أوراق العالم القادم

الأرض وظاهرة الاحترار العالمي

القضية المناخيّة الدوليّة على المحكّ

   كشف المؤتمر المناخي العالمي الأخير في غلاسكو عاصمة اسكتلندا (cop 26 Conference of parties) عن الإخفاق في تلبية توصيات المؤتمرات السابقة بشأن الانبعاثات الغازية التي يُعزى إليها اشتداد الاحتباس الحراري وتشكيل ظاهرة ما يسمى بالاحترار العالمي مع ما يصاحبه من تغيّر مناخي على الأرض بوجه عام. والحال تكشف المؤتمرات المناخية العالمية تباعاً أن القضية المناخية البيئية بعد تدويلها باتت تشي بما يبدو وكأنه اسلوب غير معهود يرمي إلى استثمار هذه القضية في النزاعات الاقتصادية والسياسية بين الدول في العالم.

كيف جرى تدويل القضية المناخية وكيف تطورت نتائج هذا التدويل؟

مسار التدويل

 في النصف الثاني من القرن العشرين شهد موضوع المناخ كمكوُن أساسي من بيئة الإنسان على الكرة الأرضية اهتماماً متنامياً ومتشعباً في مختلف الأوساط العلمية الأكاديمية والسياسية …  إلى أن غصت وسائل الإعلام وسائر المنابر بالمناظرات والاستعراضات الكلامية حول الأوزون وثقوبه التي تتيح للأشعة ما فوق البنفسجية إلحاق الأضرار المميتة بحياة الانسان من جهة، والاحترار العالمي أو ازدياد حرارة الهواء من جهة ثانية. لكن ما إن انتهى القرن العشرين حتى انسحبت ثقوب الأوزون من التداول الإعلامي ليبقى التغيّر المناخي الذي يتسبب به الاحترار العالمي مستفردا بالاستحواذ على الاهتمام الدولي.

  خرجت مسألة الأوزون وتداعياتها إذن في التسعينات من القرن العشرين من التداول المثير بعد أن نمت حولها في الولايات المتحدة شكوك على صلة بمسائل إدارية وإعلامية خاصة بتمويل البحوث بشأنها، لتعود إلى الإطار العلمي والأكاديمي البحت، بينما تقدم ملف التغيّر المناخي الذي صار تُخصص له مؤتمرات دورية سنوية يُثار فيها نقاشات مستفيضة حول المسائل العلمية والاقتصادية والسياسية، وذلك على خلفية إشكالية مربعة الأبعاد:

أولاً، الارتفاع الحراري. ثانياً، ازدياد نسبة الغازات الدفيئة لا سيما منها ثاني أوكسيد الكربون في جو الأرض بما يتسبب برفع قدرة الهواء على احتباس الحرارة وبالتالي رفع درجتها في الهواء، ثالثاً، دور أنشطة المجتمعات البشرية. رابعاً، وأخيراً، مسؤولية الدول في هذه الظواهر المتمثلة بما دعي بالاحترار العالمي.

  هذا وانتشرت منذ ثمانينات القرن العشرين فكرة ارتفاع الحرارة جراء الغازات المنبعثة من الصناعات وغيرها، وتكاثرت تباعاً السيناريوهات في وسائل الإعلام مثل تحولات في الدورة الهوائية  العالمية ومفاعيلها في مسارات الأعاصير وشدتها، وأثرها في التيارات البحرية واتجاهاتها مع ما سيؤدي ذلك إلى تباينات حرارية على اليابسة وفي المحيطات ثم إلى ذوبان الجليد في القطبين وعلى الجبال العالية في العالم وبالتالي ارتفاع مستوى المحيطات وتقدم مياهها ومياه البحار على اليابسة في سواحل عديدة مكتظة بالمدن والسكان في مختلف انحاء العالم، مع فيضانات تغمر سكان سفوح الجبال، فضلاً عن تبدّلات في المساحات الزراعية وانعكاساتها على المحاصيل الغذائية، وحدوث عمليات لجوء العديد من السكان، وأشيع بالمناسبة في تلك الفترة مفهوم ” اللجوء المناخي ” كما لو أن أعداداً غفيرة من البشر لا بدَّ وأن تتهيأ للقيام بهجرات واسعة تحت ضغط العوامل المناخية … إلى ما هنالك من السيناريوهات الكارثية.

   أنتجت مجمل هذه الأمور قضية بيئية مناخية عالمية عمدت منظمة الأمم المتحدة إزاءها عام 1988 إلى تشكيل فريق دولي من خبراء وباحثين …، وأكاديميين ومهندسين وتقنيين من عدة اختصاصات يعملون في مراكز بحثية ومعاهد جامعية ٠٠٠، جاوز عددهم في حينه 2500 ناشط (معظمهم بالتعاقد) من جنسيات مختلفة. أما مهمة هذا الفريق الواسع الذي تتغير أعداد أعضائه من سنة إلى أخرى فهي تحليل ومتابعة القضية المناخية تحت اسم ” الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيٌر المناخ ” ومركزها جنيف في سويسرا ويُعرّف عنها بالإنكليزية والفرنسية على النحو التالي:

(Intergovernmental Panel on Climate IPCC)

(Groupe d’experts Intergouvernemental sur l’Évolution du Climat GIEC).

   تعمل “الهيئة” المذكورة بإشراف مؤسستين تابعتين لمنظمة الأمم المتحدة هما ” برنامج الأمم المتحدة للبيئة ” و ” المنظمة العالمية للأرصاد الجوية “، يتوزع الناشطون فيها على ثلاث مجموعات: الأولى، مهمتها البحث العلمي في القضية المناخية ويُشار إليها في التقارير الدولية (Gl (group، الثانية تتناول انعكاسات ما تصل إليه مهمة المجموعة الأولى من خلاصات خاصة بالتغيّر المناخي والتوفيق بينها   ويُشار إليها بـ GII   الثالثة تنظر في النتائج الاجتماعية والاقتصادية لمباحث المجموعتين الأولى والثانية.  GIII

إلى ذلك تُصدر ” الهيئة ” تقارير دورية تشكل منطلقات البرامج والقواعد التي تنبني عليها أعمال المؤتمرات المناخية العالمية التي تعقدها منظمة الأمم المتحدة سنوياً في مختلف العواصم الدولية منذ عام 1991، وكان آخرها مؤتمر غلاسكو في اسكتلندا هذا العام وهي مؤتمرات تنتهي بتوصيات على صلة بتقارير ” الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ. “يتألف كل تقرير عادة من أكثر من ألف صفحة وملخص من حوالي مئة صفحة وآخر من حوالي عشرين صفحة أو أقل برسم أصحاب القرار في الدول الكبرى.

تقارير وإشكالات

  أصدرت ” الهيئة الحكومية ” حتى الآن خمسة تقارير ويجري العمل حالياً على التقرير السادس المنوي إنهاءه عام 2022.

التقرير الأول، الذي صدر عام 1991 لم يحسم موضوع تسبب الأنشطة البشرية بارتفاع حرارة جو الأرض حتى أنه أبدى شكوكا حياله، إذ أعتبر أن مسألة الحسم فيه في منتهى الصعوبة، وأن المتغيرات المناخية بما فيها ما يبدو لنا ارتفاعاً للحرارة لا يعدو كونه حالة طبيعية يشهدها كوكبنا في سياق ما  يجري بينه وبين الشمس على مدى الأزمنة، وعليه ليس من الضرورة العلمية الأكيدة ربط الاحترار العالمي بالأنشطة البشرية، الأمر الذي سيثير فيما بعد جدالاً واسعاً حول دور انبعاث الغازات بفعل الأنشطة الاقتصادية الأحفورية (استهلاك الفحم الحجري والنفط ….) في تغيّر مناخ الأرض. هذا وقد صودف نشر التقرير المذكور عشية “المؤتمر الدولي للبيئة ” – غير المؤتمر المناخي – في ريو دي جانيرو عام 1992، حيث عولجت فيه القضية المناخية مع غيرها من القضايا البيئية الأخرى في ظل تمظهر بدايات ” اشتباك بيئي  سياسي” بين دول الجنوب الفقيرة من جهة، ودول الشمال الغنية من جهة ثانية، حيث  انشغلت دول الجنوب في المؤتمر المذكور بالإلحاح على دول الشمال لدعمها في معالجة  مشكلاتها البيئة التي تتسبب بها استثمارات الشمال المنجمية وغيرها،  الأمر الذي أفضى إلى  إثارة ضرورة التصدي لزيادة نسبة أكسيد الكربون وسائر الغازات ذات الصلة بهذه الاستثمارات واستطراداً دورها في التغيّر المناخي.

  التقرير الثاني، عام 1995 نحا باتجاه التأكيد على الاحترار العالمي ومسؤولية الانسان فيه، أي بخلاف التقرير الأول، مركّزاً على الدور المتعاظم للأغبرة والأدخنة وسائر الغازات الدفيئة ما أدى إلى ارتفاع الأصوات ضد الأنشطة الاقتصادية المسببة لها باعتبارها تشكل أخطاراً جسيمة على حياة البشر. وقد استخدمت نتائج التقرير المذكور على نحو واسع في المؤتمر الدولي للبيئة الذي انعقد عام 1997 في كيوتو اليابان. وصدر عن المؤتمر البيئي المذكور بروتوكول يقضي بالحد فوراً من انبعاث الغازات الدفيئة عن طريق ادخال تعديلات ضرورية على مختلف الصناعات ذات العلاقة بهذا الشأن. وفي هذا المؤتمر برزت شخصية آل غور نائب رئيس الولايات حينذاك حيث ألقى خطاباً نارياً محذراً من أخطار الغازات الدفيئة أنهاه بعبارة ” وليكن الله في عوننا “. أما الطريف في الأمر فهو عندما حان تحديد موقفه كممثل الولايات المتحدة من بروتوكول المؤتمر حول الغازات التي يحذر منها اشترط تأييده له بموافقة الصين والهند وروسيا وهو يعرف مسبقاً أن هذه الدول ترفضه لأنها تجد فيه دعوة لوقف نموها، ما يعني أن خطاب آل غور في المؤتمر لم يتجاوز الاستعراض والشجب اللفظي في إطار الأساليب الملتوية التي يتبعها السياسيون. هذا وقد أصدر آل غور فيما بعد فيلماً وثائقياً عن القضية البيئية مناقضاً لموقفه العملي والإجرائي من بروتوكول مؤتمر كيوتو.

  التقرير الثالث، في عام 2001 صدر مشدداً على الاحترار العالمي ودور الإنسان فيه متضمناً توقعات كارثية في حال لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات تحد من انبعاث الغازات في الجو. إلى ذلك أعلن التقرير المذكور أن الحرارة على الأرض ستتجاوز 6 درجات مئوية بحلول العام 2100، وأن مستوى سطح البحر سيرتفع مترين عما هو الآن، مُطلقاً العنان فيما بعد لسيناريوهات مختلفة عن تقلبات مناخية عنيفة، حتى أن بعض وسائل الإعلام راحت تقارن انطلاقاً من التقرير المذكور مفاعيل التغيّر المناخي، بالضربات الإرهابية الكيميائية، التي كثر الحديث عن احتمال حصولها بعد كارثة البرجين في نيويورك عام 2001. كما شاعت محاولات الاستشراف لما ستؤول إليه أحوال البيئة على اليابسة وفي البحار والمحيطات وأحوال السكان هنا وهناك بعد الفيضانات المتوقعة، وتقدم مياه  البحر على المدن الساحلية فضلا عن انقلابات حرارية تتسبب بها تبدلات طارئة على التيارات البحرية بحيث يؤدي الأمر إلى مفارقة غريبة تتمثل في انخفاض معدل الحرارة في القارة الأوروبية عشر درجات مئوية أقل مما هي الآن والسبب هو أن ارتفاع الحرارة على الأرض سيقضي على تيار الغولف ستريم البحري الملطف حالياً لمناخ القارة الأوروبية نظراً إلى أنه يحمل المياه المدارية الدافئة إلى شواطئ أوروبا.

  التقرير الرابع، عام 2007، أكد على الاحترار العالمي إلاَّ أنه اختلف عن التقرير الذي سبقه في إبداء بعض الشك في مسؤولية الأنشطة البشرية عنه، كما أنه خلص إلى التخفيف إذا جاز التعبير، من كوارثية سيناريوهات التقرير السابق. هذا وقد جاء الشك المشار إليه في التقرير في سياق الشكوك المتزايدة من قبل علماء مناخ وخبراء وباحثين مستقلين من خارج ” الهيئة الحكومية ” تناولوا بالنقد العلمي مناهج ونتائج أعمال الفرق البحثية في ” الهيئة ” كما جاء وكأنه يبرر إلى هذا الحد أو ذاك رفض بعض المؤسسات الاقتصادية الكبرى ذات المصالح المنجمية لا سيما النفطية والغازية منها للتوصيات التي كانت ترد في التقارير.

   التقرير الخامس، عام 2014 أعاد بعض الاعتبار للتقرير الثالث لجهة التأكيد على ربط الاحترار العالمي بالأنشطة البشرية لكنه خفف من وقع التوقعات الكارثية متخلياً عن الرقم 6 درجات الحرارية الملحوظ فيه، إلاَّ أنه جاء بمثابة الرد على ما اصطلح على تسميتهم ” بالمشككين المناخيين ” أي المشككين بأعمال ” الهيئة الحكومية ” من باحثين أكاديميين واقتصاديين وسياسيين بعد أن ارتفعت أعدادهم بشكل مقلق. فكان أن شارك في التقرير المذكور أكثر من 3000 باحث كما شارك حوالي 800 منهم في تحريره. وقد أكد التقرير إذن على الاحترار العالمي ودور البشر فيه وانتهى إلى التوصيات القاضية بالحد من الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة بالانبعاثات الغازية.

اشتباك علمي – مناخي سياسي

  بالتوازي مع أعمال ” الهيئة الحكومية “كانت منظمة الامم المتحدة قد بادرت منذ مؤتمر ريو دي جينيرو الدولي للبيئة حيث جرى فيه التعرض للمسألة المناخية، إلى التحضير لمؤتمرات قمم دولية سنوية (COP Conference of parties) مخصصة للقضية المناخية وأبعادها البيئية الطبيعية والإنسانية. وبالفعل استهلت هذه المؤتمرات في برلين عام 1995 ليصل عددها فيما بعد الى 26 مؤتمر آخرها. (COP26) في غلاسكو

   تشابكت على مدى هذه المؤتمرات الآراء والمواقف من المباحث العلمية المناخية ونتائجها المتباينة مع تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية لمختلف دول العالم ما أدّى إلى حرف مسار الأمور عن الأهداف المعلنة لجهة حماية كوكب الأرض وبالتالي تظهير الشك بالجدوى البيئية لمختلف الأعمال المتعلقة بالقضية المناخية التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

   والحال أن الشكَّ المذكور بدأ منذ التسعينات من القرن العشرين وتعزز في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين أي بعد  تقرير ” الهيئة الحكومية”  الرابع الصادر عام  2007 والتي أقرت الهيئة فيما بعد أنها ارتكبت أخطاء علمية عديدة فيه، فكان هذا الإقرار كافياً لأن يدفع الأمم المتحدة إلى تشكيل مجلس أكاديمي من 15 خبيراً للنظر فيها، ومن هذه الأخطاء التي أعلنت الهيئة أسفها بشأنها ما يتعلق بالمبالغات التي نشرتها حول الكتل الجليدية في جبال الهمالايا حيث توقعت الهيئة أن تتلاشى هذه الكتل نهائياً عام 2035 لتعلن فيما بعد أن هناك خطأ مطبعياً لأن المقصود هو 2350 وليس 2035 كما تراجعت الهيئة عن العديد من التوقعات المتعلقة بارتفاع مستوى البحار وتقلص غابات الامازون وغيرها … غير أن الأخطر جاء من التسريبات التي كشفت عنها الرسائل الالكترونية بين أعضاء  من فرق في ” الهيئة الحكومية” حيث ظهر في الرسائل المتبادلة تضارب مصالح  بين من يريد إضفاء نبرة من التضخيم على الاحترار العالمي وربطه بالأنشطة البشرية من جهة ومٓن لا يريد ذلك من جهة مقابلة، الأمر الذي أثار ردود فعل سلبية وعنيفة لا من قبل الأوساط العلمية وحسب وإنما أيضاً من قبل اللوبي النفطي المتضرر الكبير من ربط الاحترار العالمي بالأنشطة  الصناعية والمنجمية والذي سارع إلى تحويل التسريبات إلى حدث فضائحي، شاع معه لقب  ” بوابة المناخ ”  (climate gate) في إشارة إلى ووتر غيت التي أطاحت نيكسون رئيس الولايات المتحدة السابق في السبعينات من القرن العشرين.

  اما على الصعيد الاقتصادي والسياسي فإن المؤتمرات العالمية المناخية الخمسة تنتهي  بشكل أو بآخر بتوصيات تلزم دول الشمال بتقديم مساعدات مالية وتقنية واقتصادية إلى دول الجنوب لمواجهة التحديات التي تقام هذه المؤتمرات من أجلها، مقابل ما تحاول دول الشمال إملاءه على دول الجنوب بشأن إجراء تعديلات أساسية على وسائل انتاجها لتخفيف أثر الاحترار العالمي، هذا الاحترار التي تصرُ بعض دول الشمال لا سيما الأوروبية الغربية منها  على إرجاعه إلى الأنشطة البشرية، بما يعني وجوب تبني  نموذجاً تنموياً صناعياً اقتصادياً يختلف عن النموذج السائد واستبداله بنموذج يؤدي إلى التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة، والذي سيكون حكماً أكثر تطوراً واكثر كلفة من النموذج الأول، الأمر الذي من شأنه أن يفقد قدرة دول الجنوب الناهضة صناعياً، الاحتفاظ بقدراتها التنافسية مع دول الشمال. ذلك أنه حتى الثمانينات من القرن العشرين كانت المبادلات بين دول الشمال ودول الجنوب اقتصادياً، لصالح الأولى، بعد ذلك راحت بعض من دول الجنوب تسجل تقدماً مضطرداً جعل المبادلات الاقتصادية تنقلب لصالحها على حساب دول الشمال وهذا ما جرى مع تايوان، كوريا الجنوبية سنغافورة ثم مع ماليزيا والهند … البرازيل والأرجنتين وخصوصاً وعلى نحو تصاعدي مع الصين.

  أما في الولايات المتحدة فتختلف الأمور عنها في اوروبا الغربية فاللوبي النفطي لم يستسغ يوماً أعمال الهيئة الحكومية كما أن المجمُعات الصناعية فيها لا تبدي حماسة لتوصيات المؤتمرات المناخية التي تؤدي في حال الأخذ بها إلى كبح النمو الاقتصادي لصالح الشأن البيئي بينما التركيز في المجال الاقتصادي -‘السياسي للولايات المتحدة ينحو باتجاه تزخيم الجهد التنافسي إزاء اقتصاد الصين المقلق بالنسبة لها. من هنا يتميز الموقف الأميركي بالتأرجح حيال ما يدور حول الاحترار العالمي ومضاعفاته وذلك وفقاً لمستلزمات التنافس المشار إليه.

ملاحظات ختامية

   توصي المؤتمرات المناخية العالمية (كما البيئية) عموماً على ما أشرنا سابقاً بأن تقدم دول الشمال الغنية مساعدات مادية ونوعية في سبيل القضية المناخية البيئية، حتى أن المؤتمر المناخي ما قبل الأخير في باريس أوصى في هذا الإطار بمئة مليار دولار لكن المئة مليار لم تجد طريقها إلى التنفيذ كما هو حال التوصيات المشابهة، لذلك تجد دول الجنوب نفسها دوماً في موقع المترقب في هذه المؤتمرات وفي الوقت عينه في حلّ من الالتزامات المعنية بإيجاد أنماط جديدة في الإنتاج تخفّض انبعاث الغازات الصناعية  ما دامت دول الشمال لا تف بما عليها من متوجبات في هذا الشأن. في مختلف الأحوال لقد مرّ على القضية المناخية أكثر من ثلاث عقود وقد اختلطت فيها الامور العلمية، الاقتصادية والسياسية ولم يُسجّل أي تقدم نوعي في المجال البيئي على مستوى الكوكب الأرضي إنما سُجّل المزيد من ضغوط تمارسها دول الشمال على دول الجنوب دون أن تبادر إلى اتخاذ تدابير عملية تفضي إلى معالجة ما تراه من إشكالات خاصة بالقضية المناخية البيئية.

——————————————————————-

لمزيد من التفصيل: أنظر معين حدّاد ” التغيّر المناخي، الاحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي ” شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 2012.

—————————————————————–

تنويه: ننشر هذا المقال، باتفاق خاص مع الكاتب، وهو منشور على صفحته الشخصية / الفيسبوك، كما نشرته جريدة الديار اللبنانية، على حلقتين في 28 تشرين ثاني، وفي 1 كانون أول 2021.

الدكتور معين حداد

أستاذ جامعي ومفكر في حقل الجيوبوليتيك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق