العالم الآن

الديمقراطية العاجزة…!

أميركا في مواجهة ذاتها

قُضي الأمر ووقعت الواقعة!

أميركيون، بل من يعتبرون أنفسهم (روح أميركا)، يقتحمون مبنى الكابيتول فيحطّمون نوافذه ويُشرعون أبوابه مفتوحة على مصاريعها، ويتوزعون في أروقته وقاعاته ويعبثون بأثاثه، ويسخرون من وثائقه ومحاضر جلساته ومجلّداته، ويدفعون بـ (ممثليهم) للاختباء.

 كانوا في عرض حي وميداني في لعبة تجاوزت قوانين السياسة الأميركية وتقاليدها، بـ (دولتها العميقة)، عبّرت عنها تلك الصورة التي جلس فيها أحدهم على كرسي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، رافعاً قدميه فوق مكتبها، في لقطة قد تظن لوهلة أنها من شريط سينمائي من بطولة كلينت استوود!

مع لحظة اقتحام (المتمردين، المحتّجين … ماذا نسميهم؟ لعلهم: الترامبيّون؟)، المبنى الذي تدور فيه فصول (اللعبة الديمقراطية)، منذ الجلسة الأولى للكونغرس فيه، في 17 تشرين ثاني عام 1800، بدا وكأن (جذور) أميركا بدأت بالتيبّس، وجسدها بدأ بالتشقق، ومع خروج (الثّوار؟) وانتهاء زيارتهم الصاخبة، استعاد أسياد (الكابيتول) ما تم اختطافه منهم لساعات قصيرة، ولكن لترتفع على سارية القبّة التي لا يعلوها شيء في واشنطن، أسئلة كبرى وتساؤلات عميقة بعمق الجذور المؤسِسَة لهذا الكيان الجبّار: أميركا.

في 11 أيلول 2001، سقطت أبراج نيويورك، وارتفعت مكانها فوراً أسئلة شكّلت المركز الذي بُني عليه، ليس فقط الاستراتيجيات التي من خلالها مارست حكومات واشنطن سياساتها في العالم، بل وأيضاً تم تعمير الثقافة الأميركية العامة بأجوبة على هذه الأسئلة، التي كان أولها: لماذا يكرهوننا؟

صياغة السؤال، تقرر مسبقاً (أنهم) يكرهونـ(نا). لكن لماذا؟

لا ترى أميركا في شخصيتها وتاريخها وسلوكها و(ذاتها) إلاّ كونها استثناءً تاريخيّاً متفوقاً. إذاً البحث الذي سينتهي بالوصول إلى إجابة على السؤال، سيكون خارج هذه (الذات)، خارج أميركا، فالسؤال لا يسمح بالبحث فيما إذا تسببت أميركا لـ (هؤلاء)، بما دفعهم لكرهها؟ أبداً.

السؤال يفرض الجواب القاطع الوحيد: (هم) يكرهوننا، لأننا: (أميركيون).

في 6 كانون ثاني 2021، اليوم الذي قال فيه تشاك تشومر، زعيم الأغلبية الديمقراطيّة: (سيكون 6 كانون ثاني، من أحلك الأيام في التاريخ الأميركي). في هذا اليوم، سيتم دفع أسئلة 11 أيلول خلفاً، وسيتقدم سؤال جديد وبديل وغير معتاد، سيضع أميركا في مواجهة ذاتها:

لماذا نَتَكاره (نتبادل الكارهية)؟

إذاً، أميركا تواجه حقيقة أنَّ بعضاً منها يكره بعضها الآخر، لكن لماذا؟

ها هنا ترى أميركا نفسها في مواجهة ذاتها، في مواجهة تاريخها ومستقبلها في آن. لا مفرَّ لها من البحث هنا في هذه الذات حتى تتوصل إلى الجواب، وإلاَّ ستدخل في ضياع هو من سمات وحالات تلك الدول والمجتمعات المتعثّرة، التي غالباً ما كانت تنظر إليها أميركا كـ (دول ناقصة) معاقة!

التكاره الذاتي، في معناه الرئيس، يشير إلى ذلك التناقض المرتبط بالنظرة إلى الهويّة القوميّة ومحتواها، أي هو تناقض من مستوى وجودي/مصيري. فالـ (نحن) المعبّرة عن الهويّة الواحدة، تتعرض للانشطار، لتصبح ثنائية (نحن – نحن)، مع إضمار كل واحدة منها للنظر إلى الأخرى بـ (هم)، ومع تطور التناقض إلى صراع ميداني، ستواجه أميركا أخطر أسئلتها على الاطلاق:

مَن هو الأميركي؟

في تاريخها، مَن كان؟ وفي حاضرها مَن يكون؟ وفي مستقبلها مَن سيكون؟

من المؤكد أنَّ الديمقراطية وصناديقها، لم تتمكن من السيطرة على تعددية، وصلت بدرجة خلافها إلى التناقض، ولعل ذلك ما جعل رودي جولياني، مدير حملة ترامب والحائز على لقب (عمدة أميركا) نتيجة شجاعته في مواجهة أحداث 11 أيلول، عندما كان يشغل منصب عمدة نيويورك… رودي جولياني يقول قبيل ساعات من اقتحام الكابيتول (يجب حلّ الخلاف في ميدان المعركة). أيعني هذا، على نحوٍ مباشر، أنَّ الديمقراطية الأميركية، تقف عاجزة أمام هذا التناقض؟ وأنَّ صندوق الديمقراطية يمكن أن يتسع – ليس في أميركا وحدها – لـ (مُختَلِفين)، ولكنه لا يمكّن أن يتسع لـ (مُتَنَاقِضين)؟ وبسبب ذلك تنتقل المعركة من (صندوق الانتخابات) إلى الميدان؟

ثمّة خطأ مقصود، في النظر إلى دونالد ترامب كـ (أحمق/معتوه!!)، فهو لم يأت إلى البيت الأبيض على ظهر دبابة، بل من جاء به ليس سوى صندوق الديمقراطية الأعرق في العالم الحديث؟ أي أميركا هي من اختارته. وفي الانتخابات الأخيرة حاز على أكثر من 70 مليون صوت، ولأنه خاسر، يُقال أنَّ نصف أميركا وراءه، فهو ليس وحيداً، والمعركة ليست معركته لوحده، وسواء تمكّن الكونغرس الديمقراطي من إبعاده عن المشهد السياسي أو لا، ستظلّ آفاق المعركة مفتوحة.

منذ الحرب الأهلية الأميركية (1861 – 1865)، لم تواجه أميركا ذاتها على هذا النحو، فهل تتجرأ وتبحث في صفاتها ومحتوى هويتها وتاريخها، وتأتي بالجواب الذي يحافظ على ديمقراطيتها وصناديق انتخاباتها، أو تتجاهل، وتترك حلّ الخلاف للميدان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق