجديد ) الأولى تدفع للإستنتاج مباشرة أنه لابدّ وأن يسبقه تقرير قديم، وهذا صحيح وذلك التقرير هو المنشور في العام 2005 ، باللغة الفرنسية وبإدارة ألكسندر ادلر نفسه، ويتناول في رؤيته المستقبلية المجال الواصل للعام 2020، فيما التقرير الجديد، جاء ليحدّث بعض المعلومات ويعيد النظر ببعض الفرضيات، ويمتد بمجاله الزمني حتى العام 2025.
وعلى ذلك يمكن القول: الـ سي آي أي لم تنشر كتاباً، وهي بالأصل لم تضع كتاباً، بل هي معتادة على إنتاج تقرير ذي طبيعة مستقبلية، يتضمن قراءة لواقع العالم وما سيؤول إليه خلال حقبة آتية قد تمتد لربع قرن. وما بين أيدينا هو بالأصل تقرير مسحوب من موقع الـ سي آي أي على شيكة الانترنيت،كما هو مشار إليه بوضوح، مع ترجمته للفرنسية ومع مقدمة ادلر تم نشره ككتاب.
ألكسندر ادلر: فضلاً عن حضوره الملموس والبارز في المشهد الثقافي / الإعلامي / الاكاديمي الفرنسي، وهو مؤرخ وصحفي، يعتبر من أكثر المؤيدين لـ ( المحافظين الجدد ) في واشنطن، ومتبنياً لخياراتهم خصوصاً منذ أحداث 11 أيلول 2001. ولعل هذا الأمر يفسر لماذا هو تحديداً مسؤول عن تقديم التقرير باللغة الفرنسية.
الكتاب – التقرير الذي بين أيدينا هو : كيف سيكون العالم في 2025 ؟
يأتي في صيغة فصول عددها 7 إلى جانب معلومات مؤطرة ضمن كادرات موزعة على صفحاته ، بلغت 38 كادراً.
يتناول التقرير، في مضمونه، عناوين متعددة وشاملة من الحقل الجيوبوليتيكي إلى التغير المناخي، الطاقة، التكنولوجيا،الأسلحة، الاقتصاد، السكان، المياه، الإرهاب…. إلى عناوين أخرى. وقد جاء على ذكر دول عديدة في سياق مناقشة عناوينه، ولعل أهمها : الصين، روسيا، الهند، البرازيل، إيران، اليمن ودول الخليج، ليبيا، سورية، باكستان، أفغانستان، العراق ..وصولاً للمسألة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي يحسم فيه: ( من الآن – تاريخ وضع التقرير 2008 – حتى العام 2025، سيكون النظام العالمي معولماً ومتعدد الأقطاب. ص 57 ) ، أي يرى نهاية للقطبية الأميركية المتفردة، يعود ليوضح : ( في العام 2025، النظام العالمي مثل الذي هو قائم بعد الحرب العالمية الثانية، سيكون متغيراً ومن الصعوبة التعرّف عليه. ص 77 ).
يهتم التقرير بشكل ملحوظ بالمسار الصيني، وينبّه إلى أنّ الصين ستصل إلى مستوى الولايات المتحدة،اقتصادياً ومن ثم ستتجاوزها، إن لم تسارع واشنطن إلى اعتماد استراتيجيات أكثر فاعلية.
يشير التقرير بوضوح وقلقٍ، إلى ما يسميه بانتقال القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق.
لا أخفي أني عندما اقتنيت هذا الكتاب منذ 2009، كان اهتمامي يتجه لمعرفة ما بين دفتيه بشأن سورية ولبنان والمسألة الفلسطينية، ومن ثم ما يتصل بوضع إيران، وأخيراً الصين. لم يستلفت انتباهي أبداً ما جاء فيه حول الأوبئة والأمراض وما يتصل بها!!
لم يدر بخلدي، آنذاك، أن قضية ما مهما كانت، يمكن أن تكون أكثر أهمية من القضايا الجيو- سياسية.
الآن، ماذا جاء فيه عن فيروس كورونا والوباء ؟
ورد في التقرير- الكتاب، ضمن كادر، وفي الصفحتين المرقمتين 250 – 251 ، توقعاته بشأن انطلاق محتمل لوباءٍ سيتفشى في أنحاء العالم ؟
فيما يلي، الترجمة الكاملة لهاتين الصفحتين، وللقارىء أن يقييم المضمون ويحلله ويصل إلى استنتاجاته بعد اطلاعه على هذه المعلومات الموثّقة.
الترجمة الكاملة للصفحتين 250 ـ 251:
انطلاق محتمل لوباء عالمي.
إنَّ ظهور مرض تنفسي جديد، فتّاك ومعدٍ إلى أقصى حدّ، مع عدم توّفر علّاج فعّال، يمكن أن يؤدي إلى تحوّل المرض إلى وباء عالمي. إذا ظهر مثل هذا المرض من الآن وحتى العام 2025، سيكون من غير المستبعد انفجار نزاعات داخلية وتوترات عابرة للحدود (دولية).
في الواقع، ستبذل مختلف الدول قصارى جهدها، ولكن مع عدم توفر إمكانيات كافية للسيطرة على تحركات السكان وذلك توّسلاً لتجنب العدوى (انتشار المرض) وللمحافظة وتأمين الوصول إلى المصادر الطبيعية.
إنَّ ظهور هذا الوباء، يعتمد على حدوث طفرة جينية طبيعية، وعلى اندماج أرومات فيروسية موجودة مسبقاً، وأيضاً نتيجة عوامل مّرّضية جديدة لدى البشر. يرى الخبراء، أنَّ المرّشح المحتمل لهذه الطفرة (كنموذج مُتكيف)، يكمن في الأورمات العالية المَرَضية لفيروس انفلونزا الطيور مثل H5N1 أو بعض العوامل الممرضة الأخرى كفيروس كورونا – SRAS ، وأيضاً بعض سلالات فيروس الكريب التي لديها الخواص نفسها.
إن ظهر هذا المرض الوبائي، فسيكون دون أدنى شك، في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وفيها تقارب كبير بين البشر والحيوانات، مثلما هو الحال في الصين وجنوب شرق آسيا، حيث السكان يعيشون بتماس مباشر مع الماشية. عمليات التربية والتدجين غير الملتزمة بقواعد محددة ستسّهل انتشار فيروس مثل H5N1 بين الحيوانات، مع تزايد حظوظ انتقالات السلالة السريعة التأثير المؤدية إلى حدوث الوباء. ولكي يتفشى سريعاً يكفي أن يظهر في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة.
بمثل هكذا سيناريو سيحصل تأخر في التحقق من نوع المرض، إن لم يمتلك بلد المنشأ (الأصلي) الوسائل الكافية لاكتشافه. ستلزم أسابيع عدّة حتى تتمكن المخابر من الوصول إلى نتائج حاسمة قطعية تؤكد وجود مرض مع خطر تحوّله إلى وباء. في هذه الوقت ستكون مدن من جنوب شرق آسيا هي بؤرة تفشي هذا الوباء .
ورغماً عن إجراءات تقييد حركة الانتقالات الدولية، إلاّ أنه ومع حضور مسافرين تظهر عليهم أعراضاً بسيطة أو لا تظهر، سينتقل الفيروس بسببهم إلى القارات الأخرى. سيزداد عدد المرضى أكثر فأكثر، وستظهر حالات جديدة على مدار الأشهر.
غياب اللقاح الفعّال أو نقصان المناعة في ما تبقى من العالم سيعرّض السكان للعدوى[1].
في أسوأ الحالات سيصاب من الغربيين (سكان دول الغرب) من عشرة إلى عدّة ملايين بهذا المرض، وسيكون الأموات بعشرات الملايين [2].
إن تراجع البنى التحتية الحيوية والانهيار الاقتصادي في بقية بلدان العالم ـ غير الغربي ـ ستؤدي إلى إصابة ثلث سكان الأرض وموت مئات الملايين من البشر.
———————————————————-
[1] ـ مراكز أبحاث أميركية وفي العالم، تعمل للوصول إلى لقاحات قادرة على تدارك أو محاصرة الأوبئة الفيروسية.
إن التوصل إلى نتيجة إيجابية خلال السنوات القادمة القريبة، من شأنها أن تقلل من خطر هذه الأوبئة خلال العقود القادمة.
2ـ سرعة انتشار هذا المرض، عدد المرضى المصابين، ومدة مرضهم، معدّل الوفيات، الأمراض والعواقب المرضّية للإصابة بالإنتان، يختلف بحسب مواصفات العامل المرضي المسؤول عن الوباء.
يعتمد هذا السيناريو على الميزات الموجودة التي تتلائم مع هكذا متغيرات.
انتهت ترجمت التقرير.
السؤال الأخير: لماذا تنتج الـ سي آي أي تقريراً فيه هذه المعلومات، وتضعه على موقعها على شبكة الأنترنيت، وتسمح بنشره ؟