جماليات

خليل سلّوم

مختارات في جزأين: رؤى وآراء - قضايا ومواقف

خليل سلّوم

مختارات في جزأين: رؤى وأراء – قضايا ومواقف

تقديم الناشر

يقدّم مركز سيرجيل للثقافة والفنون مختارات من أعمال الأديب والشاعر الأستاذ خليل سلّوم، الذي وضع وكتب العديد من النصوص والدراسات والقصائد خلال حياته، وباستثناء صدور ديوان فوق تجاعيد الزمن، وقبله كتاب ضوابط اللغة في أربعة أجزاء، لم يُقدّر له نشر إنتاجه الأدبي كلّه، حيث كان مأخوذاً برسالته كمعلّم.

الكتب التي قرأها، الأدبيّة والفلسفيّة والعلميّة وغيرها، وهي لا تكاد تُحصى، مليئة صفحاتها بملاحظاته وأفكاره وتداعياته ونقده لما جاء فيها. هو على الدوام قارئ ناقد لا يستسلم للنصّ المكتوب كائناً من كان كاتبه، فتحتشد حواشيه بين سطور النصوص التي يطالعها ويحققها وكأنّه يعيد صياغتها.

دفاتره كثيرة ومتعددة بأحجامها وما تحويه، وهي من مقتنياته منذ مطلع خمسينيّات القرن العشرين وإلى الآن. نجد فيها إنتاجه الأدبي والفكري كلّه، رغم أنّه صاحب ثقافة شفوية فيّاضة دوماً لم يحولها إلى نصوصٍ مكتوبة إلّا بنسبة بسيطة.

كتب المقالة والدراسة والخاطرة والنصوص التعليميّة والشعر، ووضع أفكاره وعبّر عنها دون طلب من جهة أو مؤسسة مرجعيّة. بهذا المعنى كان كاتباً حراً، يكتب بإلحاح ذاته ومحرّضات عقله والتهاب مشاعره.

في هذه المختارات نحن أمام أعمال إبداعيّة تلتزم المعايير المنهجيّة والأخلاقيّة الكبرى.

الناشر: سيرجيل

نصٌ مُختار من الجزء الأول:

صائغة التعب

(1)

وجاءني الصوت:

حانَ وقت الضوء، انهض.. درّب عينيك على الأشعّة.. هل بدّلت السرير الذي تنتمي إليه؟

أحلام ليلك أسرار ممنوعة عن نهارك…

تذوَّقْت العَسَلَ أوَّل مرّةٍ من كلام أمّك. بعد أن درستَ الحساب حتّى طافت الأرقام من صفحات الكتاب.

يا لَلنّشوة، كأنّك تحتسي النّغم بمسامّ جلدك، إنّك تنتمي إلى الكتاب.. إلى الفصول المدرسيّة.

أحببتَ تلميذك حبّاً ملجوماً بنصّ تربويّ، أحببتَه لمْ تدلّعْه.. أجل أصغيت، سمعت أنغام الحبّ.. الحبُّ هو غناء الآلهة.

ذاهب إلى أين؟ إنّك تطوف في فضاءات مملوءةٍ بالتاريخ.. أراكَ تسرّحْ أفكارَك في الأزمنة، لا، لم تنسَ أصابع أمّك التي ظلّت مشغولة بصناعة التّعب، بتحويل هذا التّعب إلى أشياء تحبّها أنت.

(2)

كانت أمّي ولا تزال ملاكي الحارس… جئت في إجازة قصيرة.. وعندما غادرت البيت عائداً إلى عملي كان الوقت صباحاً.. سارت أمّي ترافقني.. عندما تركتها كانت عيناها دامعتين…أجل، ودّعتها بعد أن زرعتُ عينيها في عينيّ..

كان اللقاءُ الأخير.. وكان الوداع الأخير.. وغادرت أمّي هذه الدّنيا عندما كنت ملتزماً بواجبي القومي على حدود الوطن…

منذ ذاك الزّمان أغسل وجهي بدموع أمّي، الدموع النقيّة الساخنة.. الدّموع التي ألصقت البريق في عينيّ.

أغسل وجهي كلّما اكفهرّ، أو وصل إليه من الزمان الغبار المعكّر.. تطهّر هذه الدموع المقدسة وجهي فأصحو وينفتح أمامي فجر النّهار…

………………..

………………..

………………..

… وأبي وذلك الكوخ وتلك الأحلام:

سياج بيتنا ورديّ يتدفق بعطره، تينة تجود بثمارها ودالية تعرّج وتودّ الارتفاع. ليس بيننا وبين غابة الزيتون سوى رصيف من الحجارة العتيقة، قفزت فوقه كثيراً… دخلت الغابة… أغصان الزيتون تتهادى.. هي مزيّنة بالعصافير.. كنت كثيراً ما أتخطّفها بعينيّ اللتين لا تتعبان.

عندما شاهدت أبي يركّز على مرتفع من الأرض أعمدةً خشبيةً، عرفت أنه يُعمّر كوخاً خشبيّاً، هو كوخ الناطور، يقع على زاوية مُطلّة على أكثر من كرم.. وسألت أمي فقالت: أنتَ في الثالثة عشرة، الكوخ هو لك.. فرحت بقولها فعرفت أنني الناطور. الناطور لكرمنا ولغيره، وفرحت عندما عرفت أنني أفوز بثلث المواسم من العنب والتين لقاء الحراسة.. هكذا قضيت أكثر من صيف ناطوراً للأشجار المثمرة، وناطوراً للعصافير التي كانت تملأ الجوّ متطايرة مزقزقة.

أصبح الكتاب رفيقي في ذلك الكوخ…

منذ ذلك الزمان تمكّنت أن أحظى بكتب العبقري جبران خليل جبران (الأجنحة المتكسّرة ـ دمعة وابتسامة ـ رملٌ وزبد)، أزكت فيّ قراءة هذه الكتب وأنا في مرحلة الدّراسة الابتدائيّة،

أزكت فيّ الرّوح الثوريّة.. كم كنت أحمّل أحلامي جناح الخيال، كم تساءلت هل أكون يوماً ناطوراً لأمتي…؟

أذكرُ أن كتاب (الأجنحة المتكسّرة) علّمني أن الحبّ ألمٌ، ولكنّه ألمٌ ممتعٌ ولذيذ..

* * *

‫4 تعليقات

  1. الاستاذ خليل ذلك الشاب الذي يمتلئ فكراً وتاريخاً وجمالاً .. وكأنه رجل تسعيني ، ولم يبلغها بعد ..
    مختارات رائعة وليتها تكون بأكثر من جزأين

  2. ان الاستاذ خليل لنبع لاينضب بمرور الزمن بل يزداد تدفقا ونقاوة.
    المر الطويل لأستاذ الكبير ليتمتع ويطمئن بأن رسالته ستصل للأجيال القادمة.
    آنشالله نرى ويرىالكثير مما كتبه
    شكرا للناشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق